منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   منبر التزكية والرقائق والأخلاق الإسلامية (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=122)
-   -   الأصول الشرعية للتعامل مع النّاس/الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=39937)

أسامي عابرة 20-09-2010 12:55 PM

الأصول الشرعية للتعامل مع النّاس/الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله
 
الأصول الشرعية للتعامل مع النّاس/الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





الأصول الشرعية للتعامل مع الناس





تسهيلاً على القارئ بَوَّبتها على النحو التالي :




- تعامل المرء مع نفسه
- تعامل المرء مع والديه
- تعامل الرجل مع زوجته
- تعامل الزوجة مع زوجها
- تعامل المرء مع أقاربه
- تعامل المرء مع أولاده
-التعامل مع أهل الطاعة
- تعامل المرء مع عامة المسلمين
- تعامل المرء مع المبتدعة
- تعامل المرء مع الكفار
- تعامل المرء مع ولاة الأمر
- التعامل مع العلماء





بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، قال في محكم كتابه ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله أرسله الله جل وعلا بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، بشيرا بالجنة لمن أطاعه ونذيرا ومنذرا من النار ومن عذاب الله في الدنيا والآخرة لمن خالف أمره وعصاه، فبلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، وصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد وعلى صحابته وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:


فموضوع هذا الدرس هو:

الأصول الشرعية للتعامل مع الناس

ومن المعلوم أن الله جل وعلا بعث نبيه محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُخرج الناس من داعية هواهم، ليخرجهم من تحكيم آرائهم وتحكيمهم رغباتهم على تعاملاتهم إلى أن يحكّموا الله جل وعلا وحده وإلى أن يطيعوا الله جل وعلا ويطيعوا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي الصحيح صحيح مسلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «قال الله تعالى إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك» فالله جل وعلا بعث نبينا محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبتليه بطاعته وبتوحيده وبتبليغ شرعه وليبتلي به الناس، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختَبر به وبما جاء به عن الله جل وعلا، (لأبتليك وأبتلي بك) يعني لأختبر الناس بك هل يتبعون شرعك؟ هل يتبعون سنتك؟ هل يتبعون ما حملته مما أنزل الله جل وعلا عليك أم لا ؟




الابتلاء حقيقته الاختبار، وابتلاء الناس بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أحوال المكلَّف، ومن تلك الأحوال أنواع تعاملاته، فالشريعة جاءت كما يقول الشاطبي في كتابه الموافقات: الشريعة جاءت لإخراج المكلف من داعية هواه إلى أن يكون تابعا لأمر الله جل وعلا. فحقيقة العبد أنه مربوط مقبوض لله جل وعلا، ولهذا يجب عليه أن يخرج عن داعية هواه إلى أن يكون عبدا محققا هذه العبودية لله جل وعلا في كل أحواله، ولهذا كان من اللوازم على من يريد الخير بنفسه أن يتعرّف وأن يطلب عِلم ما أنزل الله جل وعلا على رسوله، ومما يصادف المرء؛ بل مما يواجهك في كل حال أنَّك تواجه أنواعا من الخلق، تواجه نفسك، وتواجه من في بيتك وتواجه من في السوق، وتواجه إخوانك المؤمنين، وتواجه الكفرة، وتواجه العصاة، وتواجه المبتدعة، تواجه الأقربين، وتواجه الأبعدين، تواجه العلماء، تواجه ولاة الأمر تواجه أصناف كثيرة من الناس ومن الخلق، فكيف يتعامل المرء مع هؤلاء؟ أيتعامل معهم كما يريد؟ أيتعامل معهم كما يشتهي؟ أيتعامل معهم كما يملي له عقله وكما يملي له هواه؟ أم يتعامل معهم على وفق الأحكام الشرعية التي جاءت في كتاب الله جل وعلا وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما بينه أهل العلم الراسخون في بيان الكتاب والسنة؟


لاشك أن الواجب أن يكون المرءُ معتنيا بأنواع التعاملات حتى يكون إذا تعامل مع الخلق يتعامل معهم على وفق الشرع، وأن لا يكون متعاملا على وفق هواه وعلى وفق ما يريد.




إن التعامل مع الناس بأصنافهم يحتاج إلى علم شرعي، ولهذا تجد أن طوائف من الناس ربما تعلموا علوما من أنواع العلم الشرعي؛ لكنها ليست مما يجب عليهم أن يتعلموه، فتجد أن بعض طلاب العلم ربما دخلوا في علوم هي من النفل أو هي من فروض الكفايات بما كانت في أنفسهم له لذة، يطلب علما؛ لأنه يجد لذة فيه يطلب مثلا علم الحديث لأن يجد لذة فيه، يطلب علم المصطلح لأن له لذة فيه، يطلب بعض مسائل الفقه لأن له لذة فيها، وهذا لم يخرج عن داعية هواه في كل أمره، كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته التي صنّفها فيما يفعله العبد لأجل اللذة من الطاعات، لاشك أن المرء إذا كان محكّما لما يجب عليه وجد أنه يجب عليه أن يسعى في رفع الجهل عن نفسه بما أنزل الله جل وعلا، لهذا نجد أن المسلم وطالب العلم الحريص على أن يكون عمله وفعله موافقا للشرع تجد أنه يطلب العلم النافع؛ يطلب العلم الذي يصحح أحواله؛ لأنه ما من لحضة تمر عليك في أحوالك إلا ولله جل وعلا أمر ونهي فيها، إما أمر بإيجاب أو استحباب وإما نهي بتحريم وكراهة، وإما باستواء هذا وذاك؛ يعني في المباحات، ولا شك أن المرء إذا علم أحكام الله جل وعلا في أنواع التعاملات يكون وافق أمر الله وعبد الله جل وعلا في كل أحيانه، ولهذا كانت هذه الكلمات وكان هذا الدّرس لبيان شيء أحكام أنواع التعامل مع الناس.




تعامل المرء مع نفسه





أقرب ما يكون إليك نفسك التي بين جنبيك وإنّ أكثر ما يُعامل المرء نفسه، فهذه النفس التي بين جنبيه كيف يعاملها؟ أيعاملها معاملة من لا يدرك ما يجب عليها وما لا يجب؛ ما يجوز وما لا يجوز؟ أم يعاملها على وفق الحكم الشرعي؟

إن الله جل جلاله في القرآن العظيم وإنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته المطهرة بيّن الله جل وعلا وبيّن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه يجب على المؤمن أن يزكّي نفسه قال جل وعلا ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)[الشمس:9-10]، فالسعي في تزكية النفس هي أولى درجات التعامل مع النفس، فإن النفس لها طلبات في الخير ولها طلبات في الشر، وإن المرء إذا عامل نفسه بالسعي في أن يزكيها كانت تلك النفس نفسا طيبة، كانت نفسا مفلحة وكان صاحبها مفلحا ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).






وفلاح النفس وتزكيتها يكون بأمر عام ألا وهو أن يجعل نفسه متعلقة بالدار الآخرة وأن يجعلها مبتعدة عن دار الغرور، يجعل هذه النفس في أحوالها وفي مطالبها متعلّقة بالدار الأخرى، متعلقة بالجنة وبالرغب إليها وبالقرب منها وبإعداد المنازل هناك، وبالبعد عن النار وعن وسائلها وعن ما فيها من أنواع العذاب.



هذه أولى درجات تزكية النفس أن يكون المرء ناظرا فيما يُصلحه في داره الأخرى؛ يعني أن يكون المرء متعلقا بالدار الأخرى، وإذا تعلق المرء في الدار الأخرى رغبا في الجنة وهربا من النار، كانت الحصيلة أنه يسعى إلى ما يقربه من الجنة ويسعى فيما يبعّده من النار، ولتزكية النفس كما قال بعض علماء السلف لتزكية النفس ثلاثة ميادين:


أول ذلك أن يزكي نفسه بإصلاح القلب بتوحيد الله جل وعلا وبإخلاص الدين له، فإن إخلاص القلب لله جل وعلا هو أعظم ما تكون به تزكية النفس؛ لأن النفس لابد وأن يكون فيها محاب مشتركة، فإذا كانت محبة الله جل وعلا أعظم وكانت مرادات النفس تبعا لمراد الله جل وعلا كان الإخلاص في القلب أعظم، وكان ازدياده من الإقبال على الله جل وعلا أعظم، ولاشك أن الإخلاص يتبعه أنواع من إصلاح عبوديات القلب.









