المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : §§§ ((( مبــــــــــــــــــــــدا التسامـــــــــــــــــــــــــح )))§§§


الزمرد*
12-02-2012, 11:43 AM
قيل: ( من ثمارهم تعرفهم، هل تجني من الشوك عنباً ، أم من العوسج تيناً ) ؟!
إن الشجرة الطيبة تطرح ثماراً طيبة ، والشجرة الخبيثة تطرح ثماراً خبيثة ، ولكنك أيها القراء الفطن لأي شجرة تقصد ، وتحت أيهما تستظل ، وأي الثمار تأكل ؟
لا شك أن مبدأ التسامح عظيم، لأننا كلنا أهل خطأ، ونحتاج كثيراً إلى من يصفح عنًا ويحلم علينا، ليصنع لنا بذلك معروفاً ندين له به أبداً، والحقيقة أنني متى ما رأيت أن خصمي يراني خبيثاً وشريراً وكافراً أو رجعيّ ظلامي مستبد ، فإني وتلقائياً استبد برأيي واستبدل ريشة القلم بسيف بتار أضرب به عنق الآخر ، ومتى ما رأيت كلمات التسامح والصفح والمحبة من الآخر كلما أحسست بعظمة الإحسان الذي تملكني، هذا هو لسان كل إنسان.
كلنا نخطئ ، كلنا نذنب ، كلنا يحتاج إلى مغفرة ، وكم قسونا وكما تجاوزنا الحدود ، والذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التسامح.
والحقيقة أن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان التسامح ضرباً من ضروب التدجيل والزيف لترويج البضائع اللفظية، إنه من السهل - يا سادتي - أن ننمق الكلمات والعبارات ونرصف بها شوارع الأوراق، ونزيف بها رسومات فنية جميلة، لكنها في النهاية تبقى حبيسة الإطار، ومسجونة في حدود الألفاظ الزائفة، إن القانون الحقيقي لكلمة التسامح هي : الثمرة السلوكية العملية في الحياة، نعم .. من ثمارهم تعرفهم، هل تجني من الشوك عنباً ، أم من العوسج تيناً، ما أسهل التبشير باسم التسامح والعدل، لكن الثمار الشوكية العملية تفضح وتعري وتكشف هذا التبشير المزوق المزور!
لقد قال الفيلسوف ( فوليتر ) يوماً :
( ما هو التسامح ؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعاً من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل).
يالها من كلمات جميلة، أنا سأقولها، وستقولها أنت ، وستقولينها أنت بالطبع ، كلنا سنقولها بإعجاب وبترنم عذب، لكن الثمار ستكشفنا جميعاً وتعرينا وترهقنا كثيراً، لأننا وقّعنا على ورقة شيك بها مبلغ عظيم لا نستطيع سداده ، إنه التسامح !
لقد تعلم الناس يوماً ما من زعيم العقلانية الأوروبية، والأب الروحي للفلسفة الحديثة "رينيه ديكارت" الأخلاق والتسامح والفلسفة، كم كان رائعاً في أحلامه، في فلسفته، في تأملاته، لكننا صدمنا من ثماره الكاشفة والمعرية للكلمات الزائفة.
لقد تعلم الناس منك أيها الفيلسوف "ديكارت" الأخلاق والتسامح والفضيلة، ولكن لما نراك تخون تعاليمك المقدسة يوم مارست الخطية مع أعز أصحابك الذين خدموك بإخلاص وتفاني، فها أنت تخونهم وتشي بهم حتى أوقعتهم في المصائب !
هل هذا من الأخلاق والتسامح يا سيادة الفيلسوف؟
لمَ أراك تخوف الأخلاق مع خادمتك "هيلانة" فتنتج ثمر الخطية ابنة غير شرعية ؟!
أيها الفيلسوف " جان جاك روسو" لقد استحوذت على كثير من الناس بإنجيل الحرية (العقد الاجتماعي) وإنجيل التربية ( إميل) لكن فجعتني وآلمتني وأثرت عجبي في (اعترافاتك ) !!
هل أنت حقاً من صف الكلمات في إنجيل التربية إميل ؟!
عجباً لك ..لم يكن لك أيّ حظ من التربية الخلقية ألبتة في حياتك، فأنت تعترف بنفسك أنك تسرق الخمر من معلم النقش، وتكذب بغير مبرر، وتعمل كل ما ينافي التربية والأخلاق!
