المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبل ان يغلق الباب


الطاهرة المقدامة
13-08-2011, 07:05 AM
قبل ان يغلق (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4296)الباب







الحمدلله الذي فتح أبواب التوبة للتائبين، وأقال بعفوه عثرات المذنبين ،

ينادي عباده في كل ليلة: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له،

هل من داع فأجيبه، سبحانه ألبس المنكشفين ثياب ستره، وأسدل على العاصين

سحائب حلمه، يفرح بعبده إذا تاب، ويحب من عباده الأوّاب، فسبحانه من رحيم تواب

والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى والرسول المجتبى نبي الرحمة والهدى،

وعلى صحابته نجوم الدجى، ومن تبعهم بإحسان واقتفى أما بعد:



..............



عباد الله:

اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الدين بالعروة الوثقى فإنكم في زمن تتابعت

فيه الفتن، وتعاقبت فيه على الأمة المحن، اشتبهت الشبهات بالشهوات، وتعددت المصائب

والآفات حتى أصبح الحليم حيران فيما يعالج منها.



ولو كان سهماً واحداً لاتقيته *** ولكنه سهم وثانٍ وثالث



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ** [آل عمران: 102].





فالعود العود عباد الله إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:

«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي».



{قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم

مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ

إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ** [المائدة: 15-16].



.............



ها هي الدنيا:




قال ابن رجب رحمه لله: "ما عيبت الدنيا بأكثر من ذكر فنائها وتقلب أحوالها، وهو أول دليل

على انقضائها وزوالها، فتتبدل صحتها بالسقم، ووجودها بالعدم، وشبيبتها بالهرم، ونعيمها بالبؤس،

وحياتها بالموت، فتفرق الأجسام النفوس، وعمارتها بالخراب، واجتماعها بفرقة الأحباب،

وكل ما فوق التراب تراب".



ودخلت أم جعفر بن يحي البرمكي على قوم في عيد أضحى تطلب جلد كبش تلبسه

وقالت: "هجم علي مثل هذا العيد وعلى رأس أربعمائة وصيفة قائمة، وأنا أزعم جعفر عاق لي"



نعم هذا هو حال الدنيا إن أفرحتك اليوم أحزنتك غداً، وإن سعدت بها اليوم سقيت بها غداً،

دار أهلها منها على وجل وهو فيها بانتظار الأجل {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ** [الأعراف: 34].

ومع ذلك تراهم فيها يستزيدون، وإلى الخلود فيها يريدون، ألهتهم الأماني الكائبة،

ووعود إبليس الكاذبة: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً** [النساء: 120].

انحدرت هممهم حتى أصبح أحدهم لا يصحبه إلا ما أشرب من هواه، تقرع مسامعهم

المواعظ فلا يتعظون، ويرون في الأمم حولهم من الحوادث والقوارع فلا يعتبرون قد أمنوا

مكر الله أولئك هم الخاسرون.



أرى أشقياء الناس لا يسأمونها *** على أنهم فيها عراة وجـوّع

أراها وإن كانت تُحب فإنهـا *** سحابة صيف عن قريب تقشع



فيا من عصفت به ريح الذنوب

متى ستتوب ؟ ومتى إلى ربك تثوب ؟.

أتراك تؤمل الخلود في الدنيا فما خلد فيها من قبلك؟ .

فأحذر فإنه قد أدركك كما أدرك من قبلك قروناً سالفة وأحقاباً تالفة.



لا شيء مما ترى تبقى بشاشته *** يبقى الإله ويفنى المـال والولد



لم تغن عن هرمز يومـــــاً خزائنــه *** والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا



أين الملوك التي كــانت لعـــزتهـا *** مـن كـل أوب إليهـــــا وافــــد يفدُ



حوض هنالك مـــــورود بلا كــــذب *** لابد من ورده يومــــاً كمــــا وردوا



أخي الحبيب



أما تقرأ قوله سبحانه:

{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ** [آل عمران: 185].

ماذا تغني عنك اللذائذ والقبر يعقبها، وماذا تغني الآمال والموت يذهبها.



...............



حال السلف:




لقد كان السلف رحمهم الله إذا ذكر الموت تعطلت منافعهم، وتغيرت مناظرهم حتى

لكأنه منزل بهم الساعة.

قال أبو نعيم: "كان الثوري إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياماً فإن سئل عن شيء قال: لا أدري.. لا أدري..".

وقال اليمي: "شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله".

وكان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يجمع العلماء في مجلسه فيتذاكرون الموت والقيامة

فيبكون حتى كان بين أيديهم جنازة.



واليوم ما أحوجنا إلى تذاكر هذه الأمور في مجالسنا تلك المجالس التي لا تكاد

تسمع للموت فيها ذكراً ولا عن الآخرة خبراً، بل تسمع فيها ضحكات تملأ الأفواه،

وروادها ما بين سامر ولاهٍ، وإما على صفحات القنوات والفضائيات تنقلب الأبصار إلى

كل عهر وفساد في سائر الأمصار، قد غشيهم من الفلة ألوان، وأطبقت على قلوبهم

حتى صارت كالران فمتى يبلغهم الإيمان.



....................



