المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جدول المقارنات بين أنواع الرؤى المنامية !!!


جند الله
10-06-2005, 07:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية الرؤى المنامية في علاج المس:
إعلم أن كل ما يراه النائم في منامه، أي (في موضع نومه)( ) على ثلاثة أحوال إما رؤيا من الرحمن، وتتم بواسطة ملك موكل من الله تعالى، وربما جن مسلم صالح، هذا لما في قدرة الجن على ذلك، وحلم من الشيطان، يتم بفعل من الشيطان، وأضغاث أحلام، مما يجول ببال النائم، فعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاثة؛ فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس).( )

ولاستحالة الاطلاع على الغيب، فنأمل بالتزام المريض أن يمن الله تعالى عليه برؤية صالحة تبشر بالشفاء، ولكننا مضطرين إلى اللجوء في التشخيص لدراسة الأحلام، لأنها تتم بفعل الشيطان، وبالتالي فهي تكشف لنا عن الكثير من المعلومات المطلوبة عن شخصيته ومدى قوته، فنتعامل معها بالضد، وخاصة تلك التي تتم في حالة غيبوبة بين النوم واليقظة، وعلى كل حال فلا يمكن أن يركن المعالج إلى دراسة الأحلام والمنامات كليًا كما يفعل السحرة والكهان، لأن الشيطان يتلاعب بالنائم، وعليه فالمعالج لا يترجم (المنامات) ترجمة حرفية ولا يتأولها، ولكنه يتخذ من دلالاتها عامل مساعد في التشخيص، ففيها مؤشرات هامة لا نستطيع بحال إغفالها.

فبدراسة أحلام الشيطان ولماته أي وسوساته نستطيع تبين حقيقة شخصيته، وكشف مخططاته، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ثم قرأ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) الآية،( ) بحيث نحدد صنف الجن وقوته ورتبته، ونتبين مدى تطور الحالة، ونوعه جن عادي أم جن شيطان، مارد أو عفيرت، جن طيار أم عادي، ودينه ساحر أو نصراني أو يهودي أم مجوسي، وجنسه ذكر أم أنثى، وسنه صغير أم كبير، ووظيفته خادم سحر أم ساحر، عاشق أو منتقم، وتحديد مكانته بين أقرانه ملك أو وزير أو راهب، أم شيطان وضيع، إلى آخر ما هنالك من معلومات أخرى هامة، إذا تم دراستها أمكننا الاستغناء عن سؤال الشيطان، وهذا ما يفقده هيبته، ويزعزع ثقته في نفسه، وبالتالي ثقة جنوده وأعوانه فيه، لأنه يتعامل مع معالج يعي قيمة كل كبيرة وصغيرة، ومتمكن من أدواته وعلمه.

(الكابوس):
من علامات المس ما يراه البعض من أشخاصٍ وأشباح، وهذا ما يسمى (الكشف البصري)، وإن جرت العادة أن يتم هذا يقظة، خصوصًا أثناء عقد الجلسات، إلا أنه يتم منامًا، فيرى النائم الجن الصارع ويتفاعل معهم، فيعتدوا عليه ويقاتلهم، فهو نائمًا في الظاهر كما يبدو له، إلا أن ما يراه حقيقة أكثر منه تخييلاً، لأن النائم يكون في حالة غيبوبة أي بين النوم واليقظة، ودرج على تصنيفه ضمن الأحلام الشيطانية ككوابيس، والكابوس في اللغة (ما يقع علـى النائم باللـيل، ويقال: هو مقدمه الصرع)،( ) أي أنه مقدمة الصرع والتخبط الروحي، وليس الصرع العضوي، لأن الصرع العضوي لا يصاحبه رؤى منامية، وليست الكوابيس مقدمة تلبس الجن وتخبطه، بل هو في الواقع حالة تلبس كاملة، فلا نستطيع أن نعده مقدمة للصرع، ولا حلمًا شيطانيًا، وإن كان يتم أثناء النوم في صورة حلم، لأنه نتاج اتصال الجن الماس بالمريض، فتتم الرؤية بحضور الجن على جسد الممسوس منامًا، فيرى المريض نفس ما يراه الجن، وحضور الجن على الجسد أثناء النوم، هو السبب في عدم قدرة النائم على فتح عينيه للتخلص من هذا الكابوس، إلا بصعوبة شديدة جدًا، حيث يحاول التنبه عنوة بمغالبة الشيطان الحاضر على جسده، فينصرف عنه نتيجة هذه المقاومة، فيستيقظ النائم فزعًا نتيجة هذا الصراع المحتدم، فهذا يعد من حالات (الكشف البصري) في أثناء النوم، وليس للشيطان أن يتلعب في مثل هذه الرؤى، إلا بنسب طفيفة، وهذا مما يساعدنا على اكتشاف التطورات التي تحدث للجن، وبالتالي نحصل على معلومات هامة عن مدى تطور الحالة، ومثل هذه الكوابيس المزعجة هي أكثر ما يهم المعالج أن يعرفه.

