عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 17-11-2005, 08:52 AM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

الأخ الحبيب ( شاهين ) حفظه الله ورعاه

ولمزيد من الفائدة أحيلكم – يا رعاكم الله - لما ذكرته في كتابي الموسوم ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) بخصوص هذا الموضوع وهو على النحو التالي :

السؤال الذي يطرح نفسه هل تقبل توبة الساحر إذا تاب ؟؟؟

للفقهاء في استتابة الساحر قولان :


( الأول ) يستتاب فإن تاب قبلت توبته ، وبهذا قال جمهور الفقهاء 0


أقوال الأئمة الأربعة :

عند الحنفية :

نقل الطحطاوي والجصاص في المذهب ما نصه : ( تقبل توبة الساحر إذا تاب ، ومن قال لا تقبل توبة الساحر غلط ، ونقل عند التتار خانية : إن الساحر إذا تاب فهو على وجوه : أن يعتقد نفسه خالقاً لما يفعل وتاب عن ذلك وقال خالق كل شيء هو الله وتبرأ عما كان يقول تقبل توبته ولا يقتل ، وإن كان الساحر يستعمل السحر بالتجربة والإمتحان ولا يعقد لذلك أثراً لا يقتل لأنه ليس بكافر ، وساحر يجحد السحر ولا يدري كيف يفعل ولا يقربه ، قالوا لا يستتاب بل يقتل إذا ثبت أنه يستعمل السحر ، وفي بعض المواضع ذكر أن الاستتابة أحوط ، وقال الفقيه أبو الليث : إذا تاب الساحر قبل أن يؤخذ تقبل توبته وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل 0 إذاً الساحر تقبل توبته في جميع الأحوال إلا إذا أسر بالسحر وهذا في رواية ، وكذلك إذا تاب بعد القدرة عليه لقوله تعالى : ( إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( سورة المائدة – الآية 34 ) فاستثني التائب قبل القدرة عليه من جملة من وجب عليهم الحد المذكور ) ( حاشية الطحطاوي – 2 / 484 ، 485 ، أحكام القرآن – 1 / 54 ) 0

وعند المالكية :

قال الخطاب : ( السحر ردة وأنه يستتاب الساحر إذا أظهر ذلك فإن تاب وإلا قتل ) ( مواهب الجليل للخطاب – 6 / 279 ) 0

فالمالكية يرون أن تقبل توبة الساحر إذا كان متجاهراً ثم تاب 0

وعند الشافعية :

قال النووي : ( تقبل توبة الساحر إذا تاب وذلك في المواضع التالية :

1)- إذا تكلم بكلام فيه كفر ، ومتى تاب منه قبلت توبته وسقط عنه القتل 0
2)- أن يعتقد ما اعتقده من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه القتل وتقبل توبته 0
3)- إذا اعتقد أن السحر حق يقدر به على قلب الأعيان فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسين والماوردي ، وإذا تاب قبلت توبته وسقط عنه القتل ، أما إذا قتل بسحر يقتل غالباً فإنه يقتل قصاصاً ولا يسقط القصاص بالتوبة ) ( المجموع شرح المهذب – 19 / 245 ) 0

وعند الحنابلة :

قال ابن قدامة : ( ففي استتابته روايتان :
( إحداهما ) يستتاب فإن تاب قبلت توبته 0
( والثانية ) لا يستتاب 0
وحجتهم : إن السحر ليس بأعظم من الشرك ، والمشرك يستتاب ومعرفته السحر لا تمنع قبول توبته ، فإن الله تعالى قبل توبة سحرة فرعون وجعلهم من أوليائه في ساعة ، ولأن الساحر لو كان كافراً فأسلم صح إسلامه وتوبته فإذا صحت التوبة منهما صحت من أحدهما كالكفر ، والقتل إنما هو بعمله بالسحر لا بعلمه بدليل الساحر إذا أسلم ، والعمل بالسحر يمكن التوبة منه ) ( المغني – 8 / 153 ، 154 ) 0

( القول الثاني ) لا يستتاب وبهذا قال الإمام أبو حنيفة ومالك فيمن أسر السحر ولم يتجاهر به وعدم الاستتابة رواية عند الحنابلة وهي الأشهر 0


عند أبي حنيفة :

