عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 08-07-2008, 07:47 AM   #4
معلومات العضو
أبو تيميه
مُشارك مجتهد

إحصائية العضو






أبو تيميه غير متواجد حالياً

الجنس: male

اسم الدولة united_arab_emirates

 

 
آخـر مواضيعي
 
0 موضوع منتشر في ديار الاسلام

 

افتراضي

الحمد الله رب العالمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:


نظرا لتوسع القصص الخيالية واختلاف مقاصدها، لهذا وجدت نفسي ملزما شرعا أن أبين حكمها، وبالله التوفيق.
قبل أن نخوض في مسألة " القصص الخيالية " يستحسن بنا أن نقف عند باب الكذب لنعرف بعض من أحكامه، فيسهل علينا حينئذ تكييف مسألة القصص الخيالية، فهل هي من باب الكذب، أم أنها ـ وإن كانت بقصد الموعظة والنية الحسنة ـ مما لا يعتبر من الكذب.

أقول:
الكذب لغة هو الكلام المخالف للحقيقة والواقع، أي " هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه " شرح مسلم 1/75، ولا يشترط فيه التعمد، بل يأثم مع عدم تعمده لوجوب التحري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " صحيح الجامع برقم 4482. وفي رواية : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع " السلسلة الصحيحة 2025.
فالتسرع في نشر الأخبار قبل التثبت منها ومن نتيجة نشرها أمر محرم لما يحصل بسببها من الاختلاف والافتراق. وليس الإخبار مقصورًا على القول، بل قد يكون بالفعل، كالإشارة باليد، أو هز الرأس، وقد يكون بالسكوت.


والأصل فيه أنه محرم مذموم شرعاً، ولا يجوز الإقدام عليه إلا لضرورة ـ لها ضوابط ثلاث: أولا : أن يكون ترك الكذب فيه هلاك للشخص، ثانياً : أن يكون تركه للكذب فيه بتر لعضوه، ثالثاً : أن يكون ترك الكذب فيه مفسدة عظيمة راجحة ـ لا يمكن دفعها بغيره أو في الحالات الاستثنائية الثلاث ـ الحرب، الإصلاح وبين الزوجين ـ المنصوص عليها.


والكذب محرم لذاته للمفسدة التي فيه، فهو بجميع صوره وأشكاله حرام ـ إلا ما ذكرناه آنفاً من حالات، كحالات الضرورة وما استثناه الشرع ـ.

وضده الصدق، وحقيقته هو الإخبار بالشيء على ما هو عليه في الواقع، فالصدق طمأنينة، والكذب ريبة وقد أمرنا الله ـ إلا من الحالات المذكورة آنفاً ـ أن نراقبه في جميع أفعالنا وأقوالنا وأن نكون مع أهل الصدق واليقين الذين صدقوا في الدين قولا وعملا، فقال تعالى : ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ** التوبة: 119
وأما الكذب ـ باستثناء مع ذكرناه آنفاً ـ فإن الشرع يعتبره من أعظم المعاصي، ومن أخلاق المنافقين وهذا بخلاف الصدق الذي هو من أخلاق المتقين والدعاة.

يتبين لنا مما سبق موقف الشرع الحكيم في خلق الكذب، الذي هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الحقيقة والواقع، وإن كان الشرع قد حذر منه إلا أنه قد أباحه في مواطن الضرورة التي لا يمكن دفعها إلا به ـ وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، وهي أن تطلق كلاماً يحتمل معنيين: يكون ظاهراً في واحد منهما وتريد المعنى الآخر، وهو نوع من الخداع، إلا أنه يجوز عند الحاجة والمصلحة الشرعية الراجحة، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً. انتهى ـ وكذلك في المواطن الثلاثة المستثناة وهي كالتالي:


أولا : الحرب.
ثانياً: الإصلاح بين المتخاصِمين.




ثالثا: كذب الزوج على زوجته والعكس بغية المودة وعدم الفرقة والشقاق.




ولنا ما جاء عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس " صحيح الجامع برقم 7723 .



الخلاصة :

الكذب هو ما كان خلاف الواقع والحقيقة، ولا يجوز الإقدام عليه إلا في حالتين هما: الضرورة بضوابطها وما استثناه الشرع، وغير ذلك فإنه لا يجوز فيه الكذب.




وأما عن القصص الخيالية فهل هي من باب الكذب أم أنها عبارة عن تعبير لوحي القلم المرتبط بالعقل والأدب، في الحقيقة أن هذه مسألة لم ولن تحسم ما لم نقف على قاعدة تفصل بين الأقوال ألا وهي الرجوع إلى معرفة حقيقة الكذب، ثم ننظر هل مسألتنا هذه هل تدخل في معاني الكذب أو لا.

فإنه تنبه لما سبق أقول وبالله التوفيق:

القصص قسمين لا ثالث لهما، أما أن تكون قصص واقعية حقيقية وأما أن تكون قصص خيالية لا واقع لها، والتفصيل كالتالي:


أولا: القصص الواقعية: ( أي الصادقة والحقيقية)





القرآن هو عمدة القصص الواقعية التي تزيد الإيمان وتعظ العاصي وترشد الضال، وقصصه حق قد وقعت حقيقة وصدقا ومن قال بخلاف ذلك، فإنه كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، لأن هذا فيه تكذيب وطعن في القرآن ولحقائقه. وقصص القرآن هي من أحسن القصص، ولنا قوله تعالى :" الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " يوسف: 1 – 3




ويشترط لمن يريد أن يقص قصة واقعية، أن يكون لها سند معلوم، وأما قول بعضهم


" حُكي " أو " يُروى " فهذه صيغ تدل على الجهل بالواقعة وبرواة القصة، فلا بد من السند وإلا فإن هذا يدل على ضعف أو وضع القصة.


ومن أمثلة القصص الواقعية ومعانيها ما يلي

* كأن يكتب عن القصص الحقيقية والصحيحة التي وردت في القرآن والسنّة أو أن يكتب عن سيَر وحياة الشّخصيات الإسلامية كالأنبياء والعلماء والصّالحين أو أن يكتب للعبرة والعظة والفائدة من حدث حقيقي حصل له أو سمع عنه من طريق خبر ثقة.



* أيضاً أن يكتب على طريقة ضرب المَثَل، كضرب الأمثال في القرآن، مع التنبه على أن القصص الخيالية ليست كـ" ضرب الأمثال " لأن عند ضرب المثل يذكر المقيس والمقيس عليه كقوله تعالى : " فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " الأعراف: 176. فيتضح المثال السابق بذكر المشبه والمشبه به وهذا كلام مطابق للواقع وهو من الصدق بخلاف القصص الخيالية التي هي عبارة عن أخبار وأحداث كاذبة من نسج الخيال لا واقع لها فتدخل حينئذ في مسمى الكذب لغة وشرعا.





فيذكر ما سبق من قصص واقعية بأسلوب تشويقي لا يحرف فيه ولا يضيف ما لم يحصل وما ليس له به عِلم، ويسوقها بأسلوب سهل ميسر مناسب للمستمع، فهذه هي القصص الواقعية الصادقة.





هذا الحد لا أظن أن أحدا يخالفني فيه، وإنما الخلاف قد يقع فيما يسمى بـ " القصص الخيالية " وهي موضوع النقاش، فهل هي من الكذب الصريح أم أنها محمودة شرعا، وهذا هو النوع الثاني من القصص.





