المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يخرج من قبره بعد ست سنوات


alfa9ira
25-05-2011, 04:00 PM
:icon_sa1:

يخرج من قبره بعد ست سنوات


http://38.121.76.242/memoadmin/media//Sadaka.jpg




مفكرة الاسلام: (http://www.islammemo.cc/) كم من صدقة أنقذت صاحبها، وكم أطفئت من غضب رب السماء، وكم من همّ وضيق وكربة فرجتها الصدقة الخالصة التي وضعها العبد المؤمن في كف فقير فوقعت أولاً في يد الرحمن، فكانت لصاحبها نورًا وبرهانًا ونجاة في الدنيا والآخرة. والآيات والأحاديث والآثار التي تدعو للصدقة وتحض عليها وتبين فضلها كثيرة جدًا، والمواقف من حياة المتصدقين وواقعهم كثيرة، كلها ذات عبر ودلالات وتؤكد للسامع والقارئ ومن قبل المشاهد المعاصر على عظم مكانة الصدقة، وأهميتها ودورها الخفي والذي قد لا يشعر به كثير من الناس حتى من المتصدقين أنفسهم في إنقاذ صاحبها من النوازل والبلايا العظيمة، تمامًا مثلما حصل للثلاثة الذين حبسوا في الغار، وفي هذه القصة العجيبة التي سنرويها أعظم دليل على فضل الصدقة التي هي طوق نجاة من كل همّ وضيق وكربة.
فلقد روى الإمام الشوكاني في كتابه الرائع «البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع» في المجلد رقم (1) ص493، في ترجمة علي بن محمد بن أحمد البكري من علماء اليمن في القرن التاسع الهجري، روى هذه القصة العجيبة في فضل الصدقة، وقد نص على تواترها وانتشارها بين أرجاء القطر اليماني على اتساعه وضعف الاتصالات بين أهله لوعورة طرقه وسبله، وذلك حتى لا يبقى لطاعن ولا متهكم على أمثال هذه القصص سبيل، وحتى لا نتهم بتغييب العقول أو تكريس الخرافات كما سبق وفعل ذلك بعض دعاة الزمان، والله عز وجل وكيلنا وحسيبنا.
ومفاد هذه القصة أن رجلاً من أهل بلدة باليمن تسمى الحمرة وتقع في غرب اليمن قريبًا من ساحل البحر الأحمر، كان يعمل بالزراعة، ومشهورًا بالصلاح والتقوى وكثرة الإنفاق على الفقراء وخاصة عابري السبيل، وقد قام هذا الرجل ببناء مسجد، وجعل فيه كل ليلة سراجًا يوقد لهداية المارة وطعام عشاء للمحتاجين، فإن وجد من يتصدق عليه أعطاه الطعام وإلا أكله هو وقام يصلي لله عز وجل تنفلاً وتطوعًا، وهكذا دأبه وحاله.
وبعد فترة من الزمن وقع القحط والجفاف بأرض اليمن، وجفت مياه الأنهار وحتى الآبار، وكان هذا الرجل يعمل في الزراعة، ولا يستغني عن الماء لحياته وزراعته، وكانت له بئر قد غار ماؤها، فأخذ يحتفرها هو وأولاده، وأثناء الحفر وكان الرجل في قعر البئر انهارت جدران البئر عليه، وسقط ما حول البئر من الأرض وانردم البئر كله على الرجل، فأيس منه أولاده، ولم يحاولوا استخراجه من البئر وقالوا قد صار هذا قبره وبكوا عليه وصلوا واقتسموا ماله ظنًا منهم وفاته.
لم يعلم الأولاد ما جرى لأبيهم في قاع البئر المنهار، ذلك أن الرجل الصالح عندما انهدم البئر كان قد وصل إلى كهف في قاع البئر، فلما انهارت جدران البئر سقطت منه خشبة كبيرة منعت باقي الهدم من الحجارة وغيرها أن تصيب الرجل، وبقي الرجل في ظلمة الكهف ووحشته لا يرى أصابعه من شدة الظلمة، وهنا وقعت الكرامة وجاء الفرج بعد الشدة، وظهر دور الصدقة في أحلك الظروف، إذ فوجئ الرجل الصالح بسراج يزهر فوق رأسه عند مقدمة الكهف أضاء له ظلمات قبره الافتراضي، ثم وجد طعامًا هو بعينه الذي كان يحمله للفقراء في كل ليلة، وكان هذا الطعام يأتيه كل ليلة وبه يفرق ما بين الليل والنهار، ويقض وقته في الذكر والدعاء والمناجاة والصلاة.
ظل العبد الصالح حبيس قبره ورهين بئره ست سنوات، وهو على حاله التي ذكرناها، ثم بدا لأولاده أن يعيدوا حفر البئر وإعمارها من جديد، فحفروها حتى وصلوا إلى قعرها حيث باب الكهف، وكم كانت المفاجأة مروعة والدهشة هائلة عندما وجدوا أباهم حيًا في عافية وسلامة، فسألوه عن الخبر فأخبرهم وعرفهم أن الصدقة التي كان يحملها كل ليلة بقيت تحمل له في كربته وقبره كل ليلة حتى خرج من قبره بعد ست سنوات كاملة.

المصدر: البدر الطالع (1/493).

@ كريمة @
26-05-2011, 02:09 PM
جزاكي الله كل الخير

فتيحة فتيحة
06-06-2011, 03:11 PM
:azhar:سبحان الله العظيم ان لله في شؤونه لاحكم

الطاهرة المقدامة
21-07-2011, 07:57 AM
سبحان الله
جزاك الله كل خير

حياتي رضى ربي
20-08-2011, 11:45 PM
سبحان الله الذي يجعل من كل ضيق مخرجا

جزاكي الله خير

أم أمامة
23-08-2011, 10:35 AM
الصدقة تقي مصارع السوء

امنة امونة
17-09-2011, 09:50 PM
اللهم اجعلنا من المتصدقات .........ربي يجازيك كل خير

المستغفرة بنت الاسلام
20-09-2011, 08:17 PM
قصة رائعة تقشعر منها الابدان جزاك الله خير

ابو رضوان
21-09-2011, 05:14 AM
دخلت الى قراءة القصة بعد قراءة العنوان وانا مستغربا له وفي نفس الوقت منكرا لمثل هذه
القصص وكنت اعتقد انها من الخرافات ولما قرأت القصة ومن ذكرها توقفت وانا في قمة الدهشة !!!
انا الآن امام مفترق طرق ؟؟ هل اصدق ما ورد في القصة وازداد ايمانا بعظمة الخالق وقدرته ام ابقى
على ما كنت اعتقد وانسبها الى الخرافات ؟؟؟
ول العلم كنا قد درسنا في الحامعة الاسلامية بالمدينة المنورة مادة الحديث كتاب الشيخ الامام الشوكاني



"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" (مطبوع)، وهو أشهر كتبه على الإطلاق.




وكتاب "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير" (مطبوع)، في التفسير.




بكلية الشريعة ول العلم يستحيل ان ندرس كتب داخل الجامعة مخالفة لعقيدة اهل السنة والجماعة لهذا شعرت بالآمان عندما ذكر مصدر القصة
وقلت سبحان الله قادر على كل شيء ولتكون عبرة لكل من كان تقيا يعمل الصالحات ويقدم الصدقات وما المانع !؟
ثم جال في خاطري شيطان الشك والتشكيك ؟؟
واردت ان اقطع الشك باليقين
فقمت الى الشيخ جوجل اسأله عن سيرة الامام الشوكاني ولنعرفه عن قرب وليعرف الاخوة من هو هذا الامام العالم رحمه الله
فكان هذا الموضوع هو البداية




عقيدة الإمام الشوكاني

السؤال:


سؤالي هل بقي الإمام الشوكاني -رحمه الله- على عقيدة الزيدية ذات الأصول الإعتزالية ، خاصة في الأسماء والصفات ؟! أم التزم معتقد أهل السنة ؟!

فلقد قرات له في نيل الأوطار في شرح الحديث : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) ، قوله : [قوله : "لم ينظر الله إليه" : النظر حقيقة في إدراك العين للمرئي وهو هنا مجاز عن الرحمة ، أي لا يرحمه الله لامتناع حقيقة النظر في حقه تعالى ] .
وجزاكم الله خيراً .


الجواب :


لقد كثر الكلام عن عقيدة الإمام الشوكاني ، والكلام فيها يكون بعلم وبغير علم ، وعند وضع الموضوع على ميزان البحث العلمي تنكشف أمور عديدة لم تكن في الحسبان .


وقد بُحثت عقيدة الإمام الشوكاني في رسالة علمية بعنوان : " منهجُ الإمامِ الشوكاني في العقيدة " تأليف الدكتور عبد الله نومسوك ، وسأنقل لك ما لخصه الدكتور في الخاتمة فقال :


فقد انتهيت بعون الله وتوفيقه من إتمام هذا البحث وإكماله ، وفي هذه الخاتمة أحب أن أجمل النتائج والفوائد التي توصلت إليها في النقاط التالية :


1 - عاش الشوكاني رحمه الله (1173 - 1250 هـ ) في فترة كانت البلاد الإسلامية فيها تعاني من تفكك ومن ضعف شديد ، وكانت الصراعات المذهبية والطائفية القبلية تسود المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ومجتمع اليمن ( مسقط رأسه ) بصفة خاصة ، وقد عاصر رحمه الله المذاهب والفرق والطوائف الدينية المختلفة ، كالرافضة، والزيدية ، والصوفية ، والمعتزلة ، وغيرهم ، ورأى ما فيهم من التعصب والجمود ، ومن الأنحراف العقدي والسلوكي المتناقض لتعاليم الأسلام ، كما رأى ما وقع فيه الناس حوله من الفساد ، والشرور ، والبدع ، والشركيات ، وجهالهم بأمور الدين ، ورأى قعود العلماء والحكام عن أداء واجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأى الظلم الأجتماعي الذي ساد المجتمع اليمني عموماً ، تبدّت مظاهره في سلوكيات القضاة والعمال والحكام وهذه الأمور التي تكونت منها بيئه الشوكاني لها أثر بالغ في ظهوره وقيامه بالأصلاح .


2 - نشأ الشوكاني رحمه الله في بيت علم حيث كان والده من العلماء الكبار ، وكان له أكبر الأثر في تكوين الشوكاني ، حيث هيأ له فرصة التفرغ للعلم ، وكفل له وسائل الحياة المعيشية ، فبدأ حياته العلمية منذ الصغر ، وتتلمذ على عدد كبير من علماء صنعاء في عصره ، ولم يرحل منها . وكان أكثرهم تأثيراً فيه شيخه عبد القادر بن أحمد الكوكبانى ، والحسن بن إسماعيل المغربي ، وعبد الله بن إسماعيل النهمي ، ودرس جميع العلوم الشرعية والعربية ونبغ فيها ، بل درس العلوم الفلسفية الشائعة في ذلك الوقت ، كالمنطق ، والطبيعة ، والرياضة ، وغير ذلك ، وقد بلغ مرتبة من التفوق المبكر جعلته يدرّس وهو في أثناء طابه العلم ، ويفتى وهو في العشرين من عمره ، ثم يتولّى بعد ذلك القضاء العام وهو في السادسة والثلاثين من عمره ، ووجد في قضائه فرصة متاحه له لنشر مذهبه في الأجتهاد ونبذ التقليد ، والدعوة إلى طريق السلف الصالح ، وظل متولياً منصب القضاء حتى توفى بصنعاء عام 1250هـ .


3 - حلّف الشوكاني رحمه الله تعالى مع اشتغاله بالأعمال الكثيرة عدداً كبيراَ من المؤلفات والرسائل القيمة في مختلف العلوم ، ولم يزل معظم هذا التراث مخطوطاً وتجدر العناية بتحقيقه ، ودراسته ، وتسهيل السبل إلى طبعه ، حتى تتحقّق الفائدة .


4 - تفقّه الشوكاني رحمه الله على مذهب الزيدية ، إلا أنه لم يلبث أن تخلى عن التقليد والتمذهب ، وأصبح لا يتقيد بفرقة من الفرق أو مذهب من المذاهب ، بل اعتمد اعتمادا مباشرا على الكتاب والسنة ، وأصبح من المجتهدين في البحث عن الحكم الشرعي والرأي العقائدي من خلال الأدلة والبراهين ، لا من طريق التقليد والتلقين ، وقد وصل إلى هذه المرتبة وهو دون الثلاثين من عمره ، وكانت دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والرجوع بالتشريع إلى طريق السلف تمثل إمتدادا لأدوار من سبقه من المجددين والمصلحين ، كالإمام مالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وكابن الوزير ، والمقبلي ، والأمير الصنعاني ، والإمام محمد بن عبد الوهاب ، ونظائرهم ، رحمهم الله . وقد تعرض في سبيل الدعوة لأذى كثير من المتعصبين والمقلدين في عصره ، واتهموه بالدعوة إلى هدم مذهب أهل البيت ، وهو بريء من هذه التهمة ، وهذا شأنهم مع كل عالم مجتهم آخذ بالدليل .


5 - أورد الشوكاني رحمه الله أحاديث ضعيفة ومنكرة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كتبه ، وألف في آخر عمره كتابه : الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، حيث بين نكارة كثير من تلك الأحاديث . وهذا يدل على أنه لم يتبين له ما في تلك الأحاديث من النكارة ، ولما نضج علمه توصل إلى هذه النتيجة في الحكم عليها ، وهو أمر يدل على تطور في علمه بعلوم الحديث ، شأنه كشأن غيره من العلماء المجتهدين .


6 - من خلال دراستي لمنهج الشوكاني في العقيدة تبين لي أنه وافق السلف أهل السنة في جميع أركان الإيمان الستة ، وهي : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقضاء والقدر ، ولم يخالفهم إلا في مسائل قليلة ، وكان رأيه في بعضها مضطربا بين كتاب وآخر ، كما في بعض الصفات . وفيما يلي أذكر تلك المسائل مختصرا .


( أ ) في توحيد الألوهية :
أجاز التوسل بالذات والجاه وجعله كالتوسل بالعمل الصالح ، وهذا مخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من محاربة الشرك وسد الذرائع المؤدية إليه .


( ب ) في أسماء الله تعالى :
ذهب إلى جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته ، سواء ورد التوقيف بها أو لم يرد . غير أني لم أقف على تطبيق الشوكاني هذه القاعدة لا في تفسيره ، ولا في غيره .


( ج ) في صفات الله تعالى :
1 - أوّل بعض الصفات الإلهية في تفسيره : فتح القدير تأويلا أشعريا . والصفات التي أولها هي : الوجه ، والعين ، واليد ، والعلو ، والمجيء ، والإتيان ، والمحبة ، والغضب ، على التفصيل الذي ذكرته في الرسالة . وهذا التأويل مناقض لمنهجه في رسالته التحف في إثبات الصفات على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، وهو مذهب السلف رضوان الله عليهم .


2 - نهج منهج أهل التفويض في صفة المعية في رسالته التحف ، فلم يفسرها بمعية العلم ، بل زعم أن هذا التفسير شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف . وهذا مخالف لما ذهب إليه في تفسيره ةفي كتابه تحفة الذاكرين من أن هذه المعية معية العلم ، وفسرها هنا تفسير السلف .


3 - ذهب مذهب الواقفية في مسألة خلق القرآن ، فلم يجزم برأي هل هو مخلوق أو غير مخلوق ؟


( د ) في نواقض التوحيد :
1 - أجاز تحري الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين باعتبارها أماكن مباركة يستجاب الدعاء فيها . وهذا مخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من سد الذرائع إلى الشرك في الأموات .


2 - جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله .


( هـ ) في النبوات :
يرى التوقف في مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم السلام .


هذا وقد سلك الشوكاني رحمه الله تعالى طريقة السلف في الاستدلال لكل مسألة من مسائل العقيدة التي أثبتها ، فيقدم الأدلة النقلية على العقلية ، ويقدم المعنى الظاهر من النصوص على معنى المجاز منها ، كما في كتابه التحف ، إلا في مسألة المعية كما تقدم إيضاحه في فقهة ( 2 ) . وكذلك في تفسيره لمسألة الاستواء وغيرها من الصفات التي أثبتها في تفسيره ولم يؤولها .


أما ما يظهر في كتبه من اضطراب وتناقض في هذا الباب وغيره وخالف فيه السلف أهل السنة فيمكن الاعتذار عنه بأنه نشأ وترعرع في بيئة زيدية ، وكانت دراسته داخلها ولم يخرج منها ، فلعل الظروف المحيطة بهذه البيئة لم تتهيأ له كثيرا للأطلاع على كتب أئمة السلف أهل السنة والجماعة .


هذا وقد أخطأ الشوكاني فيما أخطأ ، ولا ندعي له العصمة ، ولا نقول عنه إلا أنه من البشر ، والبشر يخطئون ويصيبون ، وكما قال هو نفسه : " إن الخطأ شأن البشر ، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والأهوية تختلف ، والمقاصد تتباين ، وربك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون " .


ورحمه الله إذ قال :


فكرت في علمي وفي أعمالي *** ونظرت في قولي وفي أفعالي


فوجدت ما أخشاه منها فوق ما *** أرجو فطاحت عند ذا آمالي


ورجعت نحو الرحمة العظمى إلى *** ما أرتجي من فضل ذي الأفضال

فغدا الرجا والخوف يعتلجان في *** صدري وهذا منتهى أحوالي .ا.هـ.










كتبه


عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

ابو رضوان
21-09-2011, 05:16 AM
سيرة الإمام الشوكاني رحمه الله




ترجمة العلامة محمد بن علي الشوكاني (1173هـ-1250هـ)-رحمه الله تعالى-

* اسمــه:

هو: أبو علي محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني.

* مولــده:

كان مولده يوم الإثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة (1173هـ).

* مكان ولادتــه:

هجرة شوكان، وهي قرية صغيرة جنوب (شوكان)، تبعد عن صنعاء شرقاً نحو عشرين كيلو متر تقريباً، وهي إحدى قرى (السحامية) من بلاد خولان العالية (الطيال).

* نشأتــه وطلبه للعــلم:

قال الشوكاني رحمه الله عن بداية طلبه للعلم : "إني لما أردت الشروع في طلب العلم، ولم أكن إذ ذاك قد عرفت شيئاً فيه حتى ما يتعلق بالطهارة والصلاة إلا مجرد ما يتلقاه الصغير من تعليم الكبير لكيفية الصلاة والطهارة ونحوها.

فكان أول بحث طالعته بحث كون الفرجين من أعضاء الوضوء في الأزهار وشرحه، فلما طالعت هذا البحث قبل الحضور عند الشيخ رأيت اختلاف الأقوال فيه!!

فسألت والدي -رحمه الله- عن تلك الأقوال، أيها يكون العمل عليه؟

فقال: يكون العمل على ما في الأزهار.

فقلت: صاحب الأزهار أكثر علماً من هؤلاء؟

قال: لا.

قلت: فكيف كان اتباع قوله دون أقوالهم لازماً؟

فقال: اصنع كما يصنع الناس، فإذا فتح الله عليك فستعرف ما يؤخذ به وما يترك.

قال الشوكاني: فسألت الله عند ذلك أن يفتح علي من معارفه ما يتميز لي به الراجح من المرجوح" (1).

* أبــرز شيــوخه:

- العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي (ت 1208هـ):

وقد وصفه الشوكاني بأنه كان يقبل عليه إقبالاً زائداً، ويعينه على الطلب بكتبه، وهو من أرشده إلى شرح "المنتقى"، وأنه تأثر به في تقوية حياته الروحية، وتنمية اتجاهه السلفي، وتكوينه الخلقي، وخاصة خلق التواضع، وقد سمع منه "التنقيح في علوم الحديث".

- الإمام الحافظ عبدالقادر بن أحمد الكوكباني (ت 1207هـ):

وقد وصفه الشوكاني بأنه كان أبرز علماء عصره وأكثرهم إفادة، وذكر أنه لم يكن في اليمن له نظير، وأقر له بالتفرد في جميع العلم كل أحد -وهو من تلاميذ الإمام ابن الأمير الصنعاني، وحامل لواء السنة بعده- وقد قرأ عليه الشوكاني مختلف الفنون من حديث وتفسير ومصطلح وغيره، وقد سمع منه "صحيح مسلم" و"سنن الترمذي" وبعض "موطأ مالك" وبعض "فتح الباري" وبعض "الشفاء".

- العلامة محمد علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عامر الشهيد (ت 1208هـ):

قال عنه الشوكاني: كان إماماً في جميع العلوم، محققاً لكل فن، ذا سكينة ووقار، قل أن يوجد له نظير، وهو شيخ الشوكاني في "صحيح البخاري" حيث سمعه منه من أوله إلى آخره.

- هادي بن حسين القارني (ت 1247هـ):

شيخ الشوكاني في القراءات والعربية، ثم أخذ عنه شرح "المنتقى" وغيره.

- العلامة أحمد بن محمد الحرازي ( ت 1227هـ):

لازمه الشوكاني ثلاث عشرة سنة وبه انتفع في الفقه.



* مكانته العلمية ومعالم شخصيته وتفكيره:

كان مبرزاً في علوم كثيرة، سيما علوم السنة والتفسير والفقه فروعه وأصوله، مؤرخ، له شعر حسن.

كرس حياته في سبيل الدفاع عن هذا الدين، وإزالة ما علق به من شوائب التقليد، والتعصب، والجمود وغيرها.

تصدر الشوكاني للتدريس في جامع صنعاء، وأقبل عليه طلبة العلم من كل مكان ينهلون من معارفه الواسعة، وفيهم من كان من شيوخه.

تولى الشوكاني القضاء الأكبر للإمام المنصور في شهر رجب سنة (1209هـ) خلفاً للقاضي يحيى بن صالح السحولي على غير رغبة منه، ثم تولى لابنه المتوكل أحمد، فابنه المهدي عبدالله.

وكان جريئاً في قول الحق، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، أنكر على الهادوية اعتمادهم أقوال أئمتهم وجمودهم على التقليد، فكتب كتابه: "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد".

قام الشوكاني بالدعوة إلى الإصلاح وجوانب ذلك:

دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد، ودعوته إلى العقيدة السلفية، وتطهير العقيدة وتنقيتها من مظاهر الشرك.



