المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إِخْلاَصُ الدِّينِ للهِ ." الشيخ عبد المالك الجزائري-حفظه الله-


أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:51 AM
إِخْلاَصُ الدِّينِ للهِ .

إخلاص الدِّين لله هو أصل الدِّين وقطبُه الذي تدور عليه رحاه ، وهو التوحيد الذي أرسل الله به الرسلَ ، وأنزل به الكتب ، وإليه دعا الأنبياءُ –عليهم الصلاة والسلام-، وعليه جاهدوا ، وبه أَمروا ، وفيه رغَّبوا .

قال الله تعالى : **فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ(2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)**[الزمر:2-3]
وقال : **وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ{ [البينة:5]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : **قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ (15)** [الزمر: 14-15] .
وقال :**قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)**[الأنعام : 162-163] .

فهذا التوحيد هو بِمثابة الأساس من البنيان .
قال ابن القيم رحمه الله : " من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدَّة الاعتناء به ؛ فإنَّ علوَّ البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه ، فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان...

فالعارف همَّتُه تصحيح الأساس وإحكامُه ، والجاهلُ يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانُه أن يَسقط ؛ قال تعالى: **أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ{ [التوبة:109] .

قلت : وذلك أنَّ هذه الآية نزلت في المنافقين الذين بنوا مسجدًا للصلاة فيه ، لكنَّهم لما أتوا بِهذا العمل العظيم الفضيل وقلوبُهم خِلوٌ من الإخلاص لم ينفعهم ذلك شيئًا ، بل انهار بِهم في نار جهنَّم كما الآية .

ثم قال رحمه الله : "وهذا الأساس أمران :
-الأول : صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته .
- والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه .

فهذا أوثق أساس أسَّس العبد عليه بنيانه، وبحسبه يعتلي البناءُ ما شاء. فَـأَحْكِمِ الأساسَ ، واحفظ القوَّة، ودُم على الحميَّة...(1)

*والتوحيد بمثابة الجذور من الشجرة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى تحت عنوان ( شجرة الإخلاص ) :
فالسَّنة شجرةٌ، والشهور فُروعُها، والأيَّام أغصانُها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثَمرُها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة ، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل .

إنَّما يكون الجداد (2)، فعند الجداد يتبيَّن حُلوُ الثملر من مرِّها .
والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب، وفروعها الأعمال، وثمرُها طِـيبُ الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ، وكما أنَّ ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .

والشرك والكذب والرياء شجرةٌ في القلب ، ثمرُها في الدنيا الخوفُ والغمُّ وضيق الصدر وظلمةُ القلب ، وثمرها في الآخرة الزَّقُّوم والعذاب المقيم ،وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم " (3) .

قلت يريد قول الله تعالى : **أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)** . وفيها دليل واضح على أن الإخلاص يبدأُ بالتوحيد ، وينتهي بالتوحيد ، ويُركِّز فيه بين ذلك على التوحيد .

-------
(1) الفوائد (ص204) .
(2) الجداد : قطف الثمر .
(3) الفوائد (ص: 214) .

يتبع إن شاء الله .

أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:52 AM
ولمَّا كان التوحيد بمثابةِ الأساس من البنيانِ، والجذور من الشجرة ، كان أول أَمرٍ يصادف الناس عند افتتاحهم للمصحف من بدايته ، وذلك هو قوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ** [البقرة: 21] (1).


ثُمَّ بعد هذا مباشرة النهي عمَّا يضاد التوحيد، ألا وهو الشرك؛ وذلك قوله سبحانه: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ**[البقرة: 22].


وهذه فائدة جليلة؛ لأنَّ الله عز وجل لم يأمرنا بعبادته فحسب، بل ونَهانا أيضًا عما ينقض ذلك، ألا وهو عبادة غيره، فقلِّب النَّظر في كتاب ربِّكَ حُكمًا مطَّرِدًا،

فمنه قول الله عزَّ وجلَّ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ** [البقرة:163].،

ومنه قوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ**[النحل: 36]،

ومنه قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ**[الأنبياء: 25 ] ،

وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا**[النساء :36] الآية .