( يقتل الساحر ولا يستتاب ، ونقل أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال : اقتلوا الزنديق سراً فإن توبته لا تعرف والساحر يكفر سراً ، فهو بمنزلة الزنديق فالواجب أن لا تقبل توبته ، وقال أيضاً : إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء 0 وفي التبيين عنه : الساحر يقتل ولا يقبل قوله أني أترك السحر وأتوب منه ) ( أنظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي – 3 / 293 ، حاشية رد المحتار على الدر المختار لإبن عابدين – 4 / 240 ، وأحكام القرآن للجصاص – 1 / 53 ) 0

وعند المالكية :

قال ابن عبد البر : ( روى ابن وهب في موطئه عن مالك قال : الساحر كالزنديق الذي يظهر الإسلام ويسر الكفر وكيف يستتاب ) ( الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبدالبر – 2 / 1091 ) 0

قال الدردير : ( إن أسر السحر فحكمه حكم الزنديق يقتل بلا استتابه وشهر بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً أي أسره أو أظهره فحكمه حكم الزنديق على كل حال إذا جاء تائباً قبل الاطلاع عليه قبل وإلا فلا ) ( الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك – 4 / 434 ) 0

قال الخطاب : ( إذا عمل السحر بنفسه قتل ولم يستتب ، والقول الراجح فيه أن حكمه حكم الزنديق يقتل ولا تقبل توبته إلا أن يجيء تائباً بنفسه ) ( مواهب الجليل – 6 / 279 ، 280 ) 0

وعند الحنابلة :

يقول ابن قدامة : ( أولا : إنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه استتاب ساحراً 0
وثانياً : في الحديث الذي رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الساحرة سألت أصحاب النبي  وهم متوافرون هل لها من توبة فما أفتاها أحد 0
وثالثاً : إن السحر معني في قلب الساحر لا يزول بالتوبة فيشبه من لم يتب ) ( المغني – 8 / 154 ) 0

تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة معقبة على ما ذكره ابن قدامة – رحمه الله – : ( وقد رد هذا القول بما يأتي :

أولاً : عدم استتابة الصحابة للسحار ربما كان راجعاً إلى عدم إقلاع السحرة عن سحرهم بعد إظهارهم للتوبة 0

ثانياً : إن السحر لا يزيد على الشرك ، وقد أمكن استصلاح الساحر فلم يجز إتلافه قبل الاستصلاح لقول عمر – رضي الله عنه – في المرتد حين ضرب عنقه بلا استتابه : " فهلا حبستموه ثلاثاً واطعمتموه كل يوم رغيفاً ، واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله " ( المغني – 8 / 135 ) 0

ثالثاً : قال تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) ( سورة الأنفال – الآية 38 ) ، ولقوله : " لم أومر أن أنقب قلوب الناس 000 " ( متفق عليه ) ، فإذا تاب الساحر ورجع قبلت توبته وحسابه على الله إن كان كاذباً 0

رابعاً : عدم فتوى الصجابة بقبول توبة الساحرة فهذا راجع إلى خوفهم من الفتوى بما لا يعلمون ، ومع هذا فقد بينوا للسائلة ما يكفر عنها ما وقعت فيه من السحر ، ففي حديث رواه البيهقي والحاكم وصححه الذهبي : " 000 فسألت أصحاب رسول الله حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا : لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك " " رواه البيهقي والحاكم وصححه الذهبي – السنن الكبرى للبيهقي – 8 / 137 ، المستدرك ومعه التلخيص – 4 / 155 ، 156 " ) ( السحر - أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي - ص 142- 143 ) 0

يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – عن توبة الساحر : ( تقبل توبته فيما بينه وبين الله ، وتنفعه التوبة في الآخرة ، إذا أقلع عن هذا العمل وأصلح عمله وأكثر من الحسنات ورجع إلى ربه خائفاً وجلاً ، نادماً على ما كان منه ، فإن التوبة تجب ما قبلها ، والحسنات يذهبن السيئات ، وقد دعا الله تعالى أهل التثليت إلى التوبة وهم : ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) ( سورة المائدة – الآية 73 ) فقال تعالى : ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ) ( سورة المائدة – الآية 74 ) ولا بد أن تكون التوبة نصوحاً صادقة بأن يتخلى عما كان يعمل من السحر بأنواعه ويبتعد عن أهله ويتركه كلياً ، ويظهر الندم على ما فعل سابقاً ، ويأسف على ما مضى منه ، فلا يتذكره إلا حزن وخاف ، ووجل منه قلبه ، ولا بد أن يتعهد نفسه ويتفقد أعماله ، ولا يقدم على عمل إلا بعد أن يتأكد أنه عمل صالح مبرور ، ثم يعاهد ربه أن لا يعود إلى مثل ما كان يعمله من الأعمال الشيطانية ؛ فمتى تاب على هذه الصفة فإن الله يتوب عليه ، لعموم الأدلة في ذلك ، كقوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ ) ( سورة الشورى – الآية 25 ) فإن هذا لفظ عام يدخل فيه التوبة من كل ذنب من السحر والشرك وما دونه ، وقد قال النبي : " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،حتى تطلع الشمس من مغربها " ( الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب التوبة (31) – برقم 2759 ) فيدخل فيه كل مسيء ومذنب 0
ثم اختلف في توبة الساحر هل تسقط عنه الحد الذي هو القتل أم لا ؟ فظاهر ما روي عن الصحابة من الأمر بقتل السحرة أنهم يقتلون من غير استتابة ، قال في تيسير العزيز الحميد : وهو كذلك على المشهور عن أحمد ، وبه قال مالك ، لأن الصحابة لم يستتيبوهم ، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة ؛ وعن أحمد : يستتاب فإن تاب قبلت توبته ، وخلي سبيله ، وبه قال الشافعي لأن ذنبه لا يزيد على الشرك ، والمشرك يستتاب وتقبل توبته ، فكذلك الساحر ، وعلمه بالسحر لا يمنع توبته ، بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم ، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم ، قال الشيخ سليمان : الأول أصح لظاهر عمل الصحابة ، فلو كانت الاستتابة واجبة لفعلوها أو بينوها ، وأما قياسه على المشرك فلا يصح ، لأنه أكثر فساداً أو تشبيهاً من المشرك ، وكذلك لا يصح قياسه على ساحر أهل الكتاب ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، قال : وهذا الخلاف إنما هو في إسقاط الحد عنه بالتوبة ، أما فيما بينه وبين الله فإن كان صادقاً قبلت توبته ا هـ 0 ولعله يفرق بين من تاب قبل القدرة عليه ، وترك العمل الشيطاني وابتعد عنه وعرف ذلك منه بإصلاح العمل والبعد عما يخالف الشريعة ، فهذا تقبل توبته ، وبين من استمر في عمله حتى قبض عليه ، وثبت عليه ما يوجب القتل ، فمثل هذا يقام عليه الحد ، ولا يستتاب ، كما فعل الصحابة مع من قتلوا من السحرة ، والله أعلم ) ( الاصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0

تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة : ( يظهر لي أن القول باستتابة الساحر وقبول توبته إذا تاب أولى بالاعتبار وذلك للأسباب الآتية :

1)- يمكن حمل قول القائلين بعدم قبول توبة الساحر على من ظهر كذبه في توبته وما زال على ما كان عليه من السحر ، أما من جاء تائباً وأقلع عن المعصية فإنه تقبل توبته ، وبهذا يمكن التوفيق بين الأدلة ، لأن إعمالها خير من إبطالها أو إبطال بعضها 0

2)- إذا لم يمكن التوفيق فإن القول بقبول توبة الساحر أولى بالنظر ، لأن الله تعالى لم يسد باب التوبة في وجوه عباده 0

3)- لا يحول بين التوبة حائل ، وإن جاء الإنسان بقراب الأرض خطايا 0

4)- إن العمل بالسحر لا يمنع من التوبة منه ، أليست التوبة منه وقبولها بأهون ممن قتل مائة نفس وتاب فتاب الله عليه 0

5)- قيل للإمام أحمد إن أهل المدينة يقولون في الزنديق لا يستتاب 0

قال أحمد : كنت أقول ذلك أيضاً ، ثم هِبتُهُ : قال القاضي : وظاهره أنه رجع ( نقلاً عن المبدع ) 0
وعلى هذا يستتاب الساحر ، فإن تاب توبة نصوحاً مستوفية لشروطها قبلت توبته ، فإن لم يتب قتل لأنه حينئذ يكون مرتداً ، هذا والله أعلم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – باختصار – 144 – 146 ) 0

قلت : وبعد هذا العرض الشامل لمسألة توبة الساحر يترجح لي القول بأن الساحر الذي يتعاطى الأنواع الكفرية لا يستتاب ولا تقبل توبته لاعتبارات كثيرة كنت قد ذكرتها في هذا الكتاب تحت عنوان " حد ساحر أهل الكتاب " بنقاط محددة :

أولا : عموم الأحاديث والآثار الواردة في هذه المسألة جاءت بالعموم :

دون تحديد الساحر الكافر من المسلم ومن هنا تؤخذ هذه الأحاديث والآثار على إطلاقها وهذا يعني قتل الساحر الكافر 0

ثانيا : ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الأحكام الإسلامية والشرعية تطبق على أهل الذمة في بلاد المسلمين :


ومن هنا فإن المضرة المترتبة على المسلمين من أفعال السحرة الكفرة التي تؤدي بمجملها إلى هدم الأسر وتشتيت المجتمعات ونشر الفساد فيها ، وهذا مما يوجب قتل الساحر أي كانت ديانته أو عقيدته أو ملته 0

ثالثا : إن الحد المنصوص عليه في كتب النصارى أنفسهم توجب إقامة الحد والقتل على الساحر :

وقد شدد الكتاب المقدس في الحكم ضد السحرة ، فحرم السحر بل وضعه تحت طائلة الموت ( راجع لاويِّين : 9 ، وتثنية : 18 ، وخروج : 23 ) 0

ومن هنا يتبين للقارئ الكريم خطورة هذه الفئة على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، وكذلك خبث هذه النفوس وتلذذها بإيذاء الآخرين ، وهذا ما قرره الصحابة والتابعون وسلف هذه الأمة ومن سار على نهجهم ، وقد ذهب لذلك القول العلماء المتأخرون كاللجنة الدائمة ، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وجمع من علماء المملكة العربية السعودية 0

والقول بتطبيق الحد الشرعي وهو القتل في حق الساحر الذي تصل إليه يد العدالة ، فلا تقبل توبته من قبل ولي الأمر ، أما إن تاب بينه وبين ربه قبلت لأن باب التوبة مفتوح ، أما الساحر الذي يأتي نادماً على فعله ويعترف بخطئه ويعيد وينيب إلى خالقه فهذا لا ينطبق فيه الحكم على الوصف المشار إليه والله تعالى أعلم 0

وفي سياق هذا الموضوع أذكر قصة توبة ساحر ذكرها صاحبا كتاب " السحر والسحرة " في لقاء ، توبة أحد السحرة حيث يقولا : ( ليس غريباً أن يستفيق ضمير بعض السحرة ويعود إليهم إيمانهم بالله جل شأنه ويتوبوا إلى الله ويستغفروه من جرائمهم 0 زرنا هذا الساحر التائب واستمعنا إليه 0 انهمرت الدموع من عينيه كالمطر الغزير وهو يحكي ويتذكر أيامه حين كانت الأموال تتساقط من حوله كالتبن ، ثم يتلعثم لسانه وهو يقول : " أشعر وكأني ولدت من جديد " ، وهو يؤكد " أريد أن أكون مثالاً للآخرين " ثم يستطرد قائلاً : لأن المال تعشقه كل القلوب ويتسابق الناس من أجله بلهفة ، فقد جرفني تيار الشيطان بقوة ، وقررت التحايل على الزمن من أجل كسرة خبز 0 وفي حالات كثيرة كان الندم يأكلني ، ولكن الخوف من الضياع كان رفيقي الوحيد للتمسك بهذه الحرفة والصمود وسط أمواج الحياة 0

يأمر الساحر التائب أحد صغاره بإحضار كوب من الماء ، ثم يلتقط أنفاسه ويكمل :

أحرص باستمرار أن أجمع بين قلبين في قلب واحد ، أتفادى تشتيت الأسر أو تدمير سعادة الناس ، ولا أخط حرفاً واحداً إلا وأنا مدرك بأنه سيساهم في حياة سعيدة 0 ولكن ، ومع هذا الصدق مع الذات ، فإن أنفاسي لم تكن تزداد إلا مرارة 0

ويواصل الساحر التائب اعترافاته يحكي عن أسراره 0

لم أكن أتوقع الصدمة ولا انبلاج فجر ذلك اليوم الأسود لأُعلن بعده عن توبة نصوح 0 فقد صدمت في نفسي وأصبحت أخشى مصيري ومصير أطفالي بعدما أدركت متأخراً كم أخطأت وكم أنا مذنب 0 حين فاضت بي الدنيا ووجدت الظروف تنهشني ، فكرت في احتراف هذه المهنة ، حاولت قدر الإمكان تعلم بعض أبجديات الحرفة من خلال الكتب والاحتكاك ببعض الفقهاء 0 وكنت من حفظة القرآن الكريم ، والواقع أنني لم أكن فقيهاً بالمعنى الصحيح ولا ساحراً ، أعوذ بالله 0

هناك رمز ومفتاح ولغة وعزيمة تتم بين الشياطين والساحر ، وهكذا فحين يقف أمامي الزبون رجلاً كان أو امرأة ، أكون قد تجردت من كل شيء فأقول له " صادقني أو فارقني " فيجيب : أصدقك !

ويضيف :

قبل أن أقوم بعملي أخلو لنفسي وأصوم لأسبوع ، وأغلق علي باب الغرفة لا أرى فيها أحداً " وهذا ما يسمى في عرف الحرفيين بالرياضة " ثم آكل فقط خبز الزرع ، وأضرب عن الملح ، وأضيف شيئاً مهماً وهو أنني حاولت التخصص في موضوع العاطفة ، أجمع بين المرأة وزوجها ، وبين شاب وشابة من أجل الزواج 0 المهم أنني حاولت احترف المهنة ، وطبعاً مثل هذا الموضع دائماً نجد فيه استعداداً مبدئياً من طرف واحد وحظوظاً وافرة لإمكانية اقتناع الطرف الثاني ولأن في مثل هذا الموضوع العاطفي تكون الرغبة مبدئياً موجودة عند الزبون أو الزبونة ، فإنه بمجرد ما يزورني يكون نفسياً قد كسب الكثير وربح 0 المسألة نفسية بالدرجة الأولى ، لأن ما كنت أكتبه هو ( بسم الله الرحمن الرحيم 0 الحمد لله رب العالمين ) فقط وشخصياً لا أدري كيف تقضى حاجة البعض ؟ ولكني بالمقابل كنت أتعمد طلب بعض المواد المستحيلة من أناس آخرين ، والتي من الصعب العثور عليها ، فيضطرون لتغييري بفقيه آخر 0

ويتوقف ليلتقط أنفاسه ويكمل :

لكن رغم المال فإن ضميري ظل يوبخني ، وأنا أرى الأموال التي أحصل عليها تحترق ولا أستفيد منها 0 فقد مرضت الزوجة وأشرفت على الموت ، وأنفقت عليها الكثير ، ومرض أطفالي واحداً واحداً ، وأحسست في النهاية أنني بدوري في طريق الهلاك 0 شعرت بالألم يسكنني ، ألم لا أتمكن من تحديد مكانه في الجسم ، فتارة أشعر به في الرأس وأخرى في البطن ومرة في الركبة ، وأدركت أن نهايتي لن تكون في كل الحالات سعيدة 0 تخوفت من الكارثة ، خصوصاً وأن المال الذي أجمعه لا يباركه الله تعالى " مال حرام " وفي آخر ليلة قبل أن أعلن توبتي حلمت بشيخ يلبس الأبيض ويشير إلي بعكازه ويقول : " ليس في الدنيا ساحر ختم حياته بسلامة ، فأفضلهم ينتهي مشواره بشلل نصفي " 0

ارتبكت واستيقظت وقمت لأتوضأ ، كان الفجر قد اقترب 0 ومع أذان صلاته كانت خطواتي سريعة في اتجاه المسجد لأركع لله تعالى وأعلن توبتي التي لا رجعة فيها ، وأنا أسجد لرب العالمين وأقول " ربي اغفر لي ذنبي فإنه لا يغفرها إلا أنت " 0

والحمد لله تبت لرب العالمين ، وعادت الطمأنينة لقلبي ، وعادت الفرحة لأسرتي التي لم تنعم يوماً بمال الحرام ، كان هناك مال ولكنه لا بركة فيه ولم أسعد به أبدأ والحمد لله رب العالمين ) ( السحر والسحرة – ص 56 – 58 ) 0

هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( شاهين ) ، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظنا بحفظه ، ويرعانا برعايته ، ويقينا شياطين وسحرة الإنس والجن ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة