منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   منبر التزكية والرقائق والأخلاق الإسلامية (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=122)
-   -   شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . » (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=42267)

أسامي عابرة 15-01-2011 05:26 AM

شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . »
 
شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . »





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


إنَّ الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إلـٰه إلاَّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله ، صَلَّىٰ اللهُ وسَلَّم وباركَ عليه ، علىٰ آلهِ وأصْحابهِ أجْمعين .



أَمَّا بَعْدُ :



أيُّها الإخوة ؛ نحن اليوم مع حديثٍ فيه دعاءٌ جامعٌ أيضا ، كما تقدَّم في الحديث الَّذي قبله ،

« اللهمَّ ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدىٰ ، وَالتُّقىٰ ، وَالْعَفَافَ ، وَالْغِنَىٰ » (1) ،

فمن حصل علىٰ ذٰلك فإنَّه قد حصَّل علىٰ كل شيءٍ ممَّا يتعلَّق بأسباب السَّعادة ،

الَّتي يسعدُ بها المرء في دنياهُ ، وفي آخرته ، وهٰذا اليوم نحن مع حديث :

« اللّٰهُمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ،

وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ،

وَالْمَوْتُ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ » (2) .



هٰذا الدُّعاء المبارك الثَّابت عن النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

أيضاً فيه من جوامع كَلِمِهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أمور :



الأمرُ الأوَّل : الدُّعاء بِصَلاح الدِّين .



والأمرُ الثَّاني : الدُّعاء بِصَلاح الآخرة .



والأمرُ الثَّالث : الدُّعاء بِصَلاح الدُّنيا ، الَّذي يترتَّبُ عليه صلاح الآخرة .



والأمرُ الرَّابع : الدُّعاء بأنْ تكون الحياة والعمر مزيدًا من الخير والتُّقىٰ ، وزيادةً في العمل الصَّالح .



والأمرُ الْخامسُ : الدُّعاء بأن يكون الموتُ راحةً من الفتن والشُّرور الَّتي قدْ تُصِيبُ الأحياء .



ولنبدأ بالجملة الأولىٰ في هٰذا اليوم .



« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



صَلاح الدِّين ، والنَّفس ، والْمَال ، والْعِرض ، والْعقل ،

هٰذه الأُمُور الْخمسة إذا حفظ الله المرء فيها نالَ سعادة الدُّنيا والآخرة ،

بلْ تلك هي السَّعادة الْكُبرىٰ الَّتي لا تعدلها سعادة .



وأساس ذٰلك كلِّه صلاح الدِّين .



والدِّينُ : ما يدينُ به الْعبد ويعتقده ، ويعمل به ، ويكافح مِنْ أجله ، ويعتنقه ،

ويلتزم أوامره ، ويجتنب نواهيه ، وهو دين الإسلام .



الدِّين الَّذي لا يقبل الله دينًا سِواه ؛ ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ( آل عمران : 19 ) .



وقال تعالىٰ : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ


( آل عمران : 85 ) .



فإذا صَلُحَ دينك ، صَلُحَتْ أُمُورُ دُنياك ، ولذٰلك بَدَأَ به فِي الدُّعاء عليه الصَّلاة والسَّلام فقالَ :

« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



« عِصْمَةُ أَمْرِك » : حَزْمُه ، سَلامته ، قَوَامُه ، أسَاسُه ، رُكْنُهُ الرَّكين ، وحِصْنُهُ المتين .



فصلاح الدِّين وحفظه ، يا عبد الله !



هو الأساسُ لصلاح الدُّنيا والآخرة ، وهو الأساسُ لسعادة العبد ،

وتحقيقه للأمر الَّذي أوجده الله له ، وخلقه مِن أجله .



* فإنَّنا قد خلقنا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ :



˘ مِنْ أجل هٰذا الدِّين .



˘ مِنْ أجل أنْ نُقيم شرع الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق عبادة الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق توحيد الله تبارك وتعالىٰ .



˘ مِنْ أجل أنْ نَعْبُدَهُ وحدَهُ لا شريك له ، ونَنْبُذَ عبادة مَنْ سِواه .



﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( البينة : 5 ) .



لذٰلك هو الدِّين الْمُسْتقيم ، ﴿ دِينًا قِيَمًا ( الأنعام : 161 ) ،

مُسْتقيما .



فما يدين به العبد ربَّهُ مِنْ تحقيق العبوديَّة له سُبْحانه ، وامْتثال سائر أوامرهِ واجْتناب جميع نواهيه ،

هٰذه هي الغاية والمقصود مِنْ خلق الإنسان .



