د.عبدالله
12-06-2005, 11:30 AM
كاللص المحترف الذي يحوم حول المنزل باحثا عن أسهل الطرق لاقتحامه، يدور الفيروس حول الخلية البشرية .لتحديد النقطة السهلة التي تمكنه من دخولها. وفي غضون ثوان قليلة، يقتحم هدفه ويحدد النواة ومن ثم يضخ مادته الوراثية في حمضها النووي “دنا”. وبأسرع مما نتوقع، تكون تلك الفيروسات المتكاثرة قد حاصرت تلك الخلية والخلايا المجاورة لها وحولتها إلى مصنع هائل لإنتاج الفيروسات. وعندما تفقد تلك الخلايا القدرة على إنتاج ما يكفي من البروتينات التي تبقيها على قيد الحياة، تبدأ بالموت واحدة تلو الأخرى .
وهذا بالضبط هو المصير الذي يتمنى الدكتور ستيفن روسيل في “مايو كلينيك” بولاية مينوسوتا، أن يكون من نصيب الخلايا السرطانية. يعمل روسيل، أخصائي الأورام السرطانية، كل ما بوسعه لمساعدة هؤلاء اللصوص في مشروعهم، حيث قام بتزويد تلك الفيروسات بتعليمات تفصيلية تمكنها من رصد الخلايا المستهدفة وتزويدها بمفاتيح بروتينية مصممة خصيصا لتسريع عملية اقتحامها. وبالنسبة للخبير، فإن هذه الفيروسات مفيدة باعتبار أنها تهاجم وتدمر الخلايا السرطانية في الأورام السريعة النمو.
وتخضع الجراثيم الضارة، داخل مختبرات علمية كهذه في مختلف أنحاء العالم، لعملية إعادة تأهيل كبيرة حيث يتم تحويلها من فيروسات أو بكتيريا مهددة للحياة إلى عناصر علاجية منقذة للحياة. وباستخدام أدوات البيولوجيا الجزيئية، يعكف خبراء من أمثال روسيل، على التلاعب بالميكروبات الشائعة وتمويهها، بحيث تؤدي أعمالا نافعة بدلا من الضارة. فالمعروف أن ما من شيء أفضل وأقدر من الفيروسات على اختراق دفاعات نظام المناعة واقتحام الخلايا. وما من شيء أفضل وأقدر من البكتيريا على إنتاج التوكسينات التي تدمر الخلايا من الداخل. ويقول روسيل: “باستطاعتنا أن نجعل من هذه الكائنات الدقيقة، عناصر مضادة للسرطان من خلال ترويض قوتها التدميرية.
ومن أبرز مؤيدي هذه الاستراتيجية هم الأطباء المختصون في علاج أمراض الحساسية والأمراض المعدية. وتتلخص الفكرة في تعريض المريض لكمية صغيرة من الميكروبات التي تم إضعافها جزئيا، بهدف تعزيز أنظمتهم المناعية. ولكن خبراء السرطان خطوا خطوة أخرى فحولوا الميكروبات إلى أحصنة طروادة تستطيع التسلل إلى الخلايا السرطانية وتدمرها من الداخل. ويقول كينيث كينزلر، خبير الأورام السرطانية في مركز أبحاث السرطان التابع لمستشفى جونز هوبكنز بولاية ماريلاند والذي يجري دراسات على نوع من فئة “المِطَثِّيات”: “ستكون هذه الميكروبات جزءا اساسيا من ترسانة الاسلحة العلاجية في المستقبل، ونحن نراهن عليها كثيرا”.
