إبحث عن:
القائمة الرئيسيه
البدايه
الأقسام

تسجيل الدخول
إسم المستخدم:

كلمة المرور:


تسجيل
هل نسيت كلمة المرور

أقسام الموقع


المقالات الأكثر قرائة
1 الشاب اليافع وكتاب ( شمس المعارف الكبرى ) !!!
2 قصة فتاتنا الخليجية ؟!!!
3 * ضعف جنسي يسببه السحر القوي !!!
4 أرادت أن تمارس الرقية الشرعية !!!
5 الدروس اليومية (36)

قراءة المقاله



الدروس اليومية (17)
كتبت بواسطة: أبو البراء - el 11/02/2004 - 2103 زوار        


الكتاب الثاني

الدروس اليومية في

السلسلة العلمية ـ نحو موسوعة شرعية في علم الرقى (2)
( القول المعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين ـ من بداية صفحة رقم 5 ـ إلى نهاية صفحة رقم 27) .


مقدمة

إن صحة العقيدة وسلامتها واستقامة السلوك ، أهم من صحة الأبدان وعافيتها ، ولا فائدة من صحـة الأبدان إذا فسدت العقيدة وانحرف السلوك ، ولذلك أقدم في هذا الكتاب بعض القواعد والمرتكزات الهامة ، أو لنقل أنها بعض الوصايا القيمة التي تعتبر من صلب عقيدتنا ( منهج سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ) ، وسوف يلاحظ القارئ الكريم من خلال استعراضه لتلك العناوين أنها قطوف متناثرة من هنا وهناك ، لكنها تعتبر في غاية الأهمية لعلاقتها بموضوع الرقية والعلاج وذلك للأسباب التالية :-

1)- لارتباط معظم النقاط التي سوف تطرح تحت هذا العنوان بالعقيدة الإسلامية 0
2)- تندرج بعض النقاط المدونة تحت موضوع " عالم الغيب " ، ومن هنا كان لا بد من فهم هذا العنوان بناء على ما ورد في النصوص القرآنية والحديثية 0
3)- اعطاء القارئ فكرة واضحة جلية تتعلق ببعض الجزئيات
المطروحة تحت عنوان " الرقية والعلاج " فلا تثير الاستغراب أو الدهشة لاحقا ، خاصة بعد معرفة القارئ الكريم بموقف الشريعة الواضح من تلك الأمور الهامة 0
4)- تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لدى القارئ ، وتقديم الإجابات الشافية المتعلقة ببعض المسائل الدقيقة والقضايا المشكلة الخاصة بالرقية الشرعية وذلك من منظور شرعي إسلامي 0
5)- تقديم بعض الجوانب المهمة عن حقيقة الرقية الشرعية ومفهومها وأساسياتها ومنطلقاتها 0
6)- تصحيح بعض الاعتقادات الخاطئة التي قد توقع صاحبها في الكفر أو الشرك أو المعصية بحسب حالها 0

ومن هنا كانت أهمية دراسة كافة النقاط المطروحة في هذا الفصل ، لما توفره للقارئ الكريم من تكوين صورة واقعية حقيقية متحلية بالشريعة وأحكامها ، ومنمقة بالأصول الفقهية التي تضبط وتضع القواعد والأصول للرقية الشرعية ، دونما التخبط والانقياد وراء النزوات والأهواء والشهوات ، أو متابعة ترهات الحاقدين المحسوبين على هذا الدين وأهله ، وأما موضوعات الدراسة فسوف تكون على النحو التالي :-
المبحث الأول : الابتلاء والصبر :- …


إن الله تعالى خلق البشرية ، وأرسل فيها الرسل ، وأنزل الكتب ، ليبين لها طريق الحق والاستقامة ، ويحدد لها المسلك والمنهج ، فمنها من أسلم وأناب وسلك طريق الفوز والنجاة ، ومنها من كفر وجحد وابتعـد عن طريق الله وهدي الرسل ، فخسر وخاب واستحق العقوبة الإلهية 0

ولا شك أن الإنسان يعيش حياته بين صفو وكدر وجملة من الأخطار والأمراض والحوادث ، وقد قرر الشاعر هذه الحقيقة حين قال :

ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى من العيش مـا يصفو وما يتكدر

