[بو سعود]

نعم شيخنا " أبو البراء حفظك الله ورعاك ..
فقد حضرت بالأمس جلسة لشخص يعاني من المس ، وسأذكرها لأنها تخص صلب الموضوع الذي ذكرته أثابك الله .

اتصل بي أخ يمارس الرقية الشرعية ، يريد أن نتعاون على معالجة شخص يعاني من المس " بالرقية والحجامة " في آن واحد ، علما بأنه كان يقرأ عليه من قرابة شهر ، فسألته عن بعض الأمور ، هل يحضر الجني عند القراءة ويتكلم ؟ قال نعم ، هل يعرف المريض عن كل الحوار الذي كان يدور بينك وبين الجني بعد أن يخنس ؟ قال نعم ، فكتمت التحليل الذي دار بذهني حتى أتأكد من الأمر في موعد الجلسة التي اتفقنا عليها .

حتى جاء الموعد وجلس " عبدالرحمن " بحضور والده ، واجتمع عليه ثلاثة قرّاء من الحفّاظ ، يتناوبون عليه بالقراءة ، أما أنا فجلست خلفه ومعي جميع أدوات الحجامة .

فقرؤوا عليه حتى بدأ يرفع يده اليمنى و ينفضها ، فوضعت ثلاثة كؤوس ، واحد على عصب يده اليمنى ، والثاني على الكاهل ، والثالث أسفل الظهر ، فأنزل يده ، ثم رفع يده الأخرى ، فوضعت الكأس على عصب اليد ، فأنزلها ، ثم بدأ يحرك رجله اليمنى ويرفعها ويفتح فاه ، فوضعت ثلاث كؤوس على رأسه ، واحد على القمحدوة ، واثنين على الأخدعين ، وهو لازال فاتح فمه ، فقلت له بصوت عال وفجأة ، أغلق فمك يا عبدالرحمن ، فأغلقه وعاد طبيعيا في لحظه ، فأشار إليّ القارئ أن اصبر إنه على وشك الحضور تماما ، أما أنا فقد زاد شكي فيما كنت أتوقعه ، أولا لأن كل الحركات التي فعلها ، يمكن للشخص الطبيعي أن يفعلها بإرادته ، ليست كالحركات اللاإرادية ، وهذا حتى الآن لا يثبت ولا ينفي ، ثانيا خروج الدم كان ضخه طبيعيا جدا ، ليس كمن به مس ، من حيث كثرة خروج الدم ، ومن حيث تغير وضع الممسوس عند خروج الدم .
على كل حال صبرت كما طلب مني الراقي ، حتى أغلق عينيه ورفع رأسه وفتح فاه وأصبح يصدر صوتا ، وهذه الحركات أيضا يمكن للشخص أن يفعلها بإرادته ، فأشرت للراقي بأن يكلمه الآن ، فلما تكلم معه وأصبح يرد عليه بصوت آخر ، واتفق الجميع على أنه حضر الآن وتمكن منه ، فقلت له يا عبدالرحمن ماذا تحس الآن ، فالتفت إليّ وقال أحس بشيء في داخلي ، فنظر الجميع في تعجب ، يتكلم بصوت آخر على أنه جني ، وفي نفس اللحظة يتكلم عبدالرحمن بصوته الطبيعي ، لأنه وجد من يخاطبه على أنه عبدالرحمن ، والذي بيّن الأمر هو جهله في المس ، ولو كان على علم أكثر بالمس ، لاستمر بالتلبيس على القراء أكثر ، لعدم إلمامهم بنفسية المريض ونظرتهم الواعية لتصرفات المريض .

فبينت للقراء على انفراد ، بأن حضور الجني وسيطرته على دماغ الممسوس بكلامه وسمعه وتغيير صوته ، هذا يعني بأن الممسوس ليس في وعيه حتى يسمعك ويجيبك ، بخلاف سيطرته على بعض خلايا الدماغ مثل الخلايا المختصة بالحب والكره ، وسيطرته على الأطراف أو بعضها ، فإن ذلك لا يستلزم غياب وعي الممسوس ، فلا بد أن يكون الراقي على علم بهذه الأمور وما شابهها حتى يتم التمييز بين نفسية المريض والمس ليخوض بعد ذلك في إخراجه .

وليس غريبا أن تسمع بأن أكثر أهل الأرض ممسوسين اليوم ، لغفلة الناس وجهلهم بأمور دينهم وتوافر أسباب دخول الجن عندهم ، ولكن هذا لا يجعل الراقي أن يستسلم لهذا الأمر بسهولة ، وأيضا ما عرفناه في " عبدالرحمن " لا ينفي وجود المس به ، ولكنه لم يتبين حتى الآن ، لأن كل الذي كان يحدث تمثيلا ، ربما لأسباب نفسية ، أو لأمر يضايقه شده لفعل ذلك ، ولكن سبب استمراره في التمثيل هو الراقي الذي أعطاه الفرصة ، وذلك أنه بمجرد أن يرى تغييرا بالمريض بادر بمحادثته وكأنه جني ، مما يدفع المريض بالتجاوب معه .

علما بأن عبدالرحمن على مشارف امتحانات الثانوية العامة ، وعرفت بأنه ليس من المتفوقين ، ويخاف والديه من الرسوب ، فحللت ذلك بأنه ربما أراد أن يجعل ذلك عذرا عند والديه في حال رسوبه ، وهذا مجرد ظن .
ولكني أشرت اليهم بأن يستمروا بالقراءة في الأيام المقبلة ، على أن يوهموه بأن المس قد خرج ، وأن يرشدوه بالثبات وعدم الحركة ، وهنا لو كان به مس حقيقة سيحضر رغما عنه ، وسيتبين لهم الأمر أكثر .

وبهذه المناسبة فقد تذكرت " علي العمري " والذي في غالب ظني ، أن الموضوع الذي ذكرته هو من الأسباب التي جعلته يحيد عن الصواب في " نكران دخول الجني في الإنسي " ولا أدري إن كان إلى الآن على رأيه أم لا ..
لأني قبل "13" سنة تقريبا ذهبت لـ " أبها " في المكان الذي كان يرقي الناس فيه ، فكان يجمع عشرات من النساء فيقرأ عليهن دفعة واحدة ، فيقع أغلبهن ، فيمر عليهن واحدة تلو الأخرى ، يقول لهذه قومي ليس بك بأس فتقوم ، ولهذه أيضا ، وهكذا حتى لا تبقى منهن إلا اثنتين أو ثلاث ، فيبدأ بعلاجهن ، فربما كثرة هذه الأمور جعلته يحيد عن الصواب ..... ولكن " لا إفراط ، ولا تفريط " .

أبو سعـــــــود ..