* ثنـاء العلـماء علـيه:

أرسل له العلامة إبراهيم بن محمد بن إسحاق -(ت 1241هـ)- الأبيات التالية:

أيا بدر دين الله هنيت أولاً بفهمك إن الفهم أقوى الدلائل

بلغت به شأواً رفيعاً ومحتداً ونلت به ما لم ينل كل نائل

وحققت بالتحقيق في كل مطلب وحزت مع التحقيق كل الفضائل



* مؤلفاتــه:

له مؤلفات كثيرة من أشهرها:

1- "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" (مطبوع)، وهو أشهر كتبه على الإطلاق.

2- "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (مطبوع)، وهو خلاصة فقه الشوكاني.

3- "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (مطبوع).

4- "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" (مطبوع).

5- "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" (مطبوع)، اشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم.

6- "الدراري المضيئة" (مطبوع)، وهو شرح متن الدرر البهية في الفقه، كلاهما للمصنف.

7- "وبل الغمام على شفاء الأوام" (مطبوع)، في الفقه.

8- "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد" (مطبوع)، في العقيدة.

9- "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير" (مطبوع)، في التفسير.

10- "در السحابة في مناقب القرابة والصحابة" (مطبوع).



* وفاتــه:

توفي الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة (1250هـ) بصنعاء عن ستٍ وسبعين سنة وسبعة أشهر. وصُلي عليه بالجامع الكبير بصنعاء رحمه الله.

المصدر:منبر علماء اليمن.


منقول

ابو رضوان
21-09-2011, 05:18 AM
الإمام الشوكاني

المولود : 1173 ـ 1760م .

المتوفى : 1250 ـ 1834م .

هو : أبو علي بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن محمد بن صلاح بن إبراهيم بن محمد العفيف بن محمد بن رزق ، الشوكاني (1) .

وقد أوصل الشوكاني نسبه إلى سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ عند ترجمته لوالده ـ رحمه اللّه تعالى ـ في البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2) .

* مولده :

ولد ـ رحمه اللّه تعالى ـ يوم الإثنين الثامن والعشرين من ذي الحجه سنة 1173 هجريه في بلدة " هجرة شوكان " (3) .

قال الإمام الشوكاني ـ عند الكلام على ترجمة والده :

" ونسبة صاحب الترجمة إلى شوكان ليست حقيقية ؛ لأن وطنه ووطن سلفه وقرابته " شوكان " بينه وبينها جبل كبير مستطيل يقال له : " هجرة شوكان " فمن هذه الحيثيه كان إنتساب أهله إلى " شوكان " (4) .

* نشأته وطلبه للعلم :

نشأ ـ رحمه اللّه تعالى ـ بصنعاء اليمن ، وتربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينيه طاهرة ، تلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته ، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم حفظ كتاب " الأزهار " للإمام "المهدي " في فقه الزيديه ، ومختصر الفرائض للعُصيفيري و الملحه للحريري ، والكافيه والشافيه لابن الحاجب ، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة .

وكان ـ رحمه اللّه تعالى ـ كثير الإشتغال بمطالعة كتب التاريخ ، والأدب ، وهو لايزال مشتغلاً بحفظ القرآن الكريم .

ومما ساعد الإمام الشوكاني على طلب العلم والنبوغ المبكر : وجوده وتربيته في بيت العلم والفضل ، فإن والده ـ رحمه اللّه تعالى ـ كان من العلماء المبرزين في ذلك العصر ، كما أن أكثر أهل هذه القريه كانوا ـ كذلك ـمن أهل العلم والفضل .

* قال الشيخ " الشوكاني " عن والده وأهل قريته :

"... وهذه الهجرة معمورة بأهل الفضل والصلاح والدين من قديم الزمان ، لايخلو وجود عالم منهم في كل زمن ، ولكنه يكون تارة في بعض البطون ، وتارة في بطن أخرى ، ولهم عند سلف الأئمة جلالة عظيمة ،وفيهم رؤساء كبار ، ناصروا الأئمة ، ولاسيما في حروب الأتراك ، فإن لهم في ذلك اليد البيضاء ، وكان فيهم إذ ذاك علماء و فضلاء ، يعرفون في سائر البلاد الخولانيه بالقضاة " (5) .

وهكذا استطاع " الشوكاني " أن يستفيد من علماء عصره ، وما أكثرهم ، فأخذ يطلب العلم بجميع فنونه : فقرأ " شرح الأزهار " على والده ، و " شرح الناظري " على " مختصر العصيفيري " .

كما قرأ " التهذيب " للعلامة التفتازاني ، و " التلخيص " في علوم البلاغة للقزويني ، والغاية لابن الإمام ، و " مختصر المنتهى " لابن الحاجب في أصول الفقه ، و " منظومة الجرزي " في القراءات و "منظومة " الجزار في العروض ، و " آداب البحث والمناظرة " للإمام العضد ، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية .

وظل هكذا ينتقل بين العلماء ، يتلقَّى عليهم ، ويستفيد منهم ، حتى صار إماماً يشار إليه بالبنان ، ورأسا يرحل إليه ، فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه ، من اليمن والهند ، وغيرهما حتى طار صيته في جميع البلاد ، وانتفع بعلمه كثير من الناس (6) .

وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيَّات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله :

منهم من بلده اليمن ، وأشهرهم : العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ( ت 1182ه ) ، والعلامة الحسن بن مهدي المقبلي ( ت 1108ه ) ، والحسين أحمد الجلال ( ت 804 ه ) .

ومنهم من غير بلده ولم يكونوا في عصره ، وعلى رأسهم : إمام الدنيا ابن حزم الأندلسي ( ت 456ه ) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728 ه ) .

* صفاته الخلقية والخُلقية :

لم تذكر كتب التاريخ والتراجم عن صفاته " الخلقية " سوى أنه كان متوسط الطول ، كبير الرأس ، عريض الجبهة ، بادي الصحة ، موفور العافية .

أما صفاته " الخُلقية " فكثيرة ومشهورة ، حتى ألف في مناقبه وفضائله الكثيرون من تلاميذه ، منهم :

1 ـ السيد العلامة إبراهيم بن عبداللّه الحوثي .

2 ـ العلامة محمد بن محمد الديلمي .

3 ـ القاضي العلامة محمد بن حسن الشجني الذماري ، ألف في ذلك كتاباً حافلاً سماه : " التقصار في جيد زمن علامة الأقليم والأمصار " .

والواضح في حياة " الشوكاني " أنه بدأ حياته منقبضاً عن الناس ، لايتصل بأحد منهم ، إلا في طلب العلم ونشره ، ولا سيما هؤلاء الذين يحكمون أو يتصلون بالحاكمين ، وكان يرسل فتاويه ، ويصدر أحكامه دون ان يتقاضى عليها أجراً .

وكانت حياته بسيطة متقشفة ، يعيش على الكفاف الذي وفره له والده فلما تولى القضاء ، وأجزل له الأجر ، تنعم في مأكله ومشربه وملبسه ومركبه ، وأضفى على تلاميذه وشيوخه مما وسع اللّه عليه به .

ويذكر بعض المؤرخين أن " الشوكاني " اختص بالكثير من الإقطاعات والصدقات ، وهم يؤكدون أنه لم يترك من ذلك شيئاً ، بعدما عمل في القضاء دام أكثر من أربعين عاماً ، بل كان ينفق ذلك كله في طرق الخير والبر .
ومن المؤكد ـ كذلك ـ أن الدنيا لم تكن أكبر همه ، وأن عرضها الزائل لم يكن يشغله عن الهدف الأسمى الذي وضعه لنفسه ، وهو نشر دين اللّه تعالى وإحقاق الحق . ولذلك كان يقدر أهل العلم والفضل ، الذين لايتكالبون على جمع حطام الدنيا ، والتقرب إلى الحكام .

فيذكر بالتقدير والإجلال ذلك العالم الفاضل : " إسماعيل بن علي بن حسن " الذي كان يحضر مجلس الإمام ويقول : " لم أسمع منه على طول مدة اجتماعي به هناك مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطالب الدنيا ، لا تصريحاً و لا تلويحاً " (7) .

وكان " الشوكاني " باراً بشيوخه وتلاميذه ، فتح أمامهم أبواب العمل في الدوله ، ودافع عنهم ، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه . وبالرغم من حدة ذكائه ، وجودة ذهنه ، وتشدده لآرائه واجتهاداته ، لم يكن يحط من قدر علمه ليدخل في مهاترات المتعالمين ، وكانت قسوته على الأفكار والآراء ، لاعلى الأشخاص ، لأنه كان يدرك أنه سبق هذا الجيل بأجيال ، فترك ثروته العلمية والفكرية لتتفاعل مع الزمن ، يكشف عن وجهها ما تبديه قرائح العلماء " (8) .

وبالجمله : فمحل القول في هذا الأمام ذو سعة ، فإن وجدت لساناً قائلاً فقل :

زد في العلا مهما تشا رفعة *** وليصنع الحاسد ما يصنع

فالدهر نحوي كما ينبغي *** يدري الذي يخفض أو يرفع (9)

* عقيدته :

يرى " الشوكاني " أن طرق المتكلمين لاتوصل إلى يقين ، ولا يمكن أن تصيب الحق فيما هدفت إليه ، لأن معظمها ـ كما يقول ـ قام على أصول ظنية ، لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل ، والفريه على الفطرة .فكل فريق منهم قد جعل له أصولاً تخالف ما عليه الآخر ، وقد أقام هذه الأصول على ما رآه عنده هو صحيحاً ، من حكم عقله الخاص المبني على نظره القاصر ، فبطل عنده ما صح عند غيره ، وقاسوا بهذه الأصول المتعارضه كلام اللّه ورسوله في الإلهيات وما يتصل بها من العقائد ، فأصبح كل منهم يعتقد نقيض ما يعتقده الآخر (10) .

ثم جعلوا هذه الأصول معياراً لصفات الرب تبارك وتعالى ، فأثبتوا للّه تعالى الشيء ونقيضه ، ولم ينظروا إلى ما وصف اللّه به نفسه ، وما وصفه به رسوله ، بل إن وجدو ذلك موافقاً لما تعقلوه ، جعلوه مؤيداً له ومقوياً ، وقالوا : قد ورد دليل السمع مطابقاً لدليل العقل ، وإن وجدوه مخالفاً لما تعقلوه ، جعلوه وارداً على خلاف الأصل ومتشابهاً وغير معقول المعنى ، ولا ظاهر الدلاله ، ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم ، فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه ، وجعل ذلك أصلاً يرد إليه أدلة الكتاب والسنه ، وجعل المتشابه عند أولئك محكماً عنده ، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقاً له عنده (11) .

ومن مظاهر هذا التناقض : ما وقع فيه المعتزلة من مبدأ نفي الصفات ، بناء على مبدئهم في التنزيه ، وما غلا الأشعرية من الوقوع في التجسيم ، بناء على ما ذهبوا إليه من التأويل ، والمبالغة في الإثبات (12) .

* يقول الشوكاني عن هذه المسائل :

" و إن كنت تشك في هذا ، فراجع كتب الكلام ، وانظر المسائل التي قد صارت عند أهله من المراكز ، كمسألة التحسين والتقبيح ، وخلق الأفعال ، وتكليف مالا يطاق ، ومسألة خلق القرآن ، فإنك تجد ما حكيته لك بعينه " (13) .

