منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   الحكمة من وجود الشيطان (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=23539)

@ كريمة @ 21-10-2008 10:34 AM

الحكمة من وجود الشيطان
 
موقف الشيطان من الانسان
قد يتسآل البعض ما هى الحكمة من وراء وجود الشيطان فى ان يكون هو مصدر للشر فى هذا العالم وللعلماء فى ذلك بيان :-
من المتفق عليه انه يوجد مصدران للشر فى هذا الكون المصدر الأول هو ( هوى النفس ) والثانى هو ( وسواس الشيطان )
الله خلق الانسان بنازعين نازع خير ونازع شر قال تعالى وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ( الشمس)
فكل إنسان مغروز في قلبه مكان للخير ، وهو نازع الخير وباعث التقوى يدعوه وَيُحِثُّهُ ويحضه على فعل الخيرات والابتعاد عن المهلكات ، ومغروز في قلبه أيضا مكان للهوى ، وهو نازع الشر وباعث الفجور يدعوه وَيُحِثُّهُ ويحضه على فعل الشهوات بأنواع المهلكات
( ولهذا قالت الملائكة ) ( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) البقرة 30
قالت ذلك قياسا وليس كما قال البعض قالو ذلك لما رأو فعل الجن من قبل ذلك .
نعم ان الجن اسبق فى الوجود قبل الانسان لكن الانسان خلقه الله بنازعين خير وشر وهوى نفس ولقد بين القرآن ذلك فقال تعالى (فأما من طغى 37 - وآثر الحياة الدنيا 38- فان الجحيم هى المأوى 39- وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى 40- فإن الجنة هى المأوى41)- النازعات
ابتلاءنا فى هوانا فانت تشتهى ما تشاء والله لن يحقق لك الا ما شاء
المصدر الثانى للشر هو وسواس الشيطان الذى امتنع من السجود لآدم لحقده على الانسان لأنه وصل للمكانة التى بها يصبح خليفة عن الله وشاهد مظاهر تغير الكون وتهيئته لإستخلاف الله لهذا الانسان فلما تيقن خلوده فى النار طلب من الله شيئا ان لم يحدث لم تتحقق الحكمة وقال ان هذا الانسان سيفسد فى الارض ويسفك الدماء اتركنى اوسوس له وسأثبت لك ذلك .
كان من الممكن ان يقول الله عز وجل ( لا )
لكن حكمة الله اقتضت ان يتركه ليتحقق الكمال من خلال الابتلاء للإنسان ويتحقق عدل الله مع ابليس بالرغم من عدم سجوده فأمهله. لأنه لو منع إبليس من هذه المسألة ، لصحت دعوته بأن الإنسان لا يستحق هذه المنزلة ، وأصبح للشيطان حجة على العقول المبصرة ، فاقتضت حكمة الله أن يبتلي الشيطان بهذه المسألة ، وأن يرفع من شأن الإنسان لو تخطي هذه المشكلة ، ليعطيه مزيدا من التكريم على تكريمه السابق حيث استخلفه في الأرض وخوله فيها .

فإذا سمح الله للشيطان أيضا أن يوسوس للإنسان ، فإن الشيطان سيقوي نازع الهوى والشر في الإنسان ، وكلاهما سيتفقان في دعوته إلي الكفر والعصيان ، وعند ذلك ستكون دواعي الشر في الإنسان أقوي من نازع الخير فيه ؟
أليس للعاصي عند ذلك أن يحتج على الله يوم القيامة بأنه لا يستحق العذاب ، لأن نازع الخير فيه كان وحيدا ، وكانت دواعي الشر في الإنسان لها ركنان ، أحدهما نازع الشر والآخر الشيطان ، فهي بذلك أقوي في الإنسان من باعث التقوى والإيمان وداعي الخير في الإنسان ، من أجل ذلك يطالب ربه بإسقاط العذاب عن الكفر العصيان ؟

لكن الله عز وجل الذى هو احكم الحاكمين كلف الحق سبحانه وتعالى بكل انسان ملك من الملائكة يقترن به يهتف له بالخير والايمان فى مقابل هتاف الشيطان ففى الحديث روي الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود  أن رَسُول الله صلي الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّل بهِ قَرِينُهُ مِنَالجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُول الله ، قَال: وَإِيَّايَ وَلكِنَّ الله أَعَانَنِي عَليْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِحَقٍّ) ، وروي الترمذي أيضا وحسنه من حديث عبد الله رضي الله عنه أن رَسُول الله صلي الله عليه وسلم قال: (إِنَّ للشَّيْطَانِ لمَّةً بِابْنِ آدَمَ ، وَللمَلكِ لمَّةً ، فَأَمَّا لمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ ، وَأَمَّا لمَّةُ المَلكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلكَ فَليَعْلمْ أَنَّهُ مِنَ الله فَليَحْمَدِ الله ، وَمَنْ وَجَدَ الأخرى فَليَتَعَوَّذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، ثُمَّ قَرَأَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ) .
حتى لا يأتى احد يوم القيامة ويقول ان جانب الشر عندى كان اكثر لهذا وضع الله العوامل التى تمنع الانسان من ذلك فقد قال تعالى ( قل فلله الحجة البالغة ) الانعام 149-

