منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   ساحة الموضوعات المتنوعة (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=78)
-   -   تكرار العمرة (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=48155)

الطاهرة المقدامة 08-01-2012 11:43 AM

تكرار العمرة
 

تكرار العمرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
حكم تكرار العمرة:
حكم تكرار العمرة، هذا الموضوع مما يحتاجه الحاج والمعتمر، ولكي نتحدث عنه لا بد لنا من تقسيمه على خمسة محاور:
المحور الأول: تكرار العمرة في العام الواحد.
المحور الثاني: تكرار العمرة في رمضان.
المحور الثالث: تكرار العمرة في اليوم.
المحور الرابع: ما هي المدة التي كان السلف يكررون العمرة فيها؟
المحور الخامس: وقت العمرة.
وهذه النقاط سيرتكز عليها حديثنا حول موضوع تكرار العمرة، فأقول مستعيناً بالله:
إن الاستزادة من الخيرات مطلب شرعي قال - تعالى -: **وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ**1، وجاءت هذه الآية في معرض الحديث حول الحج، وما ينبغي من التزود له من زاد الدنيا، ولما أمرهم الله - عز وجل - بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، ولهذا جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: ((كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى -: **وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى**))2.
وفي نفس الوقت فإنا مأمورين شرعاً عن الاتباع وترك الابتداع، والسير خاصة في العبادة وفق ما أمرنا الله به، وبما سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسار عليه أصحابه - رضوان الله عليهم - من غير زيادة أو نقص؛ لأن الله - تعالى - قد أمرنا بذلك: **وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا**3، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بيَّن الكيفية التي تؤدى بها العبادات ((خذوا عني مناسككم))4، ((صلوا كما رأيتموني أصلي))5... الخ، والنصوص التي تحث على الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم- كثيرة.
المحور الأول: تكرار العمرة في العام الواحد:
أما حكم تكرار العمرة في العام الواحد فقد اختلف العلماء في تكرارها في نفس العام، وانحصر الخلاف في هذه المسألة، وفصَّل الخلاف فيها الإمام أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة (676) صاحب كتاب المجموع فقال: "مذهبنا أنه لا يكره ذلك بل يستحب، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف، وممن حكاه عن الجمهور: الماوردي، والسرخي، والعبدرى، وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبى طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، وعطاء، وغيرهم - رضي الله عنهم -، وقال الحسن البصري، وابن سيرين، ومالك: تكره العمرة في السنة أكثر من مرة؛ لأنها عبادة تشتمل على الطواف والسعي فلا تفعل في السنة إلا مرة كالحج.
واحتج الشافعي والأصحاب، وابن المنذر، وخلائق بما ثبت في الحديث أن عائشة - رضي الله عنها - أحرمت بعمرة عام حجة الوداع، فحاضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -­ أن تحرم بحج ففعلت، وصارت قارنة، ووقفت المواقف، فلما طهرت طافت وسعت، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قد حللت من حجك وعمرتك)) فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعمرها عمرة أخرى فأذن لها، فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى6، قال الشافعي: وكانت عمرتها في ذي الحجة، ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة، فكان لها عمرتان في ذي الحجة، وعن عائشة - رضي الله عنها - أيضاً: (أنها اعتمرت في سنة مرتين أي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وفي رواية ثلاث عمر، وعن ابن عمر أنه اعتمر أعواماً في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام، ذكر هذه الآثار كلها الشافعي، ثم البيهقي بأسانيدهما.7
المحور الثاني: تكرار العمرة في رمضان:
بناءً على الحديث الذي سبق في المحور الأول - حديث عائشة -، وأنها اعتمرت في شهر واحد مرتين؛ أجاب فضيلة الشيخ ابن باز - رحمه الله - على سؤال هو: هل يجوز تكرار العمرة في رمضان طلباً للأجر المترتب على ذلك؟
فقال: لا حرج في ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، فإذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك، فقد اعتمرت عائشة - رضي الله عنها - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يوماً.8
المحور الثالث: تكرار العمرة في اليوم:
سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: هل يجوز للمسلم أن يقوم في اليوم الواحد بأداء العمرة خمس مرات، يطوف ويسعى، ويرجع إلى الميقات، ويحرم من جديد.. وهلم جراً؟
