هل فى الاسلام سنة سيئة كما جاء فى الحديث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
كما نحن في هذا الحديث بالذات.
حديث:
(( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شي)
فإن جماهير العلماء اليوم وقبل اليوم ببضع قرون، يفسرون هذا الحديث تفسيراً على خلاف ما يدل عليه سبب وروده،
( من سن في الإسلام سنة حسنة )
من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، وعلى ذلك يضطرون إلى أن يخصصوا عموم قوله عليه السلام في الحديث السابق ذكره:
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
وكذلك يفعلون بالحديث الذي هو أوضح في الدلالة على عموم وشمول الذم لكل بدعة، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
( كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ).
فحينما وقعوا في تأويل الحديث السابق:
( من سن في الإسلام سنة حسنة )
بمن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، اضطروا توفيقاً بين ذاك الحديث وهذا المفهوم للحديث، ولا أقول بين ذاك الحديث وهذا الحديث؛ لأنه في الحقيقة لا تنافر ولا تنافي بينهما، وإنما جاء التنافر والتنافي بين ذلك الحديث العام الذي لا إشكال فيه:
( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )
، وبين الفهم الخاص لقوله:
( من سن في الإسلام سنة حسنة )
من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة،
إذاً قوله كل بدعة ضلالة من العام المخصوص، وحينئذٍ يكون معنى الحديث
: ليس كل بدعة ضلالة.
فما هو معنى الحديث الذي تأولوه بالبدعة؟
أننا نستطيع أن نفهم الحديث فهماً لا يتنافى مع العموم المذكور
من نفس المتن أولاً، ثم نبتغي دعماً لهذا الفهم من سبب وروده ثانياً.
ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما قال في الحديث:
وصفها في الطرف الأول من الحديث بحسنة، وفي الطرف الثاني الذي استغنيت عن ذكره لشهرته بقوله:
فإذاً هذا الحديث يدلنا على أن في الإسلام سنة حسنة، وفي الإسلام سنة سيئة.
-
هنا يأتي السؤال
ما هو سبيل معرفة السنة الحسنة والسنة السيئة؟
أهو العقل والرأي المحض أم هو الشرع؟
الجواب
ما أظن أن قائلاً يقول: هو العقل والرأي
، وإلا ألحق نفسه -ولا أقول نلحقه- بـ المعتزلة الذين يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين!
هؤلاء المعتزلة هم الذين عرفوا منذ أن ذروا قرنهم وأشاعوا فتنتهم بقولهم:
إن العقل هو الحكم، فما استحسنه العقل فهو الحسن، وما استقبحه العقل فهو القبيح.
أما رد أهل السنة والجماعة بحق
فإنما هو على النقيض من ذلك،
فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع.
إذاً حينما قال عليه الصلاة والسلام:
( من سن في الإسلام سنة حسنة )
( ومن سن في الإسلام سنة سيئة )
فالشرع هو الحكم في أن نعرف أن هذه سنة حسنة، وهذه سنة سيئة،
إذا كان الأمر كذلك حينئذٍ لم يبق مجال للقول بأن معنى الحديث:
من سن في الإسلام سنة حسنة، أن المعنى:
هذه بدعة لكنها حسنة، ما يدريك أنها حسنة؟
إن جئت بالدليل الشرعي، فعلى الرأس والعين،
والتحسين ليس منك وإنما من الشرع،
كذلك إن جئت بالدليل الشرعي على سوء تلك البدعة؛ فالشرع هو الذي حكم بأنها سيئة وليس هو الرأي.
فهذا الحديث
إذاً من نفس كلمة (حسنة وسيئة) نأخذ أنه لا يجوز تفسير الحديث بالبدعة الحسنة، والبدعة السيئة، التي مرجعها الرأي والعقل، ثم يندعم هذا الفهم الصحيح لهذا المتن الصحيح، بالعودة إلى سبب ورود الحديث،
الحديث جاء في صحيح مسلم ، و مسند الإمام أحمد وغيرهما من دواوين السنة،
من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه
: ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمعر وجهه -أي تغيرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام، حزناً وأسفاً على فقرهم الذي دل عليه ظاهر أمرهم- فخطب في الصحابة وذكر قوله تعالى:
** وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ **
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره )
هو فعل ماض، لكن هذا من بلاغة اللغة العربية،
ليتصدق، فأقام الفعل الماضي مقام فعل الأمر، إشارة إلى أنه ينبغي أن يقع ويصبح ماضياً.
ليتصدق أحدكم بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره،
وبعد أن انتهى عليه الصلاة والسلام من خطبته قام رجلٌ ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقة
، من طعام، أو دراهم، أو دنانير، ووضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأى أصحابه الآخرون ما فعل صاحبهم،
قام كل منهم ليعودوا أيضاًَ بما تيسر لهم من الصدقة،
( فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصدقة كأمثال الجبال، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا في تفسير هذا التشبيه،
أي: كالفضة المطلية بالذهب.
في أول الأمر لما رآهم عليه الصلاة والسلام قال:
تمعر وجهه أسفاً وحزناً لكن لما استجاب أصحابه لموعظته عليه الصلاة والسلام تنور وجهه كأنه مذهبة،
( من سن في الإسلام سنة حسنة ...) إلى آخر الحديث.
لا يصح بوجه من الوجوه أن يفسر الحديث بالتفسير الأول:
من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؛ لأننا سنقول:
أين البدعة التي وقعت في هذه الحادثة،
وقال عليه الصلاة والسلام بمناسبتها من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؟
لا نرى هناك شيئاً من هذا القبيل إطلاقاً، بل نجد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبهم آمراً لهم بالصدقة، مذكراً لهم بآية في القرآن الكريم، كانت نزلت عليه مسبقاً، وهي: ** وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ
( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره )
إذاً ليس هناك إلا الصدقة، والصدقة عبادة، تارة تكون فريضة، وتارة تكون نافلة.
معنى الحديث من ابتدع؛ لأنه لم يقع هنا بدعة،
ولكن لو رجعنا إلى لفظة (سنَّ) في اللغة العربية، للمسنا منها شيئاً جديداً في هذه الحادثة، لكن ليست هي البدعة
قيام هذا الرجل أول كل شيء وانطلاقه إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة، فأصحابه الآخرون فعلوا مثل فعله،
، سن لهم صدقة، والصدقة كانت مأمور بها من قبل،
اللهم ارزقنا الفهم لكتابك وسنة نبيك
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين