المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو عبد الله الأندلسى


الطاهرة المقدامة
27-02-2011, 06:18 PM
أبو عبد الله الأندلسى

حكي انه كان بمدينة بغداد رجل يعرف بأبي عبدالله الأندلسى , وكان شيخا لكل من في العراق .
كا يحفظ ثلاثين ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان يقرأ القرآن بجميع الروايات,
فخرج في بعض سنين الى السياحة ,ومعه جماعة من أصحابه مثل الجنيد , والشبلى وغيرهما من
مشايخ العراق.

قال الشبلى : لما نزل في خدمته ونحن مكرمون بعناية الله تعالى الى ان وصلنا الى قرية من قرى
الكفار , فطلبنا ماء لنتوضا به , فلم نجد , فجعلنا ندور بتلك القرية , وإ ذا نحن بكنائس وبها شماسة
وقساوية ورهبان وهم يعبدون الاصنام والصلبان فتعجبنا منهم ومن قلة عقلهم.

ثم إنصرفنا الى بئر في آخرالقرية , وإذ نحن بجوار يستقين الماء على البئر وبنيهن جارية حسنة الوجه
ما فيهن أحسن ولا أجمل منها. وفي عنقها قلائد الذهب , فلما رآها الشيخ تغير وجهه وقال:
هذه إبنة من؟ فقيل له : هذه إبنة ملك هذه القرية فقال الشيخ:
فلما لا يدللها أوبها ويكرمها ولا يدعها تستقى الماء؟ فقيل له : أبوها يفعل ذلك بها حتى إذا تزوجها
رجل أكرمته وخدمته ولا تعجبها نفسها.

فجلس الرجل ونكس رأسه ثم أقام ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يكلم أحدا , غير انه يؤدي الفريضة ,
والمشايخ واقفون بين يديه , ولا يدرون ما يصنعون.

قال الشبلى : فتقدمت اليه وقلت له: يا سيدي أصحابك ومريدوك يتعجبون من سكوتك , ثلاثة أيام وانت ساكت لم تكلم احدا.

فأقبل علينا وقال : يا قوم اعلموا ان الجارية التي رأيتها بالأمس قد شغفت بها حبا , وأشتغل قلبي بها , ومابقيت أقدر أن أفارق هذه الأرض.

قال الشبلى: فقلت يا سيدي: أنت شيخ أهل العراق ومعروف بالزهد في سائر الآفاق وعدد مريديك
إثنا عشر ألفا, فلا تفضحنا وإياهم بحرمة الكتاب العزيز.

فقال : يا قوم جرى القلم بما حكم ووقعت في بحار العدم وقد إنحلت عني عرى الولاية وطويت عني أعلام الهداية.

ثم بكى بكاءا شديدا , وقال: يا قوم إنصرفوا فقد نفذ القضاء والقدر فتعجبا من امره وسألنا الله تعالى ان يجيرنا من مكره , ثم بكينا وبكى حتى أروى التراب. ثم إنصرفنا عنه راجعين الى بغداد فخرج الناس الى لقائه ومريدوه من جملة الناس فلم يروه وسالوا عنه , فعرفناهم بما جرى , فمات من مريديه جماعة كثيرة حزنا عليه وأسفا , وجعل الناس يبكون ويتضرعون الى الله تعالى أن يرده عليهم ,
وغلقت الرباطات والزوايا والخوانق ولحق الناس حزن عميق.



فأقمنا سنة كاملة وخرجت مع بعض أصحابي نكشف خبره, فأتينا القرية , فسألنا عن الشيخ فقيل لنا: أنه في البرية يرعى الخنازير قلنا: وما السبب في ذلك؟ قالوا:
أنه خطب الجارية من أبيها ,فأبى أن يزوجها إلا ممن هو على دينها ويلبس العباءة ويشد الزنار ويخدم الكنائس ويرعى الخنازير ففعل ذلك كله. وهو في البرية يرعى الخنازير.

قال الشبلى: فأنصدعت قلوبنا , وانهملت بالبكاء عيوننا, وسرنا إليه, وإذا به قائم قدام الخنازير, فلما رآنا نكس رأسه , وإذا عليه قلنسوة النصارى, وفي وسطه زنار , وهو متوكأ على العصا التي كان يتوكأ عليها إذا قام الى المحراب , فسلمان عليه , فرد السلام , فقلنا يا شيخ ما ذاك؟
وما هذه الكروب والهموم بعد تلك الاحاديث والعلوم؟.


فقال يا إخواني وأحبابي ليس لي من الامر شيء , سيدي تصرف في كيف شاء , وحيث أراد أبعدني
عن بابه بعد أن كنت في جملة أحبابه , فالحذ الحذر يا أهل وداده من صده وأبعاده , والحذر الحذر يا اهل المدوة والصفاء من القطيعة والجفاء , ثم رفع طرفه الى السماء وقال:

يا مولاي ما كان ظني فيك هذا !



ثم جعل يستغيث ويبكى ونادى يا شبلى أتعظ بغيرك , فنادى الشبلى باعلى صوته بك المستعان وانت المستغاث, وعليك التكلان , إكشف عنا هذه الغمة بحلمك , فقد دهمنا أمر لا كائف له له غيرك.

قال: فلما سمعت الخنازير بكاءهم وضجيجهم أقبلت اليهم وجعلت تمرغ وجوههم بين أيديهم , وزعقت زعقة دويت منها الجبال , قال الشبلى: فظننت أن القيامة قد قامت, ثم بكى الشيخ بكاء شديدا.
قال الشبلى : فقلنا له هل لك ان ترجع معنا الى بغداد؟ فقال : كيف لي بذلك وقد استرعيت الخنازير
بعد ان كنت أرعى القلوب؟
فقلت : يا شيخ كنت تحفظ القرآن وتقرؤه بالسبع فهل بقيت تحفظ منه شيئا؟
فقال: نسيته كله الا آيتين.
فقلت : وما هما؟
قال: قوله تعالى" ومن يهن الله فماله له من مكرم أن الله يفعل ما يشاء"والثانية قوله تعالى:
" ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل".

فقلت: يا شيخ كنت تحفظ ثلاثين ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فهل تحفظ منها شيئا؟

قال : حديثا واحدا وهو قوله تعالى: من بدل دينه فأقتلوه.

قال الشبلى: فتركناه وانصرفنا , ونحن متعجبون من امره , فسرنا ثلاثة ايام وإذا به أمامنا قد تطهر من نهر وطلع, وهو يشهد شهادة الحق , ويجدد إسلامه , فلما رأيناه لم نملك أنفسنا من الفرح والسرور ,
فنظر الينا وقال: يا قوم أعطوني ثوبا طاهرا , فاعطيناه ثوبا فلبسه . ثم صلى وجلس.

فقلنا له: الحمد لله الذي ردك الينا , وجمع شملنا بك , فصف لنا ما جرى لك, وكيف كان أمرك؟

فقال :يا قوم لما وليتم من عندي سألته بالوداد القديم, وقلت له يا مولاي أنا المذنب الجاني , فاعفا عني بجوده . وبستره غطاني.

فقلنا له : بالله نسالك هل كان لمحنتك من سبب؟

قال: نعم لما وردنا القرية وجعلتم تدورون حول الكنائس قلت في نفسي: ما قدر هؤلاء عندي وأنا مؤمن موحد فنوديت في سرى ليس هذا منك ولو شئت عرفناك.

ثم أحسست بطائر قد خرج من قلبي , فكان ذلك الطائر هو الايمان.

قال الشبلى: ففرحنا به فرحا شديدا , وكان يوم دخولنا يوما عظيما مشهودا , وفتحت الزوايا والرباطات
والخوانق, ونزل الخليفة للقاء الشيخ , وأرسل إليه الهدايا , وصار يجتمع عنده لسماع علمه أربعون ألفا , وأقام على ذلك زمانا طويلا, ورد الله عليه ما كان نسيه من القرآن والحديث. وزاده على ذلك.



أللهم لا تؤمّنا مَكرك , ولا تنسنا ذكرك , ولا تهتك عنا سترك , ولا تجعلنا من الغافلين .

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

أللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

وأجعل آخر كلامنا في الدنيا:

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ولا حول ولا قوة الا بالله , وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
من كتاب الرضا / راحة الطائعين ودرجة المقربين.

عبد الغني رضا
27-02-2011, 10:17 PM
بارك الله فيك على النقل القيم اختنا ومشرفتنا القديرة سمارة رفع الله قدرك في الدارين

الطاهرة المقدامة
28-02-2011, 06:18 AM
حياك الله أخي الطيب أبا عقيل وجزاك الله كل خير.