ليس هذا من عمل السلف الصالح، والأفضل ترك ذلك لما فيه من المشقة، ولما فيه من المزاحمة للناس، ولاسيما وقت الحج وقت الزحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))، فمراده - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) والله أعلم يعني على وجه لا يكون فيه مشقة ولا مضرة على الناس؛ ولهذا كان السلف لا يفعلون ذلك، ما كان السلف يعتمرون عمرتين في اليوم أو في الليلة، بل كان بينهما بعض الوقت، فالأحسن والأفضل أنه يترك العمرة وقت الزحمة، فإذا كان سعة اعتمر حسب التيسير من دون أن يفعل ذلك مكرراً في كل يوم، بل يكون بينهما فسحة كما كان السلف يفعلون، ويحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) على الشيء المعتاد المعروف الذي يكون بينهما بعض الفصل، بعض الوقت، ككل أسبوع عمرة، أو كل شهر شهرين عمرة، أو كل نصف شهر عمرة أو نحو ذلك، من دون متابعة في اليوم الواحد، ولاسيما عند كثرة الحجيج، فإن هذا يشق على الناس كثيراً، الصحابة - رضي الله عنهم - ومعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمروا بعدما فرغوا من الحج، بل لما فرغ من الحج ودَّع - عليه الصلاة والسلام - ليلة أربعة عشر ثم غادر مكة، وسافر إلى المدينة - عليه الصلاة والسلام -، ولم يكرر العمرة، وهكذا الصحابة لما أحلوا من العمرة في أربع ذي الحجة لم يبلغنا أن أحداً منهم توجه للعمرة في تلك الأيام الأربعة يعتمر ثانياً، لم يبلغنا ذلك، ولو فعلوه لنقل إلينا إلى المسلمين، فالحاصل أنه لا مانع من تكرار العمرة بالشهر مرات أو في الأسبوع، لكن على وجه لا يضر الحجيج، ولا يشق على الناس، ولا يشق على المعتمر نفسه، بل يراعي في ذلك الآداب الشرعية التي سار عليها سلف الأمة.9
المحور الرابع: ما هي المدة التي كان السلف يكررون العمرة فيها؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) ففي هذا الحديث بيان لفضيلة العمرة، وأن الخطايا تتكفر فيما بين العمرتين، ولكن كم المدة التي كان السلف يجعلونها بين العمرتين؟
الجواب: أنه لم يأت نص من كتاب أو سنة على تحديد مدة زمنية معينة بين العمرتين، إلا أن بعض أهل العلم كره تكرار العمرة، واشترط أن توجد فترة زمنية بينهما، مع أنه لا يوجد دليل لهذا الاشتراط، ولذا فإنا نجد أن الذين اشترطوا المدة الزمنية قد اختلفوا في تحديد مقدارها، ومن خلال حديث عائشة - رضي الله عنها - نجد أنها اعتمرت مرتين في شهر واحد بحضور سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعب عليها عملها.
وبهذا أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وقال: لكن إذا كان هناك زحمة أو مشقة فالأولى ترك ذلك، حتى لا يشق على غيره، وأيام الحج يكون مشقة إذا كثر المعتمرون شقوا على الناس، فترك ذلك أولى؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يعتمروا بعد الحج ما عدا عائشة، بل اكتفوا بعمرتهم الأولى، فإذا تأسى بهم المؤمن وترك العمرة هذا أفضل، وإذا اعتمر بعدما يخف الناس، وتقل الزحمة، فلا حرج في ذلك.10
المحور الخامس: وقت العمرة:
وهنا يأتي سؤال: هل للعمرة وقت محدد كالحج والصلاة؟
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: "وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيع السَّنَة وَقْت لِلْعُمْرَةِ، فَتَصِحّ فِي كُلّ وَقْت مِنْهَا إِلَّا فِي حَقّ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّس بِالْحَجِّ، فَلَا يَصِحّ اِعْتِمَاره حَتَّى يَفْرُغ مِنْ الْحَجّ، وَلَا تُكْرَه عِنْدنَا لِغَيْرِ الْحَاجّ فِي يَوْم عَرَفَة وَالْأَضْحَى، وَالتَّشْرِيق وَسَائِر السَّنَة، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَأَحْمَد، وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: تُكْرَه فِي خَمْسَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، وَالنَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تُكْرَه فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَهِيَ: عَرَفَة، وَالتَّشْرِيق11، وبناءً على ذلك فيجوز أداء العمرة في أي أوقات العام، وفي أي وقت من نهار أو ليل، والله أعلم.
أخيراً هل العمرة واجبة أم مستحبة؟
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْعُمْرَة: فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا وَاجِبَة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَر، وَابْن عَبَّاس، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاء، وَابْن الْمُسَيَّب، وَسَعِيد بْن جُبَيْر، وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَمَسْرُوق، وَابْن سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيّ، وَأَبُو بُرْدَة بْن أَبِي مُوسَى، وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو عُبَيْد، وَدَاوُد، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر : هِيَ سُنَّة وَلَيْسَتْ وَاجِبَة، وَحُكِيَ أَيْضاً عَنْ النَّخَعِيِّ.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

1سورة البقرة (197).
2البخاري (2115).
3سورة الحشر (7).
4مسلم (2268)، وأحمد (13899)، واللفظ له.
5مختصر إرواء الغليل (ج1/ص53).
6مسلم (2121).
7المجموع (ج7/ص149).

مع الاحتفاظ بحقوق صاحبها


الساعة الآن 02:17 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com