كما قال الله تبارك وتعالىٰ : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( الذاريات : 56 ، 58 ) .



إذا عَرَفَ الإنسان هٰذا الغرض الَّذي خُلِقَ له ، وَوُجِدَ مِنْ أجْله اِسْتقام علىٰ دين الله عَزَّ وَجَلَّ ،

وشَرْعه ، وطَبَّقَ أوامرهُ ، واجْتَنَبَ نواهيه .



ومِنْ ثَمَّ تَرَتَّبَ علىٰ ذٰلك صلاحُ جميع الأُمُور الأُخْرىٰ .



لأنَّهُ إذا حقَّقَ الْعَبْدُ الْغَرضُ الَّذي خلقه الله له ، وطَبَّقَهُ تمامًا ، وتَفَانىٰ مِنْ أجله ،

واجْتَهَدَ فِي طاعة ربِّه ، وطاعة رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

فإنَّ تلك سعادةٌ لا تعدلها سعادة .



ولو يعلم الشَّقِيُّ ، ولو كان أغْنَىٰ النَّاس بما يشْعرُ به ، مَنْ التزم بدينه مِنْ سعادةٍ تَغْمُرُ قلبه بالخير ،

والتُّقىٰ ، ومُحبَّة الخير ، والاجتهاد في طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

لو يعلم ما في ذٰلك مِنَ الخير ، لجالد عليه بالسَّيْف .



كما جاء ما يدلُّ علىٰ هٰذا المعنىٰ فِي كلام كثيرٍ مِنَ السَّلف .



ولذٰلك فإنَّ الدِّين هو حصن الحصين ، والرُّكن الرَّكين الَّذي يحفظ الله به المرء ،

ويَعْصِمه به مِنْ آفات الدُّنيا والآخرة .



فإذا عرفنا إنَّ الدِّين المقصود هنا هو الإسلام ، وهو ما يدين العبد ربَّه به ،

مِنَ الاسْتقامة علىٰ طاعته ، وعمل بما يُرضيه ، والْبُعد عن مساخطه ، وامْتثال أمره ،

واجْتناب نهيه ، فإنَّ هٰذا هو سبب العِصْمة ، والسَّلامة ، والْخير ، فِي الدُّنيا وفِي الآخرة .



وقوله : « الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يدلُّ علىٰ معانٍ عديدة :



فيه العِصْمَةُ مِنَ الزَّلل ، والذُّنوب ، والآثام ، والبِدع ، والخُرافات .



فيه عِصْمَةُ النَّفسِ ، والْمَالِ ، والْعِرضِ ، والْعقل .



فيه عِصْمَةُ الْبَدن وسَلامته ، مِنَ الآفاتِ والشُّرور .



فيه السَّعادةُ ، كُلُّ السَّعادة ، فِي الدُّنيا ، وفِي الآخرة .



وكيف يكون عِصْمَةً لهُ ؟



يكون عِصْمَةً لهُ فِي أمر دُنْياهُ وآخِرته ، إنْ هُو طَبَّقَهُ واسْتَقامَ عَلَيْه ، بأن يحفظه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

ويَكْلَأَ ، ويرعاه ، ويوفّقه لعمل الخير ، ويبعدهُ عن كلِّ ما يُخالف ذٰلك .



* العِصْمَةُ أيضاً من معانيها : السَّلامة ، والْكَلَاءَتُه ، والرِّعاية .



« الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يَعْصِم الله به أمْرَنَا بأنْ يَحفظنا به إلىٰ أنْ نلقاهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

ونحن علىٰ ذٰلك ، نسأل الله أنْ يُحقِّقَ لنا ذٰلك .



يقول رسُول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّىٰ يَشْهَدُوا : أَنْ لَا إِلـٰهَ إِلَّا الله ،

وأَنِّي رَسُولُ الله ، فإِذَا فَعَلُوا ذٰلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، وَحَسَابَهُمْ عَلَىٰ اللهِ جَلَّ وَعَلَا » (3) .



فانْظر يا عبد الله !



إلىٰ الدِّين ، والْمُسْتَقِيمينَ عليه ، ومُطَبِّقين لأوامر اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، والممتثلين لنواهيه ،

كم يحفظهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ مِنْ أُمُورٍ عظيمة ؟.