الجلسات المنامية:
وبناءًا على إدراكنا كيفية حدوث الكوابيس، ، فيجب أن نفرق بين تخييل الشيطان منامًا، وبين حضوره على الجسد، والرؤية من خلاله منامًا، فالحلم الشيطاني تفرض على النائم أحداثه وصراعاته، أما الكابوس فيتفاعل معه النائم لأنه يجمع بين نفس النائم ونفس الشيطان، فيتحكم النائم في مجريات الأحداث ويتفاعل معها، وجدير بالملاحظة أن ليس كل ما يراه النائم في مثل هذه الحالة يعد مفزعًا، ولكن أحيانًا كثيرة جدًا يتم علاج المريض نفسه منامًا ذاتيًا، حيث يقوم المريض بقتل الشياطين بنفسه، وأحيانًا يقوم المعالج بعلاج بعض مرضاه منامًا، وتحقق مثل هذه الجلسات المنامية نجاحًا كبيرًا، وليس للمعالج إرادة في مثل هذا، ولكنها تتم بفضل من الله تعالى، ونصرة للمعالج والمريض على الشيطان، مع ملاحظة أنه يتم في هذه الحالة علاج جزئي مرحلي للمس، ولا يعني هذا أنها تشفى بالكلية، حيث تكون هذه الجلسات المنامية علاجًا لأشد مراحل العلاج صعوبة، وهذا بالفعل ما نكتشفه بعد ذلك أثناء الجلسة، وأن ما تم منامًا كان حقيقة وليس خيالاً، وأننا اجتزنا المرحلة الحرجة بسهولة ويسر، وانتقلنا إلى مرحلة أخرى من مراحل العلاج، لذلك يجب أن يكون المعالج عميق الخبرة بتأويل المنامات، وقادرًا على الفصل بين الأنواع المختلفة مما يراه النائم، وهذا لا يتأتى إلا بعد خبرة مديدة في استعراض ودراسة المنامات، وسوف يكون الأمر سهلاً ميسورًا تدريجيًا، ما تجنبنا العجلة في تأويلها.
ما يعتد به في العلاج من المنامات: إن أضغاث الأحلام وحديث المرء مع نفسه، مما لا حاجة لنا به بمعرفته في العلاج، فهذا يقع في مجال الطب النفسي، وإن كان للمعالج الحق في معرفة هذه المنامات ليقف على الحالة النفسية للمريض حتى يحسن معاملته، خاصة وأن الشيطان له دور كبير ورئيسي في الوصول بالمريض إلى حالة نفسية متردية، قال تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 10].

أما المنامات التي تعنينا فهي مرتبة حسب الأهمية الرؤى الصالحة، والتي يريها الملك أو الجن المسلم الصالح، والكوابيس التي تكون بين النوم واليقظة، وكذلك الأحلام الشيطانية، والتي يكشف لنا فيها عن حقيقة حال الجن الماس ومدى قوتهم، والتي تعد مؤشرًا يدلنا على معدل تطور حالة المريض، ومدى جدوى العلاج، فمثال ذلك قد يرى المريض آثار العذاب على الشياطين، وقد يرى الشياطين يطاردونه، وأنه يقاتلهم ويقاتلونه، وتارة يعتدون عليه، وتارة ينتصر عليهم، وقد يستجد شياطين جدد، فيكتشف المعالج حضورهم فيبدأ في التصدي لهم، لذلك يعمد الشيطان إلى أن ينسي المريض هذه المنامات، فيستيقظ ولا يذكر شيئًا من تفاصيلها، رغم أنه متأكد أنه رأى أحداثًا كثيرة أثناء النوم، لذلك أنصح المريض بأن يخصص كراس خاص به طيلة فترة العلاج، ليسجل فيه ما يراه يوميًا، على أن يضع هذا الكراس مع قلم بجوار فراشه، فإذا ما استيقظ كتب على الفور ما يذكره مختصرًا، ثم يقوم بعرضه على المعالج.

