وهي قسمان : القسم الأول :
من داخل الجسد ،ومحـلها صـدور الناس ،كما قـال سبحانه : الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ .
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: (قوله تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ صفةٌ ثالثة للشيطان ،فذكر وسوسته أولاً، ثم ذكر محلها ثانياً، وأنها في صدور الناس ، وقد جعل الله للشيطان دخولاً في جوف العبد، ونفوذاً إلى قلبه وصدره،فهو يجري منه مجرى الدم ،وقد وُكِلَ بالعبد فلا يفارقه إلى الممات ) .
ويقول في موضع آخر: (وتأمل السر في قوله تعالى: يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِولم يقل في قلوبهم،والصدر هو ساحة القلب وبيته ، فمنه تدخل الواردات إليه، فتجتمع في الصدر ثم تَلِجُ في القلب،فهو بمنـزلة الدِّهْليز له، ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر ، ثم تتفرق على الجنود،ومن فـهم هـذا فهم قوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ سورة آل عمران،الآية: 154 .
فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته، فيُلقي ما يريد إلقاءه في القلب ،فهو موسوس في الصدر ووسوسته واصلة إلى القلب ،ولهذا قال تعالى : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ سورة طـه،الآية:120.
ولم يقل فيه ،لأن المعنى : أنه ألقى إليه ذلك وأوصله إليه فدخل في قلبه )(1).
وقال القاضي أبو يعلى-رحمه الله- (الوسواس يحتمل أن يكون كلاماً خفياً يدركه القلب،ويمكن أن يكون هو الذي يقع عند الفكر،ويكون منه مس ودخول في أجزاء الجسد ..) .
ويجيب الإمام ابن عقيل-رحمه الله-عن كيفية الوسوسة ،فيقول:
( فإنْ قال لك قائل:كيف الوسوسة من إبليس،وكيف وصوله إلى القلب ؟ قل : هو كلام على ما قيل تميل إليه النفوس والطبع .وقد قيل : يدخل في جسد ابن آدم لأنه جسم لطيف ويوسوس ،وهو أنه يحدث النفس بالأفكار الرديئة )(2).
__________
1-بدائع الفوائد(2/793و802-803) .
2-انظر:آكام المرجان(193-194)ولقط المرجان(127-128).