![]() |
9 تابع / شرح : العقيدة الواسطيّة للعلاّمة صالح الفوزان حفظه الله
_ الشرح : ( وما وصف به نفسه في أعظم آية من كتابه ) أي : ودخل في الجملة السابقة ما وَصَف الله به نفسَه الكريمَة ( في أعظم آية ) والآية في اللغة العلامة والمراد بها هنا طائِفةٌ من كلمات القرآن متميزة عن غيرها بفاصلة وتسمى هذه الآية التي أوردها هنا آية الكرسي لذكر الكرسي فيها . والدليل على أنها أعظم آية في القرآن ما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم سأله : ( أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال أبيّ : آية الكرسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لِيَهْنِكَ العِلمُ أبا المنذر ) وسبب كونها أعظم آية لما اشتملت عليه من إثبات أسماء الله وصفاته وتنزيهه عما لا يليق به . فقوله تعالى ( الله لا اله إلا هو ) أي : لا مَعْبودَ بِحَقٍ إلا هو وما سواه فعِبادَته من أبْطَل الباطِل ( الحي ) أي : الدائم الباقي الذي له كمال الحياة والذي لا سبيل للفناء عليه ( القيوم ) أي : القائم بنفسه المقيم لغيره ، فهو غَنِيٌ عن خَلْقِه وخَلقُه مُحْتاجون إليه . وقد ورد أن ( الحي القيوم ) هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وإذا سئل به أعطى ، لدلالة ( الحي ) على الصفات الذاتية، ودلالة ( القيوم ) على الصفات الفعلية فالصفات كلها ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين العظيمين ولكمال قَيُومِيَتِه ( لا تأخذه سِنَة ولا نوم ) السِنَة : النُعاس ، وهو نَومٌ خَفيف ويكون في العين فقط . والنوم أقوى من السِنَة وهو أخو الموت ويكون في القلب ( له ما في السموات وما في الأرض ) مُلْكاً وخَلْقاً وعَبيدًا فهو يَملِك العالَمَ العُلوي والسفلي . ( من ذا الذي ) أي : لا أحد ( يشفع عنده ) الشَفاعةُ مُشتقة من الشفع وهو ضد الوتر فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال غيره فَصَيَّره شَفعاً بعد أن كان وترا . والشفاعة : سؤال الخير للغير بمعنى أن يسأل المؤمن ربَه أن يغفر ذنوب وجرائم بعض المؤمنين . لكنها مُلكٌ لله سبحانه فلا تكون ( إلا باذنه ) أي : بأمره وذلك لكبريائه وعَظَمَتِه سبحانه وتعالى ، لا يستطيع أحد أن يتقدم إليه بالشفاعة عنده لأحد إلا بعد أن يأذن . ( يعلم ما بين أيدهم وما خلفهم ) أي : عِلمُه واطّلاعُه مُحيطٌ بالأمور الماضية والمستقبلة فلا يخفي عليه منها شيء ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) أي : العباد لا يعلمون شيئا من علم الله إلا ما عَلّمَهُم الله إيّاه على ألسِنَة رُسُله وبِطرُقٍ وأسباب متنوعة ( وسع كرسيه السموات والأرض ) كرسيه سبحانه قيل إنه العرش وقيل إنه غيره فقد ورد أنه موضع القدمين . وهو كرسيٌ بَلَغَ من عَظمَتِه وسَعَتِه أنه وَسِع السموات والأرض ( ولا يؤوده حفظهما ) أي : لا يُكْرِثُه ولا يَشُق عليه ولا يُثْقِله حفظ العالم العلوي والسفلي لكمال قدرته وقوته ( وهو العلي ) أي : له العُلُو المُطْلَق عُلُو الذات بكونه فوق جميع المخلوقات ( على العرش استوى ) وعُلُو القَدْر فله كل صفات الكمال ونعوت الجلال، وعُلو القَهْر فهو القادر على كل شيء المتصرف في كل شيء لا يمتنع عليه شيء ( العظيم ) الذي له جميع صفات العظمة وله التعظيم الكامل في قلوب أنبيائه وملائكته وعباده المؤمنين . فَحَقِيق بآية تحتوى على هذه المعاني أن تكون أعظم آية في القرآن وأن تحفظ قارِئَها من الشرور والشياطين . والشاهد منها : أن الله جَمَع فيها فيما وصف وسمّى به نفسَه بين النفي والإثبات ، فقد تَضَمنَت إثبات صفات الكمال ونفي النقص عن الله . ففي قوله : ( الله لا إلـٰه إلا هو ) نفي الإلهية عما سواه وإثباتها له . وفي قوله ( الحي القيوم ) إثبات الحياة والقيومية له . وفي قوله ( لا تأخذه سِنَة ولا نوم ) نفي السنة والنوم عنه . وفي قوله : ( له ما في السموات وما في الأرض ) إثبات ملكيته الكاملة للعالمين العلوي والسفلي . وفي قوله ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) نفي الشفاعة عنده بغير إذنه لكمال عظمته وغناه عن خلقه وفي قوله :( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) إثبات كمال علمه لكل شيء ماضِياً أو مُستقبلا . وفي قوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) بيان حاجة الخلق إليه واثبات غناه عنهم . وفي قوله : ( وسع كرسيه السموات و الأرض ) إثبات كرسيه وإثبات كمال عظمته وجلالته وصغر المخلوقات بالنسبة إليه . وفي قوله : ( ولا يؤوده حفظهما ) نفي العجز والتعب عن سبحانه . وفي قوله : ( وهو العلي العظيم ) إثبات العلو والعظمة له سبحانه . وقول المصنف رحمه الله : ( ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) يشير إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه : ( إذا أَوَيْتَ إلى فِراشك فاقرأ آية الكرسي : ( الله لا اله إلا هو الحي القيوم ) ، حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ) الحديث . والشيطان : يُطْلَقُ على كل مُتَمَرِدٍ عاتٍ من الجن والإنس ـ من ( شَطَنَ ) إذا بعد ـ سُمّيَ بذلك لبُعدِه من رحمة الله ، أو من شاطَ يَشيطُ إذا اشْتَدّ . ( يتبع ) ................... |
الساعة الآن 03:02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com