تمييز الأحلام الشيطانية:
وأما الأحلام التي هي من تهويل وتلعب الشيطان بالنائم، والمنهي عن قصها فلا شغف لنا بها إلى حد كبير، لكن في بعض الأحيان يتدخل الشيطان بأحلامه الشيطانية بعد الرؤية مباشرة، ويتم ذلك بمجرد انتهاء عمل الملك الموكل بالرؤية، وهنا يستمر النائم في رؤية ما يخيله الشيطان، فيحدث خلط لدى النائم بين الرؤيا والحلم، فمن الخطأ أن نعد ما أضافه الشيطان جزء من الرؤية، لذلك يجب ان نعلم كيفية تمييز الحلم الشيطاني لنطرحه من مجمل الرؤيا، لأن الشيطان يكون قد علم تأويل الرؤيا، فيتبع الرؤيا ببث حلم ضد تأويلها، وبهذا يكشف الشيطان عن عدة أمور هامة، أولها يكشف لنا عن وجوده وترصده لهذا النائم، وثانيهما يكشف لنا عن تعبيره لهذه الرؤيا وتأويلها، بقلب الضد الذي خيله بعد تمام الرؤية الرحمانية، وهذا يوضح لنا كيف يفكر الشيطان، والأمر الثالث أن الشيطان يسترق السمع، لذلك علم تأويل الرؤية، وهذا يعني أنه شيطان ساحر، وهذا له معاملة خاصة، فهو يحصل على المعلومات الغيبية ناقصة، ثم يكمل الناقص منها من خلال الرؤية التي رآها النائم، فبالجمع بينهما تكتمل المعلومة الغيبية، وفائدة ذلك أن الشيطان سوف يبدأ يعمل ضد تحقيق الرؤيا، وهكذا سوف تعلم مقدمًا الدور الذي سيقوم به الشيطان ضدك، فتبدا في أخذ الحيطة والتدابير ضده،


الفروق بين الرؤى والأحلام وأضغاث الأحلام:
يشكو أكثر الناس من عدم قدرتهم على التمييز بين الرؤى الرحمانية والأحلام الشيطانية، وعليه فهم بجهلهم يتكتمون رؤاهم الصالحة ظنًا منهم أنها أحلامًأ شيطانية، وعلى العكس تمامًا فقد يقصون أحيانًا أحلامهم الشيطانية باعتبارها رؤى رحمانية، فيخالفوا بهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قص الأحلام الشيطانية، فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام)،( ) ويجب على كل مسلم وكل مسلمة إدراك هذه الفروق بين الرؤية وبين الحلم، وأن يحفظوها عن ظهر قلب، لكي نتعلم كيفية تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالانتهاء عن قص الأحلام الشيطانية.


وبالنسبة لمرضى المصابين بألمراض الجنية فهذا الجدول سيساعدهم في التفريق بين هذه الأنواع المختلفة من المنامات، وبين نوع آخر ليس منها، وهو ما يسمى (الكشف البصري المنامي)، ويكون في حالة بين النوم واليقظة، حيث يكشف للمريض أحداثا تتم في عالم الجن، وصراعات تتم بينه وبينهم، وهذا الكشف البصري المنامي يهم المعالج كثيرا التعرف عليه وتحليله، ليقف على المستجدات في مسيرة تطور العلاج.

جدول المقارنات بين أنواع الرؤى المنامية


الرؤى الرحمانيـة .......... الأحلام الشيطانيـة .......... أضغاث الأحـلام
=================================================

1_ رمزية الأحداث. ................................ مباشرة الأحداث. .......... مختلطة بين الرمزية والمباشرة.

2_ لها تأويل وتعبير. ........................ لا تأويل لها. .......... لا تأويل لها.

3_ منطقية ومرتبة في تسلسلها. ............ عشوائية ومتناقضة. .......... منطقية مختلطة الأحداث.

4_ محددة المواضيع، مختصرة . .......... محددة المواضيع، طويلة. .......... مختلطة المواضيع، وكثيرة.

5_ لا تستغرق أكثر من نصف الساعة. .......... تطول مدتها فيأ كثير الأحيان. .......... طويلة وتستيقظ وتعود لتكملها.