لذلك : كان المسلك القويم في الإلهيات ، والإيمان بما جاء فيها ، هو مسلك السلف الصالح ، من الصحابة والتابعين ، من حمل صفات الباري على ظاهرها ، وفهم الآيات والأحاديث على ما يوحيه المعنى اللغوي العام ، وعدم الخوض في تأويلها ، والإيمان بها على ذلك ، دون تكلف ولا تعسف ، ولا تشبيه ولا تعطيل ، وإثبات ما أثبته اللّه ـ تعالى ـ لنفسه من صفاته ، على وجه لا يعلمه إلا هو ، فإنه القائل جل شأنه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ( 14) . فأثبت لنفسه صفة السمع والبصر ، مع نفي المماثلة للحوادث في الوقت نفسه (15) .

والإمام الشوكاني قد اعتنق هذا المبدأ ، وجعل عمدته في الدعوة إلى مذهب السلف هاتين الآيتين الكريمتين :

أولهما قوله تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (16) .

وثانيهما قوله تعالى : " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً " (17) .

ففيهما الإثبات والنفي ، إثبات صفات الباري ـ جلَّ شأنه ـ ونفي مماثلة هذه الصفات للحوادث ، ثم تقييد هذا الإثبات بظاهر ما صرحت به الآيات وأجملته ، والزجر عن الخوض في كيفية هذه الصفات .

وقد سجل الشوكاني آراءه ومذهبه في ثنايا كتبه المختلفه ولاسيما كتابيه :

1 ـ " التحف في مذاهب السلف " .

2 ـ " كشف الشبهات عن المشتبهات " .

هذا ، وقد اعتنق الشوكاني هذا المذهب بعد طول بحثه ومطالعة في كتب " علم الكلام " حتى صرح بأنه لم يعتنق مذهب السلف تقليداً ، وإنما عن إجتهاد و اقتناع .

ولذلك يقول :

" ولتعلم أني لم أقل هذا تقليداً لبعض من أرشدك إلى ترك الاشتغال بهذا الفن ، كما وقع لجماعة من محققي العلماء ، بل قلت هذا بعد تضييع برهة من العمر في الاشتغال به ، وإحفاء السؤال لمن يعرفه ، والأخذ عن المشهورين به ، والإكباب على مطالعة كثير من مختصراته و مطولاته ، حتى قلت عند الوقوف على حقيقته أبياتاً منها :

وغاية ما حصلته من مباحثي *** ومن نظري من بعد طول التدبر

هو الوقف ما بين الطريقين حيرة *** فما علم من لم يلق غير التحير

على أنني قد خضت منه غماره *** وما قنعت نفسي بدون التبحر (18)

* مذهبه الفقهي :

تفقه الشوكاني في أول حياته على مذهب الإمام " زيد بن علي بن الحسين " وبرع فيه ، وفاق أهل زمانه ، حتى خلع ربقة التقليد ، وتحلى بمنصب الإجتهاد ، فألف كتابه : " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " فلم يقيد نفسه بمذهب الزيدية ، بل صحح ما أداه إليه اجتهاده بالأدلة ، وزيف مالم يقم عليه الدليل ، فثار عليه أهل مذهبه ، من الزيدية ، المتعصبون لمذهبهم في الأصول والفروع ، فكان يقارعهم بالدليل من الكتاب والسنة ، وكلما زادوا ثورة عليه زاد تمسكه بمسلكه ، حتى ألف رسالة سماها : " القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد " ذهب فيه إلى ذم التقليد وتحريمه ، فزاد هذا في تعصبهم عليه ، حتى رموه بأنه يريد هدم مذهب آل البيت ، فقامت ـ بسبب هذا ـ فتنة في " صنعاء " بين خصومه وأنصاره ، فرد عليهم بأنه يقف موقفاً واحداً من جميع المذاهب ، ولا يخص مذهب الزيدية بتحريم التقليد فيه ( 19) .

وهكذا اختار " الشوكاني " لنفسه مذهباً لا يتقيد فيه برأي معين من آراء العلماء السابقين ، بل على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده ، وهذا ما يلحظه القارىء لكتابه " نيل الأوطار " حيث ينقل آراء ومذاهب علماء الأمصار ، وآراء الصحابة والتابعين ، وحجة كل واحد منهم ، ثم يختم ذلك ببيان رأيه الخاص ، مختاراً ما هو راجح فيما يقول .

ويرى أن الاجتهاد قد يسره الله تعالى للمتأخرين ، وأنه أصبح ميسوراً أكثر مما كان في الصدر الأول فيقول :

" ... فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم ، أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين ، تيسيراً لم يكن للسابقين ؛ لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت ، وصارت من الكثرة إلى حد لا يمكن حصره ، وكذلك السنة المطهرة ، وتكلم الأئمة في التفسير ، والتجريح والتصحيح ، والترجيح ، بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد ، وقد كان السلف الصالح ، ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد ، ومن قطر إلى قطر ، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجنهاد على المتقدمين ، ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح ، وعقل سوي " (20) .


يتبع

ابو رضوان
21-09-2011, 05:19 AM
* مكانته العلمية :

إن واحداً كالإمام الشوكاني ، صاحب التصانيف المختلفة ، والآثار النافعة ليتحدث عن نفسه بهذه الآثار ، وقديماً قيل :

تلك آثارنا تدل علينا *** فاسألوا بعدنا عن الآثار

فهو ـ بحق إمام ـ الأئمة ، ومفتي الأئمة ، بحر العلوم ، وشمس الفهوم ، سند المجتهدين الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، فريد العصر ، نادرة الدهر ، شيخ الإسلام ، علامة الزمان ، ترجمان الحديث والقرآن ، علم الزهاد ، أوحد العباد ، قامع المبتدعين ، رأس الموحدين ، تاج المتبعين ، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها ، قاضي قضاة أهل السنة والجماعة ، شيخ الرواية والسماع ، علي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد ، على الأكابر الأمجاد ، المطلع على حقائق الشريعة ومواردها ، العارف بغوامضها ومقاصدها (21) .

هكذا وصفه أحد تلاميذه العلامة : حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني .

وقال عنه العلامة حسن بن أحمد البهكلي في كتابه " الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني " :

" السنة الخمسون بعد المائتين والألف ، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا " محمد بن علي الشزكاني " وهو قاضي الجماعة ، شيخ الإسلام ، المحقق العلامة الإمام ، سلطان العلماء ، إمام الدنيا ، خاتمة الحفاظ بلا مراء ، الحجة النقاد ، علي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد " (22) .

ثم قال :

" وعلى الجملة : فما رأى مثل نفسه ، ولا رأى من رآه مثله علماً وورعاً ، وقياماً بالحق ، بقوة جنان ، وسلاطة لسان " .

وقال عنه العلامة : صديق حسن خان :

" ... أحرز جميع المعارف ، واتفق على تحقيقه المخالف والمؤالف وصار المشار إليه في علوم الاجتهاد بالبنان ، والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان .

له المؤلفات الجليلة الممتعة المفيدة النافعة في أغلب العلوم ، منها : " نيل الأوطار " شرح منتقى الاخبار لا بن تيمية ، لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق ، ولم يسمح الدهر بنحوه في التدقيق ، أعطى المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف ، وعدم التقيد بالتقليد ومذهب الأخلاف والأسلاف ، وتناقله عنه مشايخه الكرام فمن دونهم من الأعلام ، وطار في الآفاق في زمن حياته ، وقرىء عليه مراراً ، وانتفع به العلماء " (23) .

وقال عنه العلامة عبدالحي الكتاني :

" هو الإمام خاتمة محدثي المشرق وأثريه ، العلامة النظار الجهبذ القاضي محمد بن علي الشوكاني ثم الصنعاني ... وقد كان الشوكاني المذكور شامة في وجه القرن المنصرم ، وغرة في جبين الدهر ، انتهج من مناهج العلم ما عميَ على كثير ممن قبله ، وأوتي فيه من طلاقة القلم والزعامة مالم ينطق به قلم غيره ، فهو من مفاخر اليمن بل العرب ، وناهيك في ترجمته يقول الوجيه عبدالرحمن الأهدل من " النفس اليماني " لما ترجم شيخهما عبدالقادر الكركباني (24) : " وممن تخرج بسيدي الإمام عبدالقادر بن أحمد . ونشر علومه الزاهرة ، وانتسب إليه وعوّل في الاقتداء في سلوك منهاج الحق عليه . إمام عصرنا في سائر العلوم . وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم ، الحافظ المسند الحجة ، الهادي في إيضاح السنن النبوي إلى المحجة ، عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني :

إن هزَّ أقلامَهُ يوماً ليعملها *** أنساك كلَّ كميٍّ هزَّ عاملَهُ

وإن أقرَّ على رَقٍّ أناملَــهُ *** أقرَّ بالرِقّ كُتّاب الأنام لهُ

فإن هذا المذكور من أخص الآخذين عن شيخنا الإمام عبدالقادر . وقد منح الله هذا الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمن الأخير جمعت لغيره : الأول : سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها . الثاني : كثرة التلاميذ المحققين أولي الأفهام الخارقة الحقيق أن ينشد عند جمعهم الغفير :

إني إذا حضرتني ألفُ محبرةٍ *** نقولُ أخبرني هذا وحدثني

صاحتْ بعقوتها الأقلامُ قائلةً *** " هذي المكارمُ لا قعبانِ من لبنِ "

الثالث : سعة التآليف المحررة ، ثم عدد معظمها كالتفسير ونيل الأوطار وإرشاد الفحول والسيل الجرار ، ثم نقل أن مؤلفاته الآن بلغت مائة وأربعة عشر تأليفاً مما قد شاع ووقع في الأمصار الشاسعة الانتفاع بها فضلاً عن القريبة ، ثم أنشد :

كلّنا عالمٌ بأنك فينا *** نعمةٌ ساعدتْ بها الأقدارُ

فوَقَتْ نفسَكَ النفوسُ من الشرّ *** وزيدتْ في عمرك الأعمار "

ثم أشار إلى من أفرد ترجمته بالتأليف ... " (25) .

وقال عنه إبراهيم بن عبدالله الحوثي :

" زعيم ارباب التأويل سمع وصنف وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف ، وحجث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه في البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رياسة العلم في الحديث والتفسير والأصول والفروع والتاريخ ومعرفة الرجال وحال الأسانيد في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل وغير ذلك " (26) .

وقال فيه لطف بن أحمد جحاف :

" احفظ من ادركناه لمتون الحديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان شيوخه وأقرانه يعترفون له بذلك " (27) .

وقال عنه كحاله :

" مفسر محدث ، فقيه أصولي مؤرخ أديب نحوي منطقي متكلم حكيم صارت تصانيفه في البلاد في حياته وانتفع الناس بها بعد وفاته ، وتفسيره " فتح القدير " و " نيل الأوطار " في الحديث من خير ما أخرج للناس كما يلاحظ أن الشوكاني يدخل في المناقشات الفقهية ويذكر أقوال العلماء وأدلتهم في تفسير كل آية تتعلق بالأحكام " (28) .