متلخصة فى خمسة اشياء حباها الانسان حتى يستطيع التغلب بها على وسواس الشيطان وكيده
الاولى :- ان الله وكل بكل انسان ملك قرين يهتف له بالخير مقابل هتاف الشيطان بالعصيان
فقد قال تعالى فى سورة ق عن موقف الانسان الذى كان عاصيا لربه فى الدنيا يوم القيامة ( وقال قرينه هذا ما لدى عتيد ) (23) القرين هنا هو الملك يقول ( القيا فى جهنم كل كفار عنيد(24) مناع للخير معتد مريب (25 )
مناع هنا تعنى كثير التمنع عن الطاعة والايمان ادعوه فيتمنع دور الملك الدعوة فقط بالخير والايمان بأمر الله عز وجل يدعو الانسان فيتمنع فسماه مناع للخير ( الذى جعل مع الله إلهاًًََ آخر (26)
الشيطان وهوى النفس لآن الآلهة الباطلة مردها إما هوى النفس و الشهوات أو الطاغوت ( الشيطان )
( قال قرينه ربنا ما اطغيته ولكن كان فى ضلال بعيد )-27
الشيطان يقول انا ليس لى دخل فى اضلاله ليثبت وجهة نظره السابقة فى الانسان هذا الذى كرمته وهذه هى النهاية !!!
فيقول الله ( لا تختصموا لدى وقد قدمت اليكم بالوعيد 28) الشياطين والانس
فالشيطان يريد ان يجعل المسئولية على الانسان.

الثانى :- ان الله عز وجل سيحاسب المؤمنين بفضله والكافرين بعدله:-
المؤمن طالما تسلط عليه الشيطان من فضل الله انه سيحاسبه الحسنة بعشر امثالها والسيئة بواحدة .
والعدل يقول ان الحسنة بواحدة لكن من كرم الله أنه عامل المؤمن بكرمه وإحسانه فإذا وسوس الشيطان 10مرات حسنة واحدة تمحو كل ما فعل .
وتأمل معى ثواب وأجر قرآءة حرف واحد من القرآن بعشر حسنات ولا اله الا الله عند الموت تدخل الجنة .
الشيطان مهما صنع مع الانسان ممكن فى لحظة يعود الى ربه

الثالث:- تكفل الله عز وجل من فوق عرشه عند استعاذتك من الشيطان ان يسكته ويسكت وسواسه قال تعالى ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
المفترض من ناحية العدل ان تقف انت أمام وسوسته لكن من رحمة الله عز وجل وفضله أنه يوقف لك هذا .

الرابع :- ان الله تبارك وتعالى فتح باب التوبة الى يوم القيامة ما لم تغرغر الروح حتى تطلع الشمس من مغربها .
فلو ان انسانا اتبع الشيطان لزمن وبعد ذلك رجع الى ربه وأناب واستغفر الله بصدق ويقين فى التوبة قبل الله توبته وخاصة اذا قام فى الثلث الاخير من الليل وهو الوقت الذى ينادى فيه رب العزة ( هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له )
كل هذا الكرم الالهى بسبب تسليط الشيطان على الانسان

الخامسة :- ان الله سيبدل للتائب عدد ما فات من السيئات حسنات يوم القيامة :-
فو كان هناك شخص حياته كله عصيان لله وقبل موته تاب الى الله وقال لا اله الا الله فالأعمال التى اخذ عليها سيئات ستبدل الى حسنات وذلك لرد كيد الشيطان بالانسان

السادسة: _ أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده ورجوعه اليه من أحدكم اذا وجد ضالته فى أرض فلاة .
ففى الحديث عن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه .
ان الله يفرح عز وجل بتوبة عبده ورجوعه اليه.

السابعة :- أن الله لن يعذب احدا إلا بعد الإنذار اليه قال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) الاسراء(15).