وحتى فترة غير بعيدة، لم يكن ينظر إلى هذا الرهان على انه رهان ذكي. ففكرة ترويض الميكروبات لتنفيذ أوامر الأطباء انتعشت في ستينات القرن العشرين خلال المرحلة الأولى من ثورة علوم الجينات. فقد وضع العلماء خططا عظيمة لعلاج الأمراض من خلال إضافة أو إزالة جينات بكتيرية أو فيروسية. وباعتبار أنها بارعة في اقتحام الخلايا، بدت العناصر الناقلة للعدوى عربات مثالية لتوصيل العقاقير. وقد تمت معالجة عدد من مرضى السرطان بفيروسات تجريبية معدلة وراثيا، وقد شهد بعضهم تراجعا في حجم الورم. بيد أن في كثير من الأحيان، كان العلماء يفقدون السيطرة على تلك الكائنات الدقيقة. وتذكر روسيل قائلا: “لم يكن باستطاعة المهندسين آنذاك تعديل تلك الكائنات بحيث يصبح عملها أكثر دقة وتخصصا. فقد كان هناك ثمن يجب أن يدفع. لقد عولجت الأورام ولكن المريض مات”.
وبعد ذلك بأربعين عاما، بات العلماء يعرفون أكثر عن الجينات والبروتينات وكيفية توجيه الميكروبات ودفعهم إلى استيطان نوع واحد من الخلايا، مثل خلايا سرطان المبيض، أو أورام الحنجرة. كما تعلموا كيفية تزويد الميكروبات أجهزة التعقب مما يضمن ذهاب هذا الكائن لدى تحريره، إلى المكان المعني كي لا يحيد عن المهمة العلاجية الموكلة إليه.
ويقول العلماء إن الحليف الميكروبي المثالي هو الذي يصيب الإنسان أساسا ويمكن السيطرة عليه بسهولة بالمضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات فيما لو حاد عن الطريق. وعليه، يميل روسيل في أبحاثه إلى استخدام فيروس الحصبة تحديدا، هذه السلالة الفيروسية المعدلة المستخدمة منذ أكثر من 5 عقود في لقاحات الحصبة. وقد أظهر هذا الفيروس المستضعف إعجابا خاصا بالأورام حيث يغويه بروتين يوجد بوفرة على سطح الخلايا الخبيثة.
وفي إطار التجارب المتواصلة على المصابات بسرطان المبيض، قام روسيل وفريقه بإنتاج فيروس حصبة يمكنه إنتاج كمية كبيرة من بروتين يوجد في الدم، مما يتيح للباحثين قياس مستوى أداء الفيروس. ولكن النتائج النهائية لهذه الاستراتيجية لن تتضح قبل مضي عام على الأقل. وقد طور روسيل وزملاؤه فيروس حصبة يستطيع رصد طفرة جينية توجد غالبا في خلايا الأورام الدماغية ولا توجد أبدا في الخلايا الدماغية الطبيعية.
وبالطبع، يجب على الفيروس أن يصل إلى هدفه لتدميره، وهذا يعني أن عليه أن يتخطى دفاعات خصم قوي وهو نظام المناعة. ويقول روسيل: “ الدم بيئة عدائية بالنسبة للفيروسات، ولذلك فإن اللعبة تتلخص في مناورة الدفاعات المناعية لعدة ساعات ومنح الفيروسات الوقت الكافي قبل أن يتدخل نظام المناعة لكبحها. وعليه، يعكف الفريق على تطوير أسلوبين مختلفين، يتمثل الأول في تشتيت انتباه نظام المناعة لفترة مؤقتة بعقاقير مثبطة لها، ويتمثل الثاني في تغليف الفيروس بغطاء بروتيني واق لتمويهه وجعله غير مرئي بالنسبة للخلايا المناعية.
وهناك طرق علاجية أخرى للسرطان تقوم على استثمار استجابة الجسم الطبيعية للغزاة. وفي هذا السياق، وضع العلماء في مركز تكساس للأبحاث ببالهم المساعدة التي يمكن أن يقدمها فيروس “إبستاين-بار”. والمعروف أن 95% من السكان يحملون هذا الميكروب الحميد الذي يعزل نفسه في خلايا نظام المناعة البائية. وعلى غرار الفيروسات المرتبطة بخلايا معينة، لا يبقى فيروس “إيستاين-بار” هاجعا لفترة طويلة، بل يبدأ بالانقسام بكثرة ليتشكل قطيع فيروسي منفلت من عقاله. ولكن بخلاف العديد من الفيروسات الأخرى، تستطيع الخلايا المناعية التائية الفتاكة القضاء على فيروسات “إيستاين-بار” بسرعة.