والله سبحانه جعل الصبر جوادا لا يكبو ، وصارما لا ينبو ، وجندا لا يهزم ، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد ، ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهـم بغير حساب ، وأخبرهم أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقـال تعالى : ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( سورة الأنفال – الآية 46 ) 0
فظفر الصابرون بهذه المعية بخيري الدنيا والآخرة ، وفازوا بها ، وبنعمه الباطنة والظاهرة ، وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى وبقوله اهتدى المهتدون : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِأيَاتِنَا يُوقِنُونَ )0 ( سورة السجدة – الآية 24 ) 0


والمسلم يعيش في الحياة وتعترضه الأخطار والحوادث ، ولا يصيبه منها إلا ما كتب الله له ، وإذا أصابه ما يصيبه فإن ذلك قضاء الله وقدره ولحكمة ربانية اقتضتها الإرادة الإلهية المبنية على علم الله الواسع بأحوال عباده ، وما يقتضيه ذلك العلم من مصالح خاصة وعامة للعباد ، قد تعود المصلحة إلى المصاب نفسه وقد تعود إلى أهله وأوليائه وقد تعود إلى مجتمعه 0 ثم إن الأخطار المحيطة بالإنسان قد تصيبه فيكون ذلك نتيجة قضاء الله وقدره وقد تخطئه فيكون ذلك من دفع الله ولطفه بعبده ، قال تعالى في حق العبد : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ 000 ) 0 ( سورة الرعد – الآية 11 ) 0


قال ابن القيم - رحمه الله - : ( قال بعض الصالحين : يا بني إن المصيبة ما جاءت لتهلكك وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك ، يا بني القدر سبع ، والسبع لا يأكل الميتة ! ) 0 ( زاد المعاد - 4 / 194 ) 0


ولا بد للمسلم أن يعتقد جازما أن طريقه ليس ممهدا ، ولا سهلا ميسرا ، إنما تكتنفه الصعاب ، ويواجه في سيره الكثير من العقبات 0 والابتلاء من الوقفات التي لا بد أن تعترض هذا الطريق ، وأنه لا بد من التمحيص والاختبار ليتبين الصادق من الكاذب ، فكان الابتلاء 0 وفي ذلك يخبر الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) 0 ( سورة العنكبوت – الآية 2 ) 0



وبالعادة يتعرض الإنسان في حياته لمظاهر وأنواع مختلفة من الابتلاء ، فيعيش بين الفرح والحزن ، والغنى والفقر ، والفرج والضيق ، والولادة والموت ، والذي يميز المسلم الحق في سمتـه أن لا يكون جاحدا لنعم الله تعالى ، فيصبر في الضراء ، ويشكر في السراء 0

ولذلك ترى أبناء الدنيا متقلبين فيها ، بين خير وشر ، ونفع وضر ، ولا ترى لهم في أيام الرخاء أنفع من الشكر والثناء ، ولا في أيام المحنة والبلاء أنجع من الصبر والدعاء 0 وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أنه ما من ليل إلا وبعده صباح ، وما من ضيق وشدة إلا وبعده فرج وخير 0
فطوبى ثم طوبى لمن وفق في الحالين للقيام بالواجبين ! وتجد أفضل شيء يفزع إليه من ابتلي بمكروه من شدة أو مرض أو هم أو غم أو أي صارف من صروف الدهر ، قراءة القرآن بتدبر وخشوع ، فإن فيه راحة وطمأنينة وسكينة للنفس الإنسانية 0

ونتيجة لمواكبة الإنسان للظروف والأحداث ، وبنظرة متفحصة متأملة إلى من عاش في الدنيا قديما وحديثا ، تجد تقلب الأحوال ، وتغيرها من حال لحال ، ومعرفة الممتحن لذلك فيه شحذ لبصيرته على الصبر ، وتقوية عزيمته على التسليم إلى مالك كل أمر ، والتفويض إلى من بيده ملك النواصي ، وإذا علم الله سبحانه وتعالى - وهو علام الغيوب - من عبده الممتحن والمبتلى صدق اللجوء إليه ، وانقطاع آماله إلا من عنده ، لم يكله إلى سعيه وجهده ونفسه ، بل ينزل عليه من عنايته وحفظه ورفقه ما تزول به الغمة والشدة ويعيش في أحسن حال 0

ولذلك جاءت الأدلة من الكتاب والسنة تبين الأجر الكبير والثواب العظيم ، الذي أعده الله سبحانه وتعالى للصابرين المحتسبين ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) ( سورة البقرة - الآية 155 - 157 ) 0
وكما ثبت من حديث جابر - رضي الله
عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليودن أهل العافية يوم القيامة ، أن جلودهم قرضت بالمقاريض ( قال صاحب تحفة الأحوذي : أي قطعت في الدنيا بالمقارض - جمع المقراض ، ليجدوا ثوابا كما وجد أهل البلاء ) 0
، مما يرون من ثواب أهل البلاء ) 0 ( أخرجه الترمذي في سننه - كتاب الزهد - ( 45 ) - باب ما جاء في ذهاب البصر - برقم ( 2526 ) ، وقال الألباني حديث حسن ، أنظر صحيح الجامع 5484 ، أنظر صحيح الترمذي 1960 ، السلسلة الصحيحة 2206 ) 0


قال المناوي :( أي يتمنى أهل العافية في الدنيا يوم القيامة قائلين ليت جلودنا كانت قرضت بالمقاريض فلنا الثواب المعطى على البلاء ، " مما يرون من ثواب أهل البلاء " لأن الله سبحانه طهرهم في الدنيا من موادهم الخبيثة بأنواع البلايا والرزايا فلقوه وقد خلصت سبيكة إيمانهم من الخبث في دار الخبث ( يقول الدكتور الشيخ ابراهيم البريكان – حفظه الله – تعقيبا على كلام العلامة المناوي – رحمه الله - : الدنيا ليست دار خبث ولكنها دار عبادة لله وقيام بحقه ) 0
فصلحوا حينئذ لجواره ومساكنته في دار كرامته ، فيصب عليهم فيها الأنعام صبا 0 وأما من لم يتطهر من مواده الخبيثة في دار الخبث فتطهره النار ، إذ حكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في دار كرامته وهو متلطخ بخبائثه 0 ومن تحقق بعلم ذلك انفتح له باب الرضى والتسليم ، ومن ثم قال بعض العارفين لو كشف للمبتلى عن سر سريان الحكمة في البلاء لم يرض إلا به ) 0 ( فيض القدير - 5 / 399 ) 0


وكما ثبت أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة ، في نفسه وولده
وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) 0 ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 2 / 450 ، والترمذي في سننه - كتاب الزهد ( 45 ) - برقم ( 2523 ) ، والحاكم في المستدرك - 1 / 346 ، 4 / 314 ، وأبو نعيـم في الحلية – 7 / 91 ، وابن أبي الدنيـا في " الكفارات " - 69 / 1 - 2 - وفـي الصبر -50 / 1 ، والبزار - ( ص 82 - زوائده ) ، وأبو يعلى - 4 / 1414 ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 5815 ، السلسلة الصحيحة 2280 ) 0

قال المباركفوري :( قوله " ما يزال البلاء بالمؤمن " أي ينزل بالمؤمن الكامل " والمؤمنة " في نفسه وماله وولده " حتى يلقى الله " أي يموت " وما عليه خطيئة " أي وليس عليه سيئة لأنها زالت بسبب البلاء ) 0 ( تحفة الأحوذي - باختصار - 7 / 67 - 68 ) 0


فالرضى بقضاء الله وقدره يقرب إلى الله تعالى ، والصابرون المحتسبون ليس لهم جزاء إلا الجنة ، التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أنه قال : قال تعالى في الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) 0 ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 5 / 334 - متفق عليه - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب بدء الخلق ( 8 ) - برقـم ( 3244 ) – وكتاب التوحيـد ( 35 ) - برقم ( 8498 ) ، ومسلم في صحيحه - كتاب الجنة ( 2 و 5 ) - برقم ( 2824 ، 2825 ) ، والنسائي في السنن الكبرى - 6 / 317 - كتاب التفسير ( 74 ) - برقم ( 11085 ) ، وابن ماجة في سننه - كتاب الزهد ( 39 ) - برقم ( 4328 ) ، أنظر صحيح الجامع 4307 ، صحيح ابن ماجة 3494 ) 0


يقول الشيخ عبدالله الحداد المعالج بالقرآن ورئيس وحدة الإرشاد الصحي بجمعية مكافحة التدخين والسرطان في دولة الكويت تحت عنوان " الإيمان بالقضاء والقدر " : ( لا بد من ترسيخ حقيقة أن ما أصابنا فهو بقدر من الله وهو أرحم الراحمين ، وله حكمة في ذلك ، وإذا تعزز هذا المفهوم في نفس المسلم هانت عليه كل المصائب ، ولا شك في أن الأعراض الناتجة من تأثيرات السحر أو المس أو الحسد هي من ضمن البلايا والمصائب ) 0 ( مجلة الفرحة – العدد ( 42 ) – مارس سنة 200 م ) 0


ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنه ، فسيرته نموذج يقتدى به في الصبر والتحمل ، فقد لاقى الكثير في سبيل الدعوة وتبليغ الرسالة ، وتبعه من بعده الخلفاء الراشدون وتحملوا الكثير من أعباء الدعوة وتبعاتها ، ومنهم
من لقي الله شهيدا محتسبا ، وسيرة الصحابة والتابعين والسلف تزخر بالأعمال العظيمة والتضحيات الكبيرة ، وصبر وتحمل مشاق تقصر عنها خطانا كثيرا ، منافحين ومدافعين عن الكتاب والسنة ، وكانت نظرتهم للدنيا وزخرفها نظرة مودع ، لا مؤمل ، علموا يقينا أن الدنيا وما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، كانوا ينشدون رضا الله سبحانه ، ويسعون للفوز بجنته ، فكانوا من أشد الناس بلاء ، كما ثبت في الحديـث الصحيح عن أخت حذيفة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشد
الناس بلاء الأنبياء الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ) 0( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 1 / 172 ، 174 ، 180 ، 185 - 6 / 369 ، والإمام البخاري في صحيحه - كتاب المرضى ( 3 ) - باب أشد الناس بلاء ، والنسائي في الكبرى - 4 / 352 - كتاب الطب (4) - برقم ( 7481 ) ، وابن ماجة في سننه - كتاب الفتن (23) - برقم ( 4023 ) - واللفظ بنحوه ، والدارمي في سننه - كتاب الرقاق ( 67 ) رواه الطبراني في الكبير ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 994 - أنظر فتح الباري - 10 / 111 ، صحيح ابن ماجة 3249 - السلسلة الصحيحة 145 ) 0


قال المباركفوري : ( قوله " أشد الناس " أي أكثر وأصعب " بلاء " أي محنة ومصيبة " قال الأنبياء " أي هم أشد في الابتلاء لأنهم يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء ، ولأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية ، وليتوهن على الأمة الصبر على البلية 0 ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعا والتجاء إلى الله تعالى " ثم الأمثل فالأمثل " قال الحافظ : الأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء 0 وقال ابن الملك : أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة 0 يعني من هو أقرب إلى الله بلاؤه ليكون ثوابه أكثر ) 0 ( تحفة الأحوذي – 7 / 66 - 67 ) 0


وحديث عطاء بن رباح - رضي الله عنه - مثل يقتدى به على التحمل والصبر ونيل رضا الله سبحانه ، تلك الصحابية الجليلة العفيفة الطاهرة ( أم زفر ) كانت تصرع وتتكشف فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو حالها وتصف له داءها ، فأوصاها بالصبر والاحتساب وبشرها بالجنة ، والحديث سوف يعرج عليه في هذه السلسلة ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) تحت عنوان ( أدلة السنة المطهرة على صرع الجن للإنس ) 0

والتسخط من قضاء الله وقدره يوجب سخط الله وعقوبته ، والرضى به يجني لصاحبه الخير الكثير والسعادة الأبدية والفوز بالجنة ، كما ثبت
من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) 0 ( أخرجه الترمذي في سننه- كتاب الزهد ( 45 ) - برقم ( 2520 ) ، وابن ماجة في سننه - كتاب الفتن ( 23 ) - برقم ( 4031 ) ، وقال الألباني حديث حسن ، أنظر صحيح الجامع 2110 ، أنظر صحيح الترمذي 1954 ، صحيـح ابن ماجـة 3256 – السلسلـة الصحيحة 146 ) 0


قال المباركفوري : ( قوله " إن عظم الجزاء " أي كثرته " مع عظم البلاء " فمن كان ابتلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم " ابتلاهم " أي اختبرهم بالمحن والرزايا " فمن رضي " بما ابتلاه به " فله الرضى " منه تعالى وجزيل الثواب " ومن سخط " بكسر الخاء أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضائه " فله السخط " منه تعالى وأليم العذاب ، ومن يعمل سوءا يجز به ، والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه ) 0 ( تحفة الأحوذي - 7 / 65 – 66 ) 0


