المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجاوز عن المعسر يتجاوز الله عنك


لقاء
17-12-2008, 09:49 PM
تجاوز عن المعسر يتجاوز الله عنك



السلام عليكم ورحمة الله ,الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه ومنهاجه، وعلى التابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يتصفوا بالصفات الحسنة، بل إنه يجازيهم على ذلك، فعنْ أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ" وفي رواية لمسلم: "قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ". (رواه البخاري ومسلم).



في هذا الحديث يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم-:
قصة تاجر ممن كان قبلنا، و أن هذا الرجل لم يكن يعمل عمل خير قط ، إلا أنه بمخالطته للناس كان يداينهم ، فمن كان منهم معسراً عند السداد كان يأمر فتيانه أن يتجاوزوا عنه،
والتجاوز هذا إما أن يكون بالإعفاء عنهم بالكلية, أو بالتجاوز عن البعض, أو بحسن المقاضاة وهذا كله من باب التيسير، فلما توفاه الله –عز وجل- وأقامه بين يديه سأله يا عبدي هل عملت خيراً قط؟ قال العبد: لا. إلا أنني كنت تاجراً وكنت أداين الناس، وكان لي غلام أو فتيان أبعثهم يتقاضون الدين الذي لي، وكنت قبل أن أبعثهم آمرهم أن يأخذوا ما تيسر وأن يتجاوزوا عن المعسر ، لعل الله أن ينظر إلى عملي هذا فيتجاوز عني، كما أتجاوز عن هؤلاء المعسرين.
فقال الله -عزوجل- وهو أعلم- سبحانه- بما كان يعمل هذا الرجل، نحن أحق بذلك منه وأمر الله ملائكته أن يتجاوزوا عنه ، رحمة من الله وفضل -سبحان وتعالى-.


فالمداينة والإقراض ومساعدة الآخرين والتجاوز عن المعسرين. خصلة حميدة، وصفة كريمة، قل أن تجدها عند تُجار المسلمين اليوم،
فالبعض منهم إذا داين الناس، فأتى وقت السداد ولم يدفع ما عليه، تراه يغضب ويرغد ويزبد، فيُسّمع به الناس وينشر سُمعة ليست طيبة بأن هذا رجل مماطل وأن على الناس أن ينتبهوا له فلا يقرضوه، وهكذا ربما رفع به شكوى إلى المحكمة، وربما يطلب منهم أن يسجنوه، بل بعضهم يصل به الحد إلى أن يضربه أو يهينه فيشتمه ويسبه بين الناس، وهذه الأخلاق موجودة عند بعض تجار المسلمين والميسورين.
فإن لله وإن إليه راجعون!! أين هؤلاء من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم-: "ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة". وحديث : "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ". صحيح مسلم.
هل يريدون أن ييسر الله عليهم في الآخرة, فمن يسر على الناس في الدنيا يسر الله عليه يوم القيامة،
والتيسير على الناس في الدين إما أن يكون "بتأجيل الدين ابتداء أو بعد حلول الأجل الأول أو بتركه أو بالتصديق عليه". (حاشية السندي على ابن ماجه) فما أحوج التجار اليوم والميسورين من أبناء المسلمين إلى أن يتجاوزوا عن المعسرين، وخاصة والظروف الصعبة التي يمر بها أبناء المسلمين من الفقر والجوع، فالواحد منهم في بعض البلدان قد لا يملك قوت يومه هو وأهله فكيف له أن يسدد ما عليه من دين؟! فإذا لم يكن هذا التاجر متصفا بصفة التجاوز و التسامح عن المعسرين فإن هذا المعسر سيقع في محنة عصيبة.


قال ابن حجر رحمه الله: ويدخل في لفظ التجاوز الإنظار والوضعية وحسن التقاضي.(فتح الباري (6 /390).


لا شك أننا حين نقول هذا الكلام ونذكر به لا نحاول إيجاد طريق للناس لأكل حقوق بعضهم البعض ، أو التماس العذر لهم إن ماطلوا مع قدرتهم على الوفاء ، إنما حديثنا عن صنف من الناس استدانوا أو اشتروا بالآجل لكنهم عجزوا عن السداد لفقرهم وضيق ذات اليدوهذا نموذج من عصرنا الحاضر، اتصف بصفة التسامح والإقراض والتجاوز عن المعسرين،
إنه العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله -، فقد ذكر عنه الشيخ علي بن عبد الخالق القرني – حفظه الله - في شريط الرضاب المعسول في جود الرسول، نقلاً عن مدير مكتب الشيخ ابن باز:
أن الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله - كان يقرض الناس ثم يرسل لهم رسائل أنه قد سامحهم في الدين الذي عندهم، قال: وفي ذات يوم أقرض الشيخ ابن باز رجلاً سبع مائة ألف ريال سعودي، وبعد فترة من الزمن كتب الشيخ ابن باز له رسالة يخبره أنه قد عفا عنه وسامحه في هذا المبلغ. فهذه قلوبٌ نديّةٌ ، وأنفسٌ سخيّةٌ ، سخّرها الله – تعالى- لتكون عوناً للفقراء ، وتزول على يدها ملامح البؤس والشقاء، فكان أصحابها كالنهر المتدفّق عطاءً ، يواسون الضعيف ، ويهرعون لنجدته ، ويتجاوزون عن المعسر، ويعينونه على دفع كربته ، أولئك هم خيرة الخلق للخلق، وأحبّ الناس إلى الخالق.