6_ طبيعية ويؤتنس إليها. .......... غريبة فيها تهويل وتلعب........... طبيعية وفيها التهويل معًا.

7_ تبدو وكأنها حقيقة. .......... تبدو وكأنها خيالات........... تبدو بين الحقيقية والخيالية معًا.

8_ يغلب عليها الألوان والبياض. .......... يغلب عليها السواد والظلمة.......... مختلطة فيها الألوان والسواد.

9_ لا تتفاعل معها، فلا تتغير المواقف........... تتفاعل معها، فلا تتغير........... تتفاعل معها وتغيرها.

10_ عفيفة لا تخدش الحياء. .......... جنسية وشاذة في أكثر الأحيان........... حسب طباع النائم وميوله الجنسية.

11_ لا يحدث احتلام. ........... قد يحدث احتلام............ قد يحدث احتلام.

12_ ترى في جميع الأوقات........... ترى في جميع الأوقات............ ترى في جميع الأوقات.

13_ يتذكرها النائم مفصلة............ ينساها وتختلط عليه تفاصيلها. ........... يتذكرها وتختلط عليه تفاصيلها.

14_ في المس تشعر بغيظ. ........... في المس تشعر بفرحة أو حزن............ تتغير الأحاسيس بتغير الموقف.

15_ تستيقظ مطمئنًا مرتاح النفس. ........... تستيقظ خائف ومضطرب. ........... تستيقظ مطمئن أو مضطرب.

16_ تستيقظ منشرح الصدر. ........... تستيقظ منقبض الصدر............ تستيقظ مضطرب النفس.

17_ تسيقظ نشيطًا عالي الهمة. ........... تستيقظ خبيث النفس كسلانًا............ تستيقظ حسب مارأيت.

18_ تستيقظ بغير صداع. ........... تستيقظ مثقل الرأس بصداع. ........... تستيقظ مثقل الرأس بلا صداع.

19_ يصورها الملك، أو جن مسلم............يصورها الشيطان، أو جن كافر............ يتخيل المرء ما يحدث به نفسه.

20_ من نسخة أم الكتاب............ من استراق السمع والتنجيم. ........... من حديث النفس.

21_ يتنتفع بها الرائي............ قد تضر إن لم يستعذ بالله منها........... لا تنفع ولا تضر.

22_ مبشرة، منذرة، زاجرة، آمر ونهي.... تلعب وخداع وأوهام. ........... خيالات حالمة وأوهام نفسية.

23_ لا تقص إلا لمعبر ومعالج وحبيب. .... لا تقص، إلا للمعالج فقط. ........... تقص للطبيب النفسي والمعالج.

24_ تتحقق كما أولت. ........... لا يتحقق منها شيء. ........... لا يتحقق منها شيء.

25_ لا تتحق كما رأها إلا الأنبياء............ قد تتحقق كما رآها........... لا يتحقق منها شيء.

26_ لا يؤخذ منها تشريع إلا للأنبياء..... لا يؤخذ منها أحكام شرعية............ لا يؤخذ منها أحكام شرعية.

27_ يرى النبي على صورته........... لا يرى النبي على صورته............ قد يرى النبي على صورته.

28_ تفضح وجود الأسحار............ تستر وجود أسحار. ........... أعراض نفسية لوجود السحر.

29_لا يصنع من خلالها أسحار............ يصنع الشيطان من خلالها أسحارًا. ........... لا يصنع من خلالها أسحار.

30_ يعالج الممسوس من خلالها............ قد يعالج الممسوس من خلالها. ........... قد يعالج الممسوس من خلالها.

=============================================
كتبه: بهاء الدين شلبي
=============================================


وسأقوم بمشيئة الله تعالى بشرح مفصل لهذا الجدول تباعا حسبما يتيسر لي من وقت

وعلى اتم استعداد للإجابة عن أي أسئلة أو توضيح ما أشكل في هذا، عسى أن نستدرك ما فاتنا في الشرح بإذن الله تعالى




.