ومن أمثل من شرح ذلك وبينه ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام العلم الإمام المعروف في كتابه مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فإن هذا الكتاب خلّص ابن القيم رحمه الله فيه كلام السلف من أدران كلام غلاة المتصوفة وجعله كلاما متسقا كلاما عظيما كلاما جميلا فيه إصلاح عبوديات القلب، هذا الكتاب مما ينبغي أن يمر عليه طالب العلم؛ بل يمر عليه كل مسلم بين الحين الآخر وأن ينظر فيه، فما فهمه منه مما فيه إصلاح النفس عمل به، وما لم يفهمه أو استشكله يسأل أهل العلم عن مرادات ابن القيم في ذلك.


إن إصلاح القلب أيها المؤمن إنما يكون بأن يكون الله جل وعلا في قلبك أعظم من كل شيء، قال ابن القيم رحمه الله:


فلواحد كن واحدا في واحد أعني سبيل الحق والإيمان


(لواحد) يعني لله جل وعلا وحده دونما سواه، (كن واحدا) في قصدك وإرادتك وتصرفاتك (في واحد) يعني في سبيل واحد غير متعدد قال مبينا هذا السبيل (أعني سبيل الحق والإيمان).


فتخليص النفس من الرهب في غير الله جل وعلا هذا أول مدارج إصلاح النفس، وإن إصلاح النفس وتزكيتها إنّ ذلك من أعظم المطالب وأن يكون الله جل وعلا ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب للعبد مما سواهما.


العبد يحركه في الأشياء المحبّة كما بين ذلك شيخ الإسلام في كتابه قاعدة في المحبة، إنما يحرك الناس في أحوالهم محبتهم، فإذا أحب الدار الآخرة تحرك إليها، وإذا أحب الدنيا تحرك لها، فبقدر ما تكون المحبة في القلب عظيمة يكون التحرك إلى ما أحبه القلب، فإذا كان الله جل وعلا ورسوله أحبّ إلى العبد مما سواهما كانت حركة العبد بنفسه وببدنه وبجوارحه كانت في طاعة الله وفي طاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


وثاني درجات تزكية النفس أن يكون العبد ممتثلا للأوامر مجتنبا عن النواهي؛ يعني أن يحمل نفسه على طاعة الأمر على طاعة الواجبات وأن يباعد نفسه عن ارتكاب المنهيات، وإن لله جل وعلا أوامر، وإن لله جل وعلا نواهي، وإن طاعة الله جل وعلا وتزكية النفس إنما هي باتباع الأمر واجتناب النهي، وباب المنهيات عظيم وباب المأمورات عظيم.

وقد اختلف العلماء: هل باب الأمر أعظم أم باب النهي أعظم ؟
فقالت طائفة من أهل العلم: إن باب النهي أعظم. يعني إذا غشى العبد ما نهى الله جل وعلا عنه فإنه يكون معرَّضا للعقوبة، ويكون فرط في الأمر الأعظم، فلهذا واستدلوا على ذلك بفعل آدم عليه السلام حيث خالف النهي، فكانت العقوبة بأن أُخرج من دار الكرامة، وأخرج من الجنة، والأوامر والنواهي عظيمان، ولكن هل جانب الأمر أعظم أم جانب النهي أعظم؟ هل رجحان الحسنات أعظم أم رجحان ترك السيئات أعظم؟ هذا مما اختلف فيه أهل العلم، وهذا وهذا، ولا شك أن تحصيل تزكية النفس إنما يكون بامتثال الفرائض واجتناب النواهي.
قد يتساهل العبد مع نفسه بتساهل في ترك الفرائض، يتساهل في ترك الواجبات، يتساهل في غشيان بعض المنهيات وبعض المحرمات؛ ولكن هذا يعقبه غصة في النفس ويعقبه سيئة أخرى.
فقد قال بعض السلف: إذا رأيت الرجل يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات.
ولا شك الحسنة تجلب الحسنة والسيئة تجلب السيئة، وهذا يقود إلى ذاك، فإذا جاهد العبد نفسه في امتثال الأوامر وفي الابتعاد عن النواهي، كان مزكيا لنفسه، ثم النوافل، النوافل في جانب الأوامر والنوافل في جانب المنهيات يعني ترك المكروهات؛ لأن ترك المكروه مستحب؛ ولأن فعل النافلة مستحب، إن فعل النوافل في هذا وذاك مما يقرب إلى الخير، وقد ثبت في صحيح البخاري أنّ الله جل وعلا يقول في الحديث القدسي «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبد المؤمن يكره الموت وأكره مساءته» يعني جل وعلا بقوله (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) إلى آخر الحديث؛ يعني كنت مسدِّدا له في سمعه فبي يسمع وبي يبصر فلا يسمع العبد إلا ما يحب الله ولا يبصر إلا ما يحب الله ولا يمشي إلا إلى ما يحب الله ولا يعمل بيده إلا ما يحب الله جل وعلا، هذا بعد أن يكون العبد آتيا بالنوافل بعد الفرائض، ولا شك أن أغلى ما عندك نفسك، أغلى ما تملك هو هذه النفس، وهذه النفس في حياة قصيرة هي هذه الحياة الدنيا، فإذا سعى العبد في تزكيتها كانت له السعادة في الحياة الآخرة، وقد قال جل وعلا (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل:97] فهذه الحياة الطيبة في هذه الدنيا في وفي الدار الأخرى.
والدرجة الثالثة من درجات تزكية النفس أن يكون العبد محاسبا نفسه دائما أن لا يغفل عنها، ومحاسبة النفس من أنواع التزكية لأن العبد إذا غفل عن نفسه فإنه يؤتى، وإذا ترك نفسه وهواها فإنه يتمنى على الله الأماني، وهذا إنما يكون بالحزم. وهذه أولى أنواع التعامل، وهي التعامل مع النفس ولا شك أن أعظم ما يجب عليك معه التعامل مع نفسك التي بين جنبيك وما يجب عليك أن تحمل هذه النفس على الطاعة والخير وعلى إخلاص العبادة وعلى التقرب إلى الله جل وعلا دائما وعلى أن تسعى في العبوديات المختلفة في كل حالك وفي كل تقلباتك.











تعامل المرء مع والديه





النوع الثاني من أنواع التعامل ، التعامل مع الوالدين، والوالدان عظّم الله جل وعلا حقهما، وقد قال جل وعلا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)[الإسراء:23-24]، وقال جل وعلا (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء:36]، وقال سبحانه (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الأنعام:151]، فقرن الله جل وعلا في آيات كثيرة حق الوالدين بحقه، قال العلماء: إن حق الوالدين مقرون بحق الله جل وعلا؛ ذلك من كان وفيا مع والديه مطيعا لهما فإنه أن يكون مطيعا لربه جل وعلا من باب أولى؛ لأن العبد إذا تذكر ما يجب للوالدين من الحق وفاء لهما وبرا لهما فلئن أن يكون بارا فلئن يكون مطيعا لله جل وعلا الذي لا يخلو العبد في حين من أحيانه من نعمة من نعم الله جل وعلا حادثة من نعمة تجب الشكر، لاشك أن ذلك من باب أولى.


ولذلك قال الله جل وعلا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)




قَضَى: يعني أمر ووصى كما فسره ابن مسعود وغيره قضى ووصى أمر ووصى (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وعظم حق الوالدين بقوله جل وعلا (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) فحرم التأفيف، وهذا من باب التنبه على الأعلى، فإن التنبيه على التأفيف كان التحريم ما هو أعلى من باب أولى، من قياس الأولى أو من الدخول في دلالة اللفظ في محل اللفظ، وقال جل وعلا بعدها (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) يعني بالقول لا تقل أف، وفي الفعل لا تنهرهما (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) هذا في باب الأفعال، عقوق الوالدين من الكبائر، والموبقات كثيرة ومنها عقوق الوالدين، ومن الناس من يكون بارا بنفسه، بارا بأهله، بارا بأقاربه، بارا بأصدقائه؛ ولكن حاله مع والديه هي أسوأ الأحوال، وهذا لاشك أنه مما هو من الكبائر؛ لأن عقوق الوالدين من الكبائر، وقد عد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقوق الوالدين من الكبائر.


فالتعامل مع الولدين يجب أن يكون على وفق ما قضى الله جل وعلا به وقضى به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون العبد مُحْسنا معهما بالكلام محسنا بالفعل، قال جل وعلا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:24] (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) يعني اخفض لهما جناحك الذليل على وجه الرحمة، قال العلماء: الجناح هنا هو جانب الإنسان؛ يعني من اليد والرجل أو جانب أو الجانب وقوله هنا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ? فيه تنبيه على أن من الناس من يخفض من الوالدين جناح الذل ولكن قلبه منطوٍ على الكبر قلبه منطوٍ على عدم الطاعة، قلبه منطوٍ على البغض والله جل وعلا قال (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) يعني جناحك الذليل (مِنَ الرَّحْمَةِ) لا على وجه الاستعلاء لا على وجه التكبر؛ بل قل بعد ذلك (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وهذه الآية من الآيات مما تنقطع معه قلوب المؤمنين الذين يعظمون الله جل جلاله.