وقال عنه الأستاذ الفاضل محمد سعيد البَدْري :

" واعلم ـ هدانا الله وإياك ـ أن لهذا الرجل خصائص قلَّ أن تجدها في غيره من العلماء وهي : سعة العلم والتحرر من التقليد بالاجتهاد والتمسك الفعلي بالكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما كائناً من كان ( وهذه سمة المجتهدين دون المقلدين ) والانصاف من الخصوم .

والحق أن هذه الخصائص لمسناها في كثير من كتبه وبالأخص هذا الكتاب ـ يقصد إرشاد الفحول ـ ولذا فأنا أعده من أئمة المجتهدين حتى وإن خالفته في بعض المسائل ، رحمه الله تعالى " (29) .

وقال عنه الدكتور محمد حسن بن أحمد الغماري :

" كان محمد بن علي الشوكاني على مبلغ عظيم من العلم شهد له بذلك علماء عصره ومن أتى بعده بسعة علمه وغزارة مادته في مختلف الفنون ، وامتدحه الناس شعراً ونثراً وكاتبه الملوك والعلماء من مختلف الأقاليم وألف في شتى العلوم في التفسير والحديث وعلومهما والفقه والنحو والمنطق والتاريخ والأصول والأدب وله الشعر الرائق والنثر البليغ ، صارت مؤلفاته منتجع العلماء وسار بها الركبان في حياته ، وانتفع بها الناس بعد وفاته .

ألف " نيل الأوطار " فابدع وأودع فيه الفرائد ، وصنف تفسيره العظيم فكان جامعاً لما تفرق في غيره وترجم لأعيان من بعد القرن السابع فأتى بالعجب العجاب وأنه ليعجب الناظر كيف تهيىء له أن يلم بتراجم أعيان ستة قرون كأنه عاش معهم مع أن الكثير منهم لم يكونوا من أبناء اليمن الذي عاش الشوكاني فيه ترجم لكل واحد منهم بانصاف ونزاهة .

وألف في الفقه " الدراري المضيئة " فأبدع فيه وأحسن وألف " السيل الجرار " الذي لم تخط بنات الأفكار بمثله أقام الدليل وزيف الرأي المحض وألف " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " واستدرك على ابن الجوزي والسيوطي وابن عراق كثيراً مما فاتهم ونبه على أوهامهم في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع .

وأما أصول الدين فهو فارس ميدانها وحامل مشعلها فقد حارب الشرك والبدع وأبلى في سبيل العقيدة الإسلامية بلاء حسناً اقتداء بالأنبياء والمرسلين والدعاة المخلصين فلقي من الناس العنت والأود وناصبوه العداء ورموه عن قوس واحدة ... " (30) .

وقال عنه خير الدين الزِرِكْلي :

" فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن ، من أهل صنعاء ... وكان يرى تحريم التقليد " (31) .

* توليه القضاء :

في عام 1209 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم توفي كبير قضاة اليمن ، القاضي يحيى بن صالح الشجري السحولي ، وكان مرجعَ العامة والخاصة ، وعليه المعوَّل في الرأي والأحكام ، ومستشار الإمام والوزارة (32) .

قال الشوكاني :

" وكنتُ إذ ذاك مشتغلاً بالتدريس في علوم الاجتهاد والإفتاء والتصنيف منجمعاً عن الناس لا سيما أهل الأمر وأرباب الدولة ، فإني لا أتَّصِل بأحدٍ منهم كائنًا من كان ، ولم يكن لي رغبة في غير العلوم ... فلم أشعر إلا بِطلابٍ لي من الخليفة بعد موت القاضي المذكور بنحو أسبوع ، فعزمتُ إلى مقامه العالي ، فذكر لي أنه قد رجح قيامي مقام القاضي المذكور ، فاعتذرتُ له بما كنت فيه من الاشتغال بالعلم ، فقال : القيام بالأمرين ممكنٌ ، وليس المراد إلا القيام بفَصْل ما يصل من الخصومات إلى ديوانه العالي في يَوْمَي اجتماع الحكام فيه . فقلت : سيقع مني الاستخارة لله والاستشارة لأهل الفضل ، وما اختاره الله ففيه الخير . فلمَّا فارقته ما زلتُ مُتردِّدٍا نحو أسبوع ، ولكنَّه وفد إليَّ غالبُ مَنْ ينتسب إلى العلم في مدينة صنعاء ، وأجمعوا على أن الإجابة واجبة ، وأنهم يخشوْن أن يدخل في هذا المنصب ـ الذي إليه مرجِعُ الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية ـ مَنْ لا يُوثَقُ بدينه وعلمه . فقبلتُ مستعيناً بالله ومتّكلاً عليه . وأسأل الله بحَوْلِه وطوْله أن يرشدني إلى مراضيه ، ويحول بيني وبين معاصيه ، وييسِّر لي الخير حيث كان ، ويدفع عني الشر،

ويُقيمني في مقام العَدْل ، ويختار لي ما فيه الخير في الدين والدنيا " (33) .

قلتُ : وربَّما أن الشوكاني رأى في منصب القضاء فرصةً لنَشْر السُّنَّة وإماتة البدعة ، والدعوة إلى طريق السلف الصالح .

كما أن منصب القضاء سيصدُّ عنه كثيراً من التيارات المعادية له ، ويسمح لأتباعه بنَشْر آرائه السديدة ، وطريقته المستقيمة .

" والأئمة الثلاثة الذين تولى الشوكاني القضاء الأكبر لهم ، ولم يُعزل حتى واتته المنية هم :

1ـ المنصور علي بن المهدي عباس ، ولد سنة 1151ه ، وتوفي سنة 1224ه . ومدة خلافته 25 سنة .

2ـ ابنه المتوكل علي بن أحمد بن المنصور علي ، ولد سنة 1170ه ، وتوفي سنة 1231ه . ومدة خلافته نحو 7 سنوات .

3ـ المهدي عبدالله ، ولد سنة 1208 ه ، وتوفي 1251 ه ، ومدة خلافته 20 سنة " (34) .

قلتُ : كان تولِّي الشوكاني القضاء كسباً كبيراً للحقِّ ، فقد أقام سوق العدالة بيِّنًا ، وأنصف المظلوم من الظالم ، وأبعد الرشوةَ ، وخفَّف من غُلَوَاء التَّعصب ، ودعا الناس إلى اتِّباع القرآن والسنة .

إلا أن هذا المنصب قد منعه من التحقيق العلمي ، يظهر ذلك إذا ما تتبَّع المرءُ مؤلفاته قبل تولِّيه القضاء وبعده ، يجد الفَرْق واضحًا .
* شيوخه :

كان الشوكاني طلعة يبحث عن العلم والمعرفة في المظان المختلفة ، ويتنقل بين المشايخ بحثاً عن المعرفة ، الأمر الذي يجعل البحث عن كل شيوخه عسيراً ، وسوف نكتفي هنا بذكر بعض مشايخه المشهورين ، فمنهم :

1ـ والده : علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن الشوكاني المتوفى سنة 1211ه (35) .

فقد تولى ولده بالعناية والرعاية منذ الطفولة ، فحفظه القرآن وجوده له ، كما حفظه عدداً من المتون ومبادىء العلوم المختلفة ، قبل أن يبدأ طلب العلم على غير والده من علماء عصره .

وكان لهذه العناية المبكرة أثرها البارز في بناء شخصية الشوكاني .

2ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن مطهر القابلي ( 1158 ـ 1227ه ) (36) .

قال الشوكاني في ترجمته :

" وقد لازمتُه في الفروع نحو ثلاث عشر سنة ، وانتفعتُ به ، وتخرَّجت عليه ، وقرأت عليه في : " الأزهار " و " شرحه " و " حواشيه " ثلاث دفعات : الدفعتين الأوليين اقتصرنا على ما تدعو إليه الحاجة ، والدفعة الثالثة استكملنا الدَّقيق والجَّليل من ذلك مع بحثٍ وتحقيق ، ثم قرأت عليه " الفرائض " للعصيفري ، و " شرجها " للنَّاظري ، وما عليه من الحواشي ، وقرأتُ عليه " بيان ابن مظفر " و " حواشيه " ، وكانت هذه القراءة بحثٍ وإتقانٍ وتحرير وتقرير " (37) .

3ـ أحمد بن عامر الحدائي ( 1127ـ 1197ه = 1715ـ 1783م ) .

قرأ عليه : " الأزهار " و " شرحه " مرتين ، و " الفرئض " مرتين .

4ـ أحمد بن محمد الحرازي المولود سنة 1158ه والمتوفي سنة 1227ه (38) .

تلقى عليه الشوكاني الفقه والفرائض ، وظل ملازماً له ثلاث عشر سنة .

5ـ إسماعيل بن الحسن المهدي بن أحمد ابن الإمام القاسم بن محمد ( 1120ـ 1206ه ) .

قرأ عليه : " ملحة الإعراب " للحريري ، وشرحها المعروف ب " شرح بحرق " ، وفي علم الصرف ، والمعاني ، والبيان ، والأموال .

6ـ الحسن بن إسماعيل المغربي ( 1140ـ 1208ه ) .

قرأ عليه : بعض " الرسالة الشمسيَّة " للقطب ، و " حاشيته " للشريف ، وفي " المطول " و " حواشيه " ، وأكمل لديه دراسة " شرح الغاية " ، و " حاشيته " لسيلان ، و " العضد " ، و " شرحه على المختصر " ، و " حاشية السعد " ، وما تدعو إليه الحاجة من سائر الحواشي ، وسمع عليه " شرح بلوغ المرام " لجده ، وفاته بعض أوله ، وبعض " صحيح مسلم " ، و " شرحه " للنووي ، وبعض " تنقيح الأنظار " في علوم الحديث ، وسمع عليه جميع " سنن أبي داود " ، و " تخريجها " للمنذري ، وبعض شرح " المعالم " للخطابي ، وبعض " شرح ابن رسلان " .

7ـ صديق علي المزجاجي الحنفي المولود سنة 1150ه والمتوفي سنة 1209ه

شيخ الشوكاني بالاجازة في الحديث وغيره .

8ـ عبدالرحمن بن حسن الأكوع ( 1135ـ 1207ه = 1724 ـ 17772م ) .

قرأ عليه أوائل " الشفاء " للأمير الحسين ، كتاب في الحديث .

9ـ عبدالرحمن بن قاسم المداني ( 1121ـ 1211ه = 1709 ـ 1796م ) (39) .

قرأ عليه " شرح الأزهار " في أوائل طلبه للعلم ، وباحثه بمباحث علميَّة فقهييَّة دقيقة .

10ـ عبدالقادر بن أحمد شرف الدين الكوكباني المولود سنة 1135ه والمتوفي سنة 1207ه (40) .

قرأ عليه الشوكاني العديد من العلوم مثل : علم التفسير ، والحديث ، والمصطلح ، وغير ذلك من الفنون المختلفة .

وكان حجة في سائر العلوم ، ومجتهداً مطلقاً ، كما يقول الشوكاني عنه .

11ـ عبدالله بن إسماعيل النهمي المولود سنة 1150ه والمتوفي سنة 1228ه (41) .

قرأ عليه الشوكاني النحو ، والصرف ، والمنطق ، والحديث ، والأصول ، وغير ذلك .