هل علمت الأن ما الحكمة من وجود الشيطان ان الله عز وجل ارحم الراحمين و أحكم الحاكمين بل كل ما فى الكون انما وضع فى مكانه الصحيح الذى يتحقق منه حكمة الله عز وجل فى خلقه سواء علم الانسان هذه الحكمة ام لا يعلمها وانما دور الانسان تجاه ذلك هو التسليم لأمر الله عز وجل والانقياد لأمره فهو الذى أرحم بعباده من الأم بولدها ولعل ما قرأته يكون دافعا ومعينا لك على طاعة الله وسببا فى زيادة يقينك بسعة رحمة الله عز وجل مهما اوقعك الشيطان فى الذنوب فباب التوبة لله لم يغلق ولن يغلق ما دام فى عمرك بقية .

أسال الله لك التوفيق والسداد و الدوام على طاعة الله الى الممات
منقول

القصواء 22-10-2008 07:48 PM

جزاكم الله خيرا أختنا الحبيبة كريمة على هذا الموضوع القيم

واسمحي لي بهذه الإضافة :


السلام عليكم


راودتني بعض التساؤلات عن الخلق وو حدانية الله و ما شابه ذلك، فمن أهم الأسئلة كانت لماذا خلق الله عز وجل ( إبليس ) ؟!!!!!

فقط ليفتن القلوب ويوسوس الصدور ويفتعل المشاكل!!

يرجى الرد وشكراً


الجواب/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

تعالى الله وتقدّس ، وتنـزّه أن يخلق شيئا عَبَثاً . فإن الحكيم لا يفعل شيئا عبثاً .

فالله لم يَخلق شرّاً مَحضاً ، أي خالصاً ، فلا يُوجد مخلوق خُلِق لغير حِكمة ، بما في ذلك صغار الحيوانات والحشرات والميكروبات .

وقد تظهر الحكمة في هذا المخلوق لبعض الناس وتخفى على آخرين ، فإذا عُلِمت الحِكمة فبها ونعمت ، وإن لم تُعلم سلّمنا وآمنا بأن الله عليم حكيم .

أما خلق إبليس فقد ذَكَر ابن القيم رحمه الله حِكَماً عديدة في خلق إبليس ، وفي خَلق الكفار ، فقال : فإن قيل : فإبليس شرٌّ محض ، والكفر والشر كذلك ، وقد دخلوا في الوجود . فأي خير في إبليس ؟ وفي وجود الكفر ؟

قيل : في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله كما سننبه على بعضه ، فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ، ولا قصد بخلقه أضرار عباده وهلاكهم ، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة ، وحجة قاهرة ، وآية ظاهرة ، ونعمة سابغة ، وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسُّموم للأبدان ، ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها ، وأما الذي لا خير فيه ، ولا شرّ فلا يدخل أيضا في الوجود ، فإنه عبث ، فتعالى الله عنه .

وإذا امتنع وجود هذا القسم في الوجود فدخول ما الشر في إيجاده أغلب من الخير أولى بالامتناع، ومن تأمل هذا الوجود علم أن الخير فيه غالب ، وأن الأمراض - وإن كثرت - فالصحة أكثر منها ، واللذّات أكثر من الآلام ، والعافية أعظم من البلاء ، والغرق والحرق والهدم ونحوها ، وإن كثُرت فالسلامة أكثر ، ولو لم يوجد هذا القسم الذي خيره غالب لأجل ما يعرض فيه من الشر لَفَاتَ الخير الغالب ، وفوات الغالب شرّ غالب ، ومثال ذلك النار ، فإن في وجودها منافع كثيرة ، وفيها مفاسد لكن إذا قابلنا بين مصالحها ومفاسدها لم تكن لمفاسدها نسبة إلى مصالحها ، وكذلك المطر والرياح والحر والبرد ، وبالجملة فعناصر هذا العالم السفلي خيرها ممتزج بشرها ، ولكن خيرها غالب ، وأما العالم العلوي فبريء من ذلك .

فإن قيل : فهلا خلق الخلاّق الحكيم هذه خالية من الشر بحيث تكون خيرات محضة ؟

فإن قلتم : اقتضت الحكمة خلق هذا العالم ممتزجا فيه اللذة بالألم والخير بالشر ، قد كان يمكن خلقه على حَالَةٍ لا يكون فيه شرّ ، كالعالم العلوي ؛ سلمنا أن وجود ما الخير فيه أغلب من الشر أولى من عدمه ، فأي خير ومصلحة في وجود رأس الشر كله ومنبعه وقدوة أهله فيه إبليس ؟ وأي خير في إبقائه إلى آخر الدهر ؟

وأي خير يغلب في نشأة يكون فيها تسعة وتسعون إلى النار وواحد في الجنة ؟ وأي خير غالب حصل بإخراج الأبوين من الجنة حتى جرى على الأولاد ما جرى ولو داما في الجنة لارتفع الشر بالكلية ؟ ...

