المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : &( نظرات بلاغية في آيات قرآنية ... يوسف عليه السلام وحسد إخوته )&


د.عبدالله
23-06-2006, 06:59 AM
قال تعالى: “لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين. إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين. اقتلوا يوسف او اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين. قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون. قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون. وجاؤوا أباهم عشاء يبكون. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” (يوسف 7 18).

كان يعقوب عليه السلام يؤثر يوسف لصغر سنه ولما شعر به من أن له مكانة عند ربه تفوق مكانة اخوته، لذا كان يوسف أحب اخوته الى قلب أبيه فكان ذلك مدعاة لحقدهم عليه، وتآمرهم لقتله او إبعاده بعد أن أكل الحسد قلوبهم، فكان تخطيطهم الماكر، وتدبيرهم السيىء، فتعالوا بنا لنشاهد تلك المكيدة وهذا التدبير في البيان القرآني، لنرى كيف عبرت لغة القرآن الكريم عن الحلقة الأولى من محن يوسف عليه السلام.

بدء التدبير السيىء



تفتتح القصة بقوله تعالى: “لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين” أي امارات وعلامات تبين حكمة الله تعالى في طبائع النفوس، وطغيان الحسد على العلاقة الاخوية. وقوله “للسائلين” أي لمن سأل عن قصة يوسف واخوته وعرفها. وبعد هذا المدخل او الافتتاح الشائق المثير للانتباه جاء قوله تعالى: “إذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين” هنا يبتدئ التدبير السيىء. تأمل قولهم “ليوسف” حيث أكدوا الخبر بلام الابتداء وباسمية الجملة لتحقيق مضمون الخبر، وهو أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه أمر محقق مؤكد ثابت لا شبهة فيه. وإنما قالوا: “وأخوه” وهم جميعاً اخوته، لأن أمهما كانت واحدة، أما هم فمن أم أخرى. ويسمى الاخوة لأم أبناء علات.

وقيل “أحب” ولم يقل: “أحبا” حيث إن المقصود يوسف وأخوه، لأن صيغة (افعل) لا يفرق فيها بين الواحد وما فوقه، ولا بين المذكر والمؤنث إذا كان معه (من) هكذا قال الزمخشري، وتلك علة لفظية لا تكشف عن سر التعبير، وأحسب والله أعلم أن السبب في إيثار “أحب” أيضاً على “أحبا” بجانب ما ذكره الزمخشري هو الإشارة الى أن يوسف كان أكثر أولاد يعقوب جميعاً حباً إليه، يعينك على هذا الفهم تقديم يوسف في الذكر على أخيه، وتأكيد زيادة حب يعقوب ليوسف باللام، وترك هذا التأكيد في بيان مكانة أخيه عند أبيهم، حيث لم يقولوا: “ليوسف وأخوه أحب الى أبينا”، كما أنهم تآمروا على يوسف فقط ولم يتآمروا على أخيهم لأبيهم، لذا كان الإفراد في صيغة التفضيل للدلالة على تفرد يوسف بمكانة عالية وراسخة في قلب أبيهم. والله أعلم.

وتأمل ما يشعر به قولهم “أخوه”، وكأنه ليس أخاهم! ولكنه الحسد الذي يعتمل في قلوب أبناء العلات او أبناء الضرائر، وهو ظاهرة من الظواهر الاجتماعية التي لا يمكن إنكارها.

وجاء قولهم “ونحن عصبة” في موضع الحال، والمقصود أن أباهم يفضل يوسف وأخاه في المحبة على الرغم من أنهم أنفع له منهما، فهم مجموعة قوية نافعة لأبيهم في شتى أمور حياته، فلِمَ يفضلهما عليهم؟

الحقد الأعمى



وجاء قولهم “إن أبانا لفي ضلال مبين” تعليلاً للتعجب المستفاد من جملة الحال “ونحن عصبة” وقد أكدوا ضلال أبيهم أي بعده عن الصواب بعداً بيناً، أكدوا هذا بإن واسمية الجملة واللام، وباستخدام حرف الظرفية (في)، للدلالة على أنه مستغرق في الضلال استغراقاً تاماً، فالضلال محيط به إحاطة الظرف بمظروفه، هكذا توهموا أباهم وهو نبي كريم، ولكنه الحقد الذي أعمى بصائرهم والحسد الذي طغى على قلوبهم، ووساوس الشيطان التي ضخمت لهم أشياء صغيرة، فأقدموا على فعلة نكراء شنيعة، وهي محاولة ازهاق روح أخ لهم صغير بريء بحاجة إيثار أبيهم له بالرعاية والحب على الرغم من أنهم تربوا في بيت نبوة وصلاح، وانهم أبناء نبي! ويأتي قرارهم بعد مشورتهم “اقتلوا يوسف او اطروحه أرضاً” إما القتل وإما النفي والإبعاد. والآمر بالقتل واحد منهم ووافق الباقون على رأيه، لذا نسب الأمر إليهم جميعاً، لأنهم كانوا راضين به. والغرض من فعل الأمر “اقتلوا” الارشاد. والتنكير في “أرضاً” للإبهام، فهم يريدون قتله او إبعاده الى أرض مجهولة منكورة حتى لا يمكن لأبيهم أن يصل إليه. وقولهم “يخل لكم وجه أبيكم” كناية عن خلوص محبته لهم دون مشارك، كأنه حين لا يراه في وجهه يصبح قلبه خالياً من حبه، ويتفرغ قلبه لهم.