قال العلماء: تجب طاعة الوالدين في المعروف. ومعنى ذلك أنّ العبد إذا أُمر -يعني أمره الله جل وعلا- بأمر هو له فرض عين؛ فإن طاعة الله هنا مقدمة على طاعة الوالدين، أما فيما كان في غير فرض العين، وتمثيل لفرض العين مثل حضور الجمعة وحضور الجماعات والجهاد الذي هو فرض عين عليه، ومثل طلب العلم الواجب والسفر له، ونحو ذلك من فرائض الأعيان، فهذا ليس لهما طاعة فيه فإذا منعاه من الحج الواجب مثلا الذي هو فرض عين عليك ليس لهما طاعة فيه، كذلك إذا منعاه من أداء الصلاة جماعة فليس لهما طاعة فيه، كذلك إذا منعاه من أداء الجهاد المتعين ليس لهما طاعة في ذلك؛ لكن إن منعاه من حج نفل أو من جهاد نفل، أو منعاه من صلاة نفل أو نحو ذلك وجب عليه أن يطيعهما، وقد قال جل وعلا (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)[العنكبوت:8] وقال جل وعلا في الآية الأخرى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[لقمان:15].


قال الإمام أحمد رحمه الله: يطيع الوالدين ولو كانا فاسقين. لأن حقهما ليس لأجل صلاحهما؛ ولكن لأجل أنهما والدان، والله جل وعلا أمر بطاعة الوالدين حتى ولو كان الوالدان مشركين وهذه الآية آية لقمان في سعد بن وقاس مع أمه في القصة المعروفة قال جل وعلا (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) وهذا عام في كلّ المسلمين؛ يعني أن يطيع المسلم والديه سواء كان بارين أو كانا فاجرين.


وقال شيخ الإسلام في مسألة طاعة الوالدين قال: يطيعهما فيما فيه منفعة لهما وأما إذا كان الأمر ليس فيه منفعة لهما فإن طاعتهما ليست متعينة، فلو منعاه عن شيء نفل، أو منعاه عن شيء ليس فيه مصلحة للولد أو ليس لهما فيه مصلحة فإنه لا يتعين طاعتهما فيه عند شيخ الإسلام.


والأول قول الإمام أحمد وغيره أولى؛ لأن الله جل وعلا أمر بطاعة الوالدين طاعة عامة، وقال (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) والمعروف هو كل ما فيه طاعة لهما؛ ولكن في الشرك ومثيله الواجبات فإنه لا يطيع، وهذا بدون تفريق ما كان فيه لمصلحة لهما أو ما ليس فيه مصلحة لهما.




أحيانا يكون الوالد متسلطا على الولد يكون الوالد غير معامل للولد بالحسنى يفضّل عليه إخوانه، يفضل عليه بعض الناس، يفضل بعض الأبعدين على أولاده، ويرى الولد ذلك وربما تغيض وهذا مما يجب على الولد ألا يحكم رغباته ألا يحكم أهواءه في هذه المسألة؛ بل ينظر إلى حق الوالدين من جهة أن الله جل وعلا هو الذي فرض حقهما، والحديث في هذا ومما يجب عليك أن تتعلم في هذا كيف تعامل والديك؛ يعني ما الأحكام الشرعية التي للوالدين ما حكم طاعتهما، ما تفصيل أحكام طاعتهما في ذلك في أمر الزواج في أمر الطلاق في طاعة الوالد في طاعة الوالدة، هل طاعة الوالد هي المقدمة هل طاعة الوالدة هي المقدمة في تفاصيل تطلب من كتب أهل العلم خاصة كتب الفقهاء.



تعامل الرجل مع زوجته




النوع الثالث من التعامل تعامل الرجل مع زوجته.

الله جل وعلا أوجب على الرجل مثل ما أوجب على المرأة، فقال جل وعلا (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[البقرة:228]، وجعل الله جل وعلا حق الرجل مقدما؛ ولكن جعل للمرأة من الحق كما للرجل من الحق، وقد قال الله جل وعلا في هذه الآية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزوجات كثيرا.

فمن الناس من يتزوج ولا يتعلّم أحكام معاشرة الزوجة، كيف يخاطبها؟ كيف يطلب منها؟ ما الواجب الذي يجب على الزوجة أن تؤديه؟ إنما يعاملها بمحض هواه، يعاملها بحسب رغباته، وتارة بحسب رجولته وبحسب قوته، ولا يأتي بما يجب عليه شرعا لا يتعلم أحكام الشرع في مسائل العشرة والتعامل مع الزوجات.

وما أحسن قول ابن عباس رضي الله عنهما على هذه الآية حينما قال في قوله جل وعلا (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) قال: إني لا أحب أن أستنظف كل حقي على امرأتي حتى لا يجب لها مثل الذي وجب عليها. وأيضا كان يأمر بالتزين -تزين الرجل لزوجته- وقال (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فإذا كان الرجل يطلب من زوجته أن تتزين له وأن تقطع الروائح الكريهة وأن تكون معه بالحسنى ، كذلك هو يجب عليه أن يعاملها بما أوجب الله جل وعلا.

أنظر إلى حال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مع زوجاته حين طالبنه بالنفقة، قال لهن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قولا حسنا طيبا، اعتزل نساءه مدة حكم الله جل وعلا في ذلك وأنزل في ذلك آيات من سورة الأحزاب.












إن تعامل الرجل مع زوجته كثير من الأحيان يكون على وفق الهوى وعلى وفق رغبات الرجولة؛ ولكن من الناس من يحرص على أن يكون تعامله مع أهله على وفق المقتضى الشرعي، وهذا الذي يجب وهو الذي أحببنا الإشارة إليه لأن هذا النوع من التعامل مما يفقده الكثير.



في طرف آخر في التعامل مع الزوجات ظن آخرون أن الحسنى مع الزوجات وأن التعامل بالحسنى أن يترك للمرأة الحبل على الغارب، وأن كل ما أرادت المرأة نفذه دون نظر هل هذا الذي طلبت منه مما يجوز أو مما لا يجوز مما لها الحق أو مما ليس لها الحق فيه، هل هو مما يصلحها أو مما لا يصلحها ؟ هل لها في ذلك مصلحة أم لا؟ ويتساهل في ذلك حتى صار النساء يتصرفن وكأنهن رجال.


لاشك أنهن صورتان متناقضتان:


* صورة الذي يقسو.


* والصورة الثانية الذي يترك للمرأة الحبل على الغارب وكأن المرأة صارت هي الرجل.


وجماع ذلك بل ميزانه وضابطه أن يسعى المرء أن يكون مع زوجه على وفق مقتضى الشرع، والله جل وعلا أمر للنساء بالحق، وكذلك أمر للرجال بالحق، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من آخر وصاياه في حياته أن أوصى بالنساء، وكان في خطبته في يوم عرفة في خطبته العظيمة التي ودّع فيها الناس وقال «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم» يعني أسيرات؛ ولكن هذا لا يعني أن يترك لها الأمر كما تريد، ولا يعني أن يكون المرء في أمر الله جل وعلا متساهلا؛ بل يكون على وفق مراد الله جل وعلا.


إن الرجل يطلب من المرأة أشياء ولكن تعامله مع زوجته ينبغي أن يكون على وفق ما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال إني لا أحب أن أستنظف كال حقي على امرأتي حتى لا يجب لها مثل ما طلبت منها من الحق. أو كما قال رضي الله عنهما.




في جهة أخرى


تعامل الزوجة مع زوجها







الله جل وعلا جعل الرجل له على المرأة درجة فقال (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[البقرة:228] والله جل وعلا فضّل الرجل فيما أنفق، وفضل الرجل فيما جعل فيه من الخصائص فهو صاحب القوامة في الإنفاق وهو صاحب القوامة في الأمر والنهي، والمرأة الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج في طاعة الله، أن تطيعه في المعروف وأن لا تعصيه، وأن لا تدخل بيته من يكره، وأن لا تخرج من بيته إلا وقد رضي، والمرأة إذا حفظت حقوق الزوج عليها فإنها تكون قد أدت فرضها، وقد جاء في الحديث الصحيح «إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها قيل لها أدخلي الجنة من أي أبوابها شئت» ولاشك أن طاعة المرأة لزوجها فرض والمرأة يجب عليها أن تكون في تعاملها مع زوجها مطيعة راضية، وأن تكون هي المتنازلة هي التي تخضع، وأن لا تجعل الرجل هو الذي يخضع لها، وهو الذي يذل؛ لأن في فعل ذلك مفاسد، ومن تحدّث من القضاة عن مسائل طاعة الزوج لزوجته وما حصل من تسلط بعض النساء على الأزواج كان نهايتها أن المرأة لم تقتنع بزوجها الذي أطاعها والذي عمل معها ما عمل من أنواع التعاملات الطيبة؛ ولكن جعلته يطيع في كل ما تشتهي فكانت العاقبة أن كرهته؛ لأن المرأة بطبيعتها تحتاج إلى من يقوم عليها، وإذا قام الرجل عليها وأدّبها وسعى معها بما أمر الله جل وعلا فإن العاقبة لهما جميعا.








