منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   ساحة الموضوعات المتنوعة (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=78)
-   -   فلا يرفث ولا يجهل (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=46084)

الطاهرة المقدامة 13-08-2011 02:58 PM

فلا يرفث ولا يجهل
 


فلا يرفث ولا يجهل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد

فإن الصيام الذي أوجبه الله تعالى على عباده في هذا الشهر الكريم ، يتجاوز معناه مجرد ترك الطعام والشراب و أرشد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام : (( قال الله تعالى : كل عمل ابن له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جُنّة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم ......))(55) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى معلقاً على الحديث : فلا يرفث : المقصود بالرفث الكلام الفاحش ، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته ، وعلى ماذكره مع النساء أو مطلقاً ، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها . وقوله : فلا يجهل : أي لا يفعل شيئاً من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك . اهـ(56) وفي هذا الحديث بيان للمشروعية التي شرع من أجلها الصيام . إن الكف عن أعراض الناس بعدم الجهل أو التطاول عليها أمر حددته مشروعية الصيام ، وإذا لم نحققه في حياتنا واقعاً ملموساً فإن في صومنا قدح وشرخ لمخالفتنا لهذه الوصية العظيمة من وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم . ولك أن تتأمّل هذه الوصية جيداً ثم تعرض حال الصائمين عليها خلال أيام صومهم لتجد فرقاً وبوناً شاسعاً بين هذه الوصية وواقع الناس أثناء صومهم . ولك أن ترى ذلك الصائم الذي جاع وعطش من أثر الصيام وبان ذلك على محياه ثم في الوقت ذاته لا تجده يرعوي عن الخصومة الجائرة لأدنى خلاف ، ثم قد يتجاوز في خصومته الأدب الإسلامي فيسب من خاصمه ، ويقدح في عرضه ، ويفشي سره ، ويهتك عرضه ناسياً أو متناسياً هذا التوجيه الرباني العظيم فأي معنى للصيام ؟ ولك أن ترى في صورة ثانية ذلك الذي يجلس المجالس الطويلة فلا تجد ما يتحدث به غير الغيبة التي يتسلى بها على أعراض المسلمين ، فيذكر من أخبارهم ، وحياتهم ما يقدح في أشخاصهم ، ويثلب مقاماتهم ، ونسي المسكين أنه أبخس صومه حين تجاوز هذه المحرمات ، فصام بطنه عن الطعام والشراب وأفطر لسانه على كبيرة من كبائر الذنوب ، وتناسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : أتدرون ما المفلس ؟ فقالوا : المفلس منا من لادرهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار )) .(57) وقد قرر الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره : أن الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب . وأن الله تعالى صور المغتاب في صورة بذيئة حين حكى عنه أنه يشبه من جثى على أخيه وهو مستلق ميت فجعل يأكل من لحمه كما قال الله تعالى : ....... (( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ... الآية )) سورة الحجرات ، أو لك أن ترى ذلك الصائم الذي يصوم بطنه عن الطعام والشراب بينما عيناه تتسلّق إلى عورات المسلمين ، فيرنو بطرفه هناك إلى سُتر بيوت مرخاه ليكشف سترها ، ويشيع الفاحشة فيها ، أو يرنو بطرفه إلى قناة فضائية يشهد فيها بعينه صور نساء عاريات يتسلى بهذا الوقت إلى بلوغ الغروب ، ونسي المسكين أن شمسه غربت جداً حين طمس بعينه في ما يسخط الله تعالى . أو لك أن ترى في صورة أخرى صائم يتسلى لقضاء وقته بشريط غنائي يلهو عليه ، ويبعثر به وحشية الشهوة ، ويثير في حياته التطلع إلى الحرمات . أو قل ربما يكون صائم عن كل ذلك ، وتحقق في يومه معاني الصيام التي جاءت بها الأحاديث لكنه في المقابل ينتظر الإفطار بفارق الصبر لا ، ليحمد الله على قضاء يوم في حياته بهذه ال******ة إنما ينتظر أن يشعل سيجارة تافهة في زوايا بيته أو ربما يتمنى عجلة من الوقت ليركب سيارته متجهاً في ساعات مبكرة إلى إحدى المقاهي المجاورة . إلى غير ذلك من الصور التي تخالف هذا التوجيه الرباني الكريم . إن هؤلاء جميعاًَ بين أمرين لا ثالث لهما إما أنهم يجهلون هذه الأحكام ، وحين يتضح لهم الحكم الشرعي في مثل هذه الممارسات فلن تجاوزوا هذه التوجيهات الربانية لأن الجاهل إذا انقشع عنه الجهل تمثّل للحق وعمل به . وإما إنهم يدركون هذه المعاني . فقط الشهوات حجبت عنهم معالم الهداية للحق فهؤلاء على شفا جرف هار ، والأيام حبالى بالمجهول ، فالله الله أن نكون ضحايا هذه الدنيا العريضة وحينئذ لن يفرح بمثل هذه النهايات إلا إبليس . عافانا الله وإياكم من البلاء والخذلان ووفقنا إلى معرفة الحق والأخذ به ، وجعلنا ممن يقومون بواجب هذا الشهر على وجه التمام ، والله المستعان وعليه التكلان .

(55) متفق عليه

(56) فتح الباري

(57) رواه مسلم


مع الاحتفاظ بحقوق صاحبها


الساعة الآن 03:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com