فالله –عز وجل- يجازي على حسب العمل وهذه سنة كونية فالجزاء من جنس العمل، فالله - سبحانه وتعالى- قد تجاوز عن ذلك التاجر لتجاوزه عن الناس، وهكذا يجد كل عامل جزاء عمله، فإن عمل خيراً وجد مثله، وإن عمل شرّاً وجد عاقبة فعله، ومن زرع الشوك لن يجتني العنب.


وهكذا فقد جاء الكتاب والسنة يثبت ذلك, ويبينا أن الجزاء من جنس العمل،
قال تعالى: {جَزَاء وِفَاقًا** أي: وفق أعمالهم، وهذا ثابت شرعاً وقدراً.
وقوله –تعالى-:{هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلَّا الإحسان** (الرحمن:60).
والأحاديث في هذا كثيرة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: "احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ" (سنن الترمذي), وحديث:"مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" (صحيح مسلم.(
وحديث: " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ" (رواه البخاري ومسلم)، وحديث: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) (صحيح مسلم). وغيرها من الأحاديث الدالة على أن الجزاء من جنس العمل.


فتجاوز عن المعسرين أخي الميسور، إما بالمسامحة, أو بالتقاضي الحسن، أو بتأخير الأجل فإن ذلك عمل عظيم يجازيك الله عليه يوم العرض الأكبر، يوم تكون بأشد الحاجة إلى تجاوز الرحمن عنك ، ويوم أن تكون بأشد الحاجة إلى رحمات الله ومغفرته وعفوه.


اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، واجعلنا من الذين ييسرون على المعسرين، وتجاوز عنا يوم الدين يا ربنا يا رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


في حفظ الرحمن
المصدر:http://64.233.183.132/search?q=cache:TlL_7ySKRusJ:www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php%3Flang%3DA%26id%3D144132+%D8%AA%D8%AC% D8%A7%D9%88%D8%B2+%D8%B9%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%85% D8%B9%D8%B3%D8%B1+%D9%8A%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D 8%B2+%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87+%D8%B9%D9%86%D9%83&hl=ar&ct=clnk&cd=1&gl=eg

منذر ادريس
23-12-2008, 05:44 PM
بارك الله فيكم
وجزاكم الله خيرا

لقاء
23-12-2008, 06:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخي الكريم المشفق

سرني مروركم الطيب وتشريفكم لموضوعي المتواضع

الذى أصبح مميزاً بمروركم المشرق

رفع الله قدركم وأنزلكم الفردوس الأعلى

أسامي عابرة
23-12-2008, 07:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أختي الكريمة لقاء

ما شاء الله تبارك الله

موضوع رائع ..وتذكرة طيبة شكر الله لك هذا النقل المبارك ،، نفع الله به

أحسنت أحسن الله إليك


تمنياتي لكم بوافر الصحة والسلامة والرضا والقبول من الله عز وجل

في حفظ الله ورعايته

لقاء
06-01-2009, 01:07 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيكم بارك الرحمن أختي الحبيبة أم سلمى 2

أشكرك على تواجدك ومشاركتك الطيبة

وفقك الله لما يحبه ويرضاة

والملتقى الجنة إن شاء الله

زهراء و الأمل
06-01-2009, 03:01 PM
ماشاء الله لا قوة إلا بالله
بورك فيك يا لقاء
طرح رائع
موضوع مميز
و تذكرة مشرقة
تزيل صدأ متراكم على القلب
فتتلألأ كل زواياه
تذكرة بمعروف و عمل خير عظيم
تجره تذكرة بعمل معروف أعظم
و بهما تهش الحياة في وجه صاحبهما و تبش
إن الدائن عندما يوطن نفسه على السير في هذا الدرب المشرق
يكون قد أهل نفسه لمنزلة عظيمة عند الله سبحانه
أحسن الله إليك يا درة غالية كما فاض احسانك إلينا

لقاء
20-05-2009, 06:07 PM
السلام عليكم ورخمة الله وبركاته


جزاك الله خيراً أختي الغالية زهرة الأمل


سرني مرورك وتنسم عبيرك ...

لقد ازدادت حروفي إشراقا ..وصفاااء ...


سلمت أناملك المبدعة ...وما جادت به من نظم حبات لؤلؤ ...

أضاءت الموضوع ....وأشرقت معها صفحة وجهي ...


رفع الله قدرك وأسكنك الفردوس الأعلى


والملتقى الجنة إن شاء الله

خالد الهنداوي
22-05-2009, 04:02 PM
السلام عليكم موضوع مفيد جدا ومهم نسأل الله ان يتجاوز عن سيئاتنا و سيئات المسلمين جميعا احياء" وامواتا امين

لقاء
22-05-2009, 07:02 PM
نسأل الله ان يتجاوز عن سيئاتنا و سيئات المسلمين جميعا احياء" وامواتا امين

اللهم آمين

جزاكم الله خيراً شيخنا الفاضل خالد الهنداوي

أشكركم على حُسن متابعتكم ..ومروركم الكريم ...

أسأل الله أن يجعلكم من الهداة المهتدين ومن ورثة جنات النعيم