ويتساءل الخبراء في مركز تكساس ما إذا بإمكانهم استغلال النظام الدفاعي الحالي واستخدام الخلايا التائية المتحولة كصفارة إنذار للسرطان. فمن خلال تزويد الخلايا البائية المحتوية على فيروس “إيستاين-بار” ببروتينات خاصة ببعض أنواع السرطان، يصبح باستطاعتهم تنمية خلايا تائية قاتلة في المختبر مدربة على مكافحة تلك الخلايا البائية المتخصصة. وعندها ستكون الخلايا التائية قادرة على تحديد ومن ثم تدمير الخلايا السرطانية كما لو أنها خلايا أخرى محتوية على الفيروس.
ولكي يتحقق ذلك، احتاج الخبراء إلى كميات كبيرة من فيروسات إيستاين-بار، ولم يكن ذلك يشكل مشكلة باعتبار أن الخلايا المصابة بالفيروس تنمو بكثرة في المستنبت، كما تقول كليونا روني، خبيرة علوم المناعة في مركز تكساس الطبي. وقامت روني وفريقها بتعديل الخلايا المصابة بفيروس إيستاين-بار بحيث تصبح قادرة على إنتاج بروتين مشترك بين ثلاثة أنواع من السرطانات، شكل خطير من سرطان الحنجرة ومرض هودجكينز ولمفوما لا هودجكينز وهما سرطانان من سرطانات النظام اللمفاوي. وباستخدام مستنبتات مخبرية من تلك الخلايا لكل مريض على حدة، أضافت الخبيرة خلايا تائية مأخوذة من كل مريض على حدة واختارت فقط الخلايا التي تستهدف البروتينات الفيروسية والسرطانية. ومن ثم تمت إعادة تلك الخلايا التائية المتخصصة إلى أجسام المرضى لمنح أنظمتهم الدفاعية قوة معززة. وتقول الخبيرة: “لقد لاحظنا بعض التراجع لدى مجموعات المرضى الثلاث. ونعكف الآن على تطوير طرق لجعل طريقتنا الجديدة أكثر فعالية وفائدة لأنواع أخرى من السرطانات”.
وهناك كائنات أخرى غير الفيروسات تتم إعادة تأهيلها للقيام بأعمال نافعة. فعلى خطى ملايين المناصرين لحقن البوتوكس الذين استفادوا من حقن أجسامهم بواحد من اخطر السموم في العالم وهو بكتير “بوتولينوم”، يعكف العلماء في “جونز هوبكنز” على دراسة هذا الكائن الدقيق وقاموا بمطابقة إحدى السمات الفريدة للبكتير - قدرته على العيش في ظروف مستوى الأكسجين فيها منخفض- مع إحدى خصائص أكثر الأورام السرطانية خطورة وهي القدرة على مواصلة الانقسام في ظروف نسبة الأكسجين فيها قليلة جداً أو ربما معدومة. وتتلخص الفكرة من استخدام البكتيريا أو الفيروسات علاجيا كما يقول كينزلر: “ في استثمار خاصية فريدة للخلية السرطانية”. وقام كينزلر وزميله بيرت فوجيلستاين بتعديل البكتير المعني بحيث يتكاثر في المناطق العميقة من الورم التي تفتقر إلى الأكسجين. فعندما يصل البكتير إلى المكان المعني، يقوم بتحرير سمومه الطبيعية لتبدأ بسرعة عملية تآكل الورم الخبيث. واستطاع العلماء حتى الآن، اختبار طريقتهم الجديدة على الفئران فقط وكانت النتائج مثيرة للاهتمام.
