وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ - الاسلام عقيدة وشريعة . والعقيدة تنتظم الايمان : 1 - بالالهيات . 2 - والنبوات . 3 - والبعث ، والجزاء . -والشريعة تنتظم : 1 - العبادات من : صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج 2 - والآداب والاخلاق من : صدق ، ووفاء ، وأمانة . 3 - والمعاملات المدنية من : بيع ، وشراء . . . الخ . 4 - والروابط الاسرية من : زواج وطلاق . 5 - والعقوبات الجنائية : قصاص ، وحدود . 6 - والعلاقات الدولية من : معاهدات ، واتفاقات . وهكذا نجد أن الاسلام ، منهج عام ، ينتظم شئون الحياة جميعا . وهذا هو المفهوم العام للاسلام كما قرره الكتاب والسنة و كما فهمه المسلمون على العهد الاول ، وطبقوه في كل مجال من المجالات العامة والخاصة ، وكان كل فرد يدين بالولاء لهذا الدين يعتبر عضوا في الجماعة المسلمة ، ويصبح فردا من أفراد الامة الاسلامية تجري عليه أحكام الاسلام وتطبق عليه تعاليمه . إلا أن من الناس الذكي والغبي ، والضعيف والقوي ، والقادر والعاجز ، والعامل والعاطل ، والمجد والمقصر . فهم يختلفون اختلافا بينا في قواهم البدنية ومواهبهم النفسية والعقلية والروحية وتبعا لهذا الاختلاف فمنهم من يقترب من الاسلام ، ومنهم من يبتعد عنه حسب حال كل فرد وظروفه وبيئته . يقول الله سبحانه : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " ، إلا أن هذا الابتعاد عنه لا يخرج المقصر عن دائرته ما دام يدين بالولاء لهذا الدين ، فإذا صدر من المسلم لفظ يدل على الكفر لم يقصد إلى معناه ، أو فعل ظاهره مكفر لم يرد به فاعله تغيير إسلامه ، لم يحكم عليه بالكفر . ومهما تورط المسلم في المآثم واقترف من جرائم ، فهو مسلم لا يجوز اتهامه بالردة . روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا إله إلا الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم " . وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من أن يقذف بعضهم بعضا بالكفر ، لعظم خطر هذه الجناية ، فقال فيما رواه مسلم عن ابن عمر : " إذا كفر الرجل أخاه ، فقد باء بها أحدهما " . لكن- متى يكون المسلم مرتدا : - إن المسلم لا يعتبر خارجا عن الاسلام ، ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر ، واطمأن قلبه به ، ودخل فيه بالفعل ، لقول الله تعالى : " ولكن من شرح بالكفر صدرا " . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " ، ولما كان ما في القلب غيبا من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله ، كان لابد من صدور ما يدل على كفره دلالة قطعية لا تحتمل التأويل حتى نسب إلى الامام مالك أنه قال :" من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها ، ويحتمل الايمان من وجه ، حمل أمره على الايمان " . -ومن الامثلة الدالة على الكفر : 1 - إنكار ما علم من الدين بالضرورة . مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة ، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن وحي من الله ، وإنكار البعث والجزاء ، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة ، والصيام والحج . 2 - استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه ، كاستباحة الخمر ، والزنا ، والربا ، وأكل الخنزير ، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم (إلا إذا كان ذلك بتأويل - مثل تأويل الخوارج - فإنهم استحلوا دماء الصحابة وأموالهم - ومثل تأويل قدامة بن مظعون شرب الخمر ، ومع ذلك - فجمهور الفقهاء على أنهم غير كافرين) . 3 - تحريم ما أجمع المسلمون على حله " كتحريم الطيبات " . 4 - سب النبي أو الاستهزاء فيه ، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله . 5 - سب الدين ، والطعن في الكتاب والسنة ، وترك الحكم بهما ، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما . 6 - ادعاء فردمن الافراد أن الوحي ينزل عليه . 7 - إلقاء المصحف في القاذورات ، وكذا كتب الحديث ، استهانة بها واستخفافا بما جاء فيها . 8 - الاستخفاف باسم من أسماء الله ، أو أمر من أوامره ، أو نهي من نواهيه ، أو وعد من وعوده ، إلا أن يكون حديث عهد بالاسلام ، ولا يعرف أحكامه ، ولا يعلم حدوده ، فإنه إن أنكر منها جهلا به لم يكفر . وفيه مسائل أجمع المسلمون عليها ، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة ، فإن منكرها لا يكفر ، بل يكون معذورا بجهله بها ، لعدم استفاضة علمها في العامة ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وأن القاتل عمدا لا يرث ، وأن للجدة السدس ، ونحو ذلك . ولا يدخل في هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها . فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عزوجل تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو يتكلم به " وروى مسلم عن أبي هريرة قال : " جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا : انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم . قال : ذلك صريح الايمان (أي استعظام الكلام به خوفا من النطق به ، فضلا عن اعتقاده دليل على كمال الايمان) " . وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال : ( هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ ) فمن وجد من ذلك شيئا ، فليقل : آمنت بالله " . اما عن - عقوبة المرتد : ف-الارتداد جريمة من الجرائم التي تحبط ما كان من عمل صالح قبل الردة ، وتستوجب العذاب الشديد في الآخرة يقول الله سبحانه : " ومن يرتدد منكم عن دينه ، فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ومعنى الآية : أن من يرجع عن الاسلام إلى الكفر ويستمر عليه حتى يموت كافرا ، فقد بطل كل ما عمله من خير ، وحرم ثمرته في الدنيا ، فلا يكون له ما للمسلمين من حقوق ، وحرم من نعيم الآخرة ، وهو خالد في العذاب الاليم ، وقد قرر الاسلام عقوبة معجلة في الدنيا للمرتد ، فضلا عما توعده به من عذاب ينتظره في الآخرة ، وهذه العقوبة هي القتل (لو قتله مسلم من المسلمين لا يعتبر مرتكبا جريمة القتل ، ولكن يعزر لافتياته على الحاكم ) . - روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من بدل دينه فاقتلوه " . وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير نفس " . وعن جابر رضي الله عنه : " أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الاسلام : فإن تابت ، وإلا قتلت . فأبت أن تسلم ، فقتلت " . وثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل المرتدين من العرب حتى رجعوا إلى الاسلام . ولم يختلف أحد من العلماء في وجوب قتل المرتد . وإنما اختلفوا في المرأة إذا ارتدت . - فقال أبو حنيفة : إن المرأة إذا ارتدت لا تقتل ، ولكن تحبس ، وتخرج كل يوم فتستتاب ، ويعرض عليها الاسلام ، وهكذا حتى تعود إلى الاسلام ، أو تموت ، لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء . - وخالف ذلك جمهور الفقهاء فقالوا : إن عقوبة المرأة المرتدة كعقوبة الرجل المرتد ، سواء بسواء ، لان آثار الردة وأضرارها من المرأة كآثارها وأضرارها من الرجل ، ولحديث معاذ الذي حسنه الحافظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أرسله إلى اليمن : " أيما رجل ارتد عن الاسلام فادعه ، فإن عاد ، وإلا فاضرب عنقه ، وأيما امرأة ارتدت عن الاسلام فادعها ، فإن عادت ، وإلا فاضرب عنقها " . وهذا نص في محل النزاع . وأخرج البيهقي ، أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها " أم قرفة " كفرت بعد إسلامها ، فلم تتب ، فقتلها . -وأما حديث النهي عن قتل النساء فذلك إنما هو في حال الحرب ، لاجل ضعفهن وعدم مشاركتهن في القتال . ولهذا كان سبب النهي عن قتلهن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة ، فقال : " ما كانت هذه لتقاتل " . ثم نهى عن قتلهن . والمرأة تشارك الرجل في الحدود كلها دون استثناء . فكما يقام عليها حد الرجم إذا كانت محصنة ، فكذلك يقام عليها حد الردة ، ولافرق . : إذا ارتد المسلم ورجع عن الاسلام تغيرت الحالة التي كان عليها . وتغيرت تبعا لذلك المعاملة التي كان يعامل بها كمسلم ، وثبتت بالنسبة له أحكام نجملها فيما يأتي : ( 1 ) العلاقة الزوجية : -إذا ارتد الزوج أو الزوجة انقطعت علاقة كل منهما بالآخر لان ردة أي واحد منهما موجبة للفرقة بينهما ، وهذه الفرقة تعتبر فسخا ، فإذا تاب المرتد منهما وعاد إلى الاسلام ، كان لابد من عقد ومهر جديدين ، إذا أرادا استئناف الحياة الزوجية (يرى الفقهاء الاحناف أن ردة الزوج تعتبر طلاقا بائنا ينقص من عدد الطلقات .) . ولايجوز له أن يعقد عقد زواج على زوجة أخرى من أهل الدين الذي انتقل إليه ، لانه مستحق القتل ( 2 ) ميراثه : -والمرتد لا يرث أحدا من أقاربه إذا مات ، لان المرتد لادين له ، وإذا كان لادين له فلا يرث قريبه المسلم ، فإن قتل هو أو مات ولم يرجع إلى الاسلام ، انتقل ما له هو إلى ورثته من المسلمين لانه في حكم الميت من وقت الردة . وقد أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم ، ثم ارتد عن الاسلام . -فقال له علي :" لعلك إنما ارتددت لان تصيب ميراثا . ثم ترجع إلى الاسلام ؟ قال : لا . قال : فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها ، فأردت أن تتزوجها ثم تعود إلى الاسلام ؟ قال : لا . قال : فارجع إلى الاسلام . قال : لا . حتى ألقى المسيح . فأمر به فضربت عنقه فدفع ميراثه إلى ولده من المسلمين " . ( 3 ) فقد أهليته للولاية على غيره : - وليس للمرتد ولاية على غيره ، فلا يجوز له أن يتولى عقد تزويج بناته ولا أبنائه الصغار ، وتعتبر عقوده بالنسبة لهم باطلة ، لسلب ولايته لهم بالردة . مال المرتد : الردة لا تقضي على أهلية المرتد للتملك ، ولا تسلبه حقه في ماله ، ولا تزيل يده عنه ، ويكون مثله في ماله مثل الكافر الاصلي ، وله أن يتصرف في ماله كما يشاء . وتصير تصرفاته نافذة لاستكمال أهليته ، وكونه مستحق القتل لا يسلبه حقه في التملك والتصرف ، لان الشارع لم يجعل للمرتد عقوبة سوى عقوبة القتل حدا ، ويكون في ذلك كمن حكم عليه بالقصاص أو بالرجم . فإن قتله قصاصا أو رجما لا يسلبه حقه في الملكية ، ولا يزيل يده عن ماله . 4-- لحوقه بدار الحرب : وكذلك يبقى ماله مملوكا له إذ الحق بدار الحرب ، ويوضع تحت يد أمين ، لان لحوقه بدار الحرب لا يسلبه حقه في الملكية . وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين |
بارك الله فيك
|
الساعة الآن 05:18 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com