تعامل المرء مع أقاربه





من أنواع التعاملات تعامل الرجل مع أرحامه يعني مع أقاربه وهذا باب صلة الرحم وقد أمر الله جل وعلا في ذلك بقوله ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد:22-23].


وصلة الرحم ضابطها ما يكون معه قطْع للتهاجر فيما بينهم، يعني ولو كانت بالهاتف لو كانت باللقاء بأي نوع ما يحصل معه قطع الهجران فإنها تحصل الصلة، ولو لم يتصل الرجل مثلا برحمه إلا بين فترة وأخرى، إذا كانت الصلة قائمة بسؤال ونحو ذلك، فإن هذا معه أداء الواجب.


والمستحب من ذلك ما فيه صلة دائمة وما فيه تحسس لحاجة الأقارب وتحسس لرغباتهم وتحسس لما ينقصهم، وهذا في حق من لا تجب عليه نفقة، من لا يجب عليه صلة في الصلة العامة، أما من وجبت عليه الصلة فإنه يجب عليه أن يؤدي هذه الصلة، سواء كان ذلك في مسائل المال أو في مسائل السؤال أو بذل الجاه أو بذل العمل والسعي في حاجة أقاربه.





تعامل المرء مع أولاده





من أنواع التعامل في ذلك وهو السادس تعامل الرجل مع أولاده.


والأولاد تارة يكونون كبارا وتارة يكونون صغارا، والصغير له الرحمة، والكبير له التأديب.


وقد قال بعض الحكماء: إذا كان ابنك صغيرا فقوّمه، وإذا راهق فصادقه، وإذا كبر فأشر له.


يعني أنه ينبغي للمرء مع أولاده أن يسلك هذه الأحوال الثلاثة، فإن كان الولد صغيرا أدبه والتأديب يكون بالحسنى؛ لأن الولد خاصة في هذا الزمان إذا قسا عليه الوالد فربما نفر منه، ونفر مما معه من الحق، نفر من الطاعة، نفر من الاستجابة، نفر من الصلاة؛ لأن هذا الزمن زمن فتنة فينبغي للوالد أن يعامل ولده ولو كان صغيرا أن يعامله بالتأديب الذي ليس فيه تبغيض له، تبغيض للولد تبغيض الطاعات لهذا الولد الصغير يعني لا يفرض على من دون سن التمييز أشياء لا تجب عليه، مثلا في مسائل العورات البنات الصغار دون سن التمييز لهم أحكام في عوارتهن، وكذلك من دون العشر يعني ما دون السابعة إلى العاشرة لها أحكام في عوراتها، كذلك فربما تشدد مثلا بعض الآباء في التعامل مع الصغار وترك ما يباح له في الشرع إلى أشياء ربما لم تكن معها العاقبة حميدة أو كره الصغير الخير أو كرهت الفتاة الخير.


كذلك إذا كان الغلام مراهقا أو كانت الغلامة يعني الفتاه مراهقة فإن لها أحكاما خاصة فتعامل الوالد والوالدة مع هؤلاء ينبغي أن يكون مع سؤال أهل العلم، يعني يسأل الوالد تسأل الوالدة كيف أتعامل في هذا السن من جهة اللباس، من جهة الإذن بالخروج، من جهة المخالطة، من جهة ما تنظر إليه وما لا تنظر، وهذا إنما هو بتحبيب الخير لنفوس أولئك، والصغير متوسع في حقه يعني ما دون البلوغ فيه سعة في بعض الأحكام، والقلم قلم التكليف إنما يكون بالبلوغ.


فما بين سن العاشرة إلى البلوغ هذا فيه أحوال وأحوال، وما دون ذلك له أحكام فيها سعة، فلذلك ينبغي للمرء في هذين السنين أن يتعلم كيف يتعامل مع أولاده؛ لأن من واقع السؤال ومن واقع ما سمعنا، وجدنا أن كثيرا من الناس لا يحسن التعامل الشرعي مع أولاده الصغار، لا يحسن التعامل الشرعي مع المراهق ومع المراهقة يعني ما بين سن العاشرة وسن البلوغ.

أما ما بعد البلوغ فإنما يشار بالولد ويشار للبنت إشارات يعني بأمر الله جل وعلا، يضيق المرء طريق الشر على الفتى وعلى الفتاة، وكذلك يأمر الوالد ولده رجلا كان أم أنثى يأمرهما بطاعة الله جل وعلا وبالفرائض وينهاهما عن المحرمات، وإذا كان ثم جانب تقصيري عند هذا أو هذا، فلا يحمله عليه بالقوة؛ لأنه خاصة في هذا الزمان القوة لا تنفع؛ بل ربما نفر كثيرين من قبول الحق والهدى.
فإذا كان الشاب أو الشابة في سن المراهقة فإن على الوالدين أن يحملا هذين على الطاعة وأن يباعد بينهما وبين سبل الفساد وسبل المنكر في البيت وفي الشارع ومن جهة الأصدقاء والصديقات؛ ولكن لا يكون ذلك عن قسوة وشدة؛ بل يكون ذلك عن طريق التعامل بالإقناع والتعامل بالترغيب تارة وبالترهيب تارة، وهذا لاشك أنه أنفع.
ومن أحسن الوسائل في تربية الأولاد أن يتخيّر المرء لأولاده إذا كبروا من يصاحبهما من الجنسين؛ يعني أن يتخير المرء للفتاة ما بعد سن البلوغ يخير لها من تصاحب؛ لأن المرء بطبيعته يحتاج إلى من يصاحب، فالفتاة تحتاج إلى من يصاحب لا تقبل أن تصاحب أمها دائما، أو أن تصاحب أختها الكبيرة دائما؛ بل إذا وجدت من غيرها فربما كان ذلك أقبل للتوجيه، كذلك الفتى يتحرى المرء في ولده الكبير من يصاحبه ويطلب من فلان إذا وجده صالحا خيرا مأمونا يقول يرغِّبه في مصاحبة ولده ويحث ولده على ذلك.










وهذا من أنواع التعامل التي ينبغي للوالدين أن يدركاها، وهذا مما فات، في كثير من الأحيان نجد أن بعض البيوت فيها من الفساد ما فيها، وإذا نظرت ما السبب؟ وجدت أن إخلال الرجل أو الأم بواجبهما هو من الأسباب، فتجد أنه لم يسعَ في إصلاحهما في سن المراهقة، لم يسَع في إصلاحهما بعد البلوغ، لم يسع في تحبيب الخير إليهما، ثم بعد ذلك يأتي يشكو، لابد أن يكون عند المرء طريقة شرعية في التعامل مع ولده في التعامل مع بنته، فلا يترك هذا وذاك ولا يترك هذه وتلك حتى يكون أو حتى يرى ما لا يريد أن يره، لابد من السعي في تعلم أنواع التعامل مع الأولاد، تربية الأولاد كيف تكون كيف يسعى كيف يصلح، وعند ذاك تكون التربية أو يكون التعامل مع الأولاد على وفق مراد الله الشرعي.










تعامل المرء مع عامة المسلمين



من أنواع التعامل:

التعامل مع أهل الطاعة
التعامل مع عامة المسلمين.





الله جل وعلا جعل حق المسلم على المسلم عظيما، جعل لكل مسلم على إخوانه المسلمين حقوقا، وجعل الولاية قائمة بين المؤمنين وقال جل وعلا (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)[التوبة:71]




بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ: يعني بعضهم يحب بعضا، بعضهم ينصر بعضا، بعضهم يواد بعضا.


والتعامل مع المؤمنين بحسب الإيمان، والإيمان يتبعّض لذلك تكون النتيجة أن المحبة والولاية تتبعض؛ لأن الله جل وعلا رتّب الولاية على الإيمان، فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) لذلك تسمع أن قاعدة أهل العلم في محبة المؤمن للمؤمن أن المؤمن يحب بقدر ما عنده من الطاعة، يحب المؤمن بقدر امتثاله لأمر الله، فإذا كان عظيم الامتثال لأمر الله إذا كان عظيم الاتباع عظيم الإيمان، فإن محبته أعظم، وكلما قل الإيمان فإن المودة تقل لأنها تبع لأمر الله جل وعلا ، فإن المودة تنقص بحسب نقصان الإيمان، فإذا المؤمن مسددا، فإذا المؤمن مطيعا فإن له أعظم أنواع الحقوق؛ يعني تترتب له المحبة والنصرة ويترتب له جميع ما جاء في الكتاب والسنة من الحقوق، وكلما كانت درجته أقل ربما فاتت بعض تلك الحقوق لأجل فوات بعض مراتب الإيمان عنده.