ثم قال ابن القيم بعد ذلك : قولهم : " أي حكمة في خلق إبليس وجنوده ؟ " ففي ذلك من الْحِكَم مالا يحيط بتفصيله إلا الله ، فمنها :

أن يُكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلجاء إليه أن يعيذهم من شرِّه وكيده ، فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه - وقدمنا أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه - .

ومنها :

خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنـزلة الإبليسية يكون أقوى وأتَمّ ، ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى وخضوع آخر وخوف آخر ، كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ وهم يشاهدونه فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد .

ومنها :

أنه سبحانه جَعَلَه عبرة لمن خالف أمره وتكبر عن طاعته وأصرّ على معصيته ، كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره ثم تاب وندم ورجع إلى ربه فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب وجعل هذا الأب عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه وهذا الأب عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة .

ومنها :

أنه مَحَكّ امتحن الله به خلقه ليتبين به خبيثهم من طيبهم ، فإنه سبحانه خلق النوع الإنساني من الأرض ، وفيها السهل والحزن والطيب والخبيث ، فلا بد أن يظهر فيهم ما كان في مادتهم كما في الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعا : إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على مثل ذلك منهم الطيب والخبيث والسهل والحزن وغير ذلك .

فما كان في المادة الأصلية فهو كائن في المخلوق منها ، فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بُدّ إذاً من سبب يُظهر ذلك ، وكان إبليس مَحَكّا يُميز به الطيب من الخبيث كما جعل أنبيائه ورسله مَحَكّا لذلك التمييز ، قال تعالى : (ما كان الله لينذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) فأَرْسَلَه إلى المكلفين وفيهم الطيب والخبيث فانضاف الطيب إلى الطيب ، والخبيث إلى الخبيث ، واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار الامتحان فإذا صاروا إلى دار القرار يُميز بينهم ، وجعل لهؤلاء دارا على حِدة ، ولهؤلاء داراً على حِدة ؛ حكمة بالغة ، وقُدرة قاهرة .

ومنها :

أن يظهر كمال قدرته في خلق مثل جبريل والملائكة ، وإبليس والشياطين ، وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه ، فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض ، والضياء والظلام ، والجنة والنار ، والماء والنار ، والحر والبرد ، والطيب والخبيث .

ومنها : أن خَلْق أحد الضِّدين من كمال حسن ضِدّه ، فإن الضد إنما يَظهر حسنه بِضِدِّه ، فلولا القبيح لم تُعرف فضيلة الجميل ، ولولا الفقر لم يُعرف قدر الغِنى ، كما تقدم بيانه قريبا .

ومنها :

أنه سبحانه يُحِبّ أن يُشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ، ولا ريب أن أولياءه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به من أنواع شُكره ما لم يكن ليَحصل لهم بدونه ، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة - قبل أن يخرج منها - وبين شُكره بعد أن ابْتُلي بِعَدوه ، ثم اجتباه ربه وتاب عليه وقَبِلَه .

ومنها :

أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضاء ونحوها أحبّ العبودية إلى الله سبحانه ، وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد ، وبذل النفس لله ، وتقديم محبته على كل ما سواه ، فالجهاد ذروة سنام العبودية ، وأحبها إلى الرب سبحانه ، فكان في خلق إبليس وحِزْبِه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يُحْصِي حكمها وفوائدها وما فيها من المصالح إلا الله .

ومنها :

أن في خَلْق من يُضادّ رسله ويكذبهم ويعاديهم من تمام ظهور آياته وعجائب قدرته ولطائف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لأوليائه من عدمه ... وأضعاف أضعاف ذلك من آياته وبراهين قدرته وعلمه وحكمته فلم يكن بُدّ من وجود الأسباب التي يترتب عليها ذلك ، كما تقدم .

ومنها :

أن المادة النارية فيها الإحراق والعلو والفساد ، وفيها الإشراق والإضاءة والنور ، فأخرج منها سبحانه هذا وهذا ، كما أن المادة الترابية الأرضية فيها الطيب والخبيث والسهل والحزن والأحمر والأسود والأبيض ، فأخرج منها ذلك كله حكمة باهرة وقدرة قاهرة وآية دالة على أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

وتُنظر بقية كلامه في كتابه النافع الماتع : شفاء العليل .

والله أعلم .

الشيخ عبدالرحمن السحيم
منتديات الارشاد للفتاوى الشرعية



الساعة الآن 04:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com