منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   منبر التزكية والرقائق والأخلاق الإسلامية (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=122)
-   -   منزلة الرضى للامام ابن القيم رحمه الله (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=42903)

عبد الغني رضا 17-02-2011 10:18 PM

منزلة الرضى للامام ابن القيم رحمه الله
 
وقد أجمع العلماء على أنه مستحب مؤكد استحبابه واختلفوا في وجوبه على
قولين

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يحكيهما على قولين لأصحاب أحمد وكان يذهب إلى القول باستحبابه قال : ولم يجىء الأمر به كما جاء الأمر بالصبر وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحه
واحتج من جعله من جملة المقامات : بأن الله مدح أهله وأثنى عليهم وندبهم إليه فدل ذلك على أنه مقدور لهم وقال النبي : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا
وقال : من قال حين يسمع النداء : رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناوبمحمد رسولا غفرت له ذنوبه وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين وإليهما ينتهي وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه وألوهيته والرضى برسوله والانقياد له والرضى بدينه والتسليم له ومن اجتمعت له هذه الأربعة : فهو الصديق حقا وهي سهلة بالدعوى واللسان وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها من ذلك : تبين أن الرضى كان لسانه به ناطقا فهو على لسانه لا على حاله

فالرضى بإلهيته يتضمن الرضى بمحبته وحده وخوفه ورجائه والإنابة إليه والتبتل إليه وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه فعل الراضي بمحبوبه كل الرضى وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له
والرضى بربوبيته : يتضمن الرضى بتدبيره لعبده ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وأن يكون راضيا بكل ما يفعل به
فالأول : يتضمن رضاه بما يؤمر به والثاني : يتضمن رضاه بما يقدر عليه
وأما الرضى بنبيه رسولا : فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره ألبتة لا فى شىء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته ولا في
شيء من أحكام ظاهره وباطنه لا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلا بحكمه فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم وأحسن أحواله : أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور
وأما الرضى بدينه : فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى : رضي كل الرضى ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده وشيخه وطائفته
وههنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم فإياك أن تستوحش من الاغتراب والتفرد فإنه والله عين العزة والصحبة مع الله ورسوله وروح الأنس به والرضى به ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا
بل الصادق كلما وجد مس الاغتراب وذاق حلاوته وتنسم روحه قال : اللهم زدني اغترابا ووحشة من العالم وأنسا بك وكلما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التفرد : رأى الوحشة عين الأنس بالناس والذل عين العز بهم والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزبالة أذهانهم والانقطاع عين التقيد برسومهم وأوضاعهم فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدا من الخلق ولم يبع حظه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان وغايته : مودة بينهم في الحياة الدنيا فإذا انقطعت الأسباب وحقت الحقائق وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وبليت السرائر ولم يجد من دون مولاه الحق من قوة ولا ناصر : تبين له حينئذ مواقع الربح والخسران وما الذي يخف أو يرجح به الميزان والله المستعان وعليه التكلان

والتحقيق في المسألة : أن الرضى كسبي باعتبار سببه موهبي باعتبار حقيقته فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه فإذا تمكن في أسبابه وغرس شجرته : اجتنى منها ثمرة الرضى فإن الرضى آخر التوكل فمن رسخ قدمه في التوكلوالتسليم والتفويض : حصل له الرضى ولا بد ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه رحمة بهم وتخفيفا عنهم لكن ندبهم إليه وأثنى على أهله وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها فمن رضي عن ربه رضي الله عنه بل رضي العبد عن الله من نتائج رضى الله عنه فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده : رضي قبله أوجب له أن يرضى عنه ورضى بعده هو ثمرة رضاه عنه ولذلك كان الرضى باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العارفين وحياة المحبين ونعيم العابدين وقرة عيون المشتاقين

ومن أعظم أسباب حصول الرضى : أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه فإنه يوصله إلى مقام الرضى ولابد قيل ليحيى بن معاذ : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضى فقال إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه فيقول : إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت وإن تركتني عبدت وإن دعوتني أجبت وقال الجنيد : الرضى هو صحة العلم الواصل إلى القلب فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضى
وليس الرضى والمحبة كالرجاء والخوف فإن الرضى والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان المتلبس بهما في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة بحصول ما كانوا يرجونه وأمنهم مما كانوا يخافونه وإن كان رجاؤهم لما ينالون من كرامته دائمالكنه ليس رجاء مشوبا بشك بل هو رجاء واثق بوعد صادق من حبيب قادر فهذا لون ورجاؤهم في الدنيا لون
وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا : هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان
والصواب : أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى كرضى المريض بشرب الدواء الكريه ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمإ ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها
وطريق الرضى طريق مختصرة قريبة جدا موصلة إلى أجل غاية ولكن فيها مشقة ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة ولا فيها من العقبات والمفاوز ما فيها وإنما عقبتها همة عالية ونفس زكية وتوطين النفس على كل ما يرد عليها من الله
ويسهل ذلك على العبد : علمه بضعفه وعجزه ورحمته به وشفقته عليه وبره به فإذا شهد هذا وهذا ولم يطرح نفسه بين يديه ويرضى به وعنه وتنجذب دواعي حبه ورضاه كلها إليه : فنفسه نفس مطرودة عن الله بعيدة عنه ليستمؤهلة لقربه وموالاته أو نفس ممتحنة مبتلاة بأصناف البلايا والمحن
فطريق الرضى والمحبة : تسير العبد وهو مستلق على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل وثمرة الرضى : الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى

ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه فى المنام وكأني ذكرت له شيئامن أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته لا أذكره الآن فقال : أما أنا فطريقتي الفرح بالله والسرور به أو نحو هذا من العبارة
وهكذا كانت حاله في الحياة يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حاله لكن قد قال الواسطي : استعمل الرضى جهدك ولا تدع الرضى يستعملك فتكون محجوبا بلذته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع
وهذا الذي أشار إليه الواسطى هو عقبة عظيمة عند القوم ومقطع لهم فإن مساكنة الأحوال والسكون إليها والوقوف عندها : استلذاذا ومحبة : حجاب بينهم وبين ربهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم وكان الواسطي كثير التحذير من هذه العقبة شديد التنبيه عليها ومن كلامه : إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة
فهذا معنى قوله : استعمل الرضى جهدك ولا تدع الرضى يستعملك أي لا يكون عملك لأجل حصول حلاوة الرضى بحيث تكون هي الباعثة لك عليه بل اجعله آلة لك وسببا موصلا إلى قصدك ومطلوبك فتكون مستعملا له لا أنه مستعمل لك
وهذا لا يختص بالرضى بل هو عام في جميع الأحوال والمقامات القلبية التي يسكن إليها القلب حتى إنه أيضا لا يكون عاملا على المحبة لأجل المحبةوما فيها من اللذة والسرور والنعيم به بل يستعمل المحبة في مرضاة المحبوب لا يقف عندها فهذا من علل المحبة
وقال أبو عثمان الحيري : منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته وما نقلني إلى غيره فسخطته والرضى ثلاثة أقسام : رضى العوام بما قسمه الله وأعطاه ورضى الخواص بما قدره وقضاه ورضى خواص الخواص به بدلا من كل ما سواه

فصل قال : وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى : رضى العامة وهو
الرضى بالله ربا وتسخط عبادة ما دونه وهذا قطب رحى الإسلام وهو يطهر من الشرك الأكبر
الرضى بالله ربا : أن لا يتخذ ربا غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره وينزل به حوائجه قال الله تعالى : قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء [ الأنعام : 164 ] قال ابن عباس رضى الله عنهما : سيدا وإلها يعني فكيف أطلب ربا غيره وهو رب كل شيء وقال في أول السورة : قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض [ الأنعام : 14 ] يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة وقال في وسطها : أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا [ الأنعام : 114 ] أي أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه وهذا كتابه سيد الحكام فكيف نتحاكم إلى غير كتابه وقد أنزله مفصلا مبينا كافيا شافيا

وأنت إذا تأملت هذه الآيات الثلاث حق التأمل رأيتها هي نفس الرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ورأيت الحديث يترجم عنها ومشتق منها فكثير من الناس يرضى بالله ربا ولا يبغي ربا سواه لكنه لا يرضى به وحده وليا وناصرا بل يوالي من دونه أولياء ظنا منه أنهم يقربونه إلى الله وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك وهذا عين الشرك بل التوحيد : أن لا يتخذ من دونه أولياء والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء
وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين فيه فإن هذا من تمام الإيمان ومن تمام موالاته فموالاة أوليائه لون واتخاذ الولي من دونه لون ومن
لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه فإن هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه


وكثير من الناس يبتغي غيره حكما يتحاكم إليه ويخاصم إليه ويرضى بحكمه وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد : أن لا يتخذ سواه ربا ولا إلها ولا غيره حكما
وتفسير الرضى بالله ربا : أن يسخط عبادة ما دونه هذا هو الرضى بالله إلها وهو من تمام الرضى بالله ربا فمن أعطى الرضى به ربا حقه سخط عبادة ما دونه قطعا لأن الرضى بتجريد ربوبيته يستلزم تجريد عبادته كما أن العلم بتوحيد الربوبية يستلزم العلم بتوحيد الإلهية

وقوله : وهو قطب رحى الإسلام يعنى أن مدار رحى الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة ربه وحده وأن يسخط عبادة غيره وقد تقدم أن العبادة هي الحب مع الذل فكل من ذللت له وأطعته وأحببته دون الله فأنت عابد له
وقوله : وهو يطهر من الشرك الأكبر يعني أن الشرك نوعان : أكبر وأصغر فهذا الرضى يطهر صاحبه من الأكبر وأما الأصغر : فيطهر منه نزوله منزلة إياك نعبد وإياك نستعين مدارج السالكين من صفحة 171 الى 182 بتصرف

الطاهرة المقدامة 18-02-2011 06:14 PM

أحسن الله إليك أخي رضا .لا عدمنا مواضيعك المباركة الطيبة.
جزاك الله الجنة.

منى واصف 18-02-2011 09:35 PM

بسم اللة الرحمن الرحيم
 
بارك اللة فيك اخى رضا بالموضوع القيم جعلة اللة فى موازين حسناتك

عبد الغني رضا 18-02-2011 10:55 PM

http://ahyaarab.net/images/230.gif
http://ahyaarab.net/images/281.gif


الساعة الآن 11:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com