ثانياً: القصص الخيالية: ( لا هي واقعية ولا حقيقية)




القصص الخيالية هي عبارة عن قصص غير واقعية وغير صادقة، فهي بخلاف الواقع والحقيقة ـ وهذا تعريف الكذب ـ كالقصص المؤلفة أوالحكايات الملفقة التي من صنع الخيال، فيسردها بعض الوعاظ في مواعظهم أو خطبهم لأغراض حسنة، هذه القصص وبهذا النحو اختلفت كلمة العلماء في حكمها بين مجيز ومانع، والحق أن المانعين أدلتهم قوية، وهذا هو التفصيل:



قالوا المجيزين للقصص الخيالية أنه قد ثبت شرعا ً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال


" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". صحيح البخاري (3461). وقال صلى الله عليه وسلم : " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ؛ فإنه كانت فيهم الأعاجيب " السلسلة الصحيحة برقم 2926.



وبهذا استدل بعضهم على حل سماع الأعاجيب والغرائب، لقوله صلى الله عليه وسلم يقول: " فإنه كانت فيهم أعاجيب " مع ما لا يتيقن كذبه وذلك لأجل إزالة الهم أو مع ما يتيقن كذبه لو كان بقصد الموعظة أو التعليم. فال ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ من الشافعية : " ومنه يؤخذ حل سماع الأعاجيب والغرائب ، من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة ـ أي لإزالة الهم عن النفس ـ بل ما يتيقن كذبه لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ، وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين ، أو حيوانات " ا.هـ انظر : تحفة المحتاج للهيتمي 9/398.


قلت :هذا الفريق أجاز القصص الخيالية، وهي القصص التي إما أن يكون الكذب فيها ليس بيقين ولكن يكون قصد القصاص هو إزالة الهم عن النفس، وأما أن تكون قصص يتيقن الكذب فيها ولكن بقصد النية الحسنة، أي يجوز الكذب ولكن بنية حسنة.!




إذا هم متفقون على أن هذه القصص الخيالية هي كذب صريح وإنما يجيزون ذلك لو كانت بنية حسنة، كتأليف القصص الكاذبة الخيالية لتربية الأولاد ووعظ الناس ونحو ذلك.



أقول: يرد على هذا الكلام بالتالي:





أولاً: الاتفاق: القوم متفقون على أن القصص هي من الكذب لخلوها من الحقيقية والواقعية، وهي وإن كانت كذب صريح إلا أن عندهم أن النية والقصد الحسن تجعل القصص الخيالية ـ الكذب ـ جائزة فالنية الحسنة تقلب المعصية إلى شئ حسن.




نوقش هذا: أنه كلام باطل وخطير، وأنه لمن العجب أن نقول أن المعصية تتحول بالنية الحسنة إلى طاعة وقربة، فإن النية تؤثر في الطاعات والمباحات فتقلب المباح إلى طاعة وعبادة يؤجر عليها فاعلها ، ولا تؤثر النية في المعاصي لأن النية لا تخرج المعصية عن كونها معصية فلا تقلبها طاعة وعبادة بل إن النية تزيد من إثم مرتكب المعصية.
قال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ : " إذ الطاعة تنقلب معصية بالقصد ـ أي بالنية ـ والمباح ينقلب معصية وطاعة بالقصد ، فأما المعصية فلا تنقلب طاعة بالقصد أصلاً . نعم للنية دخل فيها وهو إذا انضاف إليها قصود خبيثة تضاعف وزرها وعظم بالها . " ا.هـ الإحياء 4 / 388



فمعصية الكذب لا تجوز إلا فيما ذكرناه آنفاً ـ الضرورة والحالات الاستثنائية الثلاث ـ وغير ذلك فهو غير جائز، وبالتالي فلا يجوز أن نقول أنه يجوز الكذب في القصص الخيالية بقصد النية الحسنة، لأن المعصية ـ الكذب ـ لا تنقلب بالنية إلى عبادة أو حسنة، أرأيت لو أن رجلا قال لك: أريد أن افعل فاحشة الزنا حتى أتعود على الجماع، فلا استحي بعد ذلك من أن أجامع زوجتي ونيتي في ذلك حسنة وهي للتعليم، فماذا ستقول عنه!