وهناك محاولات أخرى مشابهة تتعلق بميكروبات وأمراض أخرى. وقد نحتاج في المستقبل إلى جميع تلك الميكروبات، إذا ما تبين أن “استراتيجية تحويل الكائنات الضارة إلى مفيدة” هي استراتيجية ناجحة كما تشير نتائج الدراسات الأولية .
منقــــــــــــــــــــول ... مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة والعافية .
وهذا بالضبط هو المصير الذي يتمنى الدكتور ستيفن روسيل في “مايو كلينيك” بولاية مينوسوتا، أن يكون من نصيب الخلايا السرطانية. يعمل روسيل، أخصائي الأورام السرطانية، كل ما بوسعه لمساعدة هؤلاء اللصوص في مشروعهم، حيث قام بتزويد تلك الفيروسات بتعليمات تفصيلية تمكنها من رصد الخلايا المستهدفة وتزويدها بمفاتيح بروتينية مصممة خصيصا لتسريع عملية اقتحامها. وبالنسبة للخبير، فإن هذه الفيروسات مفيدة باعتبار أنها تهاجم وتدمر الخلايا السرطانية في الأورام السريعة النمو.
وتخضع الجراثيم الضارة، داخل مختبرات علمية كهذه في مختلف أنحاء العالم، لعملية إعادة تأهيل كبيرة حيث يتم تحويلها من فيروسات أو بكتيريا مهددة للحياة إلى عناصر علاجية منقذة للحياة. وباستخدام أدوات البيولوجيا الجزيئية، يعكف خبراء من أمثال روسيل، على التلاعب بالميكروبات الشائعة وتمويهها، بحيث تؤدي أعمالا نافعة بدلا من الضارة. فالمعروف أن ما من شيء أفضل وأقدر من الفيروسات على اختراق دفاعات نظام المناعة واقتحام الخلايا. وما من شيء أفضل وأقدر من البكتيريا على إنتاج التوكسينات التي تدمر الخلايا من الداخل. ويقول روسيل: “باستطاعتنا أن نجعل من هذه الكائنات الدقيقة، عناصر مضادة للسرطان من خلال ترويض قوتها التدميرية.
ومن أبرز مؤيدي هذه الاستراتيجية هم الأطباء المختصون في علاج أمراض الحساسية والأمراض المعدية. وتتلخص الفكرة في تعريض المريض لكمية صغيرة من الميكروبات التي تم إضعافها جزئيا، بهدف تعزيز أنظمتهم المناعية. ولكن خبراء السرطان خطوا خطوة أخرى فحولوا الميكروبات إلى أحصنة طروادة تستطيع التسلل إلى الخلايا السرطانية وتدمرها من الداخل. ويقول كينيث كينزلر، خبير الأورام السرطانية في مركز أبحاث السرطان التابع لمستشفى جونز هوبكنز بولاية ماريلاند والذي يجري دراسات على نوع من فئة “المِطَثِّيات”: “ستكون هذه الميكروبات جزءا اساسيا من ترسانة الاسلحة العلاجية في المستقبل، ونحن نراهن عليها كثيرا”.
وحتى فترة غير بعيدة، لم يكن ينظر إلى هذا الرهان على انه رهان ذكي. ففكرة ترويض الميكروبات لتنفيذ أوامر الأطباء انتعشت في ستينات القرن العشرين خلال المرحلة الأولى من ثورة علوم الجينات. فقد وضع العلماء خططا عظيمة لعلاج الأمراض من خلال إضافة أو إزالة جينات بكتيرية أو فيروسية. وباعتبار أنها بارعة في اقتحام الخلايا، بدت العناصر الناقلة للعدوى عربات مثالية لتوصيل العقاقير. وقد تمت معالجة عدد من مرضى السرطان بفيروسات تجريبية معدلة وراثيا، وقد شهد بعضهم تراجعا في حجم الورم. بيد أن في كثير من الأحيان، كان العلماء يفقدون السيطرة على تلك الكائنات الدقيقة. وتذكر روسيل قائلا: “لم يكن باستطاعة المهندسين آنذاك تعديل تلك الكائنات بحيث يصبح عملها أكثر دقة وتخصصا. فقد كان هناك ثمن يجب أن يدفع. لقد عولجت الأورام ولكن المريض مات”.