لقد ظهرت في سلوكك متناقضاً، فكثيراً ما استقبحت ما كنت تحسنه، واستحسنت ما كنت تستقبحه، هاجمت الأغنياء، مع أنك كنت تلهث تحت فتات موائدهم وكان لهم الحظ الأوفر في حياتك ونجاحك!
لقد قال عنك يوماً ( فولتير) : ( أنك تدعو إلى الجهالة والعصور المتوحشة، ولو أطاعك الناس لصاروا حيوانات تسير على أربع) !
أعلم أن قضية التسامح معضلة وليست بالهينة ولذلك لا نستغرب أن استعصت على كبار الفلاسفة من زمن إيرازموس إلى زمن جون لوك إلى ستيورات ميل !
يالها من فلسفة رائعة فاضحة كاشفة معرية تلك الفلسفة المعروفة بفلسفة ( الثمار) .
بعد هذه المقدمة التي أردت منها تثبيت حقيقة مهمة وهي : أن حقيقة ومصداقية القيم والأخلاق والتعاليم تعرف بمدى تمسك وسلوك أصحابها بها ، فالتسامح أمر عظيم ولمعرفة عظمته نريد أن نتعرف على مكانته في حياة وسلوك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
لست بحاجة للتعريف بشخص ابن تيمية والعصر الذي عاش فيه رحمه الله، وما تعرض له من عداء وهجوم وسجن وتعذيب واعتداء، وكيف كان رحمه الله يقابل ذلك بتسامح وعفو وصفح .
لقد كان شيخ الإسلام يدرك أن الاختلاف أمر طبيعي بل حتمي في هذه الكون، وهذه سنة إلهية ، حيث بيّن الله سبحانه وتعالي أن الناس في اختلاف ، وأنهم لا يزالون كذلك ، وأن الخلاف لا يعرف أحقيته أو بطلانه من كثرة الأعداد أو قلتها ، وأن الحق لا يرتبط بالأشخاص ولا بالدول ولا بالمؤسسات ، والحق أصيل وقديم ، وهو الغالب ، بالكلمة والحجة والبرهان ، وأن الحق لا يحتاج إلى أشخاص يجيدون الشتائم والسباب ، وأن الحق لا يريد إقصاء الآخر ، ولا إلغاء شخصه، ولا الانتقام منه ، بل الحوار معه ، في جو يكفل المساواة في الفرص والإمكانات ، وكما أن الحق ظاهر فإنه لا يزال في صراع ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ولولا قيمة هذا الصراع لما أوجده الله ، فالله سبحانه وتعالى لا يوجد - إطلاقا - شرا محضا ، ولا يوجد في مخلوقات الله شرور معدومة الخيريّة بوجه من الوجوه ، بل لا توجد مصيبة ولا شر، كموت الأنبياء ، والصالحون ، أو انتكاسة من انتكس ، أو زوال مظهر من مظاهر الخير ، إلا وفيه خير ظاهر أو باطن علمه من علمه وجهله من جهله ، فلله الحكمة البالغة كما له الحجة البالغة ، ولو شاء لهدى الناس جميعا ، ولكن الحياة أرض بلاء ومحك اختبار ، ودار عمل ، فمن شاء فليقدم لنفسه من الأعمال والأقوال ما ستنفعه يوم القصاص الأكبر .
لكن العجيب من مواقف التسامح أن تكون في موقف القوة والغلبة، وأن يكون لك الحق، فإذا تسامحت مع من ظلمك وهو تحت سطوتك، كنت حقاً متسامحاً كريم الخلق والنفس
قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية العامة في التسامح .
وضع ابن تيمية قاعدة للتسامح في حياته السلوكية والعملية ، هذه القاعدة هي مقولته المشهورة : " أحللت كل مسلم عن إيذائه لي"
لقد كان لسان حال شيخ الإسلام مع أعدائه : من ضاق صدره عن مودتي، وقصرت يده عن معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شؤونه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي لا كدر الله صفو أوقاته ولا أراه مكروهاً في حياته، وإن كل من فرش الأشواك في طريقي، وضيق عليّ السبل، ذلل الله له كل طريق وحالفه النجاح والتوفيق
التطبيق العملي لقاعدة التسامح التيمية .
ولأن ابن تيمية رجل يقول الخير ويفعله، ويؤسس التسامح ويمارسه، لذلك وجدنا حياته كلها صورة صادقة وتعبير دقيق لهذا القاعدة، إنها فلسفة الثمار التي يؤمن بها .