وهكذا يجب أن يكون حال المسلم ، يصبر ويحتسب ولا يلجأ إلا لخالقه سبحانه ، فيسأله الشفاء ويرضى بالقضاء ويتذكر الموت والبعث والنشور وتطاير الصحف ، ثم هل إلى الجنة أم إلى النار ؟ إن تفكر في ذلك سيعلم آنذاك أن الابتلاء نعمة ، والصبر فوز وعافية ، والقنوط خسران ونقمة 0


ولا شك أن لدفع البلاء عن العبد مجموعة من الأسباب منها :-

1)- لطف الله بعبده ورحمته إياه ، خاصة إن كان العبد قوي الإيمان بخالقه ، شديد التعلق بربه 0

2)- حفظ العبد ربه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ) 0

3)- التعرف إلى الله في الرخاء بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، كما ثبت من حديث ابن عباس وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة 000 الحديث ) 0 ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 1 / 307 ، والسيوطـي في " الدر المنثور – 1 / 66 ، والبغوي في " شرح السنة " – 4 / 123 ، والهندي في " كنز العمال " – برقم ( 3221 ) ، وابن كثير في تفسيره – 7 / 34 ، 91 ، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" – 6 / 398 ، والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " – 14 / 125 ، والعجلوني في " كشف الخفاء " - 1 / 366 ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 2961- السنة لابن أبي عاصم - 318 ) 0


قال المناوي :( " تعرف " بشد الراء " إلى الله " أي تحبب وتقرب إليه بطاعته والشكر على سابغ نعمته ، والصبر تحت مر أقضيته وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليته " في الرخاء " أي في الدعة والأمن والنعمة وسعة العمر وصحة البدن فالزم الطاعات والإنفاق في القربات حتى تكون متصفا عنده بذلك معروفا به " يعرفك في الشدة " بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا بما سلف من ذلك التعرف ، كما وقع للثلاثة الذين أووا إلى الغار 0 فإذا تعرفت إليه في الرخاء والاختيار جازاك عليه عند الشدائد والاضطرار بمدد توفيقه وخفى لطفه كما أخبر تعالى عن يونس- عليه الصلاة والسلام- بقوله : ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ) ( سورة الصافات – الآية 143 ) 0
يعني قبل البلاء بخلاف فرعون لما تنكر إلى ربه في حال رخائه لم ينجه اللجوء عند بلائه فقال تعالى : ( ءالأنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ) 0 ( سورة يونس - جزء من الآية 91 ) 0 ( فيض القدير- 3 / 251 ) 0



4)- التقرب إلى الله تعالى بالصدقات ، فإن صدقة السر تدفع غضب الرب وتداوي المرض ، كما ثبت من حديث عبدالله بن جعفر وأبي سعيد – رضي الله عنهما – قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صدقة السر تطفئ غضب الرب ) 0 ( أخرجـه الطبراني في الصغير ، والعسكري في " السرائر " وقـال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 3759 - صحيح الترغيب 2 / 31 - السلسلة الصحيحة 1908 ) 0


قال المناوي :( يمكن حمل إطفاء الغضب على المنع من إنزال المكروه في الدنيا ووخامة العاقبة في العقبى من إطلاق السبب على المسبب ، كأنه نفي الغضب وأراد الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في العقبى 0قال بعضهم : المعنى المقصود في هذا الموضع الحث على إخفاء الصدقة ) 0 ( فيض القدير – باختصار - 4 / 193 ) 0


وقد ثبت من حديـث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( داووا مرضاكم بالصدقة ) 0 ( أخرجه أبو الشيخ في " الثواب "وقال الألباني حديث حسن ، أنظر صحيح الجامع 3358 ) 0


قال المناوي :( فإن الطب نوعان ، جسماني وروحاني فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأول ، وأشار إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ، ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإعانة مكروب ، وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية ، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه ! والنبي صلى الله عليه وسلم طبيب القلوب ، فمن وجد عنده كمال استعداد إلى الإقبال على رب العباد أمره بالطب الروحاني ومن رآه على خلاف ذلك وصف له ما يليق من الأدوية الحسية ) 0 ( فيض القدير - 3 / 515 ) 0


5)- الإكثار من الأوراد والأذكار المستمدة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة 0