وقد اقتراح أحدهم رأياً آخر يتحقق به غرضهم وهو تغييب يوسف عن وجه أبيه دون قتله او إبعاده تائهاً في الأرض، تجد هذا في قوله تعالى: “قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين” فهو يقترح أن يرموه في قاع بئر بحيث يغيب عن الأنظار ولا يستطيع أن يرتفع منه الى ظاهر الأرض.

ومعنى قوله “يلتقطه بعض السيارة” أي يأخذونه لقيطاً ويبيعونه فيزداد بعداً على بعد ويتحقق بذلك غرضهم دون قتله. والسيارة: الجماعة الموصوفة بكثرة السير واستخدام أداة الشرط (إن) التي تدل على الشك في قوله “إن كنتم فاعلين” لأن هذا المقترح كان يرجو ألا يفعلوا ذلك، وأن يراجعوا أنفسهم وأن يتريثوا في اتخاذ قرار إيقاع الأذى بيوسف، ولعله كان أرحمهم بيوسف عليه السلام.

مرحلة تنفيذ الخطة



هكذا بيتوا الشر لأخيهم، وأعدوا الخطة لإبعاده عن أبيهم، وبقيت مرحلة تنفيذ الخطة، ولكن كيف يأخذونه من أبيهم؟ تعالوا لنرى هذا المشهد ولنسمع هذا الحوار بينهم وبين أبيهم:

“قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون”.

والاستفهام في قولهم “مالك لا تأمنا على يوسف” للإنكار. وقد أكدوا نصحهم ليوسف، والنصح يتضمن الشفقة والرحمة والحب وإرادة الخير، بعدة مؤكدات هي إن واللام واسمية الجملة لأنهم يريدون أن يقلعوا من فكر أبيهم أنهم يحسدون يوسف، وبنوا على قولهم هذا الذي أظهروا فيه الشفقة والنصح والحب لأخيهم قولهم “أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون” فذكروا له مبررات طلبهم، حيث إن أخاهم سيلعب وينشط ويأكل من خيرات الأرض وثمارها، وقد كثفوا تأكيدهم مرة ثانية في قولهم “وإنا له لحافظون” حيث أكدوا حفظهم له بإن واللام وتقدير الجاروالمجرور “له” للدلالة على شدة حفظهم له، وكريم عنايتهم به، محاولين بذلك إقناع أبيهم وطمأنته بتلك الحيلة الماكرة الخبيثة.

فماذا كان رد أبيهم؟ “قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون” فهو لا يطيق فراقاً ليوسف عنه ولو لبعض يوم مهما كانت الأسباب وأكد هذا بإن واللام، وهذا يدل على شدة حبه له وتعلقه به ولعل هذا زاد من ضغائنهم على أخيهم. والسبب الثاني الذي ذكره يعقوب عليه السلام “وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون” فتلقفوا ما نطق به أبوهم حيث وجدوا فيه عذراً كانوا يبحثون عنه لتبرير جريمتهم بعد تنفيذها كما سيأتي بيانه، وقد أرادوا أن ينفوا عن أبيهم هذا الهاجس “قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون” فأكدوا لأبيهم أن حمايتهم ليوسف حماية تامة، وأكدوا استبعاد أن يأكله الذئب وهم جماعة قوية، واستخدموا لتقرير هذا المعنى عدة مؤكدات وهي اللام الموطئة للقسم، والجملة الحالية “ونحن عصبة” وإن، وإذاً (تحقيقاً لحصول خسرانهم على تقدير حصول الشرط. والمراد: الكناية عن عدم تفريطهم فيه، وعن حفظه إياه، لأن المرء لا يرضى أن يوصف بالخسران).

ومن الملحوظ هنا أن يعقوب عليه السلام اعتذر إليهم بعذرين أحدهما أنه لا يصبر على غياب ابنه يوسف عنه ولو لبعض يوم “إني ليحزنني أن تذهبوا به” والثاني خوفه عليه من الذئب “وأخاف أن يأكله الذئب” إلا أنهم أجابوه عن العذر الثاني دون الأول. لأن فرط حبه له، وإيثاره وعدم صبره على مفارقته هو الذي كان يشعل نار الحقد والحسد والغيظ في قلوبهم، لذا تجاهلوا هذا العذر ولم يجيبوا عنه، ولم يعبأوا به.

