المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متجر العابدين


الطاهرة المقدامة
28-10-2011, 10:22 PM
مَتْجَر العابِدِين

لِكُلّ قوم مِن التُّجّار موسِم ، ولكل بضاعة وَقْت تُطْلَب فيه ..
فإن نام التُّجَار وأهْمَلُوا وقت الموسِم خسِروا .. وإن أغلقوا على بضائعهم كَسَدَتْ ..

وإن التُّجّار يقِفُون على قَدَم وسَاق وقت المواسِم ، حتى إنهم ليأكلون القليل ، وينامون القليل ، ويتركون كثيرا مِن الراحة في سبيل الراحة !
ذلك أن الراحة الكُبرى تحتاج إلى نَصَب قليل ..
ومَن أراد الْمكارِم تحمّل الْمكارِه ..

قال ابن القيم : المكارم منوطة بالمكاره ، والسعادة لا يُعْبَر إليها إلاَّ على جَسْر الْمَشَقَّة ، فلا تُقْطَع مَسافتها إلاَّ في سفينة الجد والاجتهاد ... وقد قيل : مَن طَلب الرَّاحَة تَرَك الرَّاحَة .

وقال رحمه الله : المصالح والخيرات واللذات والكمالات كُلّها لا تُنَال إلاَّ بِحَظٍّ مِن الْمَشَقَّة ، ولا يُعْبر إليها إلاَّ على جَسرٍ مِن التعب .
وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدْرَك بالنعيم ، وإن مَن آثر الراحة فاتته الراحة ، وإن بِحَسَب رُكوب الأهوال واحتمال الْمَشَاقّ تَكون الفرحة واللذة ، فلا فَرْحة لِمَن لا هَمّ له ، ولا لَذَّة لِمن لا صَبر له ، ولا نَعيم لِمن لا شَقَاء له ! ولا راحة لِمن لا تَعب له ، بل إذا تَعِب العبد قليلا استراح طويلا ، وإذا تَحَمَّل مَشَقَّة الصبر ساعة قادَه لِحَياة الأبد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ، والله المستعان ، ولا قوة إلا بالله ، وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلا كان تَعَب البَدَن أوْفر ، وحَظّه مِن الرَّاحَة أقَلّ . اهـ .

فإذا كان أهل الدنيا يَتْرُكون الراحة في سبيل الدنيا .. فأهل الآخرة وطُلاّبها أولى بذا ..

وقد كان أسوتنا وقُدوتنا صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ..

ولو وقَفْنَا وَقْفَة تأمّل في ليلة عابرة مِن ليالي العام .. لم تكن مِن ليالي رمضان .. ولا كانت مِ، ليالي العشر ، التي يَشُدّ فيها المئزر ، ويُحيي فيها الليل ..
تلك الليلة يُحَدِّث بها حذيفة رضي الله عنه فيقول : صَلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يُصلي بها في ركعة ، فَمَضَى ، فقلتُ يَرْكع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مُتَرَسِّلاً ، إذا مَرّ بآية فيها تَسبيح سَبَّح ، وإذا مَرّ بِسُؤال سَأل ، وإذا مَرّ بِتعوِّذ تَعوَّذ . رواه مسلم .

فإذا كان هذا في ركعة واحدة .. فكيف إذا اجتهد في العبادة ؟
وكيف بِصلاة ليلة ؟

كثير مِنّا قد يتثاقل صلاة التراويح ، وربما كانت ساعة أو نصف ساعة !
وسبب ذلك أنه لم يَعتَد على العبادة .. ولم تُروّض النفس على الطاعة ..
شأنها كَشأن الخيل التي يُراد لها أن تُسابِق وتقطَع الميدان عَدْوًا ، وهي لم تُمَرّن ولم تُدرّب طوال العام .. فما أبعدها مِن الفَوز !

إن رمضان مَيدان العَامِلين ومَتْجَر العابِدين إن أحسنوا استغلال ساعات أيامه ولياليه ..
وما أعْظَم أجور العاملين فيه إذا أخلصُوا واْحتَسَبوا ..
فقد تَولّى الله جزاءهم ، واخْتَصّ بالصوم ، فقال تعالى في الحديث القدسي : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ .
فقد أخْفَى اله جزاء الصائمين ؛ لأن الصيام سِرّ بين العبد وبين ربّـه تعالى .. كما هو حال القيام ، فإن القائمين لَمّا أخْفَوا القيام أخفَى الله جزاءهم ، فقال : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

ولِمَا تضمّنه الصيام مِن الصبر ، وقد قال الله عزّ وَجَلّ : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
قال علي بن الحسين زين العابدين : إذا جَمَع الله الأولين والآخرين يُنادي مُنادٍ : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عُنُق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم . قالوا : ومَن أنتم ؟ قالوا : الصابرون . قالوا : وما كان صَبركم ؟ قالوا : صَبَرْنا على طاعة الله ، وصَبَرْنا عن مَعصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فَنِعْم أجْر العاملين .
قال ابن كثير : قلت : ويشهد لهذا قوله تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

وقال ابن كثير : وقوله : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال الأوزاعي : ليس يُوزَن لهم ولا يُكَال ، إنما يُغْرَف لهم غَرْفًا .وقال ابن جُريج : بَلَغني أنه لا يُحْسَب عليهم ثواب عَمَلِهم قط ، ولكن يُزَادُون على ذلك .
وقال السُّدّي : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) يعني : في الجنة .

4 / رمضان / 1431 هـ


كتبه
الشيخ/ عبدالرحمن السحيم حفظه الله

عبد الغني رضا
10-11-2011, 01:35 AM
بارك الله فيكم

الطاهرة المقدامة
20-11-2011, 09:25 AM
شاكرة مرورك الطيب الكريم وجزاك الله كل خير
إحترامي