قالَ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَبْر الأُمَّة وتُرجمان القُرآن عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :

« يَا غُلَامْ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : اِحْفَظِ اللهَ ؛ يَحفَظُكَ ، اِحْفَظِ اللهَ ؛ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ،

تَعَرَّفْ إِلَىٰ اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّةِ ، إِذَا سَأَلْتَ ؛ فَاسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ ؛

فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَنْفَعُوكَ لَنْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ،

وَلَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَضُرُّوكَ لَنْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ » (4)



فِي الدِّين عِصْمَةٌ لك مِنَ الشِّرك ؛ والوقوع فيه ، لأنَّ المسلم إذا عرف التَّوحيد وحقَّقه ،

سَلِمَ ممَّا يُضادُّهُ ، وهو الإشراك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ .



* فِي الاِسْتقامة علىٰ الدِّين وتحقيق التَّوحيد الأمنُ فِي الدُّنيا والآخرة .



قالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ

لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ( الأنعام : 82 ) .



فَالظُّلم هنا : الشِّرك ؛ لأنَّ مَنْ عرف الدِّين وطبَّقه سَلِمَ مِنَ الشِّرك .



الظُّلم الأكبر هو : الشِّرك .



كما قالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ : ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) .



ولذٰلك لَمَّا قالَ أبو بكر ، ومَنْ معه مِنَ الصَّحابة عندما نزلت هٰذه الآية ، قالوا :

وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمَ نَفْسَهُ يَا رَسُولُ الله ! فقالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« لَيْسَ هُوَ ذَاكَ - لَيْسَ هُوَ الظُّلْمَ الَّذِي تَعْنُونَ - الظُّلم المقصود به هُنَا هُوَ : الشِّرْك » .



ألا ترىٰ إلىٰ قول العبد الصَّالح : ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) (5) .



وقد فسَّر النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذٰلكَ بِبيان أنواع الظُّلم الثَّلاثة ، فأخبر أنَّ الدَّواوينُ الثَّلاثة (6) .

عبد الغني رضا 15-01-2011 03:19 PM

جزاكم الله خيرا

الطاهرة المقدامة 15-01-2011 06:01 PM

بوركت يمينك أختي الحبيبة وجزاك الله كل خير.
خالص محبتي.

أسامي عابرة 15-01-2011 07:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الله ** (المشاركة 301745)
جزاكم الله خيرا


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإياكم .. بارك الله فيكم

شكر الله لكم مروركم الكريم وحسن قولكم

رزقكم الله خيري الدنيا والآخرة

في رعاية الله وحفظه

أسامي عابرة 15-01-2011 08:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمارة عبده (المشاركة 301800)
بوركت يمينك أختي الحبيبة وجزاك الله كل خير.
خالص محبتي.


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله أختي الحبيبة سمارة

أسعدني مروركِ الكريم وإطلالتكِ العطرة وحسن قولكِ

أحسن الله إليكِ ووفقكِ لكل خير

في حفظ الله ورعايته

عبد الغني رضا 13-02-2011 10:21 PM

للرفع......

أسامي عابرة 13-02-2011 10:28 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم

رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم

في رعاية الله وحفظه

أسامي عابرة 14-05-2014 03:33 PM

شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . »





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


إنَّ الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إلـٰه إلاَّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله ، صَلَّىٰ اللهُ وسَلَّم وباركَ عليه ، علىٰ آلهِ وأصْحابهِ أجْمعين .



أَمَّا بَعْدُ :



أيُّها الإخوة ؛ نحن اليوم مع حديثٍ فيه دعاءٌ جامعٌ أيضا ، كما تقدَّم في الحديث الَّذي قبله ،

« اللهمَّ ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدىٰ ، وَالتُّقىٰ ، وَالْعَفَافَ ، وَالْغِنَىٰ » (1) ،

فمن حصل علىٰ ذٰلك فإنَّه قد حصَّل علىٰ كل شيءٍ ممَّا يتعلَّق بأسباب السَّعادة ،

الَّتي يسعدُ بها المرء في دنياهُ ، وفي آخرته ، وهٰذا اليوم نحن مع حديث :

« اللّٰهُمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ،

وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ،

وَالْمَوْتُ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ » (2) .



هٰذا الدُّعاء المبارك الثَّابت عن النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

أيضاً فيه من جوامع كَلِمِهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أمور :



الأمرُ الأوَّل : الدُّعاء بِصَلاح الدِّين .



والأمرُ الثَّاني : الدُّعاء بِصَلاح الآخرة .



والأمرُ الثَّالث : الدُّعاء بِصَلاح الدُّنيا ، الَّذي يترتَّبُ عليه صلاح الآخرة .



والأمرُ الرَّابع : الدُّعاء بأنْ تكون الحياة والعمر مزيدًا من الخير والتُّقىٰ ، وزيادةً في العمل الصَّالح .



