المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دواء القلوب، المقرِّب لحضرة علام الغيوب


الطاهرة المقدامة
22-11-2011, 07:31 PM
دواء القلوب، المقرِّب لحضرة علام الغيوب

جمع الفقير إلى ربه تعالى

محمد بن عبدالرحمن بن عباد الحنبلي مذهباً والنجدي وطنا

المتوفى لرحمة الله عام 1380


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مقلب القلوب والأبصار وموقظ القلوب الغافلة بالوعظ والتذكار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وما يقضيه من الأمور والأقدار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المجتبى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار.

أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة اقتطفتها، وموعظة بليغة اختصرتها من كتب شتى وجعلتها تذكرة لمن أصغى إليها بلا امتراء ولم أجعلها على نسق واحد، بل قد تكون العبارات والفقر كل فقرة ليست على نسق الأخرى وذلك لضيق الوقت وعدم تيسر جمعها في وقت واحد، لأنها من كتب متنوعة وأوقاتها متفرقة أعنى حال جمعها وإنما المقصود بها تذكير الغافل وتنبيه وتعليم الجاهل وأرجو أن ينفع الله به من سمعها أو قرأها أو كتبها، وقد جمعت فيها من المنقول والمعقول ما يبهر العقول على اختصارها ووجازتها وأرجو الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمني أجرها، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(فصل)

قال تعالى: ﴿وذكِّر فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين﴾.

قال العماد ابن كثير: أي إنما ينتفع بها القلوب الموقنة.

وقال بعض السلف: المؤمنة الوجلة الخاضعة لربها، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18- 19].

قال بعض السلف: نسوا الله تركوا طاعته فأنساهم أنفسهم أن يقدموا لها خيراً أو يعملوا لها خيراً.


(فصل)

ولما كانت المواعظ للقلوب كالسياط للأبدان، كان القرآن كله مواعظ وقصصاً وأخباراً وإنذاراً وعبراً وتخويفاً وتفصيلاً قال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138].
وقال تعالى: ﴿ نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3].
وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].
وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [إبراهيم: 9].
وقال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: 5].

فسننه سبحانه في الماضين عبرة للغابرين وقد جرى للأمم السالفة من العبر ما هو موعظة لمن اعتبر لاسيما ما جرى على هذه الأمة من الوقائع العظام. ما هو عظة لمن بعدهم من الجهد والجوع والأمراض والأسقام والزلازل فإن ذلك تذكرة لمن له قلب كما قال تعالى في سياق آخر سورة ق: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

وقد حكى العماد بن كثير في التاريخ أنه حصل في مصر وما قاربها من البلاد غلاء وجهد قال وهلك خلق كثير من الفقراء والأغنياء ثم أعقبه فناء عظيم حتى حكى الشيخ أبو شامة في الذيل أن الملك العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة السابعة والتسعين والخمسمائة من الهجرة نحواً من مائتي ألف وعشرين ألف ميت وأُكلت الكلاب والميتات بمصر وأكل من الأطفال خلق كثير وذكر أموراً كثيرة جداً تركتها قصداً لطولها وما فيها من الأمور الهائلة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال في هذه القصة ووقع في هذه السنة وباء شديد ببلاد عنيزة بين الحجاز واليمن وكانت عشرين قرية فبادت منها ثمانية عشرة قرية لم يبق منها ديار ولا نافخ نار وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قاني لها ولا يستطيع أحد أن يسكن تلك القرى ولا يدخلها بل كان من اقترب إليها هلك من ساعته نعوذ بالله من بأس الله وعذابه وغضبه وعقابه أما القريتان الباقيتان فإنه لم يمت منهما أحد، ولا عندهم شعور بما جرى على من حولهم بل هم على حالهم لم يفقد منهم أحد ولا عندهم من أمرهم خبر فسبحان الحكيم العليم وفي القرن السادس من الهجرة النبوية أتاهم عارض فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عاصفة فقوي الجو بها واشتد هبوبها حتى انبثَّ لها أعنة مطلقات وارتفعت لها صفقات فرجفت لها الجدران واصطفقت وتلاقت على بعد. واعتنقت وثارت السماء والأرض عجاجاً حتى قيل إن هذه على هذه انطبقت ولا يحسب إلا أن جهنم قد سال منها واد وعدا منها عاد وزاد عصف الريح إلى أن أطفأ سراج النجوم ومزقت أديم السماء ومحت ما فوقه من الرقوم فكنا كما قال تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ ﴾ [البقرة: 19] ويردون أيديهم على أعينهم من البوارق لا عاصم لخطف الأبصار ولا ملجأ من الخطب إلا معاقل الاستغفار وفر الناس نساءً ورجالاً وأطفالاً ونفروا من دورهم خفافاً وثقالاً لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فاعتصموا بالمساجد الجامعة وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة ووجوه عانية ونفوس عن الأهل والمال سالية ينظرون من طرف خفي ويتوقعون أي خطب جلي قد انقطعت من الحياة علقهم وعميت عن النجاة طرقهم ووقعت الفكرة فيما هم عليه قادمون وقاموا على صلاتهم وودوا لو كانوا من الذين عليها دائمون إلى أن أذن الله بالركود وأسعف لها المتهجدون بالهجود فأصبح كل مسلم على رفيقه يهنئه ويرى أنه قد بعث بعد النفخة وأفاق بعد الصيحة والصرخة وأن الله قد رد له الكره وأحياه بعد أن كاد يأخذه على غرة. ووردت الأخبار بأنها قد كسرت المراكب في البحار والأشجار في القفار وأتلفت خلقاً كثيراً من السفار ومنهم من فر فلا ينفعه الفرار إلى أن قال ولا تحسب أني أرسلت القلم محرفاً والعِلْم مجوفاً فالأمر أعظم ولكن الله سلم ونرجو أن الله قد أيقظنا بما به وعظنا ونبهنا بما فيه ولهُنا فما من عباده إلا من رأى القيامة عياناً ولم يلتمس عليها بعد ذلك برهاناً فما قصا الأولون مثلها في المثلات ولا سبقت لها سابقة في المعضلات والحمد لله الذي من فضله جعلنا نخبر عنها ولا يخبر عنا.

ونسأل الله أن يصرف عنا عارض الحرص والغرور ولا يجعلنا من أهل الهلاك والثبور.

الطاهرة المقدامة
22-11-2011, 07:32 PM
وقد كان في وصايا عيسى عليه السلام للحواريين أن قال: يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي وتقربوا إليه بالمقت لهم والتمسوا رضاه بسخطهم وجالسوا من تزيدكم مجالسته حكمة. وقال الحسن البصري: أحب عباد الله إليه أكثرهم له ذكراً وأتقاهم قلباً. وقال ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102] قال أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. وقال أبو الدرداء: الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك وقيل له إن رجلاً أعتق مائة نسمة من ماله فقال إن مائة نسمة من مال رجل كثير وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله وليس المراد من الذكر ذكر اللسان فقط بل الذكر القلبي واللساني وذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه ووعده ووعيده وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مررت ليلة أسري بي برجل مغيب في نور العرش فقلت من هذا يا جبريل أملك هو؟ قال لا) وفي رواية قلت: (أنبي؟ قيل لا قلت من هو قيل هذا رجل كان لسانه رطباً من ذكر الله وقلبه معلق بالمساجد ولم يسب والديه قط) وقال كعب: من أكثر ذكر الله برئ من النفاق ويشهد لهذا المعنى أن الله وصف المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً فمن أكثر ذكر الله فقد برئ منهم وباينهم في أوصافهم وأفعالهم. وكان المغيرة بن الحكم إذا هدأت العيون نزل بالجسر وقام في الماء يذكر الله مع دواب البحر. وقال في حلة الأولياء: إن الإنسان لا ينبغي له أن يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه كما أنه لا ينفق من كيسه إلا ما يحتاج إليه وقال لو اشتريتم القرطاس للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه".