وبعد ذلك بأربعين عاما، بات العلماء يعرفون أكثر عن الجينات والبروتينات وكيفية توجيه الميكروبات ودفعهم إلى استيطان نوع واحد من الخلايا، مثل خلايا سرطان المبيض، أو أورام الحنجرة. كما تعلموا كيفية تزويد الميكروبات أجهزة التعقب مما يضمن ذهاب هذا الكائن لدى تحريره، إلى المكان المعني كي لا يحيد عن المهمة العلاجية الموكلة إليه.
ويقول العلماء إن الحليف الميكروبي المثالي هو الذي يصيب الإنسان أساسا ويمكن السيطرة عليه بسهولة بالمضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات فيما لو حاد عن الطريق. وعليه، يميل روسيل في أبحاثه إلى استخدام فيروس الحصبة تحديدا، هذه السلالة الفيروسية المعدلة المستخدمة منذ أكثر من 5 عقود في لقاحات الحصبة. وقد أظهر هذا الفيروس المستضعف إعجابا خاصا بالأورام حيث يغويه بروتين يوجد بوفرة على سطح الخلايا الخبيثة.
وفي إطار التجارب المتواصلة على المصابات بسرطان المبيض، قام روسيل وفريقه بإنتاج فيروس حصبة يمكنه إنتاج كمية كبيرة من بروتين يوجد في الدم، مما يتيح للباحثين قياس مستوى أداء الفيروس. ولكن النتائج النهائية لهذه الاستراتيجية لن تتضح قبل مضي عام على الأقل. وقد طور روسيل وزملاؤه فيروس حصبة يستطيع رصد طفرة جينية توجد غالبا في خلايا الأورام الدماغية ولا توجد أبدا في الخلايا الدماغية الطبيعية.
وبالطبع، يجب على الفيروس أن يصل إلى هدفه لتدميره، وهذا يعني أن عليه أن يتخطى دفاعات خصم قوي وهو نظام المناعة. ويقول روسيل: “ الدم بيئة عدائية بالنسبة للفيروسات، ولذلك فإن اللعبة تتلخص في مناورة الدفاعات المناعية لعدة ساعات ومنح الفيروسات الوقت الكافي قبل أن يتدخل نظام المناعة لكبحها. وعليه، يعكف الفريق على تطوير أسلوبين مختلفين، يتمثل الأول في تشتيت انتباه نظام المناعة لفترة مؤقتة بعقاقير مثبطة لها، ويتمثل الثاني في تغليف الفيروس بغطاء بروتيني واق لتمويهه وجعله غير مرئي بالنسبة للخلايا المناعية.
وهناك طرق علاجية أخرى للسرطان تقوم على استثمار استجابة الجسم الطبيعية للغزاة. وفي هذا السياق، وضع العلماء في مركز تكساس للأبحاث ببالهم المساعدة التي يمكن أن يقدمها فيروس “إبستاين-بار”. والمعروف أن 95% من السكان يحملون هذا الميكروب الحميد الذي يعزل نفسه في خلايا نظام المناعة البائية. وعلى غرار الفيروسات المرتبطة بخلايا معينة، لا يبقى فيروس “إيستاين-بار” هاجعا لفترة طويلة، بل يبدأ بالانقسام بكثرة ليتشكل قطيع فيروسي منفلت من عقاله. ولكن بخلاف العديد من الفيروسات الأخرى، تستطيع الخلايا المناعية التائية الفتاكة القضاء على فيروسات “إيستاين-بار” بسرعة.