ونزل الأب على رأيهم بعد كل تلك التأكيدات وأرسله معهم، وهكذا نجحوا في تنفيذ الشق الأول من خطتهم.

إلهام إلهي



والآن يوسف بين أيديهم، وها هم أولاء ينفذون مؤامرتهم البشعة، ويلقون أخاهم في الجب، ولكن الله تعالى يربط على قلبه ويلهمه أنه سيعيش حتى يواجه اخوته بفعلتهم النكراء وهم لا يشعرون بأن الذي يذكرهم بما فعلوه ويواجههم هو أخوهم يوسف الذي ألقوه في قاع البئر وهو غلام تجد هذا في قوله تعالى: “فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون”.

ونلحظ في هذه العبارة ما يأتي:

أنهم أصروا على فعلتهم هذه باتفاقهم جميعاً بدليل قوله “وأجمعوا”.

ان المراد بالوحي إليه وحي الإلهام وليس وحي الرسالة، لأنه لم يكن بالغاً حينئذ، ووحي الرسالة إنما يكون بعد سن الأربعين.

أكد هذا الإلهام باللام ونون التوكيد الثقيلة لتحقيق مضمون الخبر، ولزيادة تثبيت يوسف عليه السلام وتطمينه بالنجاة.

استخدم اسم الإشارة للقريب “هذا” لقرب حدوثه، وللدلالة على وضاعة فعلتهم وخستها.

قيل “لتنبئنهم” ولم يقل “لتخبرنهم”، لأن النبأ هو الخبر المهم العظيم الفائدة.

وقد عاد الاخوة الى أبيهم بعد تنفيذهم المؤامرة يتباكون، ويعتذرون الى أبيهم بالمعذرة التي تلقفوها منه، قال تعالى: “وجاؤوا أباهم عشاء يبكون. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين”.

تأمل قولهم “فأكله الذئب” والذئب لا يأكل، إنما يفترس، ولكنهم عبروا عن الافتراس بالأكل حتى لا يطالبهم أبوهم بأشلاء أخيهم فينكشف أمرهم، وجاء قولهم “وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين”، ليؤكدوا على تيقنهم من عدم تصديق أبيهم لهم، لذا فالخبر مستعمل في لازم الفائدة، لأن المخاطب عالم بمضمون الخبر. وكان من الممكن أن يقولوا: لست بمؤمن لنا، ولكنهم أتوا بضمير المخاطب لتأكيد اعتقادهم.

كذب مفضوح



وجملة “وجاؤوا على قميصه بدم كذب” في موضع الحال، ووصف الدم بالمصدر (الكذب) للمبالغة، وكأن الدم عين الكذب، أي دم هو كذب في ذاته، لأن الدم ليس دم يوسف، وقد انقلب السحر على الساحر، فما اتخذوه دليلاً على براءتهم كان دليل إدانتهم، إذ ليس من المعقول أن يمزق جسد يوسف ويؤكل ولا يمزق قميصه! لذا أبطل يعقوب عليه السلام دعواهم، وصرح لهم بكذبهم “قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” فحرف الاضراب (بل) أبطل دعواهم، وقذف بها في وجوههم في سرعة خاطفة، وهذا يدل على تيقن يعقوب عليه السلام من كذبهم، ورفضه لادعائهم. والتنكير في “أمراً” للتهويل والإبهام، لأنه لم يعلم به، او للتعظيم لخطورته، وشدة أثره في نفس أبيهم. ووصف الصبر بالجميل، لأنه هو الذي يليق بمقام النبوة. والصبر الجميل لا يمنع الشعور بالألم والحزن ما دام ذلك من غير أنين ولا جزع ولا تحسر. وقد أكد يعقوب عليه السلام لأبنائه بأنه سيصبر متحملاً راضياً مستعيناً بالله وحده على ألاعيبهم وحيلهم وكذبهم. وتأمل تعبيره عما أصاب يوسف عليه السلام بقوله “على ما تصفون”، وذلك لأنه كان متيقناً من كذبهم، لذا لم يقل: والله المستعان على ما وقع، فهو يشعر بأن ما وصفوا غير واقع.


منقول...

ابن حزم
26-06-2006, 03:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخونا الحبيب ومشرفنا القدير$$ عبد الله بن كرم $$ بارك الله فيكم وعليكم وزادكم من

فضله وكرمه ومنه علما" وخلقا" ورزقا"

أخوكم المحب في الله

ابن حزم الظاهري

أبو فهد
27-06-2006, 04:46 PM
... بسم الله الرحمن الرحيم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في الجميع وجزاكم خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... معالج متمرس...