لقاء
01-09-2009, 04:26 PM
جوائز رمضان بين الحلال والحرام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار جوائز المسابقات والجوائز الترويحية، حيث أخذتْ حيزاً كبيراً في حياة الناس ومعاشهم بشكل لم يُسبق إليه من قبل، لا سيما في مواسم الطاعات والعبادات كما في شهر رمضان المبارك، إلى درجة أنَّ كثيراً من الناس قد تنشغل قلوبهم بآمال الفوز بإحدى تلك الجوائز والتي قد تكون ذات قيمة كبيرة، في الوقت الذي ينبغي على المسلم أن ينصرف في هذا الموسم إلى الحصاد الأخروي بدلاً من الزائل الدنيوي.
ولما كان الأمر واقعاً في عصرنا الحاضر وجب بيان الحكم الشرعي فيما يتعلق بتلك الجوائز، خاصة مع كثرة تنوع الجوائز وتعدد أشكالها، وأيضاً ما يصاحب ذلك من استفتاءات الناس واستعلامهم عن الحكم الشرعي.
يمكن تصنيف صور الجوائز المعاصرة لا سيما التي تُطرح في شهر رمضان إلى الأنواع التالية:
أولاً: الجوائز العلمية والثقافية:
وهي ما تقوم به المؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث والجمعيات الخيرية من إجراء مسابقات علمية وثقافية، ثم تقوم بتوزيع الجوائز على الفائزين، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
جوائز المسابقات القرآنية والعلوم الشرعية:
حيث تقوم كثير من الجمعيات الخيرية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم بإجراء مسابقات حفظ القرآن الكريم وتجويده ومعرفة معانيه، كذلك تجري مسابقات في شتى العلوم الشرعية من فقه وتوحيد وتفسير إلى غيرها من العلوم النافعة والمطلوبة.
وهذه المسابقات منتشرة بشكل كبير، حيث لا توجد جمعية خيرية أو مركز لتحفيظ القرآن أو حتى كثير من الأندية الرياضية إلا تقوم بالإعلان عن مثل هذه المسابقات.
الجوائز الثقافية في الصحف والمجلات:
تنشر معظمُ الصحف والجرائد والمجلات مسابقاتٍ ثقافية وعلمية على صفحاتها، وذلك بالإعلان عن مسابقة ثقافية تتضمن سؤالاً أو عدة أسئلة حول أي موضوع، وتشترط للمشاركة في المسابقة الإجابة عن السؤال في المكان المخصص والذي يُسمى بقسيمة المسابقة، بحيث تكون القسيمة أصلية غير مُصوَّرة، ثم تقوم بجمع القسائم وفرزها، وتُستبعد الإجابات الخاطئة، ثم تقوم باختيار الفائزين عن طريق القرعة.
هذه هي الصورة الغالبة التي تجريها الجرائد والمجلات.
جوائز المسابقات في القنوات الفضائية:
بعدما غزتْنا الفضائياتُ من كل صوبٍ وحدب، وأصبحت تدخل كل بيت ويشاهدها الملايين من البشر، انتشرت معها ما يُسمى بالمسابقات التلفزيونية، حيث تَطرح القناةُ مسابقة ثقافية معينة، سواء اشترطت حضور المتسابقين إلى القناة لإجراء المسابقة بينهم، أو اكتفت بعرض الأسئلة على المشاهدين بشكل عام، وحتى تتم المشاركة في المسابقة تطلب القناة من الراغبين في المشاركة بالاتصال بها أو بإرسال رسالة نصية، كي يجيب المتسابق عن السؤال المطروح، مع الإشارة بأن قيمة الاتصال بالقناة تزيد على التعرفة المعهودة.
ثم أخذت هذه القنوات بالتنافس في إبداع هذه المسابقات وابتكارها لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين[1].
حكم جوائز المسابقات العلمية والثقافية:
إجراء المسابقات العلمية والثقافية مشروع في الجملة، بل قد يقال إنَّ أول من أجرى مسابقة ثقافية هو رسولُنا - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدِّثوني ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟، قال: هي النخلة)[2].
وقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- لهذا الحديث باباً بعنوان: (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم)[3].
قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه للحديث: "وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغِّبهم في الفكر والاعتناء، وفيه ضرب الأمثال والأشباه"[4].
وقد نُقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه كان يُلقي المسألة على ابنه أبي عثمان[5] وتلميذه الحُميدي[6]، ويقول: مَن أصاب منكم فله دينار[7].
فالمسابقة العلمية والثقافية من الأمور التي رغَّب فيها الشارع، لما فيها من النفع والخير وتنشيط العقول وإذكاء الهمم.
