عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 20-04-2017, 04:12 AM   #4
معلومات العضو
سراج منير

افتراضي


11-احذر نفسك أن تحبط عملك


أقول: تبين لنا من كل ما نقلناه من السنة المطهرة: أن مباني الإسلام الخمسة، كل واحد منها يكفر الذنوب والخطايا ويهدمها، وأن: *لا إله إلا الله* لا تبقى ذنبا، ولا يسبقها عمل والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، وأن الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، وأن الحج المبرور يطهر صاحبه من الذنوب كيوم ولدته أمه، وأن الدعاء منه ما يعود برضا الله، حتى يصيب العبد به الجنة مع قليل العمل.
وسر ذلك كله الإخلاص. يعني إخلاص العمل لله وحده لا شريك له، لا لشيء آخر سواه، فإذا كان العمل غير مخلص لله لا يقبل، وبالتالي لا يؤثر في أي أثر، ولا يكفر أي ذنب ولا يوجب أي ثواب.
ونظرا" لكثرة دوران كلمة الإخلاص على الألسنة، فقد ادعاها بعض الناس، دون تحقيق ولا تدقيق في معناها.
الإخلاص مقدم على النبوة والرسالة في قوله تعالى: *وَاذكُر فيِ الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيَّا*، وذلك لشرف الإخلاص وفضله، وتقدم وجوده على وجودهما، وكونه سببا في الترشيح لمنصب الرسالة والنبوة.

وحقيقة الإخلاص: تصفية العمل عن ملاحظة الخلق، وتحديد الإرادة بالعمل لله وحده دون شيء آخر سواه، وبهذا المعنى وحده تتحقق نجاة الإنسان من سوء الذنوب وسوء الدنيا بوجه عام، انظر إلى قوله تعالى: *كَذَلِكَ لِنَصرفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ*، فأنت ترى الإخلاص سببا في صرف السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام، كما أنه سبب لاصطفاء المخلصين للنبوة والرسالة. وحب الله حسب درجات الإخلاص.


فالإخلاص شرط عام في قبول جميع أنواع الطاعات، وكل عمل خلا منه فهو إلى الهلاك أقرب،


ففي الحديث المرفوع : *إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه* ولأهمية الإخلاص كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: *من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس*، وكتب سالم بن عبدالله بن عمر، إلى عمر بن عبدالعزيز: *أعلم يا عمر أن عون الله للعبد بقدر نيته، فمن خلصت نيته، تم عون الله له، ومن نقصت نبته نقص عنه من عون الله بقدر ذلك*. ولهذا فليست العبرة بكثرة الأعمال، وكثرة الأدعية بقدر ما هي بالإخلاص فيها، ولو كانت قليلة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل: *أخلص العمل يجزك منه القليل*.


ومراتب الإخلاص ثلاث:

الأولى: إخلاص الانبياء والمرسلين والتابعين لهم بإحسان وهو العمل لله وحده دون ملاحظة أي غرض دنيوي ولا أخروي بل لمجرد الحب لله وطاعة أمره.

والثانية: العمل لله وحده ليمنح الله العامل المخلص حظا أخرويا، مثل تكفير الذنوب، والظفر بالجنة.
والثالثة: العمل لله وحده رغبة في حظ دنيوي مباح، كتوسعة الرزق، ودفع المؤذيات.
وما سوى ذلك فهو رياء مذموم، وشرك محبط للأعمال. والرياء المحرم المحبط للعمل هو: العمل لطلب حظ دنيوي، وغلبة هذا الحظ على القلب أثناء العمل وبعده وقبله، وهو على مراتب:

أولها: أن يحسن العمل في الظاهر أمام الناس ليحظى بالثناء عند الناس، وبالاشتهار بالصلاح والتقوى.
والثانية: وهي أقبح من الأولى: أن ينشط في العمل أمام الناس، ويكسل إذا كان وحده.
والثالثة: وهي أقبح الكل: أن يجعل صورة الطاعة وسيلة لاكتساب أمر محرم، كأن يجود العمل في الظاهر لتساق إليه الودائع ثم يأخذها لنفسه: أو تقربا من امرأة يحبها.
والرابعة:وهي أخف الجميع: أن يجود العمل لا لتحصيل غرض دنيوي، وإنما خوفا من أن ينظر الناس إليه بعين الاحتقار، ولا يعدوه من الأخيار.


وكله رياء، وقليل الرياء شرك، ولكنه درجات، وكل عمل خالطه الرياء، فلا ثواب له، لما ورد في الخبر: *من عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برىء*. وأخرج ابن جرير مرسلا: *لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من الرياء*. وأخرج الطيالسي في مسنده عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: * من صلى مرائيا فقد أشرك، ومن تصدق مرائيا فقد أشرك*. فقال عوف بن مالك لشداد: أفلا يعمد الله إلى ما كان له من ذلك، فيقبله ويدع ما سواه? فقال شداد: سمعت رسول الله يقول: *قال الله عز وجل: أنا خير شريك أو قسيم، من أشرك بي فعمله قليله وكثيرة لشريكي وأنا منه برىء*.
فإذا عقد الإنسان نيته على العمل مخلصا لله، ثم طرقه الرياء أثناء العمل فلذلك حالتان:


الأولى: أن يكون العمل مما يرتبط آخره بأوله، كالصلاة والصوم ونحوهما، وهذا إذا صحح الإنسان نيته في أوله، ثم طرقه الرياء، فلا شيء عليه إذا حاول دفع الرياء والتخلص منه قدر طاقته.
الثانية: أن يكون العمل مما تستقل أجزاؤه، كالقراءة والأذكار، بدأها مخلصا، ثم طرقه، فلا ثواب لما بعد طروق الرياء.
وإذا عمل العمل مخلصا كما يجب عليه، وبعد الانتهاء منه أثنى الناس عليه فلا يضره، لحديث مسلم: *تلك عاجل بشرى المسلم*.
وقد يعمل الإنسان عملا من أعمال البر خالصا لله، ثم يبطله بعد زمان طويل، وهو لا يشعر.
وذلك كالرجل يصنع الخير مع رجل آخر، يريد به الله وحده، ويمضى زمن طويل، ثم يقصد الرجل الذي صنع المعروف، صاحبه الذي صنع إليه المعروف في حاجة، فلا يقضيها له، فيذكر له أو للناس أو في نفسه نادما: أنه صنع إليه معروفا منذ كذا وكذا سنة، وفي هذه الحالة أفسد نيته الماضية، وأحبط عمله الذي مضى صحيحا وهو لا يشعر.
وكالعالم يريد بعمله وجه الله، فوجد الناس بعد زمن طويل، لا يعدونه بين المجيدين من العلماء فغضب، فأفسد بغضبه نيته، وأبطل إخلاصه وهو لا يشعر.
وعلى هذا وجب على المؤمن أن يراقب نفسه ، وأن يحذر خداعها لئلا تحبط عمله، وأن يحافظ على نيته الصالحة قبل العمل، واثناء العمل، وبعد العمل إلى ما شاء الله من أيام حياته.


12-الاستكثار من طلب الثواب


أقول: قال الله تعالى: *إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ* وذلك لأن الحسنان إذا كثرت رجحت على السيئات في الميزان، فضلا عن أن الحسنة في ذاتها تمحو السيئة.


ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل أبواب الحسنات متعددة وكثيرة جدا، بحيث لا يعجز أي إنسان عن الاستكثار منها، القوى والضعيف، والغني والفقير، والصغير والكبير والعالم والجاهل، كل من هؤلاء له طرق لا تحصى للحصول على الثواب. ويمكن التنبيه إلى: العمل الذي يتعدى نفعه إلى الغير أفضل من العمل القاصر الذي يقتصر نفعه على فاعله وحده. وفي ذلك يقول الله تعالى: * لاَ خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجوَاهُم إِلاَّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إٍصلاَحٍ، بَينَ النَّاسِ*.


يمكن للإنسان أن يحصل على ثواب العمل مرتين، أو يحصل على ثواب بلا عمل بدني ولا مالي. وذلك كما يقول الحارث بن أسد المحاسبي: بأن ينوي الإنسان قبل خروجه من بيته: ألا يجد ضعيفا إلا أعانه، ولا أعمى إلا ارشده إلى الطريق، ولا مريضا يعرفه من المسلمين إلا عاده، ولا جنازة إلا شيعها، ولا منكرا إلا نهى عنه، ولا ملهوفا إلا أغاثه، إلى آخر ما يمكن عمله من أعمال البر، ينوي قبل خروجه أن يصنعه إن استطاع. فإن وجده فصنعه فله أجران: النية، وأجر العمل. وإن لم يجد، أو وجده ولم يستطع أن يصنعه، كأن يعجز ماليا أو صحيا عن العمل، فله أجر النية.


الأعمال العادية التي لا غنى للإنسان عنها، كالطعام والشراب، واللباس، والجماع. يمكن تحويلها إلى أعمال ذات ثواب جزيل، ويمكن تحويلها إلى أعمال ذات إثم شنيع، ويمكن أن تكون أعمالا مهدرة ليس لها ثواب ولا عليها عقاب.



فالطعام والشراب إذا اقترن بنية القوة على العبادة، والسعي في المعاش، وفي مصلحة الأسرة. واللباس إذا اقترن بنية شرح الصدر والتحدث بنعمة الله. والجماع بنية العفة والإعفاف وهكذا بقية الأعمال، كالجلوس مع الإخوان بنية التعاون على البر والتقوى، كانت أعمالا ذات ثواب عظيم.
أما الطعام بنية القوة على البطش والتجبر، واللباس بنية التكبر، والجماع لإذلال الزوجة، والجلوس مع الإخوان للهذر، فكلها أعمال سوء ذات إثم عظيم.
فإن لم تقترن تلك الأعمال بنية مطلقا فهي هدر، لا لها ولا عليها.


إفشاء السلام مشروع لتأصيل الحب بين المسلمين، ولطلب الثواب عليه من الله، وقد يدخل الشيطان على المسلم بخدعة ليبطل ثواب إفشاء السلام، فيلقى في روع الإنسان: إنك لو لم تسلم على فلان لغضب منك، فيسلم عليه لئلا يغضب منه، وحينئذ يفقد المسلم نية طلب الثواب، ولا ثواب له على إفشاء السلام، فالأصل هو: طلب ثواب الله على السلام.
المراد بجميع الآذكار: التحقق بها عملا، لا مجرد الذكر باللسان.
وفقنا الله جميعا إلى مراضية، وجنبنا مكارهه، إنه سميع مجيب.

واآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين



التعديل الأخير تم بواسطة رشيد التلمساني ; 20-04-2017 الساعة 11:56 AM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة