الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن كثيراً من عوام المسلمين؛ بل وبعض المستقيمين يتهاونون في طلب الرقية، مع أن طلبه خلاف الأولى؛ فأحببت أن أبين ذلك من خلال هذه الكلمات المختصرة فأقول:
إن الرقية وإن كانت جائزة إلا أن طلبها خلاف الأولى، وخلاف الكمال، ويدل لهذا قول النبي-صلى الله عليه وسلم-((سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب))، قالوا: من هم يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم (هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون))؛ والسين والتاء في (يسترقون) يدل على الطلب.
وليس النفي واقعا على الرقية نفسها لأن منها ما هو جائز-بشروط مذكورة-، ولكن النفي وقع على طلب الرقية، وأنه ليس من صفات الكمّل من الرجال، والمتوكلين حقا على الرب المتعال.
وأما رواية الإمام مسلم (هم الذين لا يرقون) فهذه رواية شاذة كما بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأما إذا كانت الرقية مشتملة على شركيات، أو طلاسم لا نعرف معانيها، أو اعتقاد أنها تنفع وتضر بذاتها، فهذا محرم، وقد يكون الطلاسم شركا ولا يدري الراقي.
وكذلك لا يجوز الرقية بالقرآن وغيره من الطلاسم مجموعا، فهذا خلط للحق بالباطل، فيمنع منه، و(تلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يَجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم).
وعلى هذا يحمل ما جاء من النهي عن الرقى على وجه العموم، وأنه مخصوص منه الرقية الشرعية التي توفرت فيها الشروط المرعية.
ومن الأحاديث الدالة على النهي عن الرقية-أي إذا كانت غير شرعية-قوله-صلى الله عليه وسلم-:((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).
وقال عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا:يا رسول الله كيف ترى في ذلك! فقال:((اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)).
وهذا الحديث فيه التصريح بأن الأصل في الرقى الجواز، وأنه من قبيل الطب، فما كان منه نافعا، وليس فيه محذور شرعي فهو جائز-والله تعالى أعلم-، ولهذا لما ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام بعض الأحاديث التي تدل على النهي بالاستشفاء بالقرآن، قال: وقد جاءت أحاديث بالاستشفاء بالقرآن، والتماس بركته هي أعلى من هذه الأحاديث).
فتبين لنا من هذه النصوص أن طلب الرقية جائز لكنه خلاف الأولى، وأما أن يرقي الإنسان نفسه؛ فهذه صورة من صور التعبد بالقرآن الكريم، وبه يقرب الإنسان من ربه، ويزداد عبودية لخالقه جل وعلا.
ولا ينبغي للمسلم أن يعلق قلبه بالرقاة، ولا بالقراء، وإنما يعلق قلبه في طلب الشفاء بالله تبارك وتعالى.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.