6)- الالتجاء إلى الله تعالى والتعلق به ، والاعتقاد بأنه المعطي والمانع ، وأن النفع والضر بيده سبحانه وتعالى وحده دون سواه من سائر الخلق 0
قال ابن القيم - رحمه الله - :( وليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها ، لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقـده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه 0 كما قيل :

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعـم

فلولا أنه سبحانه وتعالى يداوي عبـاده بأدوية المحن والابتلاء ، لطغوا وبغوا وعتوا وتجبروا في الأرض ، وعاثوا فيها بالفساد ، فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر ونهي ، وصحة وفراغ ، وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها ، تمردت وسعت في الأرض فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم ، فكيف لو حصل لهم مع ذلك إهمال ؟! ولكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده خيرا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ منه الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته ، ورقاه أرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته ) 0( الطب النبوي - 195 ) 0




وقال -رحمه الله- في موضع آخر: ( وإن مما يتسلى به أهل المصائب ) :-

* أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه 0

* أن ينظر المصاب ما أصيب به ، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادخر له - إن صبر ورضي - ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وإنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي 0

* أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ، ولينظر يمنة ، فهل يرى إلا محنة ؟ ثم ليعطف يسرة ، فهل يرى إلا حسرة ؟ وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وإن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا ، وإن سرت يوما ، ساءت دهرا ، وإن متعت قليلا منعت طويلا ، وما ملأت دارا خيرة إلا ملأتها عبرة ، ولا
سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوما شرورا 0

* أن يعلم أن الجزع لا يردها ، بل يضاعفها 0 وهو في الحقيقة من تزايد المرض 0

* أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم - وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع - أعظم من المصيبة في الحقيقة 0

* أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ، ويسيء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانـه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه 0 وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا ، وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه ، وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور 0

* أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به ولو بقي عليه ، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر : أي المصيبتين أعظم ، مصيبة العاجلة ؟ أم مصيبـة فوات بيت الحمد في جنة الخلد ؟!

* أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله ، فإنه من كل شيء عوض إلا الله فما منه عوض 0

* أن يعلم أن حظه من المصيبة ما تحدثه له ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ، فحظك منهـا ما أحدثته لك ، فأختر خير الحظوظ أو شرها ، فإن أحدثت له سخطـا وكفرا ، كتب في ديوان الهالكين ، وإن أحدثت له جزعا وتفريطا في ترك واجب أو فعل محرم ، كتب في ديوان المفرطين 0 وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر ، كتب في ديوان المغبونين ، وإن أحدثت له اعتراضا على الله وقدحا في حكمته ،
فقد قرع باب الزندقة أو ولجه 0 وإن أحدثت صبرا وثباتا لله ، كتب في ديوان الصابرين 0 وإن أحدثت له الرضـا عن الله ، كتب في ديوان الراضين 0 وإن أحدثت له الحمد والشكر ، كتب في ديوان الشاكرين ، وكان تحت لواء الحمد مع الحامدين 0 وإن أحدثت لـه محبة واشتياقا إلى لقاء ربه ، كتب في ديوان المحبين المخلصين 0

* أن يعلم أنـه وإن بلغ في الجزع غايته ، فآخـر أمره إلى صبر الاضطرار ، وهو غير محمود ولا مثاب 0

* أن يعلم أن أنفع الأدوية له موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له ، وأن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب ، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، وأحب ما يسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه ، وتمقت إلى محبوبه 0

* أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين وأدومهما : لذة تمتعه بما أصيب به ، ولذة تمتعه ثواب الله له ، فإن ظهر له الرجحان فآثر الراجح ، فليحمد الله على توفيقه 0 وإن آثر المرجوح من كل وجه ، فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي اصيب بها في دنياه 0

* أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما تفقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذا بجنابه مكسور القلب بين يديه ، رافعا قصص الشكوى إليه 0

* أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة
منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ) 0 ( الطب النبوي - بتصرف واختصار - 188 - 196 ) 0


ذكر أبو عبدالله محمد المنبجي الحنبلي في كتابه ( تسلية أهل المصائب ) إضافة إلى ما نقله عن العلامة ابن القيم - رحمه الله - في بعض ما يتسلى
به أهل المصائب ، فقال :-