12ـ عبدالله بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ( 1165 ـ 1210ه ) (42) .

أخذ عنه في أوائل طلبه للعلم " شرح الجامي " من أوله إلى آخره .

13ـ علي بن أبراهيم بن علي بن عامر الشهيد ، المولود سنة 1140ه والمتوفي سنة 1207ه (43) .

سمع عليه " صحيح البخاري " من أوَّله إلى آخره . قال عنه الشوكاني : كان إماماً في جميع العلوم محققاً لكل فن ذا سكينة ووقار قل أن يوجد له نظير .

14ـ علي بن هادي عرهب ( 1164 ـ 1236ه ) .

15ـ القاسم بن يحيى الخولاني ( 1162ـ 1209ه = 1714 ـ 1794م ) .

قرأ عليه : " الكافية " ، و " شرحها " للسيد المفتي ، و " شرح الخبيصي على الكافية " ، و " حواشيه " ، و " شرح الرضى على الكافية " ، وبقي منه بقية يسيرة ، و " الشافية " ، و " شرحها " للطف الله الغياث ، و " السعد " و " شرحه " ، و " شرح الجامي " من أوله إلى آخره .

16ـ هادي بن حسن القارني ولد سنة 1164ه وتوفي سنة 1247ه (44) .

أخذ عنه القراءات والعربية ثم أخذ عنه في " شرح المنتقى " وغيره .

17ـ يحيى بن محمد الحوثي ( 1160ـ 1247ه = 1747ـ 1831م ) (45) .

أخذ عنه الفرائض ، والحساب ، والضرب ، والمساحة .

18ـ يوسف بن محمد بن علاء المزجاجي ( 1140ـ 1213ه ) (46) .

سمع منه ، وأجازه لفظاً بجميع ما يجوز له روايته ، وكتب إليه إجازة بعد وصوله إلى وطنه ، ومن جملة ما يرويه عنه : أسانيد الشيخ الحافظ إبراهيم الكردي ، وهو يرويها عن أبيه عن جده بطريقة السَّماع .

يتبع

ابو رضوان
21-09-2011, 05:21 AM
* تلاميذه :

إن واحداً كالإمام " الشوكاني " جمع من العلوم ما جمع ، وأحاط بالمعقول منها والمنقول ، وبرز في شتى المعارف ، وأضاف إليها الكثير ، بالنظر الثاقب ، والفكر المستنير ، وألف العديد من الكتب ، لا بد وأن يكون قد تخرج على يديه الكثيرون واستفاد منه العامة والخاصة .

ومن أشهر تلاميذه :

1ـ ابنه أحمد بن محمد بن علي الشوكاني ولد سنة 1229ه ، وانتفع بعلم والده وبمؤلفاته ، حتى حاز من العلوم السهم الوافر ، وانتفع به عدة من الأكابر ، تولى القضاء بمدينة " صنعاء " وله مؤلفات وكان من أكابر علماء اليمن بعد والده توفي ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1281ه (47) .

2ـ محمد بن أحمد السودي ، ولد سنة 1178ه ، لازم الإمام " الشوكاني " من بداية طلبه للعلم ، حتى مدحه الشوكاني بقوله :

أعز المعالي أنت للدهر زينة *** وأنت على رغم الحواسد ماجده (48) .

توفي سنة 1236ه (49) .

3ـ محمد بن أحمد مشحم الصعدي الصنعاني ، ولد سنة 1186ه وتولى القضاء في " صنعاء " وغيرها ، وأثنى عليه " الشوكاني " كثيراً ، وتوفي سنة 1223ه (50) .

4ـ أحمد بن علي بن محسن ، ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم . ولد سنة 1150ه واشتغل بطلب العلم ، بعد أن قارب الخمسين ، ولازم الإمام " الشوكاني " نحو عشر سنين توفي سنة 1223ه (51) .

5ـ محمد بن محمد بن هاشم بن يحيى الشامي ، ثم الصنعاني ، ولد سنة 1178ه وتوفي سنة 1251ه (52) .

6ـ عبدالرحمن بن أحمد البهلكي الضمدي الصبيائي ، ولد سنة 1180ه

وتلقى على الشوكاني وغيره ، ولكنه كان من أوفى تلاميذ " الشوكاني " ومن الملازمين له ، توفي سنة 1227ه (53) .

7ـ أحمد بن عبدالله الضمدي (54) .

أخذ عن الإمام " الشوكاني " وغيره ، ولكن صلته بالشوكاني كانت أكثر ، حتى صار المرجع إليه في التدريس والإفتاء في " ضمد " وما حولها ، وله أسئلة عديدة إلى شيخه " الشوكاني " أجاب له عنها في رسالة سماها " العقد المنضد في جيد مسائل علامة ضمد " (55) ، توفي سنة 1222ه .

8ـ علي بن أحمد بن هاجر الصنعاني ، ولد في حدود سنة 1180ه وتبحر في العلوم النقلية والعقلية ، درس على " الشوكاني " علم المنطق وغيره . قال عنه الشوكاني بالنسبة لعلم المنطق : " هو يفهمه فهماً بديعاً ، ويتقنه إتقاناً عجيباً ، قل أن يوجد نظيره مع صلابة الدين " (56) توفي سنة 1235ه .

قال أبو عبدالرحمن : ذكر الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال في مقدمة " قطر الولي " ص 42ـ 45 تلاميذ الشوكاني وعددهم ثلاثة عشر تلميذاً .

وذكر الدكتور محمد حسن الغماري ( صاحب كتاب : الشوكاني مفسراً ) ص 74ـ 81 ثلاثة وثلاثين تلميذاً .

وذكر الدكتور عبدالغني قاسم غالب الشرجبي ( صاحب كتاب : الشوكاني حياته وفكره ) ص 238 ـ 266 . تلاميذ الشوكاني وعددهم اثنان وتسعون تلميذاً . كما أورد ـ عقب ترجمة كل تلميذ ـ العلوم التي استفادها من الشوكاني .

* مؤلَّفاته :

خلف الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ثروة عظيمة من المؤلفات بلغت (278) مؤلفاً ، ولا يزال معظمها مخطوطاً رهين الأدراج والأرفف ، ولم يكتب له أن يرى نور النشر والطباعة حتى اليوم ، ولو رحتُ أسردُ هذه المؤلفات ؛ لطال بي الكلام ، ولذلك سأقتصر على أهمِّ كتبه المطبوعة ، والتي تظهر للقارىء تفنُّن هذا الإمام وإلمامَه بمختلف أنواع العلوم الشرعية :

1ـ " فتح القدير الجامع بين فنَّي الرواية والدراية من التفسير " : الذي حوى على درر عظيمة تدلُّ على تبحُّر هذا الإمام في علم التفسير .

2ـ " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " .

3ـ " الدُّرر البهيَّة " : متنٌ في الفقه .

4ـ وشرحه : " الدَّراري المضيَّه في شرح الدُّرر البهيَّة " .

5ـ " السَّيل الجرَّار المتدفِّق على حدائق الأزهار " : وهو كتابٌ قلَّ نظيره فيما يعرف بالفقه المقارن .

6ـ " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " : الذي طار ذكره وعلا صيته وأصبح مرجعاً لا يستغنى عنه طالب العلم .

7ـ " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول " : وهو من فرائد ما أُلِّف في علوم أصول الفقه .

8ـ " تحفة الذاكرين " .

9ـ " الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني " .

10ـ " البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع " : وهو مرجع مفيد ومهم جداً في رجال وأعلام مَن بعد القرن السابع .

11ـ " وبل الغمام على شِفَاءِ الأُوَامِ " .

وغيرها كثير كثير ، مما نسأل الله أن يُعين رواد العلم وطلاب المعرفة على نشر كنوزه وإظهار فرائده إلى عالم المنشورات .
* الشوكاني وأهل الظاهر :
الإمام الجليل الشوكاني ـ رحمه الله تعالى إن لم يكن ظاهرياً فهو من المتعاطفين مع أهل الظاهر فكان كثير النقل لمذهب أهل الظاهر ، بل كان كثير التنديد بمعارضي أهل الظاهر .

قال عن أثير الدين بن حيان صاحب تفسير " البحر المجيط " :

" وكان ظاهرياً وبعد ذلك انتمى إلى الشافعي وكان أبو البقاء يقول : إنه لم يزل ظاهرياً . قال ابن حجر كان أبو حيان يقول : محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه انتهى .

ولقد صدق في مقاله فمذهب الظاهر هو أول الفكر وآخر العمل عند من منح الإنصاف ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها وليس هو مذهب داود الظاهري وأتباعه بل هو مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن وداود واحد منهم وإنما اشتهر عنه الجمود في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغي الوقوف وأهمل من أنواع القياس ما لا ينبغي لمنصف إهماله .

وبالجملة فمذهب الظاهر هو العمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات وطرح التعويل على محض الرأي الذي لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة .

وأنت إذا امعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه بل إذا رزقت الإنصاف وعرفت العلوم والاجتهاد كما ينبغي ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهرياً أي عاملاً بظاهر الشرع منسوباً إليه لا إلى داود الظاهري فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة وهذه النسبة هي مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام وإلى خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات والتسليم .

وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذي أوضحناه أشار ابن حزم بقوله .

وما أنا إلا ظاهري وإنني *** على كا بدا حتى يقوم الدليل " (57) .

وقال عن السواك :

" قال النووي : وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا : مذهبه أنه سنة كالجماعة ، ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون الأكثر . قال وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى .
وعدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه ، وأخذ جماعة من الأئمة الكبار بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية ، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب ، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين ، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة ، فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر ، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وجموده عليه هي في غتية الندرة ، ولكن :

* لهوى النفوس سريرة لا تعلم * (58) .

* قال أبوعبدالرحمن : وقد ناقش الإمام الشوكاني في كتابه النافع " إرشاد الفحول " ( ص 340ـ 348 ) أدلة مثبتي القياس ، ثم ختم بحثه بقوله :

" وإذا عرفت ما حرّرناه وتقرر لديك جميع ما قرّرناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص على علته وما قطع فيه بنفي الفارق وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب على اصطلاح من يسمي ذلك قياساً وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة .

ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً وإن كان منصوصاً على علته أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته وبهذا يهون عليك الخطب ويصغر عندك ما استعظموه ويقرب لديك ما بعدوه ، لأن الخلاف في هذا النوع الخاص صار لفظياً وهو من حيث المعنى متفق على الأخذ به والعمل عليه واختلاف طريقة العمل لا يستلزم الاختلاف المعنوي لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً . وقد قدمنا لك أن ما جاءوا به من الأدلة العقلية لا تقوم الحجة بشيء منها ولا تستحق تطويل ذيول البحث بذكرها . وبيان ذلك أن أنهض ما قالوه في ذلك أن النصوص لا تفي بالأحكام فإنها متناهية والحوادث غير متناهية . ويجاب عن هذا بما قدمنا من أخباره عز وجل لهذه الأمة بأنه قد أكمل لها دينها وبما أخبرها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه قد تركها على الواضحة التي ليلها كنهارها .