قال الشيخ مبارك الميلي – أمين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رحمه الله - : « فلم يكتف في الشهادتين بالتوحيد المُجرَّد، حتَّى صرَّح بنفي التعدُّد، وحصر التشريع في شخص المرسَل بالتبليغ » (2).

والشرك هو أُولَى المحَرَّمات الَّتي ينهى الله عنها ، كما في قوله جلَّ وعلا:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا** [الأنعام :151] الآية.

وأول وصية قدمها لقمان لابنه أن قال: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ**.[لقمان :13] .

واهتمامات الناس تتفاوت، وإنَّما تُعلم عنهم عند حشرجة الروح، في وصية الميت للحيِّ.

فمنهم من يُوصي زوجته بماله، ومنهم من يُوصي حبيبه بوظيفته وسلطانه، ومنهم من يُوصي ولدَه بإخوانه ...

وأفضلهم من يُوصي العبدَ بربِّه، ولذلك كان التوحيدُ وصيةَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند موتِهم، قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)** [البقرة : 132-133] (3).

ولهذا كان الدعاة إلى التوحيد أفضل الدعاة وأشرفهم، لأنَّ الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى أعلى درجات الإيمان، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ من شُعبِ الإيمان » (4).

قال النووي رحمه الله : « وقد نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم على أنَّ أفضلها التوحيد المتعيّن على كل أحد، والذي لا يصح شيءٌ من الشُّعب إلَّا بعد صحَّته » (5) .

قلت. بل هذه الشُّعب لا تنبت في قلب امرئ، ولا تثمر على جوارحه إلَّا بحسب ما قام بالعبد لهذه الكلمة الطيَّبة من معانٍ .

---------
(1) كان العلاَّمة حمَّاد بن مُحمَّد الأنصاري رحمه الله يُنبِّهنا على هذه الفائدة العظيمة .
(2) رسالة الشرك ومظاهره (ص :20) .
(3) انظر : تخريج الوصايا من خبايا الزوايا لصديق خان (ص: 74) .
(4) رواه مسلم (58) .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي(1/280-ط دار أبي حيان).
رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) .

أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:53 AM
وعلى هذا، فإن جميع الدعوات القائمة على دعوى الإصلاح، والَّتي لا تركِّز على التوحيد، ولا تنطلق منه، يصيبُها من الانحراف بحسَب بُعدها من هذا الأصل العظيم، كالذين أفنوا أعمارهم في إصلاح معاملات الخَلقِ فيما بينهم، (ومعاملتُهم) للخالق-أي: معتقدهم فيه- مجانب لهدي السلف الصالح .

أو كالذين أفنوا أعمارهم في مصاولة أنظمة الحكم بغية إصلاح النَّاس من طريقها ، أو بمعالة أنواع من السياسات للانقضاض على سلطانِها ، ولا يكترثون لفساد عقيدتهم وعقيدة مدعوِّيهم !

فكيف إذا كانوا - لأسباب حزبية – يعتِبون على الدعاة إلى التوحيد بزعم أن ذلك يضيع الوقت على أمة قد تكالب عليها الأعداء من كل مكان ! ويشنعون على المدافعين على جناب التوحيد بزعم أن ذلك يفرق المسلمين ولو لم يجمعهم إلا عبادة الأوثان ! ويسمون الذب عن حق الله بغير اسمه للتنفير منه، فيقولون: « مهاترات كلامية ! » أو « مهاترات بزنطية » !! نعوذ بالله من سخطه.

هذا ناهيك عمن يدعو إلى عقيدة فاسدة ويشنع على مخالفيه، فإنه لا مجال للتعرض له ههنا؛ لأن أساسه فاسد.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاة الاهتمام بهذا الأمر والبدء به، فعَن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: « إنَّك ستأتي قومًا أهلَ كتاب، فإذا جئتهم فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ( وفي طريق: فليكن أوَّل ما تدعوهم إليه عبادةُ الله )، ( وفي أخرى أن يوحِّدوا اللهَ ) فإن هم أطاعوك لذلك ( وفي رواية: فإذا عرفوا الله )، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلواتٍ في كل يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم بأن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب » (1) .

وهذا الحديث العظيم لم يترك لمنتصب للدعوة خيارًا، قال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا**.