لهذا نجعل هذا النوع من التعامل خاصا بالمطيعين يعني بالمؤمن المسدد.


المؤمنون درجات:


منهم السابق بالخيرات.


ومنهم المقتصد.


ومنهم الظالم لنفسه.

كما قال جل وعلا ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر:32]، فالسابقون بالخيرات والمقتصدون هؤلاء هم أهل الإيمان أهل الطاعة الذين يجب لهم كل ما للمؤمن من الحقوق، وكلما عظم المؤمن في إيمانه وكان مسابقا في الخيرات كان واجبا أن تكون محبته أعظم وأن تكون نصرته أعظم، فهؤلاء أعني المطيعين أعني المسدّدين لهم علينا الحق الأعظم.
من حقوقهم علينا الخاصة أن يكون عِرضهم محفوظا، وأن يكون مالهم محفوظا يعني أن تسلم أخاك من أن تعتدي عليه في عرضه، من أن تعتدي عليه في ماله، من أن تعتدي في أهله من أن تعتدي عليه بأي نوع من أنواع التعديات، له من هذا الحق الحق الأعظم، وإن كان كل مسلم سواء كان مطيعا أو عاصيا له هذا الحق؛ ولكن حق المسلم المطيع أعظم.
فالصالح من عباد الله له حق أعظم في حفظ عرضه في حضرته وفي غيابه، وفي حفظ منزلته وفي حفظ موالاته بأن يدافع المرء عنه وأن يكون معه كما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم مع بعض.
أما العصاة؛ أعني الظالمين لأنفسهم الذين تسلط عليهم الشيطان فأغراهم بعدم الطاعة أغراهم بأن يكونوا مطيعين لشهواتهم مطيعين لأنفسهم، فهؤلاء في التعامل معهم أحوال.
والأصل العام في ذلك أن لهم الحق العام الذي للمسلم على المسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أم يحقر أخاه المسلم».هذه حقوق عامة وحق المسلم على المسلم ست كما جاء في الحديث «إذا مرض أن يعوده وإذا حمد الله أن يشمته وإذا دعاك فأجبه» إلى آخر ما جاء في الحديث، هذه حقوق تشمل المطيع وتشمل العاصي؛ لكن كيف يتعامل المسلم، كيف تعامل المرء المؤمن مع العصاة، هل يعاملهم بالاكفهرار في وجوههم؟ هل بعاملهم بالهجر؟ هل يعاملهم بالمخالطة دائما في حال المعصية وفي حال الطاعة؟ ما هي درجات التعامل مع العصاة؟
من جهة الهجر هجر المسلم إذا كان لحق النفس يعني لحق الدنيا فإنه لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه ولو كان عاصيا أن يهجره فوق ثلاث.
قوله «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» يعني إذا كان في حق من حقوق الدنيا إذا كان في أمر لك في شيء في قلبك تكلم عليك؛ يعني شيء تعدى شخصيا صار بينك وبينه شحناء مرادة في الكلام بغضاء إلى آخره، فهذا هو الذي يجوز أن تهجره إلى ثلاث، أما فوق الثلاث فلا يجوز أن تهجره في ذلك ولو كان عاصيا، وحقه في ذلك الذي به يزول الهِجران أن تسلم عليه، كما قال في هذا الحديث «يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما من يبدأ السلام».
أما الهجر لحق الله جل وعلا فهو على مرتبتين كما قال شيخ الإسلام بن تيمية وغيره من المحققين من أهل العلم:
* هجر من جهة الوقاية.
* وهجر من جهة التأديب.
يعني بذلك هجر يراد منه الوقاية وهجر يراد منه التأديب.
أما هجر الوقاية -يعني هجر العاصي والمبتدع ونحو ذلك هجر الوقاية- فأن تقي نفسك أن تسمع منه أو أن تخالطه في معصيته حتى تقي نفسك من أن تتأثر به؛ لأن الإنسان يتأثر بطبعه، إما أن يؤثر، وإما أن يتأثر، فإذا خالط العصاة وهم على معاصيهم وظن أن مخالطته لهم وهم يمارسون المعصية أنه خير فهذا من تسويل الشيطان له، لا يجوز لك أن تخالط معاصيا حال عصيانه، وإنما تخالطه في حال عدم العصيان وتأمره وتنهاه وتحبب إليه الخير أما في حال عصيانه فلا يجوز أن تبقى وهو يعصي الله جل وعلا إلا أن تكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر.
هذا النوع من الهجر هو هجر الوقاية يعني أن تهجر أخاك المسلم أن تهجر هذا العاصي حال ممارسته للمعصية، حال غشيانه لما لا يرضى الله جل وعلا عنه، هذا الهجر يسمى هجر الوقاية.
وأما النوع الثاني من الهجر فهو هجر التأديب؛ يعني التعزير، أن تهجره لكي تصلحه، والأصل في ذلك هجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فنزل فيهم قول الله جل وعلا في آخر سورة براءة (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ)[التوبة:118]، هؤلاء الثلاثة هجرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر الناس بأن يهجروهم فلا يكلموهم ولا يبايعونهم ولا يشاروهم حتى إن هؤلاء ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
هذا الهجر نوع من أنواع التعزير، قال العلماء: هذا النوع من الهجر يكون في حق من يصلحه الهجر، أما من لا يصلحه الهجر وإنما يزيده طغيانا وإنما يزيده شرا فهذا لا يصلح له الهجر؛ لأن الهجر نوع من التعزير، وهذا إنما يصلح من كان في هجره صلاحا بالهجر والشرع، بعض الناس إذا لقيته فلم تكلمه لذنب فعله أو لفريضة فرط فيها أصلح قلبه وتحرك ذلك في نفسه؛ لأنه لا غنى له عن إخوانه؛ لكن من الناس من إذا هجرته ولم تخالطه وتركت السلام عليه تركت الإتيان له، فإنه يقول هذه أحسن ساعة التي لا أرى فيها فلانا وهذا لاشك أنه مما لا يوافق المقتضى الشرعي؛ لأن الهجر نوع من أنواع الإصلاح نوع من أنواع التأديب والتعزير، وإنما يهجر من يصلح الهجر من شأنه.
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله لما تكلم على أنواع الهجر أحكام وأنواع ويختلف الهجر باختلاف الناس وباختلاف أحوالهم وباختلاف بلدانهم، حتى هجر المبتدع يختلف باختلاف الأحوال وباختلاف البلدان، والأصل في الهجر أن يكون للإصلاح، أن يكون لإصلاح النفوس، ولإظهار شعيرة الإسلام، ولإظهار عزة المسلم.
التعامل مع العاصي بالهجر هذا تفصيل الكلام عليه.
وخلاصته أن الهجر يكون في حق من يصلحه الهجر، من يجعله يقلع عن المعصية، أما من لا يقلع من تعلمه لا يصلي، من تعلمه لا يزكي، من تعلمه يغشى المحرمات، فإنك تواصله في حال لا يكون فيها مواقعا للمحرمات وتأمره وتنهاه وتحبب له الخير وتقربه من الخير وتباعده من الشر؛ لأن الهجر لا يصلحه، وإذا هجرته ربما كنت عونا للشيطان عليه لأنه قد لا يجد من يرشده ومن يعلمه ومن يأمره وينهاه.
في الحال الأخرى حال دعوة العصاة، العاصي لا يظن مهما بلغت ولو كان يشرب الخمر ويزني ويسرق ويرابي لو كان على هذه الحال، لا يظن أنه ما دام مسلم أن قلبه خلا من الخير؛ بل لا تزال نفسه تؤنّبه مادام مسلما تؤنبه على فعل تلك المعاصي؛ لأن المسلم بما عليه من الإسلام لا يقر نفسه من المعصية؛ بل تجد في نفسه بغضا من المعصية.
هذه الخصلة التي في قلب ذاك العاصي هي التي ينبغي أن يُنظر إليها، وأن تعظم في نفسه وأن يحبب إليه الخير من جرّاء تلك، والعبد لا ينبغي بل لا يجوز له أن يتعاظم على العصاة وأن ينظر نفسه فوقهم، وأن أولئك من حالهم كذا وكذا وهو حاله حال أهل الطاعة وينظر إلى نفسه ويجعل نفسه متعاليا على أولئك الذين عصوا، لا؛ بل كما قال الله جل وعلا (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ)[النساء:94] قد قال ابن القيم رحمه الله في وصف حال المسلم حين ينظر إلى العاصي:
واجعل لقلبك مقلتين كلاهمـا من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن
فتنظر إلى العاصي نظرين:
النظر الأول نظر رحمة وشفقة ترحمه أن كان من العصاة، ترحمه أن كان أسير لشهوته، أسيرا للشيطان؛ لأن من الذي استعبده الشيطان لأن طاعة الشيطان نوع من العبودية كما قال جل وعلا في سورة يس ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ)[يس:60]، عبادة الشيطان بطاعته، فهذا أسره الشيطان فإذا نظرت إليه نظر رحمة كنت ناظرا إليه النظر الصحيح، هذا النظر الأول نظر رحمة، تنظر إليه بنظر القدر، بنظر ما حصل له، فتكون رحيما به مشفقا، وربما بكت عيناك من جرّاء ما عصى ذلك الرجل أو تلك المرأة.
ثم تنظر إليه نظر آخر بنظر الحكم الشرعي نظر الأمر والنهي فتحمله على الأوامر وتحمله على البعد عن النواهي.
فالعاصي يُنظر إليه بنظر الرحمة تارة، ويُنظر إليه بنظر الأمر والنهي تارة، فالذي ينظر بنظر الأمر والنهي مستعظما على هذا العاصي ناظرا إلى نفسه ما دام أنه مطيع فهو أفضل من هذا فهو خير منه وما يدريك، وربما كانت العاقبة لك غير حميدة والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فنظر الرحمة هذا ينتج عند العبد العمل الصالح ينتج عند العبد الدعوة، ينتج عند العبد الخير، والأمر والنهي ينتج عند العبد الدعوة ينتج عند العبد الخير والأمر والنهي ينتج عند العبد التوازن، فإذا نظر نَظر رحمة دعا والأمر والنهي يجعله متوازنا في دعوته؛ لأن من الناس من يدعو من جهة الحرمة جعل حاله مع العصاة أبشع حال، وحتى جعل العاصي كأنه لم يعص، وساوى بين العاصي والمطيع، وهذا من جرّاء مخالفة الأمر والنهي.
فإذاً حالك من جهة الدعوة من جهة النظر إلى العاصي أن تنظر إليه من هذين النظرين، وتتعامل معه على وصفهما:
أن تنظر إليه تارة رحيما بارا به شفيقا خاصة إذا كان من الأقربين والد أو والدة أو أخ أو أخت.
وتنظر إليه بنظر آخر فتأمره وتنهاه على وفق الشرع بما يحبب إليه الخير وبما يبغض إليه الشرّ.