* أن يستعين بالله ويتوكل عليه ، ويتعزى بعزاء الله تعالى ، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة ، ويعلم أن الله مع الصابرين ، ويطلب استنجاز ما وعد الله به عباده على الصبر ، فالمؤمن الموفق - نسأل الله تعالى حسن التوفيق - من يتلقى المصيبة بالقبول ، ويعلم أنها من عند الله لا من عند أحد من خلقه ، ويجتهد في كتمانها ما أمكن 0

* أن يعلم أن المصيبة في الدين من أعظم مصائب الدنيا والآخرة ، وهي نهاية الخسران الذي لا ربح معه ، والحرمان الذي لا طمع معه 0

* وأن يعلم أن من أعظم المصائب في الدين : موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم ، ولأن بموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة ، وانقطعت النبوات ، وكان موته أول ظهور الشر والفساد ، بارتداد العرب عن الدين ، فهو أول انقطاع عرى الدين ونقصانه ، وفيها غاية التسلية عن كل مصيبة تصيب العبد ، وغير ذلك من الأمور التي لا أحصيها 0




عن القاسم –مرسلا ( قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – حفظه الله – : وهذا اسناد صحيح لكنه مرسل - وساق جملة من الأحاديث الضعيفة ، ثم قال : وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح ، والله أعلم - السلسلة الصحيحة - 3 / 97 - 98 ) 0
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليعز المسلمين في مصائبهم ، المصيبة بي ) 0 ( رواه ابن المبارك في " الزهد " - برقم ( 467 ) ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 5459 - السلسلة الصحيحة 1106 ) 0


* أن يوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله ، وأنها بقضائه وقدره ، وأنه سبحانه وتعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بهـا ، ولا ليعذبه ، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه ، وشكواه إليه وابتهاله ودعاءه ، فإن وفق لذلك كان أمر الله قدرا مقدورا ، وإن حرم ذلك كان خسرانا مبينا 0

* أن لا ينكر في هذه الدنيا وقوع هذه المصائب على اختلاف
أنواعها ، ومن استخبر العقل والنقل أخبراه بأن الدنيا مارستان المصائب ، وليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر ، فكل ما يظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب ، وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب ، وجمعها فهو للذهاب ، ومن خاض الماء الغمر ( الماء الغمر : أي الماء القليل ) 0
لم يخل من بلل ، ومن دخل بين الصفين ( دخل بين الصفين : أي في القتال ) 0
لم يخل من وجل ، فالعجب كل العجب ممن يده في سلة الأفاعي ( الأفاعي : جمع أفعى وهو ذكر الحية ) 0
كيف ينكر اللسع ؟! وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر ( المطبوع على الضر : كالعقرب والحية ونحوها ) 0
النفع ! 0

* ينبغي للمصاب بنفسه ، أو بولده ، أو بغيرهما ، أن يجعل في المرض - مكان الأنين - ذكر الله تعالى ، والاستغفار والتعبد ، فإن السلف - رحمهم الله تعالى – كانوا يكرهون الشكوى إلى الخلق ، وهي وإن كان فيها راحة إلا أنها تدل على ضعف وخور ، والصبر عنها دليل قوة وعز ، وهي إشاعة سر الله تعالى عند العبد ، وهي تؤثر شماتـة الأعداء ورحمة الأصدقاء ) 0( تسلية أهل المصائب - باختصار - ص 23 - 42 ) 0


تلك وقفات جميلة بها عزاء وتسلية لمن أصابته مصيبة أو هم ، أو غم أو كرب ، والتأمل في تلك الوقفات والتدبر في معانيها ، يعطي نقاء وصفاء للنفس البشرية فيهذبها ويصقلها بالأدب الإسلامي حيث تدرك آنذاك أن الله سبحانه قد من عليها بنعم لا تعد ولا تحصى ، وأعظمها وأجلهـا نعمة الدين ، فالواجب يحتم الرضاء بقضاء الله ، وشكره على نعمه وسائر فضله ، والتفكر بالجزاء والأجر والثواب ، سائلين المولى سبحانه وتعالى الصبر والثبات في الدنيا وعند الممات 0






تعليقات حول هذه المقاله
العنوانالكاتبوقت الإضافه

تصويت
ما رأيك في هذا لموقع ؟
ممتاز
جيد جدا
جيد
نتائج التصويت



الحقوق محفوظة لكل مسلم راسلنا بشرط عدم الاستخدام التجاري
الصفحة الرئيسة