الحكم الشرعي إذاً هو جواز إقامة المسابقات العلمية والثقافية والتشجيع عليها بالجوائز القيمة، وهو مذهب الحنفية[8]
واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم[9]،
إلا أنه ينبغي مراعاة الضوابط التالية عند إجراء المسابقات العلمية والمشاركة فيها:
•أن يكون موضوع أسئلة المسابقة من الأمور المفيدة والنافعة، لا أن تكون أسئلةً عن الفن المبتذل كالأفلام الهابطة والأغاني التافهة وغيرها من الموضوعات التي لا تعود بالنفع على الناس.
• من الضوابط المهمة والتي تصلح أن تكون قاعدة في موضوع الجوائز، أنَّ كل مسابقة تكون جوائزها من أموال المتسابقين أنفسهم فهي من القمار المحرَّم، وقد أشكل ذلك على البعض حكم المسابقات التي تجريها الصحف والمجلات، فإنَّ المتسابق يدفع مالاً وذلك عندما يقوم بدفع قيمة الصحيفة أو المجلة حتى يتمكن من المشاركة في المسابقة،
فهل يدخل ذلك في القمار؟
وفي المسألة تفصيل:
يُنظر في قصد المشارك في المسابقة عندما اشترى الصحيفة، هل كان قاصداً الانتفاع بالصحيفة وقراءتها، أو كان قاصداً المسابقة ذاتها؟
فإن كان قاصداً الانتفاع بالصحيفة، ويُعرف ذلك بالقرائن كمداومته على شراء الصحيفة يومياً أو كان لديه اشتراك سنوي مع الصحيفة، فعندئذٍ لا حرج عليه بالمشاركة في المسابقة، وفي حالة فوزه بالجائزة يجوز له أخذها، وأما المال الذي دفعه للصحيفة، فهو في مقابل شيءٍ ذي قيمة وفائدة، إذ ينتفع بما يُنشر في الصحيفة من أخبار ومقالات وإعلانات، فبذلك تزول شبهة القمار.
وأما إن كان قاصداً بشراء الصحيفة الاشتراك في المسابقة والحصول على الجائزة، فلا شك أنَّ هذا داخل في القمار، والمال الذي دفعه إنما أنفقه في حرام، وإن فاز في المسابقة وحصل على الجائزة، فالجائزة عليه محرمة.
ومن خلال الضابط السابق يمكننا الحكم على المسابقات الثقافية التي تطرحها القنوات الفضائية، فإنهم إن اشترطوا الاتصال للمشاركة في المسابقة، فيُنظر فيما يلي:
إن كان سعر الاتصال هو ما حددته شركة الاتصالات من غير زيادة في التكلفة، وعُلِم أنه لا اتفاقَ بين المنظِّمين للمسابقة وبين شركة الاتصال على أن يكون المال الوارد من المكالمات بينهما، ففي هذه الحالة لا حرج من المشاركة في المسابقة، ويكون المال الذي دَفَعَه من خلال إجراء المكالمة هو كالأجرة التي يدفعها المتسابق لمن يوصله إلى مكان السِّباق.
أما إن زيد في سعر الاتصال وهذا ما يحدث غالباً، فالحكم أن المسابقة قمارٌ قطعاً وبلا شك، ولا يجوز للمسلم أن يشارك فيها[10].
• من الضوابط كذلك أنه عند إجراء المسابقة الثقافية ينبغي البعد عن طرح الأسئلة الموهمة والصعبة والتي قد تسبب إشكالاً واضطراباً لدى المتسابقين والمشاهدين، ويُطلِق العلماءُ على مثل هذا بالأغلوطات، وقد ورد النهي عنها،
فعن معاوية - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغَلوطات (وفي رواية الأغلوطات)[11]،
ويُفسِّر الإمامُ الأوزاعي - وهو أحد رواة الحديث - الغَلوطات بأنها: شداد المسائل وصعابها[12]، قال الخطَّابي: " أراد المسائلَ التي يُغالَط بها العلـماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وإنما نهى عنها لأنها غير نافعة في الدين ولا تكاد تكون إلا فيما لا يقع "[13].
وقال ابن حجر: " ثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جداً، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن "[14].
ثانياً: جوائز المصارف والبنوك:
حَذَتْ المصارفُ والبنوك حَذْوَ التجار وأصحاب المحلات التجارية وغيرها في طرح الجوائز لاستقطاب الزبائن إليها، فبادرت بتقديم الجوائز لعملائها والمتعاملين معها.
ومع ازدهار البديل الإسلامي للبنوك التقليدية (الربوية) فينبغي التأكيد على أنَّ التعامل مع البنوك غير الإسلامية لا يجوز سواءً فيما يتعلق بموضوع الجوائز أو بكافة التعاملات المصرفية الأخرى، ويكفي في ذلك قوله عز وجل: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ** [المائدة: 2].
وبالتالي فإنَّ البحث سينصب على حكم جوائز المصارف الإسلامية دون التقليدية (الربوية)، وذلك فيما يلي:
الجوائز التي تقدِّمها المصارف الإسلامية قد تكون في الغالب عبارة عن تحمل نفقات حج أو عمرة، أو أحياناً جوائز نقدية أو عينية أو غيرها.
والفقهاء المعاصرون وخاصة أعضاء لجان الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لم يتفقوا على جواز إعطاء هذه الجوائز، واختلفوا على رأيين:
الأول: يرى أنه لا مانع من تقديم الجوائز لعملاء البنك، وأنَّ ذلك يُعد تشجيعاً من البنك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعي[15].
الثاني: أنَّ تقديم الجوائز والترويج لها من قِبَلِ المصرف الإسلامي يُعد تقليداً للغرب وللبنوك الربوية، ويؤدي إلى التكاسل عن العمل على أمل الحصول على كسب دون جهد، وهذا مخالف لروح الإسلام الذي يحثُ على الإقبال على العمل والكسب من عمل اليد[16].
ومن خلال القولين أجد أنَّ الرأي الأول القائل بعدم الممانعة من تقديم تلك الجوائز هو الأرجح لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ويمكن الرَّدُّ على المانعين أنه ليس كلُ تقليدٍ للغرب ممنوعاً في الشرع، بل إنَّ الاستفادة مما توصلوا إليه في سائر المجالات جائز من حيث الأصل، ما لم يتعارض ذلك بدليل شرعي، ولا يخفى أنَّ الأصل في المعاملات الإباحة[17].
ولا بد للمصارف أن تبتكر مثل هذه الأمور لكي يتزايد إقبال الناس عليها.
كيفية تقديم الجوائز في المصارف الإسلامية:
الجوائز التي تُطرح من قِبَل المصارف الإسلامية - على رأي المجوِّزين - إما أن تكـون على الحسابات أو على استخدام الصراف الآلي، ولكلٍ حكمها فيما يلي:
أولاً: الجوائز على الحسابات:
الحسابات إمَّا أن تكون جارية أو استثمارية، ولمعرفة حكم الجوائز على هذه الحسابات لا بد من معرفة حقيقةِ كلٍ منها:
أ- الحسابات الجارية:
التكييف الشرعي للحسابات الجارية أنها قروض مضمونة يحق للبنك التصرف فيها، ويقوم بردها عند الطلب ولو لم ينص على ذلك[18].
إذاً فالحساب الجاري يُعدُّ قرضاً حسناً من غير فائدة مقدَّمٌ من المودِع إلى المصرِف.
وعلى ضوء هذا التكييف فإنَّ الجوائز على هذه الحسابات محرَّمة شرعاً، لأنها زيادة على مبلغ القرض إذا كانت مشروطةً في طلب فتح الحساب، أو أعلنها البنك في أثناء وجود الحساب، أو جرتْ عادة البنك بمنح هذه الجوائز[19]،
وهذا الحكم مبني على القاعدة الشرعية المجمع عليها أنَّ كل قرض جر نفعاً فهو ربا، قال ابنُ قدامة: " كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرامٌ بغير خلاف"[20]،
وقال ابنُ المنذر: " أجمعوا على أن المُسلِف إذا شَرَط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا "[21].
وقد يقول قائل إنَّ إعطاء الجوائز على هذه الحسابات من قبيل باب حُسن القضاء في القرض، فإنه يجوز للمستقرض أن يُرجع القرض للمقرِض وأن يزيده على مبلغ القرض من غير شرط، ولكن هذا بعيد، لأنَّ المصارف تعلن مسبقاً عن هذه الجوائز أو في أثناء وجود الحساب، مما يشجع المودِعين على إبقاء حساباتهم من أجل هذه الجوائز، وهذا هو عين الربا.
ب- الحسابات الاستثمارية:
المراد من الحسابات الاستثمارية هي الودائع التي يقبلها المصرف الإسلامي من المودِعين على أساس أنها مضاربة تخضع للربح والخسارة[22]، فالمصرف هنا يعتبر مضارِباً، والمودِع يعتبر رب المال؛ وتوزع الأرباح حسب الاتفاق بينهما.
وهذه الحسابات إما أن تكون على صورة حساب توفير بحيث يمكن للمودِع أن يسحب من حسابه ما يشاء في أي وقت شاء، أو على صورة وديعة إلى أجل بحيث لا يمكن للمودِع أن يسحب شيئاً حتى انتهاء الأجل المتفق عليه، وفي كلا الحالين فإنَّ المصرف يستثمر هذه الأموال بما يرى في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
يتضح مما سبق أنه لو أعطى المصرف الجوائز للمودِعين، فكأنما أعطى المضاربُ الجائزةَ لرب المال، وهذه الصورة لا حرج فيها، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ولكن لا يجوز إخراج تلك الجوائز من الأرباح العامة للمصرف، لأن للمودِعين والمستثمرين الحقَّ في هذه الأموال، إنما تكون من أموال المساهمين في رأس مال المصرف.
وقد أصدرت ندوة البركة قراراً بهذا الشأن، جاء فيه: " يجوز تقديم البنك جوائز إلى أصحاب حسابات الاستثمار، لأنَّ أرصدة هذه الحسابات مملوكة لأصحابها، والبنك مضارب لهم فيها بحصته من الربح، على ألا يؤدي منح هذه الجوائز إلى ضمان رأسمال المضاربة أو أي جزء منها كما في حالة حدوث خسارة، وذلك لأن ضمان المضارب لرأسمال المضاربة لا يجوز شرعاً، على أن يكون دفع هذه الجوائز من أموال البنك لا من أرباح حسابات الاستثمار، لأن المضارب ليس له التبرع من أموال المضاربة"[23].
ثانياً: الجوائز على استخدام الصراف الآلي:
تقوم بعض المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز للمتعاملين معها من خلال استخدام الصراف الآلي التابع لها بغض النظر عن نوع الحساب الذي بين المصرف وبين العميل.
وحكم هذه الجوائز الإباحة، لأنها تعتبر من باب الترويج والتسويق لهذا المصرف، ولا يوجد ما يمنع منها شرعاً، إلا إذا اشترط المصرف مبلغاً لقاء الحصول على هذه الجوائز، فحينئذٍ تصبح محرَّمة لأن ذلك يُعد من القمار.
وقد ورد حكم الجوائز على استخدام الصراف الآلي ضمن قرارات ندوة البركة الثالثة والعشرين أيضاً،
حيث توصلوا إلى أنه: لا مانع شرعاً من تقديم جوائز عن طريق السحب العشوائي " القرعة " لبعض المتعاملين مع البنك الذين يسحبون مبالغ محدَّدة من الصراف الآلي خلال مدة معينة وذلك بشرطين:
أولهما: ألا يدفع الداخلون في السحب أو يحسم من حساباتهم أي مبالغ مقابل الاشتراك في السحب، لأن ذلك يعد قماراً.
ثانيهما: ألا تزيد عمولة السحب خلال المدة التي يتم السحب خلالها عن العمولة العادية[24].
ومما يُلحق بالجوائز المقدَّمة على استخدام الصراف الآلي الجوائز الممنوحة على بطاقات الائتمان[25]، فقد بدأت المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز على هذه البطاقات تشجيعاً للناس في اقتنائها، وذلك بإجراء القرعة على أرقام البطاقات الائتمانية المسلَّمة إلى العملاء، ومن ثمَّ اختيار عدد محدد منهم وتقديم الجوائز لهم[26].
والكلام على حكم هذه الجوائز مرتبط بالعلاقة بين المصرف وحامل البطاقة.
وقد تضمنت قرارات ندوة البركة-أيضاً- الحكم على هذه الجوائز، فقد جاء فيها فيما يتعلق بالجوائز على بطاقات الائتمان ما يلي:
"قد تُمنح هذه الجوائز لكل من يستخدم البطاقات الصادرة للمتعاملين مع المؤسسات، وقد تمنح حامل البطاقة جوائز بمقدار مجموع النقاط التي يحصل عليها خلال مدة معينة، وقد تمنح الجوائز بطريقة القرعة بين الذين استخدموا البطاقة في المشتريات بمبلغ معين، وقد تكون الجوائز نقدية أو عينية أو اشتراكات مجانية في بعض الخدمات.
حكم هذه الجوائز يرتبط بالصفة الشرعية للعلاقة بين مصدر البطاقة، فعلى القول بأنها حوالة فإن مصدر البطاقة هو الدائن لحاملها، فتكون الجائزة من المقرِض إلى المقترض، وهذه جائزة، لأنَّ الممنوع هو العكس، وعلى القول بأنها كفالة، فمصدر البطاقة هو الكفيل فتكون الجائزة على هذه الصفة من الكفيل للمكفول ولا حرج في ذلك شرعاً، إذ الممنوع هو العكس"[27].
يُتبع إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار جوائز المسابقات والجوائز الترويحية، حيث أخذتْ حيزاً كبيراً في حياة الناس ومعاشهم بشكل لم يُسبق إليه من قبل، لا سيما في مواسم الطاعات والعبادات كما في شهر رمضان المبارك، إلى درجة أنَّ كثيراً من الناس قد تنشغل قلوبهم بآمال الفوز بإحدى تلك الجوائز والتي قد تكون ذات قيمة كبيرة، في الوقت الذي ينبغي على المسلم أن ينصرف في هذا الموسم إلى الحصاد الأخروي بدلاً من الزائل الدنيوي.
ولما كان الأمر واقعاً في عصرنا الحاضر وجب بيان الحكم الشرعي فيما يتعلق بتلك الجوائز، خاصة مع كثرة تنوع الجوائز وتعدد أشكالها، وأيضاً ما يصاحب ذلك من استفتاءات الناس واستعلامهم عن الحكم الشرعي.
يمكن تصنيف صور الجوائز المعاصرة لا سيما التي تُطرح في شهر رمضان إلى الأنواع التالية:
أولاً: الجوائز العلمية والثقافية:
وهي ما تقوم به المؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث والجمعيات الخيرية من إجراء مسابقات علمية وثقافية، ثم تقوم بتوزيع الجوائز على الفائزين، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
جوائز المسابقات القرآنية والعلوم الشرعية:
حيث تقوم كثير من الجمعيات الخيرية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم بإجراء مسابقات حفظ القرآن الكريم وتجويده ومعرفة معانيه، كذلك تجري مسابقات في شتى العلوم الشرعية من فقه وتوحيد وتفسير إلى غيرها من العلوم النافعة والمطلوبة.
وهذه المسابقات منتشرة بشكل كبير، حيث لا توجد جمعية خيرية أو مركز لتحفيظ القرآن أو حتى كثير من الأندية الرياضية إلا تقوم بالإعلان عن مثل هذه المسابقات.
الجوائز الثقافية في الصحف والمجلات:
تنشر معظمُ الصحف والجرائد والمجلات مسابقاتٍ ثقافية وعلمية على صفحاتها، وذلك بالإعلان عن مسابقة ثقافية تتضمن سؤالاً أو عدة أسئلة حول أي موضوع، وتشترط للمشاركة في المسابقة الإجابة عن السؤال في المكان المخصص والذي يُسمى بقسيمة المسابقة، بحيث تكون القسيمة أصلية غير مُصوَّرة، ثم تقوم بجمع القسائم وفرزها، وتُستبعد الإجابات الخاطئة، ثم تقوم باختيار الفائزين عن طريق القرعة.
هذه هي الصورة الغالبة التي تجريها الجرائد والمجلات.
جوائز المسابقات في القنوات الفضائية:
بعدما غزتْنا الفضائياتُ من كل صوبٍ وحدب، وأصبحت تدخل كل بيت ويشاهدها الملايين من البشر، انتشرت معها ما يُسمى بالمسابقات التلفزيونية، حيث تَطرح القناةُ مسابقة ثقافية معينة، سواء اشترطت حضور المتسابقين إلى القناة لإجراء المسابقة بينهم، أو اكتفت بعرض الأسئلة على المشاهدين بشكل عام، وحتى تتم المشاركة في المسابقة تطلب القناة من الراغبين في المشاركة بالاتصال بها أو بإرسال رسالة نصية، كي يجيب المتسابق عن السؤال المطروح، مع الإشارة بأن قيمة الاتصال بالقناة تزيد على التعرفة المعهودة.
ثم أخذت هذه القنوات بالتنافس في إبداع هذه المسابقات وابتكارها لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين[1].
حكم جوائز المسابقات العلمية والثقافية:
إجراء المسابقات العلمية والثقافية مشروع في الجملة، بل قد يقال إنَّ أول من أجرى مسابقة ثقافية هو رسولُنا - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدِّثوني ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟، قال: هي النخلة)[2].
وقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- لهذا الحديث باباً بعنوان: (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم)[3].
قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه للحديث: "وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغِّبهم في الفكر والاعتناء، وفيه ضرب الأمثال والأشباه"[4].
وقد نُقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه كان يُلقي المسألة على ابنه أبي عثمان[5] وتلميذه الحُميدي[6]، ويقول: مَن أصاب منكم فله دينار[7].
فالمسابقة العلمية والثقافية من الأمور التي رغَّب فيها الشارع، لما فيها من النفع والخير وتنشيط العقول وإذكاء الهمم.
الحكم الشرعي إذاً هو جواز إقامة المسابقات العلمية والثقافية والتشجيع عليها بالجوائز القيمة، وهو مذهب الحنفية[8]
واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم[9]،
إلا أنه ينبغي مراعاة الضوابط التالية عند إجراء المسابقات العلمية والمشاركة فيها:
•أن يكون موضوع أسئلة المسابقة من الأمور المفيدة والنافعة، لا أن تكون أسئلةً عن الفن المبتذل كالأفلام الهابطة والأغاني التافهة وغيرها من الموضوعات التي لا تعود بالنفع على الناس.
• من الضوابط المهمة والتي تصلح أن تكون قاعدة في موضوع الجوائز، أنَّ كل مسابقة تكون جوائزها من أموال المتسابقين أنفسهم فهي من القمار المحرَّم، وقد أشكل ذلك على البعض حكم المسابقات التي تجريها الصحف والمجلات، فإنَّ المتسابق يدفع مالاً وذلك عندما يقوم بدفع قيمة الصحيفة أو المجلة حتى يتمكن من المشاركة في المسابقة،
فهل يدخل ذلك في القمار؟
وفي المسألة تفصيل:
يُنظر في قصد المشارك في المسابقة عندما اشترى الصحيفة، هل كان قاصداً الانتفاع بالصحيفة وقراءتها، أو كان قاصداً المسابقة ذاتها؟
فإن كان قاصداً الانتفاع بالصحيفة، ويُعرف ذلك بالقرائن كمداومته على شراء الصحيفة يومياً أو كان لديه اشتراك سنوي مع الصحيفة، فعندئذٍ لا حرج عليه بالمشاركة في المسابقة، وفي حالة فوزه بالجائزة يجوز له أخذها، وأما المال الذي دفعه للصحيفة، فهو في مقابل شيءٍ ذي قيمة وفائدة، إذ ينتفع بما يُنشر في الصحيفة من أخبار ومقالات وإعلانات، فبذلك تزول شبهة القمار.
وأما إن كان قاصداً بشراء الصحيفة الاشتراك في المسابقة والحصول على الجائزة، فلا شك أنَّ هذا داخل في القمار، والمال الذي دفعه إنما أنفقه في حرام، وإن فاز في المسابقة وحصل على الجائزة، فالجائزة عليه محرمة.
ومن خلال الضابط السابق يمكننا الحكم على المسابقات الثقافية التي تطرحها القنوات الفضائية، فإنهم إن اشترطوا الاتصال للمشاركة في المسابقة، فيُنظر فيما يلي:
إن كان سعر الاتصال هو ما حددته شركة الاتصالات من غير زيادة في التكلفة، وعُلِم أنه لا اتفاقَ بين المنظِّمين للمسابقة وبين شركة الاتصال على أن يكون المال الوارد من المكالمات بينهما، ففي هذه الحالة لا حرج من المشاركة في المسابقة، ويكون المال الذي دَفَعَه من خلال إجراء المكالمة هو كالأجرة التي يدفعها المتسابق لمن يوصله إلى مكان السِّباق.
أما إن زيد في سعر الاتصال وهذا ما يحدث غالباً، فالحكم أن المسابقة قمارٌ قطعاً وبلا شك، ولا يجوز للمسلم أن يشارك فيها[10].
• من الضوابط كذلك أنه عند إجراء المسابقة الثقافية ينبغي البعد عن طرح الأسئلة الموهمة والصعبة والتي قد تسبب إشكالاً واضطراباً لدى المتسابقين والمشاهدين، ويُطلِق العلماءُ على مثل هذا بالأغلوطات، وقد ورد النهي عنها،
فعن معاوية - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغَلوطات (وفي رواية الأغلوطات)[11]،
ويُفسِّر الإمامُ الأوزاعي - وهو أحد رواة الحديث - الغَلوطات بأنها: شداد المسائل وصعابها[12]، قال الخطَّابي: " أراد المسائلَ التي يُغالَط بها العلـماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وإنما نهى عنها لأنها غير نافعة في الدين ولا تكاد تكون إلا فيما لا يقع "[13].
وقال ابن حجر: " ثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جداً، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن "[14].
ثانياً: جوائز المصارف والبنوك:
حَذَتْ المصارفُ والبنوك حَذْوَ التجار وأصحاب المحلات التجارية وغيرها في طرح الجوائز لاستقطاب الزبائن إليها، فبادرت بتقديم الجوائز لعملائها والمتعاملين معها.
ومع ازدهار البديل الإسلامي للبنوك التقليدية (الربوية) فينبغي التأكيد على أنَّ التعامل مع البنوك غير الإسلامية لا يجوز سواءً فيما يتعلق بموضوع الجوائز أو بكافة التعاملات المصرفية الأخرى، ويكفي في ذلك قوله عز وجل: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ** [المائدة: 2].
وبالتالي فإنَّ البحث سينصب على حكم جوائز المصارف الإسلامية دون التقليدية (الربوية)، وذلك فيما يلي:
الجوائز التي تقدِّمها المصارف الإسلامية قد تكون في الغالب عبارة عن تحمل نفقات حج أو عمرة، أو أحياناً جوائز نقدية أو عينية أو غيرها.
والفقهاء المعاصرون وخاصة أعضاء لجان الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لم يتفقوا على جواز إعطاء هذه الجوائز، واختلفوا على رأيين:
الأول: يرى أنه لا مانع من تقديم الجوائز لعملاء البنك، وأنَّ ذلك يُعد تشجيعاً من البنك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعي[15].
الثاني: أنَّ تقديم الجوائز والترويج لها من قِبَلِ المصرف الإسلامي يُعد تقليداً للغرب وللبنوك الربوية، ويؤدي إلى التكاسل عن العمل على أمل الحصول على كسب دون جهد، وهذا مخالف لروح الإسلام الذي يحثُ على الإقبال على العمل والكسب من عمل اليد[16].
ومن خلال القولين أجد أنَّ الرأي الأول القائل بعدم الممانعة من تقديم تلك الجوائز هو الأرجح لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ويمكن الرَّدُّ على المانعين أنه ليس كلُ تقليدٍ للغرب ممنوعاً في الشرع، بل إنَّ الاستفادة مما توصلوا إليه في سائر المجالات جائز من حيث الأصل، ما لم يتعارض ذلك بدليل شرعي، ولا يخفى أنَّ الأصل في المعاملات الإباحة[17].
ولا بد للمصارف أن تبتكر مثل هذه الأمور لكي يتزايد إقبال الناس عليها.
كيفية تقديم الجوائز في المصارف الإسلامية:
الجوائز التي تُطرح من قِبَل المصارف الإسلامية - على رأي المجوِّزين - إما أن تكـون على الحسابات أو على استخدام الصراف الآلي، ولكلٍ حكمها فيما يلي:
أولاً: الجوائز على الحسابات:
الحسابات إمَّا أن تكون جارية أو استثمارية، ولمعرفة حكم الجوائز على هذه الحسابات لا بد من معرفة حقيقةِ كلٍ منها:
أ- الحسابات الجارية:
التكييف الشرعي للحسابات الجارية أنها قروض مضمونة يحق للبنك التصرف فيها، ويقوم بردها عند الطلب ولو لم ينص على ذلك[18].
إذاً فالحساب الجاري يُعدُّ قرضاً حسناً من غير فائدة مقدَّمٌ من المودِع إلى المصرِف.
وعلى ضوء هذا التكييف فإنَّ الجوائز على هذه الحسابات محرَّمة شرعاً، لأنها زيادة على مبلغ القرض إذا كانت مشروطةً في طلب فتح الحساب، أو أعلنها البنك في أثناء وجود الحساب، أو جرتْ عادة البنك بمنح هذه الجوائز[19]،
وهذا الحكم مبني على القاعدة الشرعية المجمع عليها أنَّ كل قرض جر نفعاً فهو ربا، قال ابنُ قدامة: " كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرامٌ بغير خلاف"[20]،
وقال ابنُ المنذر: " أجمعوا على أن المُسلِف إذا شَرَط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا "[21].
وقد يقول قائل إنَّ إعطاء الجوائز على هذه الحسابات من قبيل باب حُسن القضاء في القرض، فإنه يجوز للمستقرض أن يُرجع القرض للمقرِض وأن يزيده على مبلغ القرض من غير شرط، ولكن هذا بعيد، لأنَّ المصارف تعلن مسبقاً عن هذه الجوائز أو في أثناء وجود الحساب، مما يشجع المودِعين على إبقاء حساباتهم من أجل هذه الجوائز، وهذا هو عين الربا.
ب- الحسابات الاستثمارية:
المراد من الحسابات الاستثمارية هي الودائع التي يقبلها المصرف الإسلامي من المودِعين على أساس أنها مضاربة تخضع للربح والخسارة[22]، فالمصرف هنا يعتبر مضارِباً، والمودِع يعتبر رب المال؛ وتوزع الأرباح حسب الاتفاق بينهما.
وهذه الحسابات إما أن تكون على صورة حساب توفير بحيث يمكن للمودِع أن يسحب من حسابه ما يشاء في أي وقت شاء، أو على صورة وديعة إلى أجل بحيث لا يمكن للمودِع أن يسحب شيئاً حتى انتهاء الأجل المتفق عليه، وفي كلا الحالين فإنَّ المصرف يستثمر هذه الأموال بما يرى في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
يتضح مما سبق أنه لو أعطى المصرف الجوائز للمودِعين، فكأنما أعطى المضاربُ الجائزةَ لرب المال، وهذه الصورة لا حرج فيها، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ولكن لا يجوز إخراج تلك الجوائز من الأرباح العامة للمصرف، لأن للمودِعين والمستثمرين الحقَّ في هذه الأموال، إنما تكون من أموال المساهمين في رأس مال المصرف.
وقد أصدرت ندوة البركة قراراً بهذا الشأن، جاء فيه: " يجوز تقديم البنك جوائز إلى أصحاب حسابات الاستثمار، لأنَّ أرصدة هذه الحسابات مملوكة لأصحابها، والبنك مضارب لهم فيها بحصته من الربح، على ألا يؤدي منح هذه الجوائز إلى ضمان رأسمال المضاربة أو أي جزء منها كما في حالة حدوث خسارة، وذلك لأن ضمان المضارب لرأسمال المضاربة لا يجوز شرعاً، على أن يكون دفع هذه الجوائز من أموال البنك لا من أرباح حسابات الاستثمار، لأن المضارب ليس له التبرع من أموال المضاربة"[23].
ثانياً: الجوائز على استخدام الصراف الآلي:
تقوم بعض المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز للمتعاملين معها من خلال استخدام الصراف الآلي التابع لها بغض النظر عن نوع الحساب الذي بين المصرف وبين العميل.
وحكم هذه الجوائز الإباحة، لأنها تعتبر من باب الترويج والتسويق لهذا المصرف، ولا يوجد ما يمنع منها شرعاً، إلا إذا اشترط المصرف مبلغاً لقاء الحصول على هذه الجوائز، فحينئذٍ تصبح محرَّمة لأن ذلك يُعد من القمار.
وقد ورد حكم الجوائز على استخدام الصراف الآلي ضمن قرارات ندوة البركة الثالثة والعشرين أيضاً،
حيث توصلوا إلى أنه: لا مانع شرعاً من تقديم جوائز عن طريق السحب العشوائي " القرعة " لبعض المتعاملين مع البنك الذين يسحبون مبالغ محدَّدة من الصراف الآلي خلال مدة معينة وذلك بشرطين:
أولهما: ألا يدفع الداخلون في السحب أو يحسم من حساباتهم أي مبالغ مقابل الاشتراك في السحب، لأن ذلك يعد قماراً.
ثانيهما: ألا تزيد عمولة السحب خلال المدة التي يتم السحب خلالها عن العمولة العادية[24].
ومما يُلحق بالجوائز المقدَّمة على استخدام الصراف الآلي الجوائز الممنوحة على بطاقات الائتمان[25]، فقد بدأت المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز على هذه البطاقات تشجيعاً للناس في اقتنائها، وذلك بإجراء القرعة على أرقام البطاقات الائتمانية المسلَّمة إلى العملاء، ومن ثمَّ اختيار عدد محدد منهم وتقديم الجوائز لهم[26].
والكلام على حكم هذه الجوائز مرتبط بالعلاقة بين المصرف وحامل البطاقة.
وقد تضمنت قرارات ندوة البركة-أيضاً- الحكم على هذه الجوائز، فقد جاء فيها فيما يتعلق بالجوائز على بطاقات الائتمان ما يلي:
"قد تُمنح هذه الجوائز لكل من يستخدم البطاقات الصادرة للمتعاملين مع المؤسسات، وقد تمنح حامل البطاقة جوائز بمقدار مجموع النقاط التي يحصل عليها خلال مدة معينة، وقد تمنح الجوائز بطريقة القرعة بين الذين استخدموا البطاقة في المشتريات بمبلغ معين، وقد تكون الجوائز نقدية أو عينية أو اشتراكات مجانية في بعض الخدمات.
حكم هذه الجوائز يرتبط بالصفة الشرعية للعلاقة بين مصدر البطاقة، فعلى القول بأنها حوالة فإن مصدر البطاقة هو الدائن لحاملها، فتكون الجائزة من المقرِض إلى المقترض، وهذه جائزة، لأنَّ الممنوع هو العكس، وعلى القول بأنها كفالة، فمصدر البطاقة هو الكفيل فتكون الجائزة على هذه الصفة من الكفيل للمكفول ولا حرج في ذلك شرعاً، إذ الممنوع هو العكس"[27].
يُتبع إن شاء الله