وروى أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء"، وفي حديث آخر: "إن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يقتتلان ويدفع الدعاء البلاء قبل أن ينزل وبعده".

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لما سأله عن صحف إبراهيم قال: كانت أمثالاً كلها كان فيها على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يتفكر في صنع الله، وساعة يحدث فيها نفسه، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام، وإن تلك الساعة له عون على تلك الساعات والسعادة قبل الولادة، ولكن ينبغي للإنسان التفكر في مآله وسرعة نزوله وارتحاله وينبغي له الصبر في ذلك وهو نوعان صبر اختيار وصبر اضطرار فصبر الاختيار غير صبر الاضطرار فصبر الاختيار أن يصبر على ما يقضيه ربه ويختاره له من غير ضجر ولا شكوى لمخلوق وصبر الاضطرار هو المذموم وهو الذي لا يرضى بقضاء الله واختياره له بل يحصل منه ضجر وتشكي وجزع وهلع فهذا يسلو كما تسلو البهائم بل هي أحسن حالاً منه كما قال تعالى ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44].

الطاهرة المقدامة
22-11-2011, 07:34 PM
قال الحسن البصري، المؤمن: من جمع إحساناً وإشفاقاً والمنافق: من جمع إساءة ونفاقاً. فينبغي للعبد الخوف من ذاك وأن يجعله نصب عينيه في كل عمل يعمله. وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" الحديث وفي لفظ "وخالق الناس بخلق حسن" .

قال النووي: اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس وإلى كف الأذى عنهم. وقد قال عليه السلام "لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن بحسن الخلق" ولا بد مع ذلك من سلامة القلب فيكون باطناً وظاهراً وقال الغزالي على قوله صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان" فسره بطهارة القلب من الغل والحسد والحقد وسائر أمراض القلب وذلك أن الإيمان الكامل لا يتم إلا بذلك فمن أتى بالشهادتين حصل هل الشطر ومن طهر قلبه من بقية الأمراض كمل إيمانه ومن لم يطهر قلبه فقد نقص إيمانه وقال بعضهم من طهر قلبه وتوضأ واغتسل فقد دخل الصلاة بالطهارتين جميعاً ومن دخل في الصلاة بطهارة الأعضاء خاصة فقد دخل بأحد الطهارتين وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" قال بعضهم على هذا الحديث كل إنسان يسعى لنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها.

وقال بعضهم على قوله عليه السلام "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" وفي الحديث دليل على أن الإنسان يراجع قلبه إذا أراد الإقدام على فعل شيء من الأمور يروى أن آدم عليه السلام أوصى بنيه بوصايا منها أنه قال: إذا أردتم فعل شيء فإن اضطربت قلوبكم فلا تفعلوه وإذا أردتم فعل شيء فانظروا في عاقبته فإني لو نظرت في عاقبة الأكل من الشجرة ما أكلت منها، ومنها أنه قال إذا أردتم فعل شيء فاستشيروا الأخيار فإني لو استشرت الملائكة لأشاروا علي بترك الأكل من الشجرة.

وقال الغزالي: ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة فإذا اكتسب خيراً ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة وهي البدن الذي فارقه بالموت ولاشك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر، فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليتخذ منها الزاد وذلك بعد أخذ الشبكة فيقال هيهات قد فات، فيبقى دائماً نادماً على تفريطه.

وقد قال عليه الصلاة والسلام لابن عمر "وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك" وعن ابن عمر رضي الله عنه قال "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" الحديث وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وفرق ضيعته ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة" وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعفه ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته" وكان بعض العلماء قد جاوزوا المائة سنة وهو متمتع بقوته وعقله فوثب يوماً وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره وقد يحفظ الله العبد الصالح بصلاحه بعد موته في ذريته كما قيل في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82] أنهما حفظا بصلاح أبيهما.