تعامل المرء مع المبتدعة





النوع التاسع من أنواع التعامل: التعامل مع المبتدعة.


وهذا كثيرا ما يأتي السؤال عنه لأهل العلم يسأل أهل العلم كيف يتعامل المرء مع المبتدعة، وهو نوع من العلم، فصّله الفقهاء والعلماء في كتبهم وبيّنوا ما ضوابط ذلك، وبينوا ما يحل وما يحرم، وكيف يُعامل المبتدعة.


المبتدعة أصناف:


* منهم الذي يجهر ببدعته.


* ومنهم من لا يجهر ببدعته.


الذي لا يجهر ببدعته يعامل على السلامة؛ لأنه مسلم والأصل في المسلم السلامة حتى يُظهر غير ذلك، وإذا أظهر بدعته فيعامل معاملة المبتدع.

والمبتدع يعامل بالهجران؛ يعني الأصل في المبتدع أن يعامل بالهجر وأن يُهجر؛ لأن من أصول الشرع أن يُهجر المبتدع، فيعامل بالهجران وإذا سلّم لا يرد لأن فيه تعزيرا له لإظهار السنة وإخماد البدعة.
المبتدعة لهم أحوال أيضا، منهم من يكونون في دار الإسلام، ويكون وصف البدعة على الطائفة دون الفرد، مثل ما يكون عندنا، نقول مثلا طائفة الرافضة، الرافضة موجودون، أو طائفة الإسماعيلية، الإسماعيلية موجودون، أو الصوفية أو الأشاعرة في بعض البلاد كطائفة نعلم أن هؤلاء رافضة نعلم أن هؤلاء إسماعيلية نعلم أن هؤلاء صوفية نعلم أن هؤلاء أشاعرة، وهكذا، ما حكم هذه الطوائف في دار الإسلام وكيف يتعامل المرء معهم؟
الجواب أن ثمة تفصيلا؛ ذلك أن الطوائف في دار الإسلام ما دام أن الدار دار إسلام، فإن هؤلاء الأصل فيهم أنّهم -وأعني بهؤلاء الطوائف يعني يُحكم عليها كجنس بالكفر- مثل دين الرافضة أو دين الإسماعيلية هؤلاء من جهة العموم لهم في دار الإسلام حكم المنافقين كطائفة، كما بيّن ذلك أهل العلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِل من المنافقين أن يعاشروه في المدينة أو يبايعوه وأن يُشاروه وأن يكونوا معه ويعلمهم ويعلم سرائرهم؛ ولكنه وَكِلَ سرائرهم إلى الله وقَبِل علانيتهم بالإسلام هذا في حكم عام كطائفة بهم حكم أهل النفاق؛ يعني يقبل منهم ظاهرهم وتوكل سرائرهم إلى الله جل وعلا.
فمن أظهر منهم يعني من هذه الطائفة من أظهر منهم بدعة عومل بأحكام المبتدع، ومن أظهر منهم شركا عومل بأحكام المشرك، ومن أظهر منهم نفاقا عومل بأحكام النفاق، ومن أظهر منهم ردة عومل بأحكام المرتد؛ يعني عند القضاة.
فإذاً، من جهة الطائفة لا ينطبق حكم الطائفة على كل فرد؛ بل الأفراد من هذه الطوائف التي أصلها كفري هذه الأفراد يُعاملون معاملة المنافقين؛ يعني يقبل منهم ظاهرهم، ويُعاملون كما يعامل أهل النفاق يبايعون ويشارون لكن لا يخالطون ولا تقبل دعواتهم إلى آخر أحكام النفاق المعلومة.
إذا أظهر الواحد منهم بدعة فتنطبق عليه أحكام المبتدع، إذا أظهر الواحد منهم شركا انطبقت عليه أحكام المشركين إلى آخر ذلك.
أما الطوائف التي لا تبلغ حد الكفر ومثل الصوفية ومثل الأشاعرة ونحو ذلك، فهؤلاء لهم أحكام المبتدع إذا علمت أن هذا المعيّن منهم مصرّح بما يعتقدون، أما إذا كان مستورا فإنه لا يندرج عليه حكم أهله أو حكم فئته أو حكم طائفته حتى يتبين لك منه بقول أو عمل أنه صوفي أو أشعري تندرج عليه أحكام أهل البدع من هجرهم وعدم قبول دعواتهم ومن مجاهدتهم وأمرهم ونهيهم ورفعهم؛ يعني رفع أحوالهم التي أظهروا فيها البدعة إلى أهل العلم أو ولاة الأمر إلى آخر ذلك.


















هناك أحكام تفصيلية أيضا لكن يضيق الوقت عن بيانها.







تعامل المرء مع الكفار





النوع العاشر من التعامل: التعامل مع الكفار.


وهذه خَاصَّةً في هذه البلاد كثر السؤال عن ذلك في السنين المتأخرة، لما كثر الكفرة، وكثر أنواع جلب الناس للعاملين، منهم من يكون من النصارى، منهم من يكون من البوذيين، ومنهم من يكون من الهندوس، إلى آخر الفئات، كيف يتعامل المرء مع هؤلاء؟




الكفار أنواع:


نوع من الكفار الحربيون، والحربيون هم الذين بينهم وبين أهل الإسلام حرب والحربي يكون حربيا في داره، فإذا أتى إلى دار الإسلام بغير أمان كان حربيا، وأما إذا أتى بأمان فينتقل إلى حكم فئة أخرى، وهذا النوع الأول الذين هم الحربيون الواجب جهادهم وذلك تبع جهاد الدولة أو بجهاد الإمام لهم.


النوع الثاني من الكفار والطوائف أن يكونوا أهل ذمة مثل مثلا في مصر أو في سوريا أو في العراق فيه يهود وفيه نصارى، وفي اليمن فيه يهود وفيه نصارى، هؤلاء لهم ذمة لأنهم حينما دخل الإسلام تلك البلاد كانوا موجودين فيها فأعطوا الذمة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بأن يُوفى لأهل الذمة حقهم، وأهل الذمة عليهم شروط عمرية معروفة ليس هذا محل بيانها. لكن بالنسبة لهذه البلاد ليس ثَم أهل ذمة؛ لأن هذه البلاد أصلا ليس فيها نصارى ولا يهود أصلا وإنما أُجلي هؤلاء من هذه البلاد وليس ثم أحكام لأهل الذمة فيها.