وما بال الناس يعجبون من هذه الأولية، وحق الله في أن يُعبَد وحده أحق ما اشرأبت إليه الأعناق، ولهجت به الألسن؟ !
فهذا حق الله الخالص، فكيف هان على أرباب المناهج الدعوية اليوم؟ !
أليس حق الله أحقَّ ما فتحت له الأبواب، وفسحت له الرحاب؟ !

قال ابن القيم رحمه الله: « التوحيد مفتاح دعوة الرسل ... » وذكر حديث معاذ السابق (2).

وهو دعوتهم جميعا عليهم الصلاة والسلام، فلا وسَّع اللهُ صدرًا ضاقَ بذلك ذرعًا !

قال الله تعالى: {قَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ**.

و قال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ**.

و قال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ**.

و قال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ** ...

وهكذا مهما اختلفت الأمم، وتباينت مشاكلها، فإن الدعوة إلى التوحيد هي الأصل، سواء كانت مشكلتهم اقتصادية كما في أهل مدين، أو كانت خُلُقية كما في قوم لوط-عليه الصلاة والسلام-.

ولست بحاجة إلى أن أقول: أو كانت سياسة؛ لأن جميع هؤلاء الشعوب لم يكونوا يُحْكَمُونَ بما أنزل الله .

-----
(1) رواه البخاري (1458،1496)..، ومسلم (30، 29) .
(2) مدارج السالكين (3/443) .

يتبع إن شاء الله تعالى .

أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:53 AM
ولا يجوز أن يخبو نورُ هذه الدعوة المباركة زمنًا ما بزعم استتباب التوحيد في قلوب النَّاس، ألم تسمع جؤار إمام الحنفاء الموحِّدين إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-، وقد خاف على نفسه الشرك، فقال : {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ**،

قال مغيرة بن مِقسم: « كان إبراهيم التيمي يقصُّ ويقول في قصصه: « من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم حين يقول: رب واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنامَ؟!» (1).

قال الشيخ مبارك الميلي رحمه الله: :

« فلا تَرَكَ النبي صلى الله عليه وسلم التنديدَ بالأصنام وهو وحيد .

ولا ذَهَل عنه وهو مَحصور بالشِّعبِ ثلاث سنوات شديدات .

ولا نَسِيهُ وهو مختفٍ في هجرتهِ، والعدوُّ مشتدٌ في طلبهِ .

ولا قطعَ الحديثَ عنه وهو ظاهرٌ بمدينته بين أنصارهِ .

ولا غلقَ باب الخوض فيه بعد فتح مكة .

ولا شُغِلَ عنهُ وهو يُجاهِدُ وينتصرُ ويكرُّ ولا يفرُّ .

ولا اكتفى بطلب البيعة على القتالِ عن تكرير عرضِ البيعةِ على التوحيدِ ونبذِ الشِّرْكِ.

وهذه سيرتُه المدوَّنة، وأحاديثُهُ الـمُصَحَّحَةُ، فتتبَّعْها تَجِدْ تصديقَ ما ادَّعيناهُ، وتفصيلَ ما أجملنا » (2).

ثم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبْلُغُه – أيّام قوة التوحيد وعزِّ الإسلام – أن صَنمًا يعبد باليمن يدعى ذُو الخَلَصَةِ، فيقضُّ ذلك مضجعه ويغْتَمُّ له قلبهُ، فيُرسل إليه واحدًا من أهل اليمن،

قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا تُريحُني من ذِي الخَلَصَةِ؟
قلت: بلى ؛ فانطلقتُ في خمسينَ ومائة فارس من أحمسَ – وكانوا أصحاب خيل – وكنتُ لا أثبت على الخيل ؛ فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فضَرب يده في صدري حَتَّى رأيتُ أثرَ يده في صدري،
وقال: اللهم ثبِّتهُ، واجعله هاديًا مهديًا.
قال: فما وقعتُ عن فرسٍ بعدُ !
قال: وكان ذو الخَلَصة بيتًا باليمنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيلَةَ، فيه نُصُبٌ تُعْبَدُ، يقال له الكعبة،
قال: فأتاها فحرَّقَها بالنار وكسَرَها،
قال: ولما قدم جريرٌ اليمنَ كان بها رجلٌ يستقسم بالأزلامِ،
فقيل له : إنَّ رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هاهنا، فإن قدِرَ عليكَ ضرَبَ عُنُقَكَ،
قال: فبينما هو يضربُ بها؛ إذ وقف عليه جرير، فقال: لَتَكْسِرَنَّها ، ولتَشهَدَنَّ أن لا إله إلا الله، أو لأَضْرِبَنَّ عنقَكَ،
قال: فكسرها وشهدَ، ثُمَّ بعث جريرٌ رجلاً من أحمسَ يُكنى أبا أرطأة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بذلكَ،
فلمَّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ قال: يا رسول الله ! والذي بعثك بالحقِّ ما جئتُ حتى تركتُها كأنها جملٌ أجرب (3).،
قال: فبرَّك النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ على خيل أحمس ورجالها خمس مرَّات » (4).

فائدتان:

1 – قال ابن حجر عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « ألا تُريحُنِي» : « المراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيءٌ أتعب لقلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يُشرَك به من دون الله تعالى » (5).

2 – كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا ألحَّ في الدعاء دعا ثلاثًا، كما جاء عن ابن مسعود وغيرهِ، وهاهنا دعا النَّبي صلى الله عليه وسلم خمساً لمعنى اقتضى ذلك، وهو أنّّ جَنَابَ التوحيد أعظم ما دُعي له ونُصرَ، فافهم !(6)

----
(1) رواه ابن جرير في تفسيره (7/460-ط دار الكتب العلمية) .
(2) رسالة الشرك ومظاهره (ص :19) .
(3) المراد أنَّها صارت مثل الجمل المطليِّ بالقطران من جربه ، إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق، قاله الخطابي . فتح الباري (8/83) .
(4) رواه البخاري (4355-4357) ، ومسلم (136-137) وغيرهما .
(5) الفتح (8/72) .
(6) انظر : الفتح (8/ 74) .

يتيع إن شاء الله تعالى

أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:57 AM
فكيف استراحتْ قلوبُ دعاةٍ يعلَّمون الناسَ الزهدَ أو الأخلاقَ أو السياسة أو غيرَها في مساجد بُنيت على أضرحةٍ، ولا يُحرِّكون ساكنًا، بل ربَّما تحرَّك ساكنٌ من غيرهم غيرةً على جناب التّوحيدِ، فقاموا مشاغبينَ: يُفرِّق الأمةَ ! متسرِّعٌ وليس بحكيمٍ ! سَلِمَ منه الشيوعيونَ ولم يَسْلَمْ منه الصّالحون حتى وهم موتى ... !

فأين الإخلاص؟ ! وأين هم أهلُه؟ ! وأين الذين جعلوا غضبَهم يشتدُّ بقدرِ غضب اللهِ؟ ! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلمَ: « اللّهم لا تَجعل قبري وثنًا يُعبَدُ، اشتدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد » (1) .

إن الولاء لله عز وجل يعني أن تغضب لغضبه وترضى لرضاه، وهذا التوحيدُ الذي تُوالي فيهِ، وهذا الشركُ الذي تُعادي فيه، ينبغي أن يصحبك طول حياتِكَ.

ومهما بلغت الأمةُ من الوعي فيه والاستجابةِ له مبلغَ الكمالِ، فإنَّ النقصانُ وارد على البشر جدًّا، وشرُّ النقصانِ نقصان الإخلاصِ واضمحلال التوحيد، ولذلك لم يسكت النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن التنديد بالشركِ حَتَّى في أُخريات أيامه، وقد بلغت الأمةُ آنذاك أوْجَ قوَّتها في توحيد ربِّها ووحدة صفِّها ...

فعن جُندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: « إنِّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلٌ؛ فإنَّ الله قد اتَّخذنِي خليلاً، كما اتَّخذ ابراهيم خليلاً، ولو كنتُ متَّخذًا من أمتي خليلاً اتَّخذتُ أبا بكر خليلاً، ألاَ وإنَّ من كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألاَّ فلا تتَّخذوا القبور مساجد، فإنِّي أنهاكم عن ذلك » (2).