موقف ابن تيمية من خصمه علي بن يعقوب البكري الصوفي .
ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة مختصرة بعنوان ( الاستغاثة) وهي رسالة علمية بالأدلة الشرعية في حكم الاستغاثة، وكان الأليق بالعلماء الذين يختلفون معه أن يتصدوا لمثل هذه المسألة بالدليل والبرهان العلمي بعيداً عن التكفير والحكم بالزندقة والشتائم والسباب.
لكن الشيخ الصوفي علي البكري كان رده على هذه الرسالة بالحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بالكفر والزندقة والخروج عن ملة الإسلام!
ولم يكتف الشيخ الصوفي البكري - عفا الله عنا عنه - بمجرد التكفير بل بالغ في إيذاء ابن تيمية بالقول والعمل، فقد قام باستعداء العوام على الشيخ وحرض الجند وأصحاب الدولة على شيخ الإسلام وشهر به وأقذع الشتيمة في حقه .
وكان الشيخ الصوفي البكري من أشد الصوفية على شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي محنة الشيخ مع الصوفية سنة 707هـ حول قضية الاستغاثة طالب بعضهم بتعزير شيخ الإسلام، إلا أن الشيخ البكري طالب بقتله وسفك دمه!
وفي سنة 711هـ تجمهر بعض الغوغاء من الصوفية بزعامة الشيخ البكري وتابعوا شيخ الإسلام ابن تيمية حتى تفردوا به وضربوه، وفي حادثة أخرى تفرد البكري بابن تيمية ووثب عليه ونتش أطواقه وطيلسانه، وبالغ في إيذاء ابن تيمية !
في المقابل تجمع الناس وشاهدوا ما حل بشيخ الإسلام من أذية وتعدي فطلبوا الشيخ البكري فهرب، وُطلب أيضاً من جهة الدولة فهرب واختفى، وثار بسبب ما فعله فتنة، وحضر جماعة كثيرة من الجند ومن الناس إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لأجل الانتصار له والانتقام من خصمه الذي كفره واعتدى عليه .
والسؤال هنا : ما هو موقف شيخ الإسلام من هذا الرجل الذي كفره وحكم عليه بالزندقة ثم وثب عليه وضربه ونتش أطواقه ؟
حينما تجمع الجند والناس على ابن تيمية يطالبون بنصرته وأن يشير عليهم بما يراه مناسباً للانتقام من خصمه البكري الصوفي؛ أجابهم شيخ الإسلام بما يلي :
" أنا ما أنتصر لنفسي " !!
فماج الناس والجند وأكثروا عليه وألحوا في طلب الانتقام؛ فقال لهم :
" إما أن يكون الحق لي، أو لكم، أو لله ، فإن كان الحق لي فهم في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني؛ وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كما يشاء ومتى يشاء".
ولما اشتد طلب الدولة للبكري وضاقت عليه الأرض بما رحبت هرب واختفى عند من ؟
هرب واختفى في بيت ابن تيمية وعند شيخ الإسلام لما كان مقيماً في مصر، حتى شفع فيه ابن تيمية عن السلطان وعفا عنه!!
فانظر أيها القارئ إلى عظيم تسامح هذا الإنسان العظيم، فالبكري قابله بالظلم والتكفير والاعتداء والعدوان والبهتان، وابن تيمية قابله بالعفو والإحسان والكرم ، إن في ذلك آية عظيمة لكل منصف سليم االقلب .
موقف ابن تيمية من خصومه الذين تسببوا في سجنه وطالبوا بقتله .
كان شيخ الإسلام - رحمه- من أكثر العلماء الجهابذة الذين تعرضوا لأذى الحساد من الأقران ، ولكنه كان من ألطف الناس وأرحمهم بالخصوم.
يقول " ابن فضل الله العمري " :
( اجتمع عليه عصبُ الفقهاء والقضاة بمصر والشام ، وحشدوا عليه خيلهم ورجلهم، فقطع الجميع، وألزمهم الحجج الواضحات أيّ إلزام ، فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام ) .