وإنما الأحكام هي للنوع الثالث وهم المستأمنون يعني المعاهدين الذين دخلوا البلاد بأمان، والمؤمنون يسعى بذمتهم أدناهم كما ثبت ذلك في الصحيح، فإذا قدم أحد من الكفار بأمان بذمة المسلم يعني ما يسمى هذا الوقت بكفالة؛ يعني أدخله بأمانه، فإن له حقوق المستأمنين وحقوق المستأمنين متنوعة.


وهؤلاء المستأمنون لهم حقوق المستأمنون قسمان:


منهم من يكون موادعا؛ يعني غير مظهر لشيء يخالف ما استؤمن عليه؛ يعني أنه في دار الإسلام لا يظهر بغضا للمسلمين، لا يظهر كلاما في الإسلام، أو لا يظهر شيئا مما عوهد عليه أن لا يفعله في دار الإسلام، هؤلاء المستأمنون الذين لهم هذه الصفة يعاملون بالعدل والبر والقسط، كما قال جل وعلا ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة:8]، فهذه الفئة هم الذين أتوا ويؤدون أعمالهم كما هي يكون نصراني أو يكون مشرك أو يكون ملحد إلى آخره لكن لم يظهر عيبا في الإسلام وإنما يؤدي عمله وهو ساكت لا يظهر شيئا مما ينتقد عليه أو مما يدل على أنه مبغض للإسلام وأهله أو على أنه يسعى ضدهم أو أنه يخالف الشروط التي جاء من أجها. فهذا النوع يعامل بالعدل يعطى حقه كاملا، ولا يجوز إذلاله، لا تجوز إهانته، ولا يجوز أن يخرم الشرط الذي جاء من أجله لأن الله جل وعلا أوجب الوفاء بالعقد وأوجب الوفاء بالعهد في قوله ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء:34]، سواء كان مع مسلم أو مع كافر قال جل وعلا في الكفار ( فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) [التوبة:4]، وقال جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، فما كان من الشروط في العقود -يعني في عقد جلب هؤلاء- فيجب أن يوفى لأن المسلم هو الممتثل لأمر الله جل وعلا وشَرَط هذه الشروط فيوفي تلك الشروط إذا كانت موافقة لحكم الله جل وعلا.


هؤلاء إن أهديت إليهم هدية أو أجبت لهم دعوة أو نحو ذلك لأجل مصلحة شرعية فإن هذا محمود، وهكذا كانت أفعال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته مع أمثال هؤلاء في المدينة، فإنه عليه السلام زار غلاما يهوديا كان الغلام يغشى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما يخدمه، فافتقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل له إنه مريض فعاده النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ومات عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ودرعه مرهونة عند يهودي كما هو معلوم، ودعته امرأة يهودية وأجاب دعوتها وسمّت له الذراع، وهذا معلوم في أنواع تعامل المصطفى مع أولئك هذا في الطائفة التي لم يظهروا عداوة للإسلام وأهله هم مستأمنون، أو في البلاد التي فيها أهل ذمة هم أهل ذمة، فيعاملون بقول الله جل وعلا ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )[الممتحنة:8]، ( أَن تَبَرُّوهُمْ) يعني بأنواع البر أن تهدي له أو أن تدعوه أو أن تسقيه إذا أتاك شيء أو أن تطعمه إذا أتاك طعام، ولعل في ذلك خير أن يُحبَّب له الإسلام.

هؤلاء كثير منهم مغفولٌ عنه، يكون للمرء معه في عمله، معه في شركته، في مؤسسته، يقابل فيه زمالة يكون معه ولا يدعوه إلى الله جل وعلا ولا يتقرب إليه بتحبيب الإسلام إليهم، وإذا نظرت إلى مكاتب الجاليات المنتشرة وجدت كثيرا من الجاليات هذه النصرانية أو غير المسلمة واعتنقت دين الله جل وعلا لأجل ما قدم لهم من الدعوة ما قُدم لهم من الخير وتحبيب الإسلام إلى نفوسهم بالقول والعمل.
وهؤلاء ينبغي لهم أن يعاملوا بذلك أن يعطوا حقهم، وأن يكون المرء معهم فيما يجب من امتثال أمر الله جل وعلا، ومن امتثال أمر الله جل وعلا فيهم أن يكون مهادنا لهم، وأن لا يكون مستأنسا أن يدعوهم ويضحك معهم ويستأنس لغير غرض شرعي، ومن ذلك أحكام السلام وأحكام التحية.
وأحسن من فصل في أحكام التحية مع هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: إن التحية التي يحرم إبتداء هؤلاء بها إنما هي لابتداء السلام؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خص ذلك بالسلام فقال «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» معنى لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام : يعني لا تلقوا عليهم السلام أولا (وإذا لقتموهم في طريق) يعني وأنت ماشي في الطريق يعني على رجليك كما قيد ذلك الحديث ذلك الشيخ عبدالعزيز بيّن معنى الحديث في ذلك أن المراد بالمشي على الرجلين، ونحو ذلك أن تضطر ذلك الكافر إلى أضيق الطريق، ليس معناه أن تضايقه ولكن معناه أن يكون للمسلم لأجل ما معه من الإسلام والتوحيد أن يكون له صدر الطريق ووسط الطريق، فبعض الناس إذا أتى مثلا إلى بعض الأماكن التي فيها هؤلاء في كفرة مثل المستشفيات، إذا أتى وجدت أنه يسير كأنه ذليل على حالة الطريق الطويل أو نحو ذلك ملتصقا بالجدار هنا وهناك، وهذا مما لا يسوغ؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» يعني أن يكون للمسلم وسط الطريق ويكون لأولئك الحافّات وهي أضيق الطريق.
كذلك هؤلاء لا يعاملون بالتكريم يكرمهم مسلم، وإذا أتوا بشّ فيهم وكرمهم وقابلهم بأنواع من المقابلة، قد لا يعملها لمسلم، هذا مما لا يسوغ؛ لأن معاملة أولئك بالبر وبالقسط وبالعدل لا يعني أن يكرموا فوق ما أعطاهم الشرع؛ بل يعاملون بالقسط يعني بالعدل أن تعطيه حقه، وأن تأخذ منه حقه، وأن تبره بنحو إهداء أو إجابة دعوة أو معاملة بالحسنى ونحو ذلك، وقد قال الله جل وعلا (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى)[النحل:90]، وقد دخل في هذه الآية جميع أنواع التعامل.
الصنف الثاني من الكفار أن يكون ذلك الكافر ممن يظهر منه بُغضٌ للإسلام أو استهزاء بأركان الإسلام واستهزاء ببعض مبادئ الدين أو نشر لأشياء مما يخالف ما جاء من أجله، فهذا لا يجوز أن يعامل بالبر وإنما يعامل بالعدل -يعني أن يعطى حقه- ويجب في حقه أن يبلغ عنه وأن يُسعى في أمره حتى يترك هذه الأرض لأنه لم يُستقدم على هذا وإنما استقدم بشروط، وإذا أظهر غير ما يجب من إعزاز الإسلام وأظهر شيئا من النقد في الإسلام أو المسلمين أو فعل بعض الفعال التي لا يجو له فعلها في دار الإسلام؛ فإنه يجب عليك أن تقوم بما يجب في هذا وأن تبلغ عنه وأن يترك في هذه الدار، فهو مستأمن لا يجوز إيذاءه مضايقته؛ لكن يجب أن يسعى في أمره وأن يقاطع وأن يبين أمره حتى لا يعود إلى مثل ذلك، وحتى تسلم البلاد من شره.
المقصود من هذا وهم هذه الفئة الذي ظهر منهم شيء من البغض ومن فلتات اللسان أو الأعمال أو شيء من الكيد للإسلام لأهله فهذه يجب أن يعاملوا بالحزم ويعاملوا بالقسوة، حتى لا يظهر ضعف الإسلام والمسلمين عندهم ويُسعى في أمرهم حتى يتركوا هذه الدار.












تعامل المرء مع ولاة الأمر








النوع الحادي عشر من التعامل: التعامل مع ولاة الأمر.


والله جل علا أوجب من ولاة الأمر في الإسلام أوجب لهم حقا أوجب لهم الطاعة، فقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء:59]، قال ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم: قيد الله جل وعلا طاعة ولاة الأمر بما فيه طاعة لله جل وعلا ولرسوله يعني بالمعروف، ذلك أنه قال (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ولم يكرر فعل الطاعة لولاة الأمر لأن ولاة الأمر يطاعون في غير معصية يطاعون في المعروف يطاعون فيما ليس فيه معصية لله جل وعلا.