ولا يزال أئمةُ الدِّين يُركِّزون على هذه الدعوة المباركة، ويحثُّون الناس على أن يجتمعوا على ما كان عليه السلفُ الصالحُ في :
1 – الله عز وجل.
2 – وملائكته -عليهم الصلاة والسلام-.
3 – وكتبه.
4 – ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
5 – واليوم الآخر.
6 – والقدر خيره وشرِّه.
وسموا هذه الستة أصول الدِّين.
-----------
(1) رواه مالك(414) ، وعبد الرزاق (1/406) ، وابن سعد (2/240-241) ، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (5/42) ، والألباني في تحذير الساجد (ص 26) .
(2) رواه مسلم (23) .

منقول من كتاب "ست درر من أصول أهل الأثر (http://www.google.fr/url?sa=t&rct=j&q=%D8%B3%D8%AA%20%D8%AF%D8%B1%D8%B1%20%D9%85%D9%86 %20%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84%20%D8%A3%D9%87%D9%84%2 0%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AB%D8%B1%20&source=web&cd=3&cad=rja&ved=0CD8QFjAC&url=http%3A%2F%2Fmareb.org%2Fshowthread.php%3Ft%3D 12418&ei=efT8UI_iJYezhAfrzIBo&usg=AFQjCNGdC_PmbkYdPHhhxXOWVAVUPKGRoQ&bvm=bv.41248874,d.d2k)

منقول للفائدة


أم عبد العزيز (http://mareb.org/member.php?u=1147)

أحمد سالم ,
21-01-2013, 06:27 PM
(( الرِّياء ))
-

عافاني الله وإيَّاكم مِنه

-



كمَا أنَّ التَّوحيد يُقابِلُه الشِّرك؛
فإنَّ الإخلاص يُقابِلُه الرِّياء،
وكمَا أنَّ نور الإخلاص ينطفئ مِن قلبِ المرء إِذا قام به شاهدُ العُجْب بالنفس؛
فإِنَّ الإخلاص لاَ يقوم أبدًا مع الرِّياء؛
قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا** [النِّساء:38].

وهو مِن أبرز صِفات المنافقين؛
لأنَّهم يُظهِرون مَا لاَ يُبطِنون ، قال الله تعالى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا** [النِّساء:142] .

ولذلك كان مِن شرط توبتهم؛
أنْ يُخلِصوا الدِّينَ لِله،
قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ** [النِّساء:145-146].

ولذلك كان كُلّ عملٍ لاَ يُراد بِهِ وجه الله؛
غير مقبول،
وهو وبال على صاحبِهِ يوم القيامة ؛
فعن أبِي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((قال الله - تبارك وتعالى -:أنا أغنى الشُّركاء عن الشرك ، مَن عَمِل عملاً أشرك فيه معي غيري ؛ تركته وَشِرْكَه)) [رواه مسلم (2985)] .
وفِي رواية: ((فأنا منه بريء ، وهو للذي أشرك)) [رواه ابن ماجه (4202) ، وهو صحيح].


وقد قيل فِي تعريف الإخلاص: "الإخلاص استواء أعمال العبد فِي الظَّاهِر وَالباطِن،
والرِّياء أنْ يكون ظاهِره خيرًا مِن باطِنه،
وَالصِّدق فِي الإخلاص أنْ يكون باطنه أعْمَر مِن ظاهِرِهِ"
[انظر هذا التَّعريف وما بعده في مدارج السالكين (2/91)].


قال بلال بن سعد - رَحِمَهُ الله -: "لاَ تَكُن وليًّا لِله فِي العلاَنية ، وَعدوَّه فِي السِّرِّ"
[رواه أحمد في الزهد (ص:385) ، والفريابي في صفة المنافق (91) ...] .

وَالتَّعريفُ الأخير لِلصدق؛
مُنْتَزَع مِن مثل قول الله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ** [البقرة:271] .

وهو صِفة أحد السَّبعة الَّذين يظلهم الله فِي ظلِّهِ يوم لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِله؛
كما قال صلى الله عليه وسلم: ((وَرَجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حَتَّى لاَ تعلم شماله مَا تُنفِق يَمينه...))
[رواه البخاري (660) ، ومسلم (1031)].

وَالنَّاسُ ينشطون لِستر سيِّئاتهم مَا لاَ ينشطون لِستر حسناتهم؛
لأنَّهم يريدون بِذَلِك أنْ يقوم لَهم جاهٌ عِند غيرهم،
بَل ترى كثيرًا منهم ينشطون فِي الجلوة،
وَيكسلون فِي الخلوة،
وَلِذَلِك قيل: "الإخلاص أنْ لا تطلب على عملك شاهِدًا غير الله ، وَلاَ مُجازيًا سواه".

وَلوْ أنَّ المرءَ يَجتَهِد لِستر حسناته عَن الخلق كما يَجْتَهِدُ لِستر سيِّئاته عنهم؛
لبلغ درجات المُخلِصين،
كما قال أبو حازم سلمة بن دينار -رَحِمَهُ الله-: "اكتُم مِن حسناتك ؛ كما تكتم مِن سيئاتك"
[رواه الفسوي في المعرفة والتَّاريخ (1/679) ، وأبو نعيم فِي الحلية (3/240)...].


وقيل الإخلاص: "هو إفراد الحق - سبحانه - بالقصد فِي الطاعة".
وقيل: "تصفية الفِعل عَن مُلاحظةِ المَخلوقين".


ولذلك قيل لِسهل: أيُّ شيء أشدُّ على النَّفس؟ فقال: "الإخلاص ؛ لأنَّه ليس لَها فيه نصيب" .

قال أبو بكر المروذي: سَمِعتُ رجلاً يقول لأبِي عبد الله [وفي طريق: "وسُئِل: بِما بلغ القوم حَتَّى مُدِحوا؟"] -وذكر له الصِّدق والإخلاص- فقال أبو عبد الله: "بِهذا ارتفع القوم"
[رواه ابن الجوزي في مناقِب الإمام أحمد (ص:267) ، و(ص:274) مِن ثلاث طرق؛ يُصحِّح بعضها بعضًا].

وَلِهَذا كَان أئِمَّة هذه الأُمة يكرهون الشُّهرة،
ويُحِبون خمولَ الذِّكر؛
رعايةً مِنهم لإخلاصهم،
وَخوفًا على قلوبِهِم مِن فِتنة المَدح؛
فَمِن النَّاس مَن يُبْتَلى بوطء عقبه، وَتَقبيل يده، وَالتَّوسِعة له فِي الْمَجلِس، وَالإشارة إليه بِالدُّعاء رجاء بركته، ونحو ذلك،
فمَن قلَّ نصيُبه مِن الإخلاص؛
أعجبه ذَلِك ، وَربَّما طلبه !!
[انظر: الفوائِد لابن القيِّم (ص:223)].


قال حماد بن زياد - رَحِمَهُ الله -: "كُنت أمشي مع أيوب ، فيأخذ بي فِي طرق ، إِنَّي لأعجبُ كيف اهتدى لَها؟! فِرارًا مِن النَّاس أنْ يُقال: هذا أيوب"
[رواه ابن سعد (7/249) ، والفسوي في المعرفة والتَّاريخ (2/232) ؛ وهو صحيح].


وقال - أيضًا -: "وَكان أيوب يأخذ بي فِي طريق وَهي أبعدُ! ، فأقول: إنَّ هذا أقرب! ؛ فيقول: إِنِّي أتَّقي هذه المجالِس ، وَكان إِذا سلَّم ؛ يردُّون عليه سلامًا فوق مَا يُرَدُّ على غيره ؛ فيقول: اللَّهم إنَّك تعلم أنِّي لاَ أريده! اللَّهم إِنَّك تعلم أنِّي لاَ أريده!" [رواه ابن سعد (7/248) ، والفسوي (2/239 - بشطره الأخير) ؛ وهو صحيح].