ثم لا يخفى على ذي لب صحيح وفهم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما ما يفي بكل حادثة تحدث ويقوم ببيان كل نازلة تنزل عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله (59).

* وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ جواباً على قول الجويني : المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية و زناً ، لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها .

ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها وتدبر آيات الكتاب العزيز وتوسع في الإطلاع على السنة المطهرة علم أن نصوص الشريعة جمع حمّ ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا قياس مقبول * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها * نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها ، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جداً ( 60).
وقال في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " البدر الطالع " (1/ 64) :
" وأقول : أنا لا أعلم بعد ابن حزم مثله ، وما أظنه سمح الزمان ما بين عصر الرجلين بمن شابههما أو يقاربهما " .
وقال في كتابه العظيم " نيل الأوطار " (5/ 84) :
" واعلم أنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري " .

* وفاته :

توفي الإمام الشوكاني رحمه الله ليلة الأربعاء ، لثلاث بقين من شهر جمادى الآخرة ، سنة ( 1250ه / 1834م )، عن ستٍّ وسبعين سنة وسبعة أشهر ، وصلِّي عليه في الجامع الكبير بصنعاء ، ودُفن بمقبرة خزيمة المشهورة بصنعاء ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وجزاه عنا كل خير .

قال أبو عبدالرحمن : وبعد هذا لا يسعني إلا القول أن الإمام القاضي الشوكاني : كان إماماً ديّناً ، ثقةً ، متقناً ، علامةً ، متبحراً ، صاحب سنة واتباع . وقد ساعدته الثقافة الواسعة وذكاؤه الخارق ، إلى جانب إتقانه للحديث وعلومه ، والقرآن وعلومه ، والفقه وأصوله على الاتجاه نحو الاجتهاد وخلْع رقبة التقليد ، وهو دون الثلاثين ، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي ، فصار عَلَمًا من أعلام المجتهدين ، وأكبر داعية إلى تَرْك التقليد ، وأخذ الأحكام اجتهاداً من الكتاب والسنة ، فهو بذلك يُعَدّ في طليعة المجددين في العصر الحديث ، ومن الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية في هذا العصر .

ومن نظر في مصنّفاته بان له منْزلته من سعة العلم ، وقوة الفهم ، وسيلان الذهن ، وكلّ أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ، ونغطّي معارفه بل نستغفر له ونعتذر عنه .

* مصادِرُ ترجمتِهِ :

1ـ البدر الطالع (2/ 214) ، للشوكاني .
2ـ أبجد العلوم (3/ 201) ، لصدِّيق حسن خان .
3ـ التاج المكلل ( ص 305 ) ، لصدِّيق حسن خان .
4ـ هداية العارفين ( 6/ 365) ، للبغدادي .
5ـ إيضاح المكنون ( 1/ 11، 15، 20، 58 ) ، للبغدادي .
6ـ الرسالة المستطرفة ( ص 114 ) ، للكتاني .
7ـ فهرس الفهارس (2/ 1082 ) ، للكتاني .
8ـ معجم المؤلفين ( 11/ 53 ) ، لعمر رضا كحَّالة .
9ـ المجدِّدون في الإسلام ( ص 472 ) ، لعبدالمتعال الصعيدي .
10ـ نيل الوطر ( 4/ 447 ) ، لزبارة .
11ـ طبقات فقهاء اليمن ( ص 22 ) ، للبجلي .
12ـ الأعلام ( 6/ 298 ) ، للزركلي .
13ـ درر الحور العين ( 11/ 53 ) ، للجَحّاف الصنعاني .
14ـ سيرة الهادي ( ص 91 ) ، للذِّماري .
15ـ الديباج الخسرواني ( ص 257 ) ، لحسن بن أحمد عاكش .
16ـ التبريز في تراجم العلماء ذوي التمييز ( ص 35 ) ، للجُندار .
17ـ الإمام الشوكاني ومنهجه في أصول الفقه للدكتور شعبان محمد إسماعيل .
18ـ معالم تجديد المنهج الفقهي ( أنموذج الشوكاني ) لحليمة بو كروشة .
19ـ الإمام الشوكاني مُفَسِّرًا للدكتور محمد حسن بن أحمد الغماري .
20ـ الشوكاني حياته وفكره للدكتور عبدالغني قاسم غالب الشرجبي


منقول

ابو رضوان
21-09-2011, 05:22 AM
منهج الإمام الشّوكاني في كتابه: " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار "


أولاً: ترجمة الإمام الشّوكاني:

نسبه: أبو علي بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن محمد بن صلاح بن إبراهيم بن محمد العفيف بن محمد بن رزق ، الشوكاني .

ولد ـ رحمه اللّه تعالى ـ يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة 1173 هجريه في بلدة " هجرة شوكان " .

نشأ ـ رحمه اللّه تعالى ـ بصنعاء اليمن ، وتربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينيه طاهرة ، تلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته ، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم حفظ كتاب " الأزهار " للإمام "المهدي " في فقه الزيديه ، ومختصر الفرائض للعُصيفيري و الملحه للحريري ، والكافيه والشافيه لابن الحاجب ، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة .

وكان ـ رحمه اللّه تعالى ـ كثير الاشتغال بمطالعة كتب التاريخ ، والأدب ، وهو لايزال مشتغلاً بحفظ القرآن الكريم .

وهكذا استطاع " الشوكاني " أن يستفيد من علماء عصره ، وما أكثرهم ، فأخذ يطلب العلم بجميع فنونه : فقرأ " شرح الأزهار " على والده ، و " شرح الناظري " على " مختصر العصيفيري " .

كما قرأ " التهذيب " للعلامة التفتازاني ، و " التلخيص " في علوم البلاغة للقزويني ، والغاية لابن الإمام ، و " مختصر المنتهى " لابن الحاجب في أصول الفقه ، و " منظومة الجرزي " في القراءات و "منظومة " الجزار في العروض ، و " آداب البحث والمناظرة " للإمام العضد ، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية .

وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيَّات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله :

منهم من بلده اليمن ، وأشهرهم : العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ، والعلانة الحسن بن مهدي المقبلي ، والحسين أحمد الجلال.

ومنهم من غير بلده ولم يكونوا في عصره ، وعلى رأسهم : إمام الدنيا ابن حزم الأندلسي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية.

وفي عام 1209 هـ توفي كبير قضاة اليمن ، القاضي يحيى بن صالح الشجري السحولي ، وكان مرجعَ العامة والخاصة ، وعليه المعوَّل في الرأي والأحكام ، ومستشار الإمام والوزارة .

شيوخه :

1ـ والده : علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن الشوكاني.

2ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن مطهر القابلي .

3ـ أحمد بن عامر الحدائي .

4ـ أحمد بن محمد الحرازي

5ـ إسماعيل بن الحسن المهدي بن أحمد ابن الإمام القاسم بن محمد .

6ـ الحسن بن إسماعيل المغربي .

7ـ صديق علي المزجاجي الحنفي .

8ـ عبدالرحمن بن حسن الأكوع .

9ـ عبدالرحمن بن قاسم المداني .

10ـ عبدالقادر بن أحمد شرف الدين الكوكباني .

تلاميذه :

من أشهرهم :

1ـ ابنه أحمد بن محمد بن علي الشوكاني .

2ـ محمد بن أحمد السودي .

3ـ محمد بن أحمد مشحم الصعدي الصنعاني .

4ـ أحمد بن علي بن محسن ، ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم .

5ـ محمد بن محمد بن هاشم بن يحيى الشامي ، ثم الصنعاني.

6ـ عبد الرحمن بن أحمد البهلكي الضمدي الصبيائي .

7ـ أحمد بن عبد الله الضمدي .

8ـ علي بن أحمد بن هاجر الصنعاني .

مؤلَّفاته :

خلف الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ثروة عظيمة من المؤلفات بلغت (278) مؤلفاً ، والتي تظهر للقارىء تفنُّن هذا الإمام وإلمامَه بمختلف أنواع العلوم الشرعية :

1ـ " فتح القدير الجامع بين فنَّي الرواية والدراية من التفسير "

2ـ " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " .

3ـ " الدُّرر البهيَّة " : متنٌ في الفقه .

4ـ وشرحه : " الدَّراري المضيَّه في شرح الدُّرر البهيَّة " .

5ـ " السَّيل الجرَّار المتدفِّق على حدائق الأزهار ".

6ـ " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " .

7ـ " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول " .

8ـ " تحفة الذاكرين " .

9ـ " الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني " .

10ـ " البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع " .

11ـ " وبل الغمام على شِفَاءِ الأُوَامِ " .

ثناء العلماء عليه:

قال عنه العلامة حسن بن أحمد البهكلي في كتابه " الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني " : " السنة الخمسون بعد المائتين والألف ، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا " محمد بن علي الشزكاني " وهو قاضي الجماعة ، شيخ الإسلام ، المحقق العلامة الإمام ، سلطان العلماء ، إمام الدنيا ، خاتمة الحفاظ بلا مراء ، الحجة النقاد ، علي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد "

وقال عنه العلامة : صديق حسن خان : " ... أحرز جميع المعارف ، واتفق على تحقيقه المخالف والمؤالف وصار المشار إليه في علوم الاجتهاد بالبنان ، والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان .

وفاته :

توفي الإمام الشوكاني رحمه الله ليلة الأربعاء ، لثلاث بقين من شهر جمادى الآخرة ، سنة ( 1250هـ)، عن ستٍّ وسبعين سنة وسبعة أشهر ، وصلِّي عليه في الجامع الكبير بصنعاء ، ودُفن بمقبرة خزيمة المشهورة بصنعاء ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وجزاه عنا كل خير .

مراجع الترجمة:

1ـ البدر الطالع (2/ 214) ، للشوكاني .

2ـ أبجد العلوم (3/ 201) ، لصدِّيق حسن خان .

4ـ هداية العارفين ( 6/ 365) ، للبغدادي .

يتبع

ابو رضوان
21-09-2011, 05:23 AM
ثانياً: منهج الإمام الشّوكاني في كتاب: " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ".

اسم الكتاب: كما سمَّاه مؤلّفه في المقدّمة " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ".

توطئة:

كتاب "منتقى الأخبار" للإمام المجد بن تيمية من أوسع كتب أحاديث الأحكام, وأكثرها شمولاً وفائدة, حيث بلَغَت أحاديث الكتاب قرابة (5000) حديث.

وقد خدم الإمام المجد أحاديث الكتاب خدمات جليلة متنوعة منها :

- حسن التبويب وتسمية الأبواب بما يظهر فقه الحديث.

- شرح كثيراً من غريب الحديث.

- علق على كثير من الأحاديث تعليقات مهمة تنوَّعت ما بين استنباط لفقه الحديث ،أو ذكر لاختيار له في المسألة ، أو توجيهٍ للأحاديث ، وغير ذلك من الفوائد .

مقدّمة المؤلِّف :

قدَّم -رحمه الله لهذا الشّرح مقدّمة بيّن فيها بعض معالم المنهج الذي سيسير عليه, فقال:

" ... وبعد :

فإنه لما كان الكتاب الموسوم بالمنتقى من الأخبار في الأحكام . مما لم ينسج على بديع منواله . ولا حرر على شكله ومثاله أحد من الأئمة الأعلام . قد جمع من السنة المطهرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار . وبلغ إلى غاية في الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصر عنها الدفاتر الكبار . وشمل من دلائل المسائل جملة نافعة تفنى دون الظفر ببعضها طوال الأعمار . وصار مرجعا لجلة العلماء عند الحاجة إلى طلب الدليل لا سيما في هذه الديار وهذه الأعصار .

