المـــــــــــــــــــــــروءة
المروءة اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَوَاهِدِ الْفَضْلِ وَدَلَائِلِ الْكَرَمِ الْمُرُوءَةَ الَّتِي هِيَ حِلْيَةُ النُّفُوسِ وَزِينَةُ الْهِمَمِ . فَالْمُرُوءَةُ مُرَاعَاةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى أَفْضَلِهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا قَبِيحٌ عَنْ قَصْدٍ وَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا ذَمٌّ بِاسْتِحْقَاقٍ . رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ** مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ ، وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ ، فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ ** . وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : مِنْ شَرَائِطِ الْمُرُوءَةِ أَنْ يَتَعَفَّفَ عَنْ الْحَرَامِ ، وَيَتَصَلَّفَ عَنْ الْآثَامِ ، وَيُنْصِفَ فِي الْحِكَمِ ، وَيَكُفَّ عَنْ الظُّلْمِ ، وَلَا يَطْمَعَ فِيمَا لَا يَسْتَحِقُّ ، وَلَا يَسْتَطِيلَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَرِقُّ ، وَلَا يُعِينَ قَوِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ ، وَلَا يُؤْثِرَ دَنِيًّا عَلَى شَرِيفٍ ، وَلَا يُسِرَّ مَا يَعْقُبُهُ الْوِزْرُ وَالْإِثْمُ ، وَلَا يَفْعَلَ مَا يُقَبِّحُ الذِّكْرَ وَالِاسْمَ . وَسُئِلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ فَقَالَ : الْعَقْلُ يَأْمُرُك بِالْأَنْفَعِ ، وَالْمُرُوءَةُ تَأْمُرُك بِالْأَجْمَلِ . وَلَنْ تَجِدَ الْأَخْلَاقَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ حَدِّ الْمُرُوءَةِ مُنْطَبِعَةً ، وَلَا عَنْ الْمُرَاعَاةِ مُسْتَغْنِيَةً ، وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاةُ هِيَ الْمُرُوءَةُ لَا مَا انْطَبَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ فَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ ؛ لِأَنَّ غُرُورَ الْهَوَى وَنَازِعَ الشَّهْوَةِ يَصْرِفَانِ النَّفْسَ أَنْ تَرْكَبَ الْأَفْضَلَ مِنْ خَلَائِقِهَا ، وَالْأَجْمَلَ مِنْ طَرَائِقِهَا ، وَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهَا ، وَبَعِيدٌ أَنْ تَسْلَمَ إلَّا لِمَنْ اسْتَكْمَلَ شَرَفَ الْأَخْلَاقِ طَبْعًا ، وَاسْتَغْنَى عَنْ تَهْذِيبِهَا تَكَلُّفًا وَتَطَبُّعًا . وَقَالَ الشَّاعِرُ : مَنْ لَك بِالْمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضٌ*** يَخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيبُ بَعْضُ ثُمَّ لَوْ اسْتَكْمَلَ الْفَضْلَ طَبْعًا ، وَفِي الْمُعْوِزِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَكْمِلًا ، لَكَانَ فِي الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ عَادَاتِ دَهْرِهِ، وَالْمَوْضُوعِ مِنْ اصْطِلَاحِ عَصْرِهِ ، مِنْ حُقُوقِ الْمُرُوءَةِ وَشُرُوطِهَا مَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمُعَانَاةِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّفَقُّدِ وَالْمُرَاعَاةِ . فَثَبُتَ أَنَّ مُرَاعَاةَ النَّفْسِ عَلَى أَفْضَلِ أَحْوَالِهَا هِيَ الْمُرُوءَةُ . وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَنْقَادُ لَهَا مَعَ ثِقَلِ كُلَفِهَا إلَّا مَنْ تَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الْمَشَاقُّ رَغْبَةً فِي الْحَمْدِ ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ الْمَلَاذُ حَذَرًا مِنْ الذَّمِّ . وَلِذَلِكَ قِيلَ : سَيِّدُ الْقَوْمِ أَشْقَاهُمْ . وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ : وَالْحَمْدُ شَهْدٌ لَا يُرَى مُشْتَارَهُ يَجْنِيهِ إلَّا مِنْ نَقِيعِ الْحَنْظَلِ غُلٌّ لِحَامِلِهِ وَيَحْسَبُهُ الَّذِي لَمْ يُوهِ عَاتِقَهُ خَفِيفَ الْمَحْمَلِ وَقَدْ لَحَظَ الْمُتَنَبِّي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالُ وَلَهُ أَيْضًا : وَإِذَا كَانَتْ النُّفُوسُ كِبَارًا تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ وَالدَّاعِي إلَى اسْتِسْهَالِ ذَلِكَ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : عُلُوُّ الْهِمَّةِ . وَالثَّانِي شَرَفُ النَّفْسِ . أَمَّا عُلُوُّ الْهِمَّةِ فَلِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى التَّقَدُّمِ وَدَاعٍ إلَى التَّخْصِيصِ أَنَفَةً مِنْ خُمُولِ الضَّعَةِ ، وَاسْتِنْكَارًا لِمَهَانَةِ النَّقْصِ . وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ** إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ دَنِيَّهَا وَسَفْسَافَهَا ** . وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تُصَغِّرَنَّ هِمَّتَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عَنْ الْمَكْرُمَاتِ مِنْ صِغَرِ الْهِمَمِ .وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْهِمَّةُ رَايَةُ الْجِدِّ . وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : عُلُوِّ الْهِمَمِ بَذْرُ النِّعَمِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إذَا طَلَبَ رَجُلَانِ أَمْرًا ظَفِرَ بِهِ أَعْظَمُهُمَا مُرُوءَةً . وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : مَنْ تَرَكَ الْتِمَاسَ الْمَعَالِي بِسُوءِ الرَّجَاءِ لَمْ يَنَلْ جَسِيمًا . وَأَمَّا شَرَفُ النَّفْسِ : فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ قَبُولُ التَّأْدِيبِ ، وَاسْتِقْرَارُالتَّقْوِيمِ وَالتَّهْذِيبِ ، لِأَنَّ النَّفْسَ رُبَّمَا جَمَحَتْ عَنْ الْأَفْضَلِ وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ ، وَنَفَرَتْ عَنْ التَّأْدِيبِ وَهِيَ لَهُ مُسْتَحْسِنَةٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مَطْبُوعَةٍ ، وَلَهُ غَيْرُ مُلَائِمَةٍ ، فَتَصِيرُ مِنْهُ أَنْفَرَ ، وَلِضِدِّهِ الْمُلَائِمِ آثَرَ . وَقَدْ قِيلَ : مَا أَكْثَرُ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَلَا يُطِيعُهُ . وَإِذَا شَرُفَتْ النَّفْسُ كَانَتْ لِلْآدَابِ طَالِبَةً ، وَفِي الْفَضَائِل رَاغِبَةً ، فَإِذَا مَازَحَهَا صَارَتْ طَبْعًا مُلَائِمًا فَنَمَا وَاسْتَقَرَّ . فَأَمَّا مَنْ مُنِيَ بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَسُلِبَ شَرَفُ النَّفْسِ فَقَدْ صَارَ عُرْضَةً لِأَمْرٍ أَعْوَزَتْهُ آلَتُهُ ، وَأَفْسَدَتْهُ جَهَالَتُهُ ، فَصَارَ كَضَرِيرٍ يَرُومُ تَعَلُّمَ الْكِتَابَةِ ، وَأَخْرَسَ يُرِيدُ الْخُطْبَةَ ، فَلَا يَزِيدُهُ الِاجْتِهَادُ إلَّا عَجْزًا وَالطَّلَبُ إلَّا عَوَزًا . وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ** مَا هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ ** . من روائع ما قرأت |
فعلا موضوع رائع أختى الطيبة
رفع الله قدرك .. |
وَإِذَا شَرُفَتْ النَّفْسُ كَانَتْ لِلْآدَابِ طَالِبَةً ، وَفِي الْفَضَائِل رَاغِبَةً ، فَإِذَا مَازَحَهَا صَارَتْ طَبْعًا مُلَائِمًا فَنَمَا وَاسْتَقَرَّ .
كلمات رائعة شكرا لكم ... |
اقتباس:
بارك الله فيك اختي العزيزة ومشرفتنا القديرة نور ونسال الله العظيم ان تكوني بخير وصحة وعافية يا رب....وتقبلي تحياتي.. |
اقتباس:
بارك الله فيك اخي ابو راشد وجزاك الله خيرا لكرم المرور الطيب |
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكِ الله خيراً أختي الفاضلة كريمة موضوع رائع و قيم نفع الله به ونفعكِ وزادكِ من فضله وعلمه وكرمه في رعاية الله وحفظه |
الله يكرمك اختي الحبيبه
|
جزاكم الله خيرا
|
اقتباس:
عليه أفضل الصلاة والسلام بارك الله فيك وجزاك الله كل خير. |
الساعة الآن 02:08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com