ويتساءل الخبراء في مركز تكساس ما إذا بإمكانهم استغلال النظام الدفاعي الحالي واستخدام الخلايا التائية المتحولة كصفارة إنذار للسرطان. فمن خلال تزويد الخلايا البائية المحتوية على فيروس “إيستاين-بار” ببروتينات خاصة ببعض أنواع السرطان، يصبح باستطاعتهم تنمية خلايا تائية قاتلة في المختبر مدربة على مكافحة تلك الخلايا البائية المتخصصة. وعندها ستكون الخلايا التائية قادرة على تحديد ومن ثم تدمير الخلايا السرطانية كما لو أنها خلايا أخرى محتوية على الفيروس.
ولكي يتحقق ذلك، احتاج الخبراء إلى كميات كبيرة من فيروسات إيستاين-بار، ولم يكن ذلك يشكل مشكلة باعتبار أن الخلايا المصابة بالفيروس تنمو بكثرة في المستنبت، كما تقول كليونا روني، خبيرة علوم المناعة في مركز تكساس الطبي. وقامت روني وفريقها بتعديل الخلايا المصابة بفيروس إيستاين-بار بحيث تصبح قادرة على إنتاج بروتين مشترك بين ثلاثة أنواع من السرطانات، شكل خطير من سرطان الحنجرة ومرض هودجكينز ولمفوما لا هودجكينز وهما سرطانان من سرطانات النظام اللمفاوي. وباستخدام مستنبتات مخبرية من تلك الخلايا لكل مريض على حدة، أضافت الخبيرة خلايا تائية مأخوذة من كل مريض على حدة واختارت فقط الخلايا التي تستهدف البروتينات الفيروسية والسرطانية. ومن ثم تمت إعادة تلك الخلايا التائية المتخصصة إلى أجسام المرضى لمنح أنظمتهم الدفاعية قوة معززة. وتقول الخبيرة: “لقد لاحظنا بعض التراجع لدى مجموعات المرضى الثلاث. ونعكف الآن على تطوير طرق لجعل طريقتنا الجديدة أكثر فعالية وفائدة لأنواع أخرى من السرطانات”.
وهناك كائنات أخرى غير الفيروسات تتم إعادة تأهيلها للقيام بأعمال نافعة. فعلى خطى ملايين المناصرين لحقن البوتوكس الذين استفادوا من حقن أجسامهم بواحد من اخطر السموم في العالم وهو بكتير “بوتولينوم”، يعكف العلماء في “جونز هوبكنز” على دراسة هذا الكائن الدقيق وقاموا بمطابقة إحدى السمات الفريدة للبكتير - قدرته على العيش في ظروف مستوى الأكسجين فيها منخفض- مع إحدى خصائص أكثر الأورام السرطانية خطورة وهي القدرة على مواصلة الانقسام في ظروف نسبة الأكسجين فيها قليلة جداً أو ربما معدومة. وتتلخص الفكرة من استخدام البكتيريا أو الفيروسات علاجيا كما يقول كينزلر: “ في استثمار خاصية فريدة للخلية السرطانية”. وقام كينزلر وزميله بيرت فوجيلستاين بتعديل البكتير المعني بحيث يتكاثر في المناطق العميقة من الورم التي تفتقر إلى الأكسجين. فعندما يصل البكتير إلى المكان المعني، يقوم بتحرير سمومه الطبيعية لتبدأ بسرعة عملية تآكل الورم الخبيث. واستطاع العلماء حتى الآن، اختبار طريقتهم الجديدة على الفئران فقط وكانت النتائج مثيرة للاهتمام.
وهناك محاولات أخرى مشابهة تتعلق بميكروبات وأمراض أخرى. وقد نحتاج في المستقبل إلى جميع تلك الميكروبات، إذا ما تبين أن “استراتيجية تحويل الكائنات الضارة إلى مفيدة” هي استراتيجية ناجحة كما تشير نتائج الدراسات الأولية .
منقــــــــــــــــــــول ... مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة والعافية .