قال سعيد بن المسيب لابنه لأزيدن في صلاتي لأجلك رجاء أن أحفظ فيك ثم تلا هذه الآية وكان أبوهما صالحاً وقال عمر بن عبد العزيز ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه وقال ابن المنكدر إن الله يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله فإن الله يحفظه في تلك الحال وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين وتركت اثنتي عشرة عنزة وصيصتها كانت تنسخ بها قال ففقدت عنزة لها وصيصتها فقالت يا ربي إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصتي وإني أنشدك عنزة لي وصيصتي وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصتها هي السنارة التي يغزل بها فمن حفظ الله حفظه من كل أذى".

وفي حديث حارثة المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "يا حارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمناً حقاً قال انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة.

قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعارفون فيها قال أبصرت فالزم عبد نور الله بالإيمان قلبه".

الطاهرة المقدامة
22-11-2011, 07:36 PM
(فصل)
وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والموالات في الله والمعادات في الله، وقال ابن عباس رضي الله عنه: "من أحب في الله، وأبغض في الله، وعادى في الله، ووالى في الله؛ فإنما ينال ولاية الله بذلك".

ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان - وإن كثرت صلاته وصومه - حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا.


وأهل الغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة في غفلة عما خُلقوا له، ومحبتهم لأهوائهم وشهواتهم لا لمحبة مولاهم ورضاه، فتخونهم محبتهم لهذه الأغراض أحوج ما كانوا إليها، وقد صار هواهم وإقبالهم على ما تكفل لهم به، وصار الحق عندهم باطلًا والباطل حقًا، والفاجر تقيًّا، والتقي فاجرًا؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


(فصل) والليل والنهار مطايا لهذا العالم يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد، كما قال الحسن البصري رحمه الله: "لم يزل الليل والنهار سريعَيْن في نقص الأعمال وتقريب الآجال. هيهات. قد صحبا نوحًا وعادًا وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، فأصبحوا وقد قدموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم" وأصبح الليل والنهار غضَّيْن جديديْن، لم يُبلِهما ما مرا به، مستعدَيْن لمن بقى بمثل ما مضى".

وكتب الأوزاعي إلى أخٍ له: "أما بعد؛ فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك.. والسلام".


وقال بعض السلف: "كيف يفرح بالدنيا مَن يومُه يهدم شهرَه، وشهرُه يهدم سنَتَه، وسنتُه تهدم عمرَه! كيف يفرح بالدنيا مَن يقوده عمرُه إلى أجله، وتقوده حياتُه لموته؟!!

وقال بعض الحكماء: "مَن كانت الأيام والليالي مطاياه؛ سارت به وإن لم يَسِر".

وكتب بعض السلف إلى أخ له: "يا أخي، يخيَّل إليك أنك مقيمٌ، بل أنت دائب السيْر، تُساق مع ذلك سوقًا حثيثًا! الموت متوجهٌ إليك، والدنيا تُطوى من وراءك، وما مضى من عمرك فليس بكارٍّ عليك إلى يوم التغابن".

وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: "أستودعكم الله؛ فلعلها أن تكون مَنِيَّتي التي لا أقوم منها". وكان هذا دأبه إذا أراد النوم.

وقال بكر المُزيني: "إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوبٌ؛ فليفعل؛ فإنه لا يدري؛ لعله يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة".

وكان أويس القرني إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: "كيف الزمان على رجلٍ إن أمسى ظنَّ أنه لا يُصبِح، وإن أصبح ظنَّ أن لا يُمسي، فمُبَشَّرٌ بالجنة أو النار".



[1] نُبَذ يسيرة اقتطفتها، وموعظة بليغة اختصرتها من كتب شتى.

عبد الغني رضا
22-11-2011, 09:44 PM
جزاكم الله خيرا