هناك للأسف من يتبنى هذا الفكر المعوج بشكل واسع، فقد قالوا للناس: ادخلوا البرلمانات ـ وهي كفر بالله ـ بقصد الدعوة .. تأمل، يعني لا بد من الانخراط في اللعبة الديمقراطية حتى تدعو القوم وكان دعوتهم خارج ساحات الديمقراطية غير مجدية، فأنت تكفر حتى يسلم غيرك !!



ثانياً: ليس في الحديث حجة: فلا حجة في الحديث على جواز تأليف القصص العجيبة والخيالية، فالتأليف شيء وقص أمر قد وقع شئ آخر، فبني إسرائيل لهم أصل، ونحن نرجع لأصلهم ولهم مرجع فنحن نروي من عندهم ممن هو مكتوب عندهم ومما هو قد وقع في عهدهم.




وأما القصاصين يألفون ويخترعون حكايات لا أصل ولا واقع ولا حقيقة لها، ثم إن بني إسرائيل وما عندهم من أعاجيب، فإن ديننا القويم يحكم عليها، فهذا يعني أن لها أصل من نصوصنا تحكم بصحة ما عندهم من قصص، فان كانت توافق قصصنا فهي صدق وان كانت تخالفها فهي كذب وان سكت عنها شرعنا، سكتنا عنها بشرط عدم مخالفتها للأخلاق أو مقاصد الشريعة أو أن تكون قلباً للحقائق الشرعية والعلمية التجريبية كنظرية دارون ـ النشوء والارتقاء ـ.

والسؤال المطروح: هل هذا ما يفعله أهل القصص الخيالية، فهل يقال هذا فيما يألف قصة لا وجود لها ولا حقيقة، وهي من صنع الخيال، كيف لا وهو يقول: أنا سافرت وتزوجت وفعلت كذا وحدث معي كذا أو أن يقول قد مت ورأيت كذا وهو يسطر هذا الكلام من تحت " مكيف تبريد " بيتهم.




فلا حجة لهم، وعليه فإنه لا يجوز تحديث الناس بما ليس له أصل معروف من أحاديث الأولين، ويجب تجنب الزيادة، أو النقص لغرض تزيين القصص وإلا فهو عين الكذب لغة وشرعا للأدلة التالية:





أولاً:كل دليل يصلح لبيان رأس كل مذموم ـ الكذب ـ يصلح أن يكون دليلا لمسألتنا هذه. والكذب قد جاء ذمه، في أكثر من موضع في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، نورد بعضها:




قال الله تعالى : " وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ " الحج: 30. قال القرطبي في تفسيره : " والزور: الباطل والكذب. وسمي زورا لأنه أميل عن الحق: ومنه " تَزَاوَر عَنْ كَهْفهمْ " الْكَهْف : 17 ، ومدينة زَوْرَاء: أي مائلة. وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور . " ا.هـ ولكن الذي يقص القصص الخيالية، لا يجتنب قول الزور ولا يقول الصدق والحق بل قد يتوسع في الكلام حتى يخلط بين الحق والباطل وكل هذا حتى يتوصل إلى فائدة وموعظة ظنية.





وقال الله تعالى: " وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ " الجاثية:7. قال القرطبي في تفسيره: "والأفاك: الكذاب. والإفك الكذب " ا.هـ وإذا كان هذا وعيد من ترك قول الصدق، فكيف يكون في سرد القصص الخيالية خير.





وقال تعالى " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ " المائدة: 42 فإنهم يحبون سماع الكذب فكيف بقائله.




وقال تعالى ** إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ** غافر: 28 فكيف يهدي غيره بمواعظه الخيالية الغير صادقة.





وأما ما جاء في السنة، فنورد ما يلي:





عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاث: وقال منها " إذا حدث كذب " صحيح مسلم برقم 59.




فالكذب خلق المنافقين ولا يليق لمن يتصدر موعظة الناس في الخطب ومجالسهم أن يتكلم بالكذب، بل يجب أن يكون خلقه الصدق وقول الحق.





وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: " دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتها فقالت: تعال أعطك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة " السلسة الصحيحة 2/384.





فقائل الكذب وإن كان يعلم أنه كاذب في حديثه وإن كان لغرض المصلحة ـ إلا في حالات الضرورة والاستثناء المذكور سابقاً ـ فهذا لا ينجيه من تبعات الكذب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال " لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة " فهذا يعني أن الكذب لأجل المصلحة ( تعال ـ نداء ) وهو لأمر غير واقع وحقيقي ( تعالي أعطك ) هو كذب صريح، وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل ووصفه بـ " الكذب " فهو كذب على إطلاقه بلا قيد، لأنه علق الكذب على مجرد مخالفته للواقع بغض النظر عن معرفة القائل أو المستمع أو الغرض من القصة. وهذا الكذب واقع لا محالة فيمن يمتهن أسلوب القصص الخيالية الغير صادقة.





ومن هذا الحديث تعلم فساد قول من يقول: يجوز أن نجعل القصص الخيالية للأطفال، فهو بهذا لا يعلم أنه ينمي في نفس الطفل خلق الكذب والعيش في الخيال، والحديث صريح على أن التحريم يقع كذلك على الصغير بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم بين في الحديث أنه لو لم تعطى ولدها شيئا وكان سبب مناداته فقط لغرض مصلحة المجيء لكتبت عليها كذبة.





وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذاباً ". رواه البخاري برقم 5743





فلا يجوز الكذب لأجل مصلحة الدعوة لأن السلف لم يدعو إلى الله بوسيلة الكذب وليس الكذب من أخلاق الدعاة بل هو من أخلاق المنافقين، ولنا أنه لا في الكتاب ولا في السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أي من صحابته قد كذب لغرض الدعوة والموعظة.



ثانياً: وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل .. " صحيح الترغيب 2732 أي أنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا وهو كاذب في قوله وعلى خلاف واقع وحقيقة ما رأى فإنه يعذب لأجل ذلك، هذا فيما يروي عن الحلم الذي لا يأخذ بضع دقائق فكيف بمن يسطر قلمه في القصص الخيالية ويخوض ويفتي.





قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : قوله صلى الله عليه وسلم يعني من كذب في الرؤيا قال: رأيت في المنام كذا وكذا وهو كاذب فإنه يوم القيامة مكلف أن يعقد بين شعيرتين، والمعلوم أن الإنسان لو حاول مهما حاول أن يعقد بين شعيرتين فإنه لا يستطيع ولكنه لا يزال يعذب ويقال لا بد أن تعقد بينهما وهذا وعيد يدل على أن التحلم بحلم لم يره الإنسان من كبائر الذنوب وهذا يقع من بعض السفهاء يتحدث ويقول: رأيت البارحة كذا وكذا لأجل أن يضحك الناس، وهذا حرام عليه " ا.هـ شرح رياض الصالحين 4/197





ثالثاً:وعن معاوية بن حيدة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له " صحيح الجامع برقم 7136.




لما كان الكذب وحده رأس كل مذموم، كان للتكرار بـ " ويل له " إيذاناً بشدة هلكته. ولم يكن هذا الرجل ليضحك القوم على أمر واقعي وحقيقي بل إنه يحدثهم بما هو ليس بواقعي ولا حقيقي وأنه من صنع الخيال، لأنه لو كان يحدثهم بأمور قد وقعت بصدق ثم ضحك القوم من ذلك فلا يدخل هذا الموقف في الحديث، وإنما هو كان يحدثهم ويخترع لهم القصص والروايات الكاذبة لكي يضحك القوم بها، فما الفرق بين الاختلاق للترفيه وبين الاختلاق للموعظة ومصلحة إدخال السرور على المسلم، لا فرق لأن الكل في معنى الكذب وبخلاف الواقع والحقيقة.





رابعاً: القصص الخيالية لها ردود سيئة، فهي تعود السامع على خلق الكذب وعدم التثبت والمبالغات المفرطة، وأيضا تثير الرعب لو كانت القصة مرعبة وخصوصاً لو كان السامع من الأطفال، وهذا الذي يمتهن مهنة القصص الخيالية قد تكون معلوماته الشرعية سطحية، فيقحم في رواياته ما فيه مصادمة واضحة لحقائق دينية وتاريخية مذكورة في القرآن والسنّة أو علمية تجريبية أو ما يخالف العقل المنضبط بالشرع، فيظن السامع أنه من أهل العلم والفقه والفتوى فيسألهم ويستفتيهم.





خامساً:القصص الخيالية تفتقر للسند، فهي تروى بصيغة التمريض كقولهم "حكي " أو " وقيل" فهذه الصيغ تدل على أن رواة القصة مجهولون لا واقع لهم، فيحكم حينئذ عليها بالضعف أو الوضع.





قال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ : "ومن الناس من يستجيز وضع الحكايات المرغبة في الطاعات ويزعم أن قصده فيها دعوة الخلق إلى الحق فهذه من نزعات الشيطان، فإن في الصدق مندوحة عن الكذب، وفيما ذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الاختراع في الوعظ، .. " ا.هـ الإحياء ص38





وقد سئل الشيخ محمد صالح المنجد: هل يجوز قراءة وكتابة القصص والروايات الخيالية ؟




فقال: " الجواب
أما قراءتها فهو من تضييع الوقت، والإنسان ينخدع بالفراغ الذي يجده في حياته، وهو مما سيسأل عنه يوم القيامة .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " . رواه البخاري 6049. ومغبون : أي : مخدوع .




وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه " . رواه الترمذي 2417 وصححه .





وأما الكتابة، فإنه بالإضافة لما سبق من أن فيها تضييع الأوقات، فإن فيها محذوراً ثانياً، وهو الكذب، وهو ما لا بدَّ منه ليتم حبك الصور الخيالية والتي لا واقع لوجودها


. وإن كان لا بدَّ فاعلاً فليكتب عن الشيء الذي له وجود في الواقع مما في حياة الناس الآن، ويكتب آخذا العبرة والعظة والفائدة من حدث حقيقي حصل له أو سمع عنه ، أو ليكتب على طريقة ضرب المَثَل ويذْكر ذلك في المقدّمة، والأعلى من ذلك والأولى أن يكتب عن القصص الحقّيقية والصحيحة التي وردت في القرآن والسنّة أو يكتب عن سيَر وحياة الشّخصيات الإسلامية العظيمة كالأنبياء والعلماء والصّالحين أو قصص الأمم السابقة التي قصّها الله علينا ، بأسلوب تشويقي وجذّاب لا يحرّف فيه ولا يُضيف ما لم يحصل وما ليس له به عِلْم ، وكذلك يسوقها بأسلوب سهل ميسّر مناسب للأطفال وليوجّه في كتاباته إلى الخلق والفضيلة " ا.هـ موقع الإسلام سؤال وجواب / الأخلاق المذمومة برقم 6044.


الخلاصة
فالكذب الأصل فيه للتحريم ويستثنى منه حالة الضرورة وما استثناه الشرع وغير ذلك فهو كذب، والقصص منها واقعية وأخرى خيالية، فحكم القصص الواقعية وتحريم الكذب مما لا خلاف عليه وإنما الكلام في الخيالية الغير حقيقية، فالأقرب للحق عندي والصواب إن شاء الله هو التحريم، فهو كذب صريح شرعا وعقلا


. لماذا لا يسعنا ما وسع سلفنا الصالح في مواعظهم وخطبهم فإنهم لم يخرجوا عن القرآن والسنة.

نسأل الله أن يكتبنا مع الصادقين وأن يتوب علينا لنتوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله الهادي
أبو تيمية
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة