منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   الإبتلاء هو الحكمة التي من أجلها خلق الله عز وجل الإنسان في الحياة الدنيا !!! (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=1069)

أبو فهد 22-02-2005 03:59 PM

الإبتلاء هو الحكمة التي من أجلها خلق الله عز وجل الإنسان في الحياة الدنيا !!!
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :

28 ـ الإبتلاء هو الحكمة التي من أجلها خلق الله عز وجل الإنسان في الحياة الدنيا:

إن الحكمة هي الابتلاء والحياة الدنيا بسماواتها وأرضها وأنسها وجنها هي أفضل دار ممكنة لتحقيق الابتلاء للإنس والجن ، وليس ذلك تأويلا منا أو استنتاجا من كتاب الله ، ولكن ذلك ما تحدثنا به الآيات المحكمات.

إن الحكمة القصوى والأخيرة من خلق الكون بعامة ، وخلق الآخرة بخاصة هي العطاء أما الحكمة الأولى من خلق الكون بعامة ، وخلق الحياة الدنيا بخاصة فهي الإبتلاء [ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ، ليبلوكم أيكم أحسن عملا . ( سورة هود آية 7).] . والإنسان هو الكائن المبتلي الذي من أجله جعلت دار الابتلاء ابتداء [ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ، إن خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا . ( سورة الإنسان الآيات 1، 2).] . ومن ثم اتفقت غاية وجود السماوات والأرض مع غاية الوجود الإنساني ، فجاءت كيفية الحياة في الأرض بالنسبة للبشر ولبقية الأحياء ، كما جاءت طبائع الأشياء ونواميس العالم محققة لهذه الغاية .

فعلاقة الإنسان بالزمن المتمثلة في مراحله الوجودية التي يعبر فيها موتين وحياتين ، ووجود الموت والحياة على الأرض ، وما يستتبع ذلك من كيفيات معينة في تركيبها ، وفي ماهية البشر ، وتكوينهم الجسدي ، إنما هو لتحقيق هذه الغاية [ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير . الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاًَََ . وهو العزيز الغفور. ( سورة الملك : الآيات 1ـ 2 ). ] .

كما تعلل أيضا حقيقة الابتلاء وجود عالم الغيب وعالم الشهادة بالنسبة للإنسان فوجود عالم مغيب عن الإنسان يعني أنه يحيا تحت غطاء كوني يحجب عنه ما حوله وما فوقه من عوالم غيبية وكائنات خارجة عن مجال إحساسه ومداركه وقواه . وهذا الغطاء الكوني هو الذي يحدد ماهية الإنسان أثناء وجوده البشري على الأرض ، ويفسر قصور أجهزة الإدراك التي يمتلكها ، فهو إن كان مخلوقا عارفاً ومدركاً ، إلا أن إدراكه العلمي اليقيني قاصر على العالم المحسوس فقط ، وما ذلك إلا تحقيقا لحكمة الابتلاء أيضا .

فالابتلاء بمعنى الامتحان والاختبار يقتضي وجود عالم غائب عن الإنسان. فليس من المعقول أن يكون على الأرض ابتلاء ، والإنسان المبتلى يستطيع أن يرى النار وعذابها أو يحسها أو يسمع صراخ المعذبين في القبور ، وليس ذلك قاصرا على الإنسان فقط بل إنه يشمل الجان أيضا باعتباره المخلوق المبتلى مع الإنسان في الأرض . وبرهان ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ، وأنه ليسمع قرع نعالهم . أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد . فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراها جميعا قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح في قبره . ثم رجع إلى حديث أنس فقال : وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ، فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال : لا دريت ولا تليت ، ويضرب بمطارق من حديد فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين ( البخاري ـ الصحيح ـ كتاب الجنائز باب 89 ) .

والشاهد في هذا الحديث ، أن كل الكائنات الحية على الأرض تسمع صيحة المعذب ، إلاّ الإنس والجن ، لأنهما المخلوقان المبتليان على الأرض ، أما ما عداهما من الأحياء فليسوا واقعين تحت الابتلاء ، ولم يخلقوا له ، ومن ثم فإنهم يعيشون بغير هذا الغطاء الكوني الذي يمنع عن الثقلين معرفة الأمور الغيبية التي تقع في الأرض ، كصراخ المعذبين في القبور ، وكرؤية الملائكة المحيطة بالإنسان ورؤية الشياطين الملتفة حوله لأنه لو حدث ذلك للإنس والجن لآمنوا جميعا ، وما كان هذا فضل منهم ولا مبادرة ولا اجتهاد لمجتهد يستحق عليه الثواب ، ولما تبين الظالم من المحسن حيث سيكون إيمانهم جميعا كنتيجة مباشرة لإطلاعهم على هذه الأمور الغيبية .

ولذلك فإن هذا الغطاء يرفع عن الإنسان بمجرد انتهاء فترة الابتلاء الخاصة بالمخلوق المبتلى فيقال له حين ذاك [ لقد كنت في غفلة من هذا ، فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (سورة ق : آية 22 )]

كذلك لم يكن الله سبحانه وتعالى ليرسل ملائكة للبشر كمنذرين ومبشرين ومعلمين لهذا السبب أيضاً فأرسل سبحانه إليهم بشراً ، حيث أن الملائكة من عالم الغيب وظهورهم للبشر يتعارض مع حقيقة الغطاء الكوني التي جعلها الله للإبتلاء [ وقالوا : لولا أنزل عليه ملك ، ولو انزلنا ملكا ، لقضي الأمر ثم لا ينظرون . ولو جعلناه ملكا ، لجعلناه رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون ( سورة الانعام : الآيات 8 ــ 9 ) ] . فلكي يتم الإبتلاء ، ولكي يختبر الله سبحانه وتعالى البشر بالرسل ، لابد أن يكون الرسل بشرا مثلهم ، يعرضون عليهم حقائق الغيب والآخرة ، ويطلبون منهم أن يؤمنوا بربهم وبهذه الحقائق ، أما إذا أرسل إليهم ملكا من السماء ، لانتفى الإبتلاء ، واستحال قيامة ، ولذلك قال [ ولو جعلناه ملكا ، لجعلناه رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون ] . أي أن الله إذا شاء أن ينزل إليهم ملكا رسولا لأنزله في صورة البشر وللبس عليهم حقيقته تحقيقا للابتلاء.

وفي هذا المعنى يقول أيضا سبحانه وتعالى في موضع آخر [ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا ان قالوا : أبعث الله بشرا رسولا ؟ قل : لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( سورة الاسراء : الآيات 94ـ 95) ] . أي أنه يلزم تحقيقا للإبتلاء أن يكون الرسول من نوع المرسلين إليهم.

وقصور العلم البشري عن إدراك المستقبل من لوازم الإبتلاء ، كما يفسر الغطاء الكوني هذا القصور ويعلله [ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ( سورة طه : آية 15 ) ] . ومنها إخفاء أجل وانتهاء حياة العبد [ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ( سورة لقمان : آية 34) ] .

ولكن أجهزة الإدراك البشرية ــ وإن كانت قاصرة عن إدراك عالم الغيب ـ إلا أنها مهيأة ومكيفة لإدراك عالم الشهادة ومعرفته معرفة تكاد تكون يقينية . إن ما منحه الله للإنسان من إمكانات المعرفة وأجهزة الإدراك ، إنما هو للإبتلاء أيضا [ ولا تقف ما ليس لك به علم ، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا سورة الاسراء : آية 36 ) ] . كما يقول أيضا مبينا أن الله جعل الإنسان سميعا بصيرا تحقيقا للإبتلاء [ أن خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا ( سورة الإنسان : آية 2) ] . كما جعل الله سبحانه وتعالى الجوانب العاطفية والشهوية والميول والأهواء والرغبات ، وحب الأموال والقوة والجاه والسلطان ، وكل مايجلب السراء والمتع والبهجة جعل كل ذلك للإنسان من جانب ، جعل في الطبيعة من المخلوقات المسخرة لتحقيق هذه المباهج والمتع ، وجعل كل ذلك لإقامة الإبتلاء على الأرض .

كما جعل الله في طبيعة الإنسان كذلك الألم والشقاء والمرض والجوع والحزن والخوف من جانب ،وجعل في الجانب الاخر من الحياة في الأرض ومن أحداثها وناموسها ما يسبب له ذلك كله ، وذلك للإبتلاء أيضا ، أما عن طبيعة البشر وما هيتهم التي جعلها الله بهذه الكيفية حيث يؤدي كل ذلك إلى قيام هذه الحقيقة الكبرى فيخبر عنها القرآن بقوله [ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل امسومة والانعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المآب (سورة آل عمران : آية 14 ) ] . كما يقول أيضا [ واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وإن الله عنده أجر عظيم ( سورة الانفال : آية 28 ) ] . وأما عن طبيعة الأرض وما عليها وكونها مخلوقة تتوافق مع طبيعة البشر في تحقيق ابتلائهم فيقول الحكيم العليم [ إناجعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( سورة الكهف : آية 7 ) ] .

كما تفسر لنا حقيقة الإبتلاء الحكمة التي من أجلها زودت النفس البشرية بالميل إلى الشر والخير سواء [ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ( سورة الشمس : الآيات : 7 ــ 10 ) ] . ومن ثم فحياة الإنسان من أولها إلى أخرها تهدف في جزئياتها وكلياتها للإبتلاء وتؤدي إليه [ لقد خلقنا الإنسان في كبد ( سورة البلد : آية 5) ] .

ولقد كانت مشكلة الشر ، هي المشكلة العويصة المستعصية أمام كل نسق فلسفي في أي فكر بشري ، وما رأينا نسقا من هذه الأنساق يقدم لنا الحل المقنع والنهائي مثل النسق القرآني القائم على حقيقة الإبتلاء . فوجود الخير والشر في الحياة الدنيا يعترضان سبيل الإنسان ، إنما هو بأمر الله وقدره ومشيئته ، تحقيقا لهذه الحكمة أيضا [ ونبلوكم بالخير والشر فتنة . وإلينا ترجعون ( سورة الأنبياء : آية 35 ) ]
ذلك أن وجود الشيطان ـ سواء شيطان الأنس أو الجن ـ كداعي للشر في الحياة ، فوق أنه كان كذلك نتيجة فشله في ابتلائه ن فقد جعله الله كذلك ومكنه من الوسوسة والإيعاز بالشر للفتنة والإبتلاء أيضا ودليل ذلك قوله تعالى [ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، وإن الظالمين لفي شقاق بعيد( سورة الحج : 53 ) . ]

والفتنة هي الابتلاء الشديد ، أي أن الله سبحانه مكّن الشيطان من وسوسته وإيعازه بالشر في قلوب الناس جميعاً حتى يتبين الذين في قلوبهم مرض ويتبين المؤمنون . أما الذين في قلوبهم مرض فيفتنهم الشيطان بإيعازه ووسوسته وأما الذين أمنوا فليس للشيطان عليهم سلطان بدليل قوله تعالى : [ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ، فأتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ، وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو في شك ، وربك على كل شيء حفيظ ( سورة سبأ : الآيات 20ـ 21 )]

أي أن ما جعله الله من إمكانات للشيطان إنما جعله له لابتلاء الناس والجن ، حتى يستبين المؤمن من الكافر ومن ثم ذكر الله في آخر الآية أنه على كل شيء حفيظ لأن ما أعطاه للكافر أو الشيطان من قوة وسلطان إنما هو بأمره تحقيقا ً للابتلاء ، وذلك يؤكد ما سبق أن ذكرناه عن حقيقة الشيطان من أنه صار كذلك نتيجة لابتلائه ، كما أن الله شاء ذلك للابتلاء به .

فإذا تسألنا عن الحكمة التي من أجلها جعل الله الإنسان خليفة وجدناها أيضا الابتلاء قال تعالى : [ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتكم إن ربك سريع العقاب ، وإنه لغفور رحيم ( سورة الأنعام : آية 165.).] كما يقول عز وجل أيضا : [ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون (سورة يونس : آية 14. )] فبين أن توارث السلطان وإمامة البشرية وخلافة الله فيها إنما هو للابتلاء حيث ينظر الله كيف يعملون حيال ذلك.

كما تعلل حقيقة الابتلاء أيضا كون الأنس والجن أحراراً فإذا تسألنا عن الحكمة التي من أجلها جعل الله السلوك الخلقي نابعاً من ذات الفاعل ، وجدنا أن ذلك أيضاً للابتلاء ، فالابتلاء بمعنى الامتحان والتمحيص هو دخول الإنسان موقفاً معيناً من شأنه أن تكون نتيجته فعلا خلقيا اختياريا للكائن المبتلى ، حتى يتحمل الجزاء المترتب على سلوكه وعلى الآثار الناجمة من موقفه الحر من التجربة الإبتلائية .

وكما أن ذات الإنسان الفرد مخلوقة بماهية تسمح بقيام حقيقة الابتلاء وسريانها عليه في حياته كلها ، وذلك باعتبارها الغاية القصوى لوجوده فيها ، فإن وجوده الأسري والاجتماعي والدولي والحضاري يؤدي إلى ذلك أيضاً .

فالظواهر والنظم الاجتماعية القائمة بين الناس وبهم في مجتمعاتهم، ترجع أساسياتها وعللها إلى مشيئة الله في قيام حقيقة الابتلاء بالإنسان، وقيام وجوده البشري [ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ، ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، أليس الله بأعلم بالشاكرين ( سورة الأنعام : آية 53.)]

ومن ثم خلق الله الناس مختلفين آجالاً وأرزاقاً وجاهاً وسلطاناً وجمالاً وذكاء وحكمة وقوة وأبناء [ وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم ، إن ربك سريع الحساب وإنه لغفور رحيم (سورة الأنعام آية 165.)]. فيبن أن وجود الفوارق والدرجات بين الناس في كل شيء إنما هو للابتلاء .

وقد جعل الله الإنسان كائناً اجتماعيا ليبتلي الناس حيث أن العلاقات القائمة بينهم على اختلافها ، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات تشكل مواقف وتجارب حقيقية لابتلائهم بعضهم ببعض . فيبتلي الرسل بأممهم والأمم بالرسل ، ويبتلي الحاكم بالمحكوم والمحكوم بالحاكم . ويبتلي القوي بالضعيف والضعيف بالقوي والزوج بالزوجة والأباء بالأبناء وهكذا . يقول الله تعالى : [ وما أرسلنا قبلك من المرسلين ، إلاّ أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة .. أتصبرون ؟ وكان ربك بصيراً (سورة الفرقان : آية 20.)].

ونقرأ كذلك في كتابه الحكيم [أهم يقسمون رحمة ربك ؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا . ورحمة ربك خير مما يجمعون ( سورة الزخرف : آية 32 ) ] . فاختلاف مستويات المعيشة بين الناس في المجتمع الواحد ، الناجم عن اختلاف قدراتهم العقلية والحسية والجسدية الموروثة ، قد شاءها الله تحقيقا للحكمة التي شاء أن يخلق العالم والإنسان لها .

لقد شاء الله سبحانه أن يعيش الناس في أمم وشعوب وقبائل [ يا أيها الناس : أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ( سورة الحجرات : آية 13 ) ] . كما بين سبحانه أنه لم يشأ أن يكون الناس أمة واحدة ، بل زودهم بما يجلهم مختلفين في السلوك كنتيجة مستلزمة من حقيقة الإبتلاء ، كما جعلهم مختلفين ألوانا ، ولغة ، وأرضا ، وعادات وتقاليد . كل ذلك شاءه سبحانه للإبتلاء [ . . ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ( سورة المائدة : آية 48 ) ] . فبين أن ما ركب في طبيعة البشر حتى صاروا أجناسا مختلفين إنما هو للإبتلاء .

فهذا الإختلاف بينهم في الأمور الجبرية التي خلقهم الله عليها وأمدهم بها أولا ، ثم في السلوك الخلقي الإختياري لهم هو الذي جعلهم أمما مختلفين [ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ، وتمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( سورة هود : آية 118 ـ 119 ) ] .

ذلك هو أساس المجتمع البشري المحلي والعالمي على الأرض يرتكز على حقيقة الإبتلاء ، فبالنسبة لحياة المجتمع الواحد والذي يقوم أساسا على أساس صفة الإجتماعية في الإنسان الفرد بحيث تستحيل عليه الحياة الإنفرادية ، وما يستتبع ذلك من ظواهر ونظم إجتماعية ، فإنه يؤدي أيضا لقيام حقيقة الإبتلاء بين أفراده وجماعاته من ناحية ، ثم بينه وبين بقية المجتمعات الأخرى على الأرض من ناحية أخرى .

ومن ثم يمكن القول أن المجتمع البشري كما يريده الله سبحانه ـ حسب النظرة القرآنية وتحقيقا لغاية الحياة البشرية ـ لابد أن تتفاوت فيه مستويات الناس في كل شيء . فهو قائم على درجات بين الناس في الأرزاق والقدرات بأنواعها ، ولكنه لا يقوم على الطبقات حيث الجميع من أصل واحد ، ولكن هذه الفروق إنما جعلها الله تعالى للإبتلاء . فالقرآن الكريم يثبت هنا حتمية استمرار هذه الفروق واستحالة إلغائها استحالة مطلقة .

إن إلغاء الفوارق بين مستويات الناس إلغاء تاما ، بحيث يكون دخل كل منهم كدخل الآخر ، ومسكن كل منهم كمسكن الآخر ، وملبسه كملبس الآخر ، وغير ذلك مجرد أحلام وأوهام لا يمكن أن تتحقق على الأرض لأنها دار ابتلاء ، وهي إن تحققت خرجت عن الخط المرسوم لها لتحقيق غايتها . إن هذه الأحلام لا تتحقق إلا في دار النعيم ، وأي مذهب يتحدث عن ذلك يحاول أن يثبت إمكانية تحقيقه فهو مذهب مخادع مخاتل ، وفلسفته لا تقوم على أسس حقيقية واقعية من طبائع البشر والحياة .

إن الإسلام بتشريعه الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي إنما هو أفضل نظام يقلل من هذه الدرجات والفوارق بين مستويات الناس إلى أقل حد ممكن ، حتى ينال كل إنسان حقه الذي قدره له الله تعالى ليحي حياة كريمة تتناسب مع كونه خليفة لله عز وجل . وذلك لا يتحقق إلا بإقامة خلافة الله في الأرض بتطبيق شرعه الذي شرعه للناس . ولكن إلغاء الفوارق تماما مستحيل لأن البشر يولدون بها وقد شاء الله تعالى ذلك للإبتلاء ، فمن الذي يمنع نفاذ مشيئته ؟؟ .

إن حقيقة الإبتلاء حقيقة كبرى ، تملأ جوانب الكتاب الكريم من أوله إلى آخره ، وتتخلل آياته وسوره ، كما تتناولها السنة في عديد من الأحاديث .

وهي حقيقة هامة وخطيرة ، بل أنها أخطر الحقائق التي يتحدد بها موقف الإنسان من الكون ، وتثبت أبعاده وأهدافه ومراميه ، فيها يزول كل إبهام أو غموض حول حقيقة الإنسان ، وتمنحي بها كل شبهه حول علاقته بربه .

وهي الحلقة الوسطى التي تربط وجودية الغيبيين بالوجود البشري الحالي حيث تجعل رحلة الإنسان الوجودية ، منذ خلقه إلى خلوده في الآخرة ، متصلة مترابطة معقولة ، ويعلل سابقها لاحقها ويفسر غائبها شاهدها .

هذه الحقيقة التي من أجلها خلق الله الكون والإنسان ، وجعل الحياة والموت ، تعلل الوجود الإنساني الأرضي ، وكيفية هذا الوجود ، كما أنها تحدد مصير الإنسان الأبدي ، وكيفية هذا المصير .

وعلى أساس هذه الحقيقة الكبرى أنشأ الله سبحانه وتعالى الحياة وخلق الإنسان بما عليهما .

إن الحياة البشرية ليست إلا عديدا من التجارب الإبتلائية تتولد الواحدة من سابقتها وتولد في نفس الوقت لاحقتها ، فا لحياة في النهاية ليست سوى تجربة ابتلائية كبيرة يجتازها الفرد والجماعة والمجتمع والجيل والأمة خلال أجل كل منهم .

أبو فهد 22-02-2005 04:01 PM

29 ـ التجربة الإبتلائية بالضراء والسراء:

الابتلاء لغة هو الامتحان و التمحيص و الاختبار ‘ وحقيقته كما تثبتها الآيات القرآنية أن الله سبحانه و تعالى يجري على العبا د أمورا و أحدثاً وأفعالاً هي في حقيقتها أفعال جبرية ليس للعبد فيها أدنى اختيار وذلك ليبتليهم. فدخول العبد التجربة الإبتلائية ،لا يمكن إلاّ أن يكون جبريا ومن ثم فالتجربة الإبتلائية التي يمر بها الإنسان عموماً تتضمن حقيقتين كبيرتين عن الفعل الإنساني والفعل الإلهي .

ويتضح ذلك جليا من معرفة حقيقة الابتلاء وكيف يبتلي الله سبحانه وتعالى العباد. فالابتلاء بمعنى الاختبار و الامتحان مثل [ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين. (سورة البقرة : آية 155. )] وفي قوله أيضا [ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور. ( سورة آل عمرآن: آية 116 ) ]. فهاتان الآيتان تثبتان الابتلاء بالآلام: الجوع والفقر والموت والمصائب والأذى من الظالمين واضطهاد الكافرين للمؤمنين المستضعفين والتنكيل بهم كما تثبتان كل ما يجلب الألم للإنسان كما تثبتان حدوث هذه الأمور له حدوثا اضطراريا ليس للإنسان حياله دفعا أو اختياراً فهو سبحانه الذي يبتلي المؤمنين بالآلام كنتيجة لأفعال الظالمين الذين ابتلاهم أيضا بالسلطان والقوة لينظر هل يصبر المؤمنون أم يجزعون ودليل ذلك قوله [ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة...أتصبرون.]. وقوله في الآية السابقة [ وبشر الصابرين.] كما يقول الله تعالى في الحديث القدسي [ ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه أهل الدنيا، ثم احتسبته، إلا الجنة.(صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ) ].

وكما يبتلي الله بالآلام، يبتلي أيضاً بالمتعة والنعيم وكل ما يجلب الرفاهية للإنسان فإذا كان [ المال والبنون زينة الحياة الدنيا. ( سورة الكهف : آية 46.)]. فما جعلهما الله كذلك إلاّ ابتلاء للناس [ إنما أموالكم وأولادكم فتنة وان الله عنده أجر عظيم .( سورة الأنفال : آية 28.)].

إن الصابرين على ما يمرون به من تجارب ابتلائية مؤلمة أو الشاكرين على ما يصيبهم من تجارب ابتلأئية ممتعة إنما يثبتون أنهم مؤمنون حقيقة وفعلا لا قولاً ورياء ، كما أنهم يرتفعون في الدرجات والمقامات عند الله. ودليل البلاء للرقعة والترقي إلى أقصى درجات ومراتب الكمال البشري المقدر للإنسان على الأرض ما رواه مصعب بن سعد عن أبيه قال [ قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء ؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان صلبا اشتد بلاؤه وعن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي ما عليه خطيئة. (الشيخ منصور علي ناصف / التاج الجامع للأصول ج 5، ص 168.)]. وفي هذا المعنى ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت [ ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( رواه الإمام أحمد في مسنده)].

فالبلاء رفعة للمؤمن لأنه يتدرج مع المرء صعودا كلما نجح في تجربة ابتلائية زيد له في التي تليها من حيث الشدة والنوع وهكذا ، كما تزيد العلوم على الدارس في معهده من حيث العمق والصعوبة والتعقيد والكم كلما نجح في مرحلة دراسية وانتقل على مرحلة أخرى. ومن ثم فإن الكمال الإنساني يرتبط ارتباطا وثيقا بالحكمة من خلق الإنسان وهي الإبتلاء.

وكما يكون البلاء للتمحيص والتثبيت والرفعة يكون أيضا للتطهير بل إن التطير هو الوسيلة التي يرتفع بها المؤمن في الدرجات فقول الرسول علية الصلاة والسلام في الحديث السابق [ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي ما عليه خطيئة .]. خير برهان على ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عنه أبو هريرة [ ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة .( التاج الجامع للأصول ج 5، ص 198.)].

وكما يكون الإبتلاء سواء بالآلام أو بالنعيم تثبيتا ورفعة وتطهيرا من الذنوب للمؤمنين يكون لسواهم علاجا وتوجيها وأعذارا وإنذارا [ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. ( سورة الأنعام : آية 44.)]. فبين أن الله يصيبهم بالبأس ليعودوا إليه [ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قسمت قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.( سورة الأنعام : آية 43. ) ]. [ ما أرسلنا في قرية من نبي الا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون.( سورة الأعراف : آية 64. ) ]. فإذا لم يستجيبوا ولم يتضرعوا بالبأساء والضراء ابتلاهم الله بالمتع والنعيم لعلهم يشكرون أو يرجعون [ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون .( سورة الأنعام : آية 44. ) ]. ذلك أن فشلهم في ابتلائهم بالسراء بعد الضراء لعلاجهم يستوجب عليهم عذاب الاستئصال.

فالنعمة من الله سبحانه وتعالى للناس ابتلاء.

والنقمة أيضا إذا أصابتهم ابتلاء.

[ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن ,أما إذا ما ابتلاه فقدرعليه رزقه فيقول: ربي أهانن.( سورة الفجر: آية 15، 16. ) ].

ومن ثم فحياة الإنسان من أولها إلى اخرها مواقف متعددة مطردة من الابتلاءات لا يكاد المرء يفرغ من الابتلاء من مواقف أو تجربة حتى يدخل أخرى وهي تختلف شدة وليناً وعسراً ويسراً وقوة وضعفاً، حتى تصيح كل كلمة وكل حركة وكل خلجة نفس ، وكل تصرف وسلوك صغر أم كبر تجربة ابتلائية يحصيها الله على العبد ويحاسبه عليها [ ان نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وأثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين .( سورة يس : آية 12. ) ]. فمن أمثلة الابتلاء بالسلوك قوله تعالى [ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى.( سورة الحجر آت: آية 3. ) ].

وتختلف التجربة الإبتلائية من حيث الشدة واليسر ـ سواء كانت ابتلاء بالسراء أم ابتلاء بالضراء ـ فيقول الله عز وجل للمؤمنين منبهاً فيها إياهم عن ابتلائهم بالنعيم والسراء ابتلاء يسيراً [ يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم.( سورة المائدة : آية 94. ) ].

كما يمكن النظر إلى التكاليف الشرعية ـ سواء أكانت شعائر تعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من السنن والنوافل أم كانت شرائع تنظيمية للحياة والمجتمع ـ على أنها اختبارات وبلاءات متعددة ومتنوعة ومختلفة بل هي السلوك الواجب على الإنسان اتباعه حيال تجاربه الإبتلائية في حياته اليومية.

وباختصار فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي بالآلام كما يبتلي بالنعيم، وكما أن المطلوب من العبد حيال الابتلاء بالآلام الصبر والرضى بالقضاء، فالمطلوب منه حيال الابتلاء بالنعيم الشكر لله ، والاعتراف بفضله عليه . فالصبر والشكر حالتان أو وجهان لحقيقة الإيمان حيث أن الإيمان هو دخول العبد اختيارياً في عبوديته لله و تحقيق ذلك بتنفيذه كل ما يطلبه منه الشرع من أوامر والامتناع عن كل ما ينهاه عنه من نواهي سواء كانت هذه التكاليف ممتعة له أو مضنية.

فالمؤمن يصبر على المعصية كما يصبر على الطاعة ويصابر على الجهاد ومشقته وعنائه شاكراً لله توفيقه في ذك كله حامدا إياه على الضراء كما يحمده على السراء حيث لايحمد على مكروه سواه . وهو أيضا يحمده ويشكره على ما رزقه من أسباب العز والساطان والجاه والرفاهية صابرا على ذلك كله باعتباره مدعاة للانزلاق إلى هاوية الغرور والكبر والظلم. فهما إذا وجهان للإيمان ولذلك جاء في الأثر أن [ الصبر نصف الإيمان ] على أن الشكر هو النصف الآخر كما جاء في الحديث الشريف [ عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن( رواه مسلم في كتاب الزهد]. فالصبر والشكر هما السلوكيان الإختياريان المطلوبان من العبد حيال ما يعترضه من مواقف وتجارب ابتلائية أو بتعبير آخر القيام بما كلفه الله به إزاء هذه المواقف.

أبو فهد 22-02-2005 04:02 PM

30 ـ الرسل والأنبياء عليهم السلام هم أسوة البشر في الفوز في الابتلاء:

وحياة الرسل والأنبياء ليست سوى النماذج البشرية السامية لهذا السلوك الإبتلائي الحر في التجارب الابتلائية ، والمثل الناجحة ، فكل رسول وكل نبي يخوض في حياته مختلف الأنواع من التجارب الإبتلائية الممتعة والمؤلمة ، شأنه في ذلك شأن اليشر أجمعين ، علاوة على أنه يتخصص في نوع معين من الابتلاءات يصبح فيه النموذج والمثال العظيم وفي هذا تطبيق وتوضيح لقول الرسول بأنهم أشد الناس بلاء.

فإذا كان إبراهيم الخليل أبا للمسلمين حيث قال الله فيه [ . . . وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل ( سورة الحج : آية 78 ) ] . كما أنه ــــ بنصوص قرآنية ـــ أبو الأنبياء ، قد رزقه الله ابنيه إسماعيل وإسحق على الكبر ، ومن ثم فإن أشد ما ابتلاه الله به إنما كان في عاطفة الأبوة لديه ، تلك التي وسعت أمة بأسرها . فصار بذلك مثلا للأباء على طاعة الله في الأبناء ، باعتبار أنهم من فتن الحياة الدنيا وابتلاءاتها كما أخبر الله بذلك ، وذلك حين أمره الله بذبح ابنه اسماعيل الذي رزقه الله به على الكبر [ فلما بلغ معه السعي قال : يا بني إني أرى في المنام إني أرى في المنام إني أذبحك ، فانظر ماذا ترى . قال : يا أبت افعل ما تؤمر ، ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا ابراهيم . قد صدقت الرؤيا ، وأنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم . ( سورة الصافات : آية 102 ـ 107. ) .] .

كما يمكن اعتبار إسماعيل عليه السلام بطاعته لله ولأبيه مثالا ونموذجا رائعا في الإسلام لله وفي طاعة وبر الوالدين .

أما يوسف عليه السلام فقد تميز بالإبتلاء بالجمال الأخاذ الذي عرضه لفتنة الشهوة من امرأة العزيز [ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب ، وقالت : هيت لك ، قال : معاذ الله ، إنه ربي أحسن مثواي ، إنه لايفلح الظالمون . ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء أنه من عبادنا المخلصين ( سورة يوسف : الآيات 23 ـ 24 ) ] . ومهما قيل في معنى قوله تعالى (( وهم بها )) فإن السلوك الإختياري الذي . كان من يوسف والمتمثل في قوله لها حين دعته إلى نفسها (( معاذ الله )) هو السلوك النموذجي الناجح في مثل هذه المواقف الجنسية التي تعترض كافة البشر في حياتهم وبخاصة الشبان والشابات .

كما يمكن اعتبار صبر بني إسرائيل وعلى رأسهم موسى عليه السلام حيال ظلم فرعون لهم نموذجا للسلوك الناجح حيال اضطهاد أصحاب السلطان الجائرين للمؤمنين المستضعفين [ وإذ نجيناكم من آل فرعون ، يسومونكم سوء العذاب ، يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم . ( سورة البقرة : آية 49 .) .] .

أما داود وسليمان فيمكن أن ننظر إليهما على أنهما قد تميزا بالإبتلاء بالخلافة في
الأرض والحكم والقوة والملك ، حيث صارا النموذج الناجح والسامي في هذا الإبتلاء . وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم بالفتنة التي اختبر بها داود ليعلمه أصول الحكم بين الناس قبل أن يوليه خلافة الأرض فقال مخاطبا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم [ اصبر على مايقولون ، واذكر عبدنا داود ، ذا الأيد أنه أواب ، أنا سخرنا الجبال معه ، يسبحن با لعشي والإشراق والطير محشورة ، كل له أواب . وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب . وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ؟ إذ دخلوا على داود ففرغ منهم ، قالوا : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلينها وعزني في الخطاب . قال : لقد ظلمتك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وأن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ، وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه ، وخر راكعا وأناب ، فغفرنا له ذلك ، وأن له عندنا لزلفى وحسن مآب . يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ( سورة ص : الآيات 17 ــ 26 ) ] . والشاهد في هذه الآيات أن الخصم الذين تسوروا المحراب ، مرسلون من الله لاختبار داود في معرفة أصول الحكم وقواعد القضاء بين الناس ، حيث تسرع وأصدر الحكم قبل سماع أقوال الطرف الثاني في القضية . ولكنه سرعان ما أدراك ذلك فخر راكعا لله وأناب فغفر له ربه وجعله خليفة في الأرض .

والسلوك الإختياري المطلوب ممن يبتليه الله با لخلافة والملك ، هو الحكم بين الناس بشرع الله ، والشكر له ، ومن ثم قال [ اعملوا آل داود وشكرا ، وقليل من عبادي الشكور ( سورة سبأ : آية 13 ) ] .


ويبدو لنا سليمان عليه السلام أشد ابتلاء بالملك من أبيه . فلم يكن مفهومه للملك في الدنيا سوى أنه فتنة واختبار من الله له . فهو مجرد سؤال عملي وتجربة ابتلائية اجتازها سليمان ونجح فيها بالشكر لله ، وليكون مثالا للملك الناجح في ابتلائه وشاهدا يوم القيامة على أمثاله من الملوك والأغنياء . فلقد طلب سليمان من ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ـــ لا حبا في الملك ــ فقد كان نبيا ملكا حيث ورث أباه داود ، ولكنه طلب أن يعطيه الله هذا الملك للإبتلاء ، وذلك لأن سليمان وقد فشل في ابتلاء يسير من ابتلاءات النعمة ، حيث فتنة الخيل والتمتع بها فنسى ذكر ربه ، فعز عليه ذلك وهو النبي ، فتاب إلى الله وطلب منه أن يدخله تجربة ابتلائية أقسى وأشد مما هو فيه ومن ثم سأله الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، تكفيرا لذنبه الذي ارتكبه بفشله في الإبتلاء اليسير وتطهيرا وارتفاعا في الدرجات عند الله ، وذلك برجائه أن ينجح في هذا الإبتلاء الكبير [ ووهبنا لداود سليمان ، نعم العبد ، إنه أواب ، إذ عرض عليه با لعشي الصافنات الجياد . فقال: إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب . ردوها علي ، فطفق مسحا بالسوق والأعناق . ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب . قال : رب اغفر لي ، وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب .فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص . وآخرين مقرنين في الأصفاد . هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب . وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( سورة ص : آية 30 ـ 40 ) ] . [ ولقد آتينا داود وسليمان علما ، وقالا : الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين . وورث سليمان داود ، وقال : يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ، إن هذا لهو الفضل المبين . وحشر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير فهم يوزعون . حتى إذا أتوا على وادي النمل ، قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون . فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ، وأن أعمل صالحا ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . وتفقد الطير فقال : ما لي لا أرى الهدهد ، أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين . فمكث غير بعيد فقال : أحطت بما لم تحط به ، وجئتك من سبأ بنبأ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم . وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم . قال: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ( سورة النمل : الآيات 15 ـ 27 ) ]. فلما طلب سليمان من ملئه أن يحضروا له عرشها [ قال عفريت من الجن : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، فلما رآه مستقرا عنده قال: هذا من فضل ربي ، ليبلوني أأشكر أم أكفر ، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإن ربي غني كريم ( سورة النمل : الآيات 39 ـ 40 ) ] . وهكذا فهم سليمان ملكيته وسيطرته على الجن و الأنس والطير وتسخير قدراتهم له بأمر الله ، فهم ذلك كله على أنه بلاء من الله له ، وأن السلوك الإختياري المطلوب منه حياله هو الرجوع بالفضل في ذلك إلى الله والشكر له .

أما أيوب فهو مثال البشرية في الصبر ، والشاهد على أن الناس يوم القيامة والحجة الدامغة على الفاشلين في ابتلاءاتهم المؤلمة ، ذلك أنه قد تميز بالإبتلاء بالضر والألم [ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب . أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ، رحمة منا وذكرى لأ ولي الألباب . وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ، أنا وجدناه صابرا نعم العبد ، إنه أواب ( سورة ص : الآيات 41 ـ 44 ) ] . فقدم لنا الصبر باعتباره السلوك الإختياري الناجح حيال هذا النوع من الإبتلاء فصار إماما للصابرين من البشر والأنبياء حيث قال عنه الله [ وأيوب إذ نادى ربه : إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ، وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين . وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ، كل من الصابرين . وأدخلناهم في رحمتنا ، إنهم من الصالحين ( سورة الأنبياء : الآيات 83 ـ 86 ) ] .

وبذلك يكون الرسل والأنبياء شهداء على أممهم وشعوبهم ، حيث يصبحون يوم القيامة حجة بسلوكهم الخلقي الإختياري حيال شتى أنواع الإبتلاءات ، على الناس [ ونزعنا من كل أمة شهيدا ، فقلنا : هاتوا برهانكم ، فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون ( سورة القصص : آية 75 ) ] . أما خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد تعرض لجميع أنواع الإبتلاءات التي يمكن أن يتعرض لها إنسان في هذه الحياة والتي تعرض لها الرسل جميعا : اليتم ، وفقد الأبناء ، والمرض والفقر ، والجوع ، وأذى الناس وتكذيبهم له ، وهوانه عليهم ، كما ابتلى بالقوة والجاه والسلطان والمتعة والغنى والحكم وسائر متع الحياة الدنيا ، وقدم حيال كل ذلك السلوك الخلقي القويم كنموذج يحتذى في كل موقف من مواقف الإبتلاء . لقد كانت حياة الرسول عليه الصلاة والسلام حياة بشرية واقعية ، حيث جاء للبشرية في طورها الأخير ، معلما وهاديا وشهيدا عليهم ومن ثم كان كل رسول شهيدا على أمته وهو شهيد على الرسل جميعا باعتبار أن كلا منهم تميز بنوع معين من الإبتلاءات وهو قد تميز بها جميعا ، ولذلك كانت رسالته جامعة فوصل بالسلوك الخلقي والإجتماعي للبشر إلى مستوى الكمال المقدر لهم على الأرض [ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء (سورة النحل : آية 89 ) ] .


كما ضرب الله لنا مثلا في القرآن الكريم بالناجحات في ابتلاءتهن كنماذج وأمثلة السلوك الإختياري الناجح بالنسبة للنساء [ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها ، فنفخنا فيه من روحنا ، وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ( سورة التحريم : الآيات 11 ــ 12 ) ] .

فكانت امرأة فرعون حجة وشاهدة على امرأة كفرت بالله لمجرد أن زوجها وأهلها ومجتمعها كافرون ، ذلك لأن فرعون كان ــ علاوة على كونه زوجا لها ــ ملكا متأ لها ، وطاغية متجبرا ، وأهلها ومجتمعها كانوا كافرين ، وبالرغم من ذلك كله آمنت بالله واليوم الآخر ، فهل بعد امرأة فرعون حجة للنساء الكافرات يبررن بها كفرهن بالله واليوم الآخر ، سواء كانت الحجة وقوعهن تحت سيطرة الزوج الكافر أو الأسرة الكافرة أو المجتمع الكافر أو الحاكم الكافر ؟ ! .

وكذلك كانت مريم ابنة عمران مثالا للطهر والعفاف وحجة قائمة يوم القيامة على كل أنثى تفرط في طهرها وعفافها ، وذلك أن الزنا كان متفشيا ، والمادية كانت طاغية في المجتمع الذي نشأت فيه مريم عليها السلام ، ومن ثم كان طهرها وعفافها حجة على الزانية في كل بيئة وحضارة بما في ذلك نساء الحضارة الغربية المعاصرة اللاتي يندر ــ بل لا يكاد يوجد ـــ بينهن عفيفة واحدة ، كما هو معلوم بالضرورة للجميع في وقتنا الحاضر .

أما بالنسبة للفريق الآخر الذين ضلوا الإختيار الصحيح إزاء ما تعرضوا له من ابتلاءات النعيم او من الإبتلاء بالمصائب والآلام ، فقد قدم لنا القرآن نماذج شتى فيما حكاه لنا عن الأمم السابقة . كما عرض لنا نماذج فردية وجماعية وقومية كثيرة . نأخذ منها على سبيل المثال ما قصه علينا من أمر فرعون كمثل للإنسان المبتلى بالحكم ، الذي كفر بنعمة ربه عليه ولم يشكره على ما آتاه ، كما حكم بين الناس بهواه ، وتمادى وطغى حتى ادعى الربوبية و الألوهية . فكان مثلا يضرب للحاكم الظالم [ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحي نساءهم ، أنه كان من المفسدين ( سورة القصص : آية 4 ) ] . فأجرى الله سبحانه وتعالى عليه وعلى قومه الضالين سنته في ابتلاء للتذكير والإنذار [ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص ن الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ، ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون . وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ، فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ( سورة الاعراف : 130 ـ 133 ) ] .

فما كان صراع موسى عليه السلام مع فرعون إلا ابتلاء له وفتنة حتى تقوم عليه الحجة [ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ، وجاءهم رسول كريم ( سورة الدخان : آية 17 ) ] . بيد أنه أصر على طغيانه [ وقال فرعون : يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ، فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ، وإني لأظنه من الكاذبين . واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( سورة القصص : الآيات 38 ـ 39 ) ] .

كما ضرب الله مثلا للرجل الغني الذي أتاه الله مالا كثيرا للإبتلاء به فلم يحمد الله عليه ونسب الفضل لنفسه بقارون [ إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ، وآتيناه من الكنوز ما إن مفتاحه لتنوء بالعصبة أولى القوة ، إذ قال له قومه : لا تفرح ، إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما أحسن الله إليك ، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال : إنما أوتيته على علم عندي ، أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( سورة القصص : الآيات 76ـ 78 ) ] . أما مثل الذي فشل حيال الإبتلاء بالألم فيقول الله فيه [ ومن الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( سورة الحج : آية 11 ) ] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

المصدر : [ القضاء والقدر في الإسلام
الكتاب الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية لعام 1405هـ - 1985م
تأليف الدكتور فاروق أحمد الدسوقي - ( الجزء الأول في القرآن الكريم والسنة ) ]

أبو البراء 22-02-2005 07:55 PM

جزاك الله خيراً أخي الحبيب ( معالج متمرس ) ، ولا حرمكَ الله الأجر ، وجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم الموقف العظيم ، مع تمنياتي لك بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

bassjhon 05-03-2005 03:02 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي العزيز معالج متمرس

كنت ابحث عن آيه في القرآن هي الآيه 41 من سورة ص ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) فساقني البحث الى منتداكم الجميل ولاكن وجدت هذه الآيه التي ابحث عنها نقلت ربما بغير قصد خطاء وغير مطابقه للقران الكريم.......


لذا وجب التنبيه


واليك الآيه كما جائت بالقران

( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ) حيث كتبت ووهبنا له زوجه والصحيح وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ.

والله الموفق وهو أرحم الراحمين

أبو البراء 05-03-2005 03:47 AM

بارك الله فيكَ أخي ( bassjhon ) ، ولقد أجريت التعديل اللازم على الآية ، مع تمنياتي لكَ بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

أبو فهد 27-01-2006 04:07 PM

جزاكما الله كل خير ...

منبر الحق 27-01-2006 08:55 PM



اقتباس:

جزاك الله خيراً ( معالج متمرس ) ، ولا حرمكَ الله الأجر ، وجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم الموقف العظيم ، مع تمنياتي لك بالصحة والسلامة والعافية :
///
///
///

أبو البراء 28-01-2006 08:50 AM



بارك الله في الجميع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

ام الخير الصبورة 25-06-2006 06:16 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
جزاك الله كل خير اخي معالج متمرس لطرحك هذا الموضوع واسمح لي بأن أضيف موقف المؤمن من الابتلاء

أولاً :

إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : ( إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ) رواه الترمذي ( 2396 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك – أي : هلاكك - .

وقال الفضل بن سهل : إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب ، وتعرّض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة ، وحضّ على الصدقة .

والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر ، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر ، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية .

وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يسترجع ويدعو بما ورد .

فما أجمل تلك اللحظات التي يفر فيها العبد إلى ربه ويعلم أنه وحده هو مفرج الكرب ، وما أعظم الفرحة إذا نزل الفرج بعد الشدة ، قال الله تعالى : ( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) .

وروى مسلم (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله " إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها " إلا أخلف الله له خيراً منها ) . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .

ثانياً :

وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت .

وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم " زاد المعاد " (4/189–195) أموراً منها :

1- " أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه ، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .

2- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة ؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة ؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً ، وإن سرَّت يوماً ساءت دهراً ، وإن متَّعت قليلاً منعت طويلاً ، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لكل فرحة ترحة ، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .

3- أن يعلم أن الجزع لا يردها – أي : المصيبة - بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من تزايد المرض .

4- أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة .

5- أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .

6- أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك " بيت الحمد " الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر أي المصيبتين أعظم : مصيبة العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد ، وفي الترمذي مرفوعاً : ( يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ) ، وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .

7- أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا قصص الشكوى إليه .

8- أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه ، كما قيل :

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

9- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه ، كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( حُفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) " انتهى باختصار .

ثالثاً :

كثير من الناس إذا أحسن تلقي البلاء علم أنه نعمة عليه ومنحة لا محنة

قال شيخ الإسلام رحمه الله : " مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله " .

وقال سفيان : " ما يكره العبد خير له مما يحب ، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء ، وما يحبه يلهيه " .

وكان ابن تيمية رحمه الله يعد سجنه نعمة عليه تسبب فيها أعداؤه .

قال ابن القيم : " وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام - ما يصنع أعدائي بي !! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنى رحت فهي معي لا تفارقني ، إنّ حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .

وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا .

وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله ، وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه ، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط ، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرفاهية والنعيم ، بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم قلباً ، وأسرهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه ، وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت منا الظنون ، وضاقت بنا الأرض ، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " انتهى .

"الوابل الصيب" (ص 110) .


الساعة الآن 12:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com