وقال أبو زرعة يَحيَى بن أبِي عمرو: "خرج الضّحاك بن قيس ؛ فاستسقى بالنَّاس ، وَلَمْ يُمطروا ، وَلَم يروا سحابًا ، فقال الضّحاك: أين يزيد بن أبي الأسود ؟ ( وفي رواية: فلم يُجبه أحد! ثُمَّ قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ عزمتُ عليه إنْ كان يسمع كلامي إِلاَّ قام ) فقال: هذا أنا! ، قال: قم! فاستشفع لنا الله - عز وجل - أن يسقينا ؛ فقام ، فعطف برأسه على منكبيه ، وحسر عن ذراعيه ، فقال: اللَّهم إنَّ عبادك هؤلاء استشفعوا بي إليك . فما دعا إِلاَّ ثلاثًا حَتَّى أُمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه! ، ثُمَّ قال: إنَّ هذا قدّ شهَّرنِي ؛ فأرحنِي منه ، فمَا لبث بعد ذلك إِلاَّ جمعة حَتَّى مات!!"
[رواه الفسوي في المعرفة والتَّاريخ (2/318)...].


___________
وَأجمعُ تعريف للإخلاص رأيته،
وهو جامع لشتات مَا سبَق؛
هو ما قاله أبو عثمان سعيد بن إسماعيل - رَحِمَهُ الله -:
"صِدقُ الإخلاص؛
نِسيان رُؤية الخلق لِدوام النَّظر إِلَى الخالِق،
وَالإِخلاص أنْ تريد بقلبك، وعملك، وفعلك
رِضا الله تعالى خوفًا مِن سخط الله؛
كأنَّك تراه بِحقيقةِ عملك بأنَّه يراك،
حَتَّى يذهب الرِّياء عَن قلبك،
ثُمَّ تذكر مِنَّة الله عليك إذ وفَّقك لِذَلِك العمل،
حتَّى يذهب العجبُ مِن قلبك،
وَتستَعمِل الرِّفق فِي عملك،
حَتَّى تذهب العجلةُ مِن قلبك،
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((مَا جُعِل الرِّفق فِي شيءٍ إلاَّ زانه ، وَمَا نُزِع مِن شيءٍ إلاَّ شانه))"
[رواه مُسلم (2594)].
___________




قال أبو عثمان: "وَالعجلةُ اتِّباع الهوى،
وَالرِّفق اتِّباع السُّنَّة؛
فَإِذا فرغتَ مِن عملك
وَجِلَ قلبُك خوفًا مِن الله
أنْ يَردَّ عليك عملك؛ فلا يقبله منك،
قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ** [المؤمنون:60] .


وَمَن جمع هذه الخِصال الأربعة؛
كان مُخلِصًا فِي عمله - إن شاء الله -"
[رواه البيهقي في الشُّعَب (6475)].



وَتأمَّل ههنا ؛ كيف جعل الرِّفق هو اتِّباع السُّنَّة؛
وَذَلِك أنَّ النَّفس تَهوى أشياء،
وَإِذا هَويَتْها؛ طَلَبتها على عجلٍ؛ لأنَّ حظَّها فيه،
وَهذا الهوى لا يكسر سورته إِلاَّ التَّأني،
وَبِالتَّأني؛ يتمكن المرءُ مِن مراقبةِ عمله بِعينِ السُّنَّة؛
كي يوافِق الحقّ،
لاَ بعينِ الهوى،
وَلِذَلِك قال إبراهيم الخوَّاص: "العجلة تمنع مِن إصابة الحق"
[رواه البيهقي فِي الشُّعَب (6477) بسند صحيح].



وَعَلى كُلٍّ؛
فَإِنَّ موضوع: "إخلاص الدِّين لله" ؛
طويلُ الذَّيل ، وَكثيرُ النَّيل ،
بَل هو أعظم موضوعات ديننا الحنيف على الإطلاق،
وَإِنَّما غرضي هنا هو مُحاولة الإلمام بِهِ مِن حيث أصولُه؛ الَّتِي لاَ يَسَعُ أحدًا التَّفريط فيها،
وَهو - مع هذا - أجلُّ مِن أنْ يُحيط بِهِ كتاب، أوْ يستَوعبه خِطاب .




المصدر:

كِتابُ: سِتّ دُرَر مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الأَثَرِ
لفضيلة الشَّيخ: عبد المالك بن أحمد المُبارك رمضاني الجزائريّ
الأصل الأول: "إخلاص الدِّين لله" - الرِّياء - ص (46-51)