والأمرُ الْخامسُ : الدُّعاء بأن يكون الموتُ راحةً من الفتن والشُّرور الَّتي قدْ تُصِيبُ الأحياء .



ولنبدأ بالجملة الأولىٰ في هٰذا اليوم .



« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



صَلاح الدِّين ، والنَّفس ، والْمَال ، والْعِرض ، والْعقل ،

هٰذه الأُمُور الْخمسة إذا حفظ الله المرء فيها نالَ سعادة الدُّنيا والآخرة ،

بلْ تلك هي السَّعادة الْكُبرىٰ الَّتي لا تعدلها سعادة .



وأساس ذٰلك كلِّه صلاح الدِّين .



والدِّينُ : ما يدينُ به الْعبد ويعتقده ، ويعمل به ، ويكافح مِنْ أجله ، ويعتنقه ،

ويلتزم أوامره ، ويجتنب نواهيه ، وهو دين الإسلام .



الدِّين الَّذي لا يقبل الله دينًا سِواه ؛ ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ( آل عمران : 19 ) .



وقال تعالىٰ : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ


( آل عمران : 85 ) .



فإذا صَلُحَ دينك ، صَلُحَتْ أُمُورُ دُنياك ، ولذٰلك بَدَأَ به فِي الدُّعاء عليه الصَّلاة والسَّلام فقالَ :

« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



« عِصْمَةُ أَمْرِك » : حَزْمُه ، سَلامته ، قَوَامُه ، أسَاسُه ، رُكْنُهُ الرَّكين ، وحِصْنُهُ المتين .



فصلاح الدِّين وحفظه ، يا عبد الله !



هو الأساسُ لصلاح الدُّنيا والآخرة ، وهو الأساسُ لسعادة العبد ،

وتحقيقه للأمر الَّذي أوجده الله له ، وخلقه مِن أجله .



* فإنَّنا قد خلقنا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ :



˘ مِنْ أجل هٰذا الدِّين .



˘ مِنْ أجل أنْ نُقيم شرع الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق عبادة الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق توحيد الله تبارك وتعالىٰ .



˘ مِنْ أجل أنْ نَعْبُدَهُ وحدَهُ لا شريك له ، ونَنْبُذَ عبادة مَنْ سِواه .



﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( البينة : 5 ) .



لذٰلك هو الدِّين الْمُسْتقيم ، ﴿ دِينًا قِيَمًا ( الأنعام : 161 ) ،

مُسْتقيما .



فما يدين به العبد ربَّهُ مِنْ تحقيق العبوديَّة له سُبْحانه ، وامْتثال سائر أوامرهِ واجْتناب جميع نواهيه ،

هٰذه هي الغاية والمقصود مِنْ خلق الإنسان .



كما قال الله تبارك وتعالىٰ : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( الذاريات : 56 ، 58 ) .



إذا عَرَفَ الإنسان هٰذا الغرض الَّذي خُلِقَ له ، وَوُجِدَ مِنْ أجْله اِسْتقام علىٰ دين الله عَزَّ وَجَلَّ ،

وشَرْعه ، وطَبَّقَ أوامرهُ ، واجْتَنَبَ نواهيه .



ومِنْ ثَمَّ تَرَتَّبَ علىٰ ذٰلك صلاحُ جميع الأُمُور الأُخْرىٰ .



لأنَّهُ إذا حقَّقَ الْعَبْدُ الْغَرضُ الَّذي خلقه الله له ، وطَبَّقَهُ تمامًا ، وتَفَانىٰ مِنْ أجله ،

واجْتَهَدَ فِي طاعة ربِّه ، وطاعة رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

فإنَّ تلك سعادةٌ لا تعدلها سعادة .



ولو يعلم الشَّقِيُّ ، ولو كان أغْنَىٰ النَّاس بما يشْعرُ به ، مَنْ التزم بدينه مِنْ سعادةٍ تَغْمُرُ قلبه بالخير ،

والتُّقىٰ ، ومُحبَّة الخير ، والاجتهاد في طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

لو يعلم ما في ذٰلك مِنَ الخير ، لجالد عليه بالسَّيْف .



كما جاء ما يدلُّ علىٰ هٰذا المعنىٰ فِي كلام كثيرٍ مِنَ السَّلف .



ولذٰلك فإنَّ الدِّين هو حصن الحصين ، والرُّكن الرَّكين الَّذي يحفظ الله به المرء ،

ويَعْصِمه به مِنْ آفات الدُّنيا والآخرة .