أبو البراء
10-06-2005, 09:53 AM
بارك الله فيكَ أخي الحبيب ( جند الله ) ، مع تمنياتي لكَ بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

أبو فهد
10-06-2005, 08:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ : سعود الشريم
بتاريخ : 23- 5-1423هـ
والتي تحدث فيها فضيلته عن : الرؤى والأحلام في ميزان الإسلام

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن هذه الدنيا دار ممرّ، وأن الآخرة هي دار القرار، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7، 8].
أيها الناس، إن لبني آدم ولَعاً بالغاً وشغفاً ثائراً فيما يتعلق بالأمور الغيبية، الماضي منها واللاحق، وإنكار هذه الظاهرة ضربٌ من ضروب تجاهل الواقع والنأي عنه. غيرَ أن تراوُحَ هذه الظاهرة صعوداً وهبوطاً يُعدّ مرهوناً بمدى قرب الناس من مشكاة النبوة والشِّرعة الحقة التي أحكمت هذا الباب وأخبر الله من خلالها بقوله: عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ [الجن:26، 27]. ولا غرو حينئذ إذا وجدنا هذه العصور المتأخرة مظِنةً للخلط واللغط بالحديث عن الغيبيات وتوقان النفوس الضعيفة إلى مكاشفتها، ما بين مؤمن بالخرافة وراضٍ بالكهانة وآخرين سادرين في السجع والتخمين يقذفون بالغيب في كل حين، مع أن آيات الله تُتلى عليهم بكرةً وعشياً وفيها قوله تعالى: قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، وتُقرأ عليهم سنة المصطفى وفيها قوله: ((خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34])) رواه الترمذي.
إذاً لا مجال للحديث عن المغيَّبات إلا من خلال ما ذكره لنا ربنا جل وعلا أو ما أوحاه إلى رسوله ، وما عدا ذلك فما هو إلا مجرّدُ تكهُّناتٍ إن لم تكن محورَ أساطير وأوهام، وخليطَ كلام يقذف به مسترقُ السمع من الجن. والإسلام في حقيقته دين يُزيل الخرافةَ من الفكر [والضغينة] من القلب والشرودَ من المسيرة، فالإيمان بالغيب ليس إيماناً بالأوهام ولا هو إيذانا لأنواع الفوضى.
ثم إن الناجين من هذه الظاهرة قد لا يسلمون من تطلُّع آخر يحملهم عليه الشغف ورَوم معرفة الحال اللاحقة، والتي يظنون أن لها ارتباطا وثيقا باستقرار مستقبلهم من عدمه، فاشرأبَّت نفوسهم إلى الوقوف على ذلك في مناماتهم من خلال ما يعتريهم من رؤى وأحلام، ولذا فإن أحدنا قد يلاقي أخاً له أو صديقاً فيراه عبوسا متجهِّما أو فرحا مسرورا، فيزول عنه العجب حينما يعلم أن سببَ هذا الفرح أو الحزن رؤيا مؤنسة أو أخرى مقلقة. وهذا الأمر -عباد الله- ليس قاصراً على أفراد الناس وعامتهم فحسب، بل يشركهم فيه العظماء والكبراء، فكم أقضّت الرؤيا عظيما من مضجعه، وكم بشَّرت الرؤيا أفرادا بمستقبلهم، وكم شغلت شعباً كبيرا برمته، وما رؤيا يوسف عليه السلام بغائبة عنا، ولا رؤيا ملك مصر بخافية علينا، فقد اجتمع فيها تبشير وتحذير من آن واحد، إذ بشارتها هي السَّعة عليهم في الرزق سبعَ سنين، ونذارتها هي في الجدب والقحط سبعًا مثلها.
الرؤى -عباد الله- لها أهميتُها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام، لكنها من خلال نظرات المتعلمين والمثقفين لها قد تتفاوت تفاوتاً كثيراً في اختلاف المرجعية من قبل كل طائفة، فقد أنكرها الفلاسفة، ونسبوا جميع الرؤى إلى الأخلاط التي في الجسد، فرأوا أنها هي التي تحدث انعكاسا مباشرا على نفس الرائي بقدر هيجان الأخلاط التي في جسده. ولبعض علماء النفس موقفٌ سلبي تجاه هذه الرؤى أيضاً، قاربوا فيه قيلَ الفلاسفة فجعلوها خليطا من الأمزجة والرواسب التي تكمُن في ذاكرة الإنسان فيهيّجها المنام، حتى قصروا أمرَها في قالب مادي بيولوجي صِرف كما زعموا.
وأما شريعة الإسلام فإن علماءَها وأئمتَها قد ساروا على منهاج النبوة ووقفوا من الرؤى بما نصَّ عليه الكتاب والسنة، فذهبوا إلى أن الرؤيا المنامية الصالحة الصادقة إنما هي حق من عند الله، فمنها المبشِّرة ومنها المنذرة، لما روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ذهبت النبوة وبقيت المبشرات))، قيل: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له)) وأصل هذا الحديث في البخاري. والتبشير هنا -عباد الله- يحتمل التبشير بالخير والتبشير بالشر كما قال الله تعالى عن الكفار: فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21]. وهذه الرؤيا -عباد الله- هي التي قال عنها الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) الحديث رواه البخاري ومسلم.