فبعد أن وشى به بعض العلماء وكذبوا عليه وألّبوا الحكام والأمراء عليه وتزلفوا لدى الكبراء في ابن تيمية؛ سُجن وعذب ، وتولى كِبر ذلك الجُرم الشيخ الصوفي " نصر المنبجي" والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير تلميذ المنبجي ، وجماعة من الفقهاء والعلماء ، الذين ناصروا الحاكم بيبرس في انقلابه ضد السلطان ناصر بن قلاوون.
ولكن شاء الله أن تزول أمارة بيبرس ويضم السلطان ناصر بن قلاوون دمشق ومصر إلى حكمه ، ولم يكن همّ السلطان إلا الإفراج عن شيخ الإسلام المسجون ظلما وزوراً .
فأخرجه معززاً مكرماً مبجلاً ، ويصل الشيخ إلى البلاط الملكي فيقوم له السلطان تكريماً واحتراماً ويضع يده بيد ابن تيمية ويدخلان على كبار علماء مصر والشام ... !
ويختلي السلطان ناصر قلاوون بشيخ الإسلام ابن تيمية ويحدثه عن رغبته في قتل بعض العلماء والقضاة بسبب ما عملوه ضد السلطان وما أخرجه بعضهم من فتاوى بعزل السلطان ومبايعة بيبرس، وأخذ السلطان يحث ابن تيمية على إصدار فتوى بجواز قتل هؤلاء العلماء، ويذكره بأن هؤلاء العلماء هم الذين سجنوه وظلموه واضطهدوه وأنها حانت الساعة للانتقام منهم !
وأصر السلطان ناصر بن قلاوون على طلبه من شيخ الإسلام كي يخرج فتاوى في جواز قتلهم !
فماذا كــــــان رد ابن تيميــــــــة ؟
هل وجدها فرصة للتنفيس عن أحقاده وخصوماته ؟
كلا ... فنفس الكريم أرفع وأطهر من ذلك ، لقد قام ابن تيمية بتعظيم هؤلاء العلماء والقضاة ، وأنكر أن يُنال أحد منهم بسوء، وأخذ يمدحهم ويثني عليهم أمام السلطان وشفع لهم بالعفو والصفح عنهم ومنعه من قتلهم ، فقال للسلطان :
(إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم من العلماء الأفاضل!)
فيرد عليه السلطان متعجبا متحيراً : لكنهم آذوك وأرادوا قتلك مرارا ؟!
فقال ابن تيمية: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي !
وما زال ابن تيمية بالسلطان يقنعه أن يعفو عنهم ويصفح، حتى استجاب له السلطان فأصدر عفوه عنهم وخلى سبيلهم !!
إنها النفوس الكبيرة - يا سادة - هي التي تستطيع أن تتجاوز أحقادها ومواقفها الشخصية وتمارس العظمة بكل معانيها .
لقد شهد له كبير خصومه ومن الذين هاجموه وآذوه ، شهد له بعد عمله التسامحي الفريد الذي عمله معهم أثناء غضب السلطان ناصر بن قلاوون عليهم ، لقد كان قاضي المالكية " القاضي ابن مخلوف " أحدهم ولما أفرج عنه قال عن ابن تيمية :
( ما رأيت كريماً واسع الصدر مثل ابن تيمية فقد أثرنا الدولة ضده، ولكنه عفا عنا بعد المقدرة، حتى دافع عن أنفسنا وقام بحمايتنا، حرضنا عليه فلم نقدر عليه ، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا )... هذا هو ابن تيمية، هذه هي أخلاقه مع خصومه !
.....الى اخره من المواقف التي نعتز بها
منقول مع التعديل

أسامي عابرة
12-02-2012, 09:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكِ أخيتي الكريمة ضياء

أحسنتِ أحسن الله إليكِ

موضوع رائــــــــــــع سلمتِ وسلمت يمناكِ

ما أحوجنا والله لمثل هذه التذكرة ..

نفع الله بكِ ونفعكِ وزادكِ من فضله وعلمه وكرمه

في رعاية الله وحفظه

"لطيفة"
12-02-2012, 09:46 PM
جزاكم خيرا على النقل والتعديل مشرفتنا ضياء.
أظن التسامح لا يكون خلقا كريما إلا بالنية الخالصة، فإن غابت أصبح مهانة. كما أن ما على من لم يسامح من سبيل أليس كذلك؟
تقبلوا مروري.

راجيه الجنة
23-02-2012, 05:41 PM
بارك الله فيك وجعلنا من المتسامحين

البلسم*
23-02-2012, 07:21 PM
بارك الله فيكِ أخيتي ,,

فاديا
24-02-2012, 06:33 AM
شكرا ضياء على الموضوع الرائع