فإذا عرفنا إنَّ الدِّين المقصود هنا هو الإسلام ، وهو ما يدين العبد ربَّه به ،

مِنَ الاسْتقامة علىٰ طاعته ، وعمل بما يُرضيه ، والْبُعد عن مساخطه ، وامْتثال أمره ،

واجْتناب نهيه ، فإنَّ هٰذا هو سبب العِصْمة ، والسَّلامة ، والْخير ، فِي الدُّنيا وفِي الآخرة .



وقوله : « الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يدلُّ علىٰ معانٍ عديدة :



فيه العِصْمَةُ مِنَ الزَّلل ، والذُّنوب ، والآثام ، والبِدع ، والخُرافات .



فيه عِصْمَةُ النَّفسِ ، والْمَالِ ، والْعِرضِ ، والْعقل .



فيه عِصْمَةُ الْبَدن وسَلامته ، مِنَ الآفاتِ والشُّرور .



فيه السَّعادةُ ، كُلُّ السَّعادة ، فِي الدُّنيا ، وفِي الآخرة .



وكيف يكون عِصْمَةً لهُ ؟



يكون عِصْمَةً لهُ فِي أمر دُنْياهُ وآخِرته ، إنْ هُو طَبَّقَهُ واسْتَقامَ عَلَيْه ، بأن يحفظه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

ويَكْلَأَ ، ويرعاه ، ويوفّقه لعمل الخير ، ويبعدهُ عن كلِّ ما يُخالف ذٰلك .



* العِصْمَةُ أيضاً من معانيها : السَّلامة ، والْكَلَاءَتُه ، والرِّعاية .



« الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يَعْصِم الله به أمْرَنَا بأنْ يَحفظنا به إلىٰ أنْ نلقاهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

ونحن علىٰ ذٰلك ، نسأل الله أنْ يُحقِّقَ لنا ذٰلك .



يقول رسُول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّىٰ يَشْهَدُوا : أَنْ لَا إِلـٰهَ إِلَّا الله ،

وأَنِّي رَسُولُ الله ، فإِذَا فَعَلُوا ذٰلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، وَحَسَابَهُمْ عَلَىٰ اللهِ جَلَّ وَعَلَا » (3) .



فانْظر يا عبد الله !



إلىٰ الدِّين ، والْمُسْتَقِيمينَ عليه ، ومُطَبِّقين لأوامر اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، والممتثلين لنواهيه ،

كم يحفظهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ مِنْ أُمُورٍ عظيمة ؟.



قالَ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَبْر الأُمَّة وتُرجمان القُرآن عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :

« يَا غُلَامْ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : اِحْفَظِ اللهَ ؛ يَحفَظُكَ ، اِحْفَظِ اللهَ ؛ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ،

تَعَرَّفْ إِلَىٰ اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّةِ ، إِذَا سَأَلْتَ ؛ فَاسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ ؛

فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَنْفَعُوكَ لَنْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ،

وَلَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَضُرُّوكَ لَنْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ » (4)



فِي الدِّين عِصْمَةٌ لك مِنَ الشِّرك ؛ والوقوع فيه ، لأنَّ المسلم إذا عرف التَّوحيد وحقَّقه ،

سَلِمَ ممَّا يُضادُّهُ ، وهو الإشراك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ .



* فِي الاِسْتقامة علىٰ الدِّين وتحقيق التَّوحيد الأمنُ فِي الدُّنيا والآخرة .



قالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ

لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ( الأنعام : 82 ) .



فَالظُّلم هنا : الشِّرك ؛ لأنَّ مَنْ عرف الدِّين وطبَّقه سَلِمَ مِنَ الشِّرك .



الظُّلم الأكبر هو : الشِّرك .



كما قالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ : ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) .



ولذٰلك لَمَّا قالَ أبو بكر ، ومَنْ معه مِنَ الصَّحابة عندما نزلت هٰذه الآية ، قالوا :

وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمَ نَفْسَهُ يَا رَسُولُ الله ! فقالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« لَيْسَ هُوَ ذَاكَ - لَيْسَ هُوَ الظُّلْمَ الَّذِي تَعْنُونَ - الظُّلم المقصود به هُنَا هُوَ : الشِّرْك » .



ألا ترىٰ إلىٰ قول العبد الصَّالح : ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) (5) .



وقد فسَّر النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذٰلكَ بِبيان أنواع الظُّلم الثَّلاثة ، فأخبر أنَّ الدَّواوينُ الثَّلاثة (6) .


الساعة الآن 07:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com