وحق ولاة الأمر عظيم حق ولاة الأمر المسلمين عظيم، وكما قال ابن المبارك:


لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا


وهذا ظاهر لمن تأمل.


فحق ولاة الأمر السمع والطاعة بالمعروف، وأما إذا أُمر العبد في المعصية فلا سمع وطاعة؛ لأن حق الله أعظم ولأن حق الله مُقدم.


والتعامل مع ولاة الأمور يكون بأن يكون المرء معهم ساعيا لما فيه صلاح الجماعة، ساعيا لما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين معهم؛ لأن طاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم وعدم إظهار بُغضِهم أو عدم إظهار الشناعة عليهم، هذا فيه مصالح عظيمة للإسلام والمسلمين، كما بين ذلك أهل العلم.

وطاعتهم في المعروف فرض، وقد جاء عن جمع من السلف أنهم كانوا يدعون الله جل وعلا سرا للسلطان كثيرا، وقال الفضيل بن عياض والإمام أحمد وجماعة: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان. ومن خلع بيعة السلطان أو بيعة ولي الأمر فقد خلع رِبْقة الإسلام من عنقه، وقد قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أن العزة والكرامة والشرف ألا يطيعوا أحدا وأن كل واحد منهم مطيعا لنفسه غير ذالا في الطاعة لغيره فأتى الإسلام بخلاق ذلك، كما بين ذلك إمام هذه الدعوة في كتابه مسائل الجاهلية في المسألة الثالثة قال: إن من المسائل التي خالف فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الجاهلية أن يطاع ولاة الأمر، قال رحمه: فغلّظ في ذلك وأبدى وأعاد. وهذا ظاهر إذا تأملت النصوص في الكتاب والسنة في بيان حقهم.
ولاة الأمر حقهم أن تسعى في نصيحتهم؛ لأن نصيحتهم واجبة، فقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال «لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين ولعامتهم»، فأئمة المسلمين من ولاة الأمور لهم حق في أن ينصحوا، وولاة الأمور لهم حق في أن ينصحوا.
وولاة الأمور إذا أُطلقت فإنه يعنى بها ولي الأمر العام، إمام المسلمين، الملك، السلطان، الوالي، ويعنى بها من كان له ولاية من نواب السلطان؛ لأن كل واحد له ولاية بحسبه، فولي الأمر يجب عليك أن تعامله بالطريقة الشرعية، أن تعامله مخرجا الهوى عن نفسك في نوع التعامل معه، فإذا عاملته بهواك كنت غير سائرٍ في التعامل معه على ما أوجب الله جل وعلا، فإذا عاملته على ما يوافق الشرع عاملته بما أوجب الله جل وعلا عليك فكنت في التعامل معه في عبادة ممتثلا الأمر مجتنبا النهي.
من أنواع التعامل مع ولاة الأمر أن يسعى المرء في النصيحة في نصيحة ولاة الأمر، ومن المتقرر عند علمائنا مما دلت عليه النصوص أن النصيحة لولي الأمر تكون سرا؛لأن النصيحة له في أمر مما يدخل تحت ولايته هدي السلف فيها أن تكون سرا، فقد جاء في صحيح البخاري أن جماعة قالوا لأسامة بن زيد لما حصل من عثمان رضي الله عنه ما حصل من بعض لم يُفهم من أنواع تصرفاته قيل لأسامة: ألا تنصح لعثمان؟ فقال: ألا إني قد بذلته له سرا ولن أبذله له علانية، لن أكون أول فاتح باب شر بينكم. وهذا ظاهر من الأصل في النصيحة أن تكون سرا.
وأما الإنكار فإن الأصل فيه أن يكون علنا؛ لأن الإنكار منوطا بالرؤية، قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فلم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» علّق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك برؤية المنكر؛ فقال «من رأى منكم منكرا» يعني من رآه بعينه، وقد ألحق أهل العلم بذلك من سمع المنكر سماعا محققا يعني سمعه هو فإذا رأيت أنت أو سمعته أنت بنفسك سماعا محققا كنت مخاطبا بالإنكار. أما من لم يره ومن لم يسمعه فإن المجال في حقه أو الواجب في حقه يكون واجب نصيحة وليس بواجب إنكار؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيد ذلك بالرؤية فقال «من رأى منكم منكرا».
وأما الواقع في المنكر فليس له ذكر في هذا الحديث فإذا من ولاة الأمر أو كان من عامة الناس فإن الواقع في المنكر له بحث آخر، ليس كل إنكار للمنكر إنكار للواقع فيه، فإن النصيحة هي لمن وقع في شيء ينصح فيه، فتوجه إليه النصيحة بشرطه، وأما المنكر هو الذي ينكر.
وما كان تحت ولاية ولاة الأمر مما يحصل من المنكرات في الزمن الأول كما رأينا في زمن عثمان مما قيل لأسامة أو فيما بعده في زمن خلفاء بني أمية أو في زمن العباسيين إلى زماننا هذا المسألة منقسمة إلى قسمين:
إذا فُعل الأمر يعني فُعل المنكر بحضرة الناس فإن الإنكار هنا يتوجب، سواء كان هذا على أي فئة من الناس؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده» وهذا فيه عموم «من رأى منكم منكرا»؛ لأن المنكر هنا نكرة في سياق الشرط فتعم جميع المنكرات، فإذا رئي المنكر فإنه ينكر.
وعلى هذا يحمل فعل السلف وصنيع السلف حيث إنهم أنكروا على بعض الولاة ما يحصل منهم ذلك، أنهم أنكروا بشيء فعله الوالي بحضرتهم، فعله الأمير بحضرتهم، فإذا فعل الأمير شيئا من المنكر بحضرة العالم أو بحضرة طالب علم أو بحضرة من عنده علم بأن هذا منكر فإنه ينكره عليه؛ لأنه فعل بحضرته وهو قد رآه وأما إذا لم يفعل بحضرته وإنما كان مأذونا به في ولايته غالبا باب نصيحة وليس باب إنكار، فهذا القيد وهذا الضابط في التعامل مع ولاة الأمور قيد مهم وفيه التفريق ما بين غلو الغالين وما بين جفاء الجافين في ذلك؛ لأن من الناس من سار في ذلك وفق هواه لا على وفق الحكم الشرعي فأضاع وضيع، ربما أضاع كثير من الواجبات الشرعية؛ لأنه ظن أن عدم الإنكار في هذه المسائل يعني أن لا تنكر منكرا البتة، وهذا باطل؛ بل الواجب أن ينكر المرء المنكر، لكن دون أن يذكر الواقع فيه فإذا كان المنكر جاريا تحت ولاية الإمام تحت ولاية الوالي فإنه ينكر المنكر دون ذكر للواقع فيه أو دون ذكر للجهة التي تمارسه؛ لأن هذا فيه الصلاح، وهذا هو الذي بينه علماؤنا، وهو الذي تقتضيه النصوص وتقتضيه دلالات أهل العلم المتقدمين.










آخر نوع من أنواع التعامل ولعلنا نرجئه إلى وقت آخر وهو التعامل مع العلماء





أسأل الله جل وعلا أن ينفع بما ذكرنا، وأن يجعل هذه الكلمات فاتحة باب لكثير منكم في أن يتعرف على الأحكام الشرعية في هذه المسائل، فإنما أردت بها تذكرة، لأن هذا المقام قصير عن أن تفصل فيه أولئك، وهذه الدروس العامة خرجنا كما تعلمون بها أن تكون العبارة فيها عبارة فقهية محددة، وفيها نُقول عن أهل العلم مدققة كما عادة الدروس العلمية الخاصة، وإنما أردنا بها ذكر عام وبيان عام ليشمل كثير مما يحتاجه الناس.


أسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم وأن يلهمنا الرشد والسداد وأن يقينا الشر والفساد، وأن يجعلنا ممن يتعاونون على البر والتقوى، ونعوذ بالله من التعاون على الإثم والعدوان.


وأسأل الله لي ولكم التوفيق ولعلمائنا ولولاة أمورنا، وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على الحق الداعين إليه.


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

*** 20-09-2010 02:53 PM

بارك الله فيك وعليك على النصائح والارشادات الغالية والمفيدة أستاذتنا الفاضلةأم سلمى رفع الله ذكرك في الدارين

أسامي عابرة 20-09-2010 05:51 PM


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإياكم ..اللهم آمين ..بارك الله فيكم

تشرفت بمروركم الكريم وتعليقكم الطيب المبارك

رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم

في رعاية الله وحفظه


الساعة الآن 01:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com