قصــة:




كان أحدهم مع أصحابه في إحدى المناسبات صحيح البدن عظيم البنية لو ضرب بيده جداراً

تهدهد يسامر أصحابه ويمرح ويمزح وكأن الموت لن يصل إليه ويضحك كأن البكاء لا يعرف

مقلتيه ثم ودع أصحابه وما أن وضع جنبه لينام إلا وهادم اللذات قد التقاه فإذا المنية ترقبه

والموت يطلبه، نظر يمنة ويسرة هل من راق ليرقيه، أو طبيب يداويه، غشيته السكرات،

وتتابعت منه الآهات، ولكن هيهات، لقد كانت رسل الرب أقرب إليه من حبل وريده، ردون أمهلون..

ارجعون.. كلا {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ** [الأنعام: 28].

انتزعت الملائكة روحه، وغدت جثته بين الأيادي مطروحة، ناحت النائحة، وصاحت الصائحة،

ونزلت بأهل الدار الجائحة.



{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ

تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ

وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ** [الأنعام: 61-62].



مات الرجل، وأدركه الأجل وانقطع عنه العمل، فيا ليت شعري مالذي كان يتمناه في تلك

اللحظات وهو يعالج السكرات، أيتمنى أن يرجع إلى سهره وزمره، أو عوده ومسهوده..

كلا والله ولكن ..



{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ** [فاطر: 37].

{رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن

قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ** [إبراهيم: 44] .



فكم بين الليلة والبارحة؟!




دعوة للتأمل



أخي يا رعاك الله

ألم تتأمل في نفسك قد شق الله لك عينين ولساناً وشفتين، وأتاك سمعاً ويدين ورجلين،

أما تتأمل نعمة الله عليك، أبصرك فلم تكن كفيفاً، وأسمعك فلم تكن أصم، وأنطقك فلم تكن أبكم،

وأطلقك فلم تكن قعيداً وأحسن خلقك وسواك وأطعمك وسقاك.. قل لي بربك أي شيء نظرات

بعينك دون ما أحل الله لك ولو سلبتهما أكنت ناظراً بها؟!

قل لي بربك أي شيء سمعت بأذنيك دون ما أحل الله لك ولو سلبتهما أكنت تسمع شيئاً؟!

قل لي بربك أي شيء تكلمت بلسانك وشفتيك دون ما أحل الله لك ولو سلبتهما أكنت تتكلم بها...

هل تعلم عافاك الله، جوارحك تنطق وأعضاءك تشهد؟!



{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ** [يس: 65].

{حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ** [فصلت: 20].

{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً** [الإسراء: 36].



روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة

يقول:" أي رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟"، قال: "بلى"، فيقول: "فإني لا أقبل عليَّ شاهداً إلا من نفسي"،

فيقول الله تبارك وتعالى: "أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين"، قال: فرده هذا الكلام مراراً،

قال: فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل فيقول بعداً لكُنَّ سحقاً عنكنَّ كنت أجادل».



يا غــافلاً عن العمل *** وغــــره طــــول الأمـل

وقد مضى في غفلة *** حتى دنا منـــه الأجل

المـوت يأتـــي فجـأة *** والقبر صندوق العمل



................



لا تغتر بحلم الله عليك



إن أناساً قد غرهم حلم الله عليهم فكانت حياتهم لهواً ولعباً، تعلو أبصارهم الغشاوة وفي آذانهم وقر

عن سماع الهدى، بصائرهم مطموسة وقلوبهم منكوسة، استعبدهم ربهم فما عبدوه، واستعبدهم الشيطان فأطاعوه.



هربوا من الرق الذي خلقوا له *** فلبوا برق النفس والشيطان





فيا عباد الله

يا من ألفت العصيان وخالفت الواحد الديان.. قبل أن تعصي الله.. تذكر أن الموت ليس بغائب،

ولن يدفعه عنك خل ولا صاحب، وإن تعداك اليوم فهو في الطريق إليك غداً، ولن تفلت منه أبداً،

قبل أن تعصي الله تذكر القبر ووحدته وضيعته ووحشته وهول مطلعه وشدة ضغطته.

تذكر يوم تعرض أيام ربك، بأي قدم تقف بين يديه، وبأي عين تنظر إليه، وبأي قلب تجيب عليه.

قبل أن تعصي تذكر النار، وشدة حرها، وبعد قعرها، وإذا كان أهون عذاباً من له نعلان من نار يغلي منها دماغه،

فكيف بك لو كنت ذلك الرجل أتراك تذكر تلك اللذائذ والأمسيات والليالي الماجنات.



تفنى اللذائذ ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها الغار



ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيغمس في الجنة

غمسة ثم يخرج فيقول الرب جل وعلا له: "يا عبدي أرأيت بؤساً قط؟ هل مر بك بؤس قط؟"،

فيقول: لا يارب ما رأيت بؤساً قط، وما مر بي بؤس قط -ينسى ما كان فيه-، ثم يدخل الجنة، ويؤتى بأنعم أهل الدنيا

من أهل النار فيغمس في النار غمسة ثم يخرج منها فيقال له: "هل رأيت نعيماً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟"،

فيقول: لا والله يارب ما رأيت نعيماً قط، ولا مر بي نعيم قط، ثم يدخل النار».



قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "إن من أعظم الاغترار التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة،

وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي،

وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط، ومن أحب الجنة انقطع عن الشهوات،

وقال الحسن رحمه الله خرجوا من الدنيا بغير توبة يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب،

لو أحسن الظن لأحسن العمل"





اللهم آتٍ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم يسر التوبة للتائبين، وأقل عثرات المذنبين، وأسبغ عليهم من سحائب المغفرة واليقين يارب العالمين،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين




============
كتبه فضيلة الشيخ //سعيد بن أحمد القحطاني