وبعدُ يا رعاكم الله، فلقد تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع والفَرَق ونأيُ النفس عن تعلقها بالله وإيمانها بقضائه وقدره وبما كان ويكون وأن شيئا لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، حتى لقد تعلَّقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه من تقدَّمهم في الزمن الأول من السلف الصالح، ثم توسَّعوا فيها، وفي الحديث عنها والاعتماد عليها، إلى أن أصبحت شغلَهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية، إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعافٍ عن السؤال في أمور الدين وما يجب على العبد وما لا يجب، كل ذلك إبان غفلةٍ ووسْنةٍ عما ينبغي أن يقِفه المؤمن تجاهَ هذه الرؤى، وأن هناك هديا نبويا للتعامل معها، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى، ولا يتجاهله فيعيى؛ لأن النبي تركنا على المحجة البيضاء، فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق بها والسعي الدؤوب في معرفة تأويلها، بلْهَ التعلق بها والاعتماد عليها، وما تهافتُ الناسِ في السؤال عنها بهذه الصورة المفرطة إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم والتوازن المتكامل، فتجد أحدَنا يرى الرؤيا أياً كانت فتضطرب لها حواسُّه وترتعد منها فرائصُه وتُحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن عابر لها ليعبرها، حتى يظهر له أشرّ هي أم خير، ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلّق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات فضلاً عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطاب لمشاهديها من خلال هذا الطعم المهوِّع.
ولأجل أن نقف جميعا على صورة مثلى للتعامل مع الرؤى المتكاثرة فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة الناخرة في المجتمع، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: كنت أرى الرؤيا أُعرَى منها -أي: أمرض منها- غير أني لا أزَمَّل حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله يقول: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوّذ بالله من شرها، فإنها لن تضرّه)) ، وفي رواية عند مسلم أيضاً قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث، فما أباليها.
ومن هنا -عباد الله- فما كل ما يراه النائم يُعد من الرؤى التي لها معنى تفسَّر به؛ إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوّع إلا ثلاثة أنواع لا رابع لها، كما عند ابن ماجه في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)).
يقول البغوي رحمه الله: "في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها".
ومثال هذه الأضغاث -عباد الله- ما رواه مسلم في صحيحه أن أعرابياً جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره!! فقال رسول الله للأعرابي: ((لا تحدث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك)).
فأما موقف المرء من هذا النوع من الرؤى وهو الغالب على حال الكثيرين فإنه قد جاء في السنة آداب خاصة به في أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما، وهي التعوذ بالله من شر هذه الرؤيا ومن شر الشيطان، وأن يتفل الرائي حين يهُبّ من نومه ثلاثاً عن يساره، وأن لا يذكرَها لأحد أصلا، وأن يصلي ما كُتب له، وأن يتحوّل من جنبه الذي كان عليه. وزاد بعض أهل العلم قراءةَ آية الكرسي لما صح عن النبي أن من قرأها لا يقربهُ شيطان، وهذا النوع من الرؤى إنما هو من الشيطان، يقول النووي رحمه الله: "وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات، فإن اقتصر على بعضها اجزأه في دفع ضررها بإذن الله كما صرحت بذلك الأحاديث".
وأما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته، كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.
فلا يبقى إلا النوع الثالث وهو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، وهي التي تكون بشارة أو نذارة، وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام. وهذا النوع هو الذي نهى رسول الله أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: ((لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح)) رواه الترمذي.
وما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً وهي التي أرِيَها النبي ثم أُنسيَها أو تلك الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلال بعض الرؤى مثلا أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها، فإن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام ومن الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها في قول جمهور أهل العلم كالشاطبي والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم. وقد ذكر الشاطبي رحمه الله في كتابة الاعتصام أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك: ولِم ذلك -يا أمير المؤمنين- ودمي حرام عليك؟! قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال: هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك: يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام، فنكَّس المهدي رأسه وأشار إليه بيده أن اخرُج، فانصرف. وقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن بعضهم رأى في المنام الشافعيَّ رحمه الله فقال له: كذبَ عليَّ يونس بن عبد الأعلى في حديث، ما هذا من حديثي ولا حدثتُ به، فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذا الكلام: "يونس بن عبد الأعلى من الثقات لا يُطعن فيه بمجرد منام". وقد نقل الذهبي رحمه الله عن المروزي قال: أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال: إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه.
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً.

الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فيا أيها الناس، إن من باب الإنصاف والمصارحة والنصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبُرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين.
فلا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، لا سيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة. فتعبير الرؤى قرين الفتيا وقد قال الملك: يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43]، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
فإذا كان هذا هو قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بمن جاء بعده، إننا لنسمع بالمعبِّر يُسأل عن ألف رؤيا لا تسمع مرةً يقول: لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفس، إلا من رحم ربك.
كما أن على العابرين أن يدركوا خطورةَ تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود، وذلك للأمور التالية:
أولها: أن الانفتاح المطلق بالتعبير نوع فتنة من أجل حديثه في أمور الغيب، لا سيما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسِّر عبر الشاشات.
وثانيها: تعذّر معرفة حال الرائي عبر الشاشات والمجامع من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذِّن، فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ [الحج:27]، وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70]، والشاطبي رحمه الله يقول في مثل هذه الحالة: "فمتى تتعين الصالحة حتى يُحكم بها وتترك غير الصالحة؟!".
وثالثها: عدم إدراك عقول الناس لطريقة بعض العابرين للرؤيا لا سيما عبر الشاشات والمجامع بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهله يقول: هذا تكهّن أو تخمين أو عرافة، ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري في صحيحه قول علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟!)، وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
رابعها: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته، لأمور لا تخفى على متتبِّعها، لا سيما أنها في أمور غيبية وأنها كالفتوى، والسلف الصالح كانوا يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، ناهيكم عن بعض الفساد المتحقق من خلال ما يشاهد ويسمع من تعبير رؤيا لفتاة مثلا بأنها ستفشل في نكاحها أو لامرأة تعبَّر لها بأن زوجها تزوج عليها سرًّا بامرأة أخرى. فما ظنكم بحال الأولى والأخرى، فهذه تترقب الفشل في كل حين مع ضيق نفسها وانشغال بالها، وتلك باهتزاز كيانها والشك في زوجها المرة تلو الأخرى، ناهيكم عمن يرينَ مثل هذه الرؤى، فيكتفين بما سمعنَه من تعبير لغيرهم فيقِسن عليه دون الرجوع إلى عابر عالم اكتفاءً بما سمعنَه أو شاهدنَه، فتكون الطامة حينئذ، وقولوا مثل ذلك فيما يراه الرجال والشباب.
وأما ما يحتج به بعض الناس من أن مسلما روى في صحيحه أن رسول الله كان كثيراً ما يسأل أصحابه بعد الفجر فيقول: ((من رأى منكم رؤيا؟))، فالجواب على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا رسول الله ، وتعبيره حق لا يشوبه شائبة.
الوجه الثاني: أن تعبيره كان في مسجد يحضره عدد ليس كالأعداد التي تعَدُّ بالملايين حينما تشاهد التعبير عبر الشاشات، وما ظنكم بحضور عند رسول الله من الصحابة العقلاء الفضلاء مقارنةً بحضور عند غيره ؟! فأين الثرى من الثريا؟!
الوجه الثالث: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من التابعين أنه كان يفعل في المسجد كما كان النبي يفعل، لا سيما أبو بكر رضي الله عنه، وقد شهد له النبي بأنه عارف بتعبير الرؤى، وهو معدود من المعبرين عند كثير من أهل العلم.
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وراقبوه في السر والعلن، والقصد القصد تفلحوا.
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...

http://www.khotab.net/Makkah/Makkah23-5-1423.htm

أبو البراء
10-06-2005, 09:30 PM
بارك الله فيكَ أخي الحبيب ( معالج متمرس ) ، مع تمنياتي لكَ بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0