فإنها تزاحمت علي مورده العذب أنظار المجتهدين . وتسابقت على الدخول في أبوابه أقدام الباحثين من المحققين . وغدا ملجأ للنظار يأوون إليه . ومفزعا للهاربين من رق التقليد يعولون عليه . وكان كثيرا ما يتردد الناظرون في صحة بعض دلائله .

ويتشكك الباحثون في الراجح والمرجوح عند تعارض بعض مستندات مسائله . حمل حسن الظن بي جماعة من حملة العلم بعضهم من مشايخي على أن التمسوا مني القيام بشرح هذا الكتاب .

وحسنوا لي السلوك في هذه المسالك الضيقة التي يتلون الخريت في موعرات شعابها والهضاب . فأخذت في إلقاء المعاذير . وأبنت تعسر هذا المقصد على جميع التقادير .

وقلت : القيام بهذا الشأن يحتاج إلى جملة من الكتب يعز وجودها في هذه الديار . والموجود منها محجوب بأيدي جماعة عن الأبصار بالاحتكار والادخار كما تحجب الأبكار.

ومع هذا فأوقاتي مستغرقة بوظائف الدرس والتدريس . والنفس مؤثرة لمطارحة مهرة المتدربين في المعارف على كل نفيس . وملكتي قاصرة عن القدر المعتبر في هذا العلم الذي قد درس رسمه . وذهب أهله منذ أزمان قد تصرَّمَت فلم يبق بأيدي المتأخرين إلا اسمه . لا سيما وثوب الشباب قشيب . وردن الحداثة بمائها خصيب . ولا ريب أن لعلو السن وطول الممارسة في هذا الشأن أوفر نصيب.

فلما لم ينفعني الإكثار من هذه الأعذار . ولا خلَّصني من ذلك المطلب ما قدمته من الموانع الكبار . صمَّمتُ على الشروع في هذا المقصد المحمود . وطمعت أن يكون قد أتيح لي أني من خدم السنة المطهرة معدود . وربما أدرك الطالع شأو الضليع وعد في جملة العقلاء المتعاقل الرقيع .

- وقد سلكت في هذا الشرح لطول المشروح مسلك الاختصار .

- وجرَّدته عن كثير من التفريعات والمباحثات التي تُفضي إلى الإكثار . لا سيما في المقامات التي يقل فيها الاختلاف . ويكثر بين أئمة المسلمين في مثلها الائتلاف .

- وأما في مواطن الجدال والخصام فقد أخذت فيها بنصيب من إطالة ذيول الكلام لأنها معارك تتبين عندها مقادير الفحول . ومفاوز لا يقطع شعابها وعقابها إلا نحارير الأصول . ومقامات تتكسر فيها النصال على النصال . ومواطن تلجم عندها أفواه الأبطال بأحجار الجدال . ومواكب تعرق فيها جباه رجال حل الإشكال والإعضال.

وقد قمت ولله الحمد في هذه المقامات مقاما لا يعرفه إلا المتأهلون . ولا يقف على مقدار كنهه من حملة العلم إلا المبرزون . فدونك يا من لم تذهب ببصر بصيرته أقوال الرجال . ولا تدنَّست فطرة عرفانه بالقيل والقال . شرحا يشرح الصدور ويمشي على سنن الدليل وإن خالف الجمهور . وإني معترف بأن الخطأ والزلل هما الغالبان على من خلقه الله من عجل . ولكني قد نصرت ما أظنه الحق بمقدار ما بلغت إليه الملكة.

ورضت النفس حتى صفت عن قذر التعصب الذي هو بلا ريب الهلكة .

- وقد اقتصرت فيما عدا هذه المقامات الموصوفات على بيان حال الحديث.

- وتفسير غريبه.

- وما يستفاد منه بكل الدلالات.

- وضممتُ إلى ذلك في غالب الحالات الإشارة إلى بقية الأحاديث الواردة في الباب مما لم يذكر في الكتاب . لعلمي بأن هذا من أعظم الفوائد التي يرغب في مثلها أرباب الألباب من الطلاب .

- ولم أطوِّل ذيل هذا الشرح بذكر تراجم رواة الأخبار . لأن ذلك مع كونه علما آخر يمكن الوقوف عليه في مختصر من كتب الفن من المختصرات الصغار .

- وقد أشير في النادر إلى ضبط اسم راو أو بيان حاله على طريق التنبيه . لا سيما في المواطن التي هي مظنة تحريف أو تصحيف لا ينجو منه غير النبيه .

- وجعلتُ ما كان للمصنف من الكلام على فقه الأحاديث وما يستطرده من الأدلة في غضونه من جملة الشرح في الغالب ونسبت ذلك إليه .

- وتعقبت ما ينبغي تعقبه عليه وتكلمتُ على ما لا يحسن السكوت عليه مما لا يستغني عنه الطالب . كل ذلك لمحبة رعاية الاختصار وكراهة الإملال بالتطويل والإكثار . وتقاعد الرغبات وقصور الهمم عن المطولات.

وسمَّيت هذا الشرح لرعاية التفاؤل الذي كان يعجب المختار "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار".

والله المسؤول أن ينفعني به ومن رام الانتفاع من إخواني . وأن يجعله من الأعمال التي لا ينقطع عني نفعها بعد أن أدرج في أكفاني . وقبل الشروع في شرح كلام المصنف نذكر ترجمته على سبيل الاختصار فنقول... ". اهـ

بعض المعالم الأخرى التي يُمكن استخلاصها من منهجية الشوكاني في "نيل الأوطار":

- يبدأ بنقل كلام المجد.

- ثمّ يُعقبه بتخريج الحديث من المصادر المختلفة, وما قيل فيه, ومن تصحيح وتضعيف, وإعلال, وكلام على الرّجال.

- ويأتي بالرّوايات الأخرى للحديث.

- كما يُنبّه على أوهام المجد بن تيميّة إن كانت, كقوله: وقد وهم المصنف رحمه الله فقال أبو مالك الأشجعي : وليس كذلك بل هو الأشعري". وقوله: وقد وهم المصنف رحمه الله في نسبة جميع ما ذكره من ألفاظ هذا الحديث إلى البخاري ولعله نقل لفظ الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحميدي كأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته فإن كثيرا ن هذه الألفاظ ليس في صحيح البخاري وإنما هي في مستخرج البرقاني من طريق حماد بن سلمة ".

- ثمّ يبدأ بتحليل الحديث, وشرحه فقرة فقرة.

- فيشرح الغريب. وينقل عن أئمّة الشأن واللّغة.

- ويَضبط بعض الألفاظ - إن احتاج - بالحروف.

- ويُعرب الكلمات -أحياناً-

- ثمّ يتكلّم على فقه الفقرة, وينقل أقوال الأئمة من الشُّرّاح, وأصحاب المذاهب, ويُبيّن اختلافهم وأقوالهم, وتعقّباتهم على بعضهم, ثم يختار ما يُرجّح, الرأي الذي يرتضيه من هذه الأقوال, ويُناقش الأدلة, مناقشة مستوعبة, فيتكلّم في الأصول, والقواعد, واللّغة, والتفسير, مؤيّداً الرّأي الذي انتهى إليه.

- إضافة لذلك, فهو ينقل أحياناً مذهب الزيديّة ( الهادويّة ).

- كما لا ينسى التنبيه على الفوائد التي تُستفاد من الحديث.

- كما لا ننسى التنبيه أنّ الشوكاني قد استفاد كثيراً في الكلام على فقه الحديث من كتاب الحافظ ابن حجر "فتح الباري", وشرح النووي, والخطابي, والعيني, والكرماني، وغيرهم, فهو موسوعة في ذلك.

- كما أنه اعتمد في الحكم على الحديث, ونقل أقوال العلماء جرحاً, وتعديلاً, وتصحيحاُ, وتضعيفاً, على أمّهات الكتب في هذا الفنّ, والتي منها: "التلخيص الحبير" لابن حجر في الكلام, و"نصب الرّاية" للزيلعي, و"البدر المنير" لابن الملقّن - رحم الله الجميع-, ولم يكُن -رحمه الله- مجرّد ناقل, وإنّما كان ناقداً, ومناقشاً, ومُرجّحاً, والأدلّة على ذلك أكثر من أن تُحصَر, فنظرةٌ عجلَى في الكتاب يتحقّق المرء منها صدق ما قلناه.

وعلى هذا المنوال سار -رحمه الله- في بقيّة الكتاب

مراجع الفقرة: كتاب " نيل الأوطار " للشوكاني.

الأعمال على الكتاب:

- قام الشيخ محمد بن راشد بترتيب أحاديث نيل الأوطار باسم " تنوير أولي الأبصار بترتيب أحاديث نيل الأوطار " نشرته دار الكتب العلمية في بيروت سنة (1413هـ) ،والترتيب المذكور لأحاديث الكتاب متناً وشرحاً.

- وقد اختصر هذا الشرح الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك المتوفي سنة (1376هـ) رحمه الله تعالى وسماه" بستان الأخبار مختصر نيل الأوطار " طبعته المطبعة السلفية في مصر سنة (1373هـ) في مجلدين ،وصورته مكتبة المعارف في الطائف أخيراً.

- كما اختصره الشيخ خالد بن عبد الرحمن العك وطبع باسم " مختصر نيل الأوطار " نشرته دار الحكمة للطباعة والنشر في دمشق الطبعة الأولى سنة (1409هـ) في أربع مجلدات.

طبعات الكتاب:

شرحه "المنتقى" جماعة من أهل العلم :

ولم يطبع من شروحه فيما وقفت عليه سوى شرحه العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة (1355هـ) رحمه الله تعالى في كتابه المشهور " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" ، وقد طبع هذا الشرح عدة مرات منها:

أ ـ الطبعة الأولى في دار الطباعة العامرة في مصر سنة (1297هـ) في صمان مجلدات ، وبهامشه " عون الباري لحل أدلة البخاري " للشيخ صديق بن حسن خان ، وهو شرح كتاب " التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح " للزبيدي.

ب ـ في المطبعة المنيرية في مصر.

جـ ـ في المطبعة العثمانية المصرية سنة (1357هـ) ، في أربع مجلدات.

د ـ طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده في مصر سنة (1347هـ) ثم سنة (1371هـ) ثم سنة (1380هـ) في أربع مجلدات.

هـ ـ طبعة مكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة سنة (1398هـ) بتحقيق الشيخين طه عبد الرؤوف سعد ،ومصطفى محمد الهواري.

و ـ طبعة دار الحديث في القاهرة (1413هـ) ، نشر دار زمزم في الرياض في تسع مجلدات ، التاسع بكامله فهارس ، خرج أحاديثه وعلق عليه الشيخ عصام الدين الصبابطي.

ع- طبعة دار ابن الجوزي بتحقيق: صبحي حسن حلاق

ق- طبعة دار بتحقيق: طارق عوض الله في (12) مجلد

منقول