المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقسام النّاس بحسب الإخلاص و المتابعة ” لفضيلة الشّيخ عبد المالك رمضاني


أحمد سالم ,
20-01-2013, 06:25 PM
أقسام النّاس بحسب الإخلاص و المتابعة ”


من ” مدارج السّالكين ” [ 1/ 83 - 85 بتصرّف ]و منه أخذه المقريزي فضمّنه كتابه ” تجريد
التّوحيد المفيد ” [ ص : 57 - 61 ] .

بقلم فضيلة الشّيخ :
عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري
- حفظه الله و رعاه -

تدور أعمال الناس من حيث الإخلاص لله و المتابعة لرسوله صلى الله عليه و سلم بين أقسام أربعة ، و هي :1

– أهل الإخلاص للمعبود و المتابعة للرّسول صلى الله عليه و سلم :

أعمالهم كلّها لله ، و أقوالهم لله ، و عطاؤهم لله ، و منعهم لله ، و حبّهم لله ، و بغضهم لله ، فمعاملتهم ظاهرا و باطنا لوجه الله ، لا يريدون من الناس جزاء و لا شكورا ، و لا ابتغاء الجاه عندهم ، و لا طلب المحمدة و المنزلة في قلوبهم ، و لا هربا من ذمّهم ، بل قد عَدُّوا الناس بمنزلة أصحاب القبور ، لا يملكون لهم ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا ، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم ، و من عرف الله عكف على بابه مؤثرا معاملته على معاملة خلقه ، فقد صحّ فيما رواه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ” من أعطى لله و منع لله ، و أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أنكح لله فقد استكمل إيمانه ” .
و كذلك أعمالهم كلّها موافقة لأمر الله ، و لما يحبّه و يرضاه ، إذ كلّ عمل بلا اقتداء لا يزيد عامله من الله إلاّ بعدا .
و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع في خطبته بين هذين الأصلين العظيمين :
- فتحقيقنا للعبودية الخالصة لله ، يبدأ في مطلع خطبته بحمد الله و الشهادتين ، و ينفي الشرك .
- و تحقيقنا لتجريد المتابعة للمرسَل ، يحثّ على التمسك بخير الحديث و خير الهدي ، و يحذّر من البدعة كما روى مسلم عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب احمرّت عيناه و علا صوته و اشتدّ غضبه كأنّه منذر جيش ، يقول : ” صبّحكم و مسّاكم ، و يقول : : بعثت أنا و الساعة كهاتين ” ، و يقرن بين إصبعيه السبابة و الوسطى ، و يقول : ” أمّا بعد فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد ، و شرّ الأمور محدثاتها ، و كلّ بدعة ضلالة ” .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ” إيّاكم و الظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث ، و لا تحسّسوا و لا تجسّسوا و لا تنافسوا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا ، و كونوا عباد الله إخوانا كما أمركم ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، و لا يخذله ، و لا يحقره ، التقوى ههنا التقوى ههنا و يشير على صدره ، بحسب امرىء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه و عرضه و ماله ، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم و لا على صوركم ، و لكن ينظر على قلوبكم و أعمالكم “ [ رواه مسلم ] .
و ممّا ينبغي التّنبيه عليه هنا هو أنّ في قوله : ” التّقوى ههنا “ دليلا على أنّ صلاح المرء تابع لصلاح قلبه ، و مع ذلك فإنّ الله لا ينظر إلى القلوب فقط ، بل ينظر إلى الأعمال الظّاهرة أيضا كما دلّ عليه آخر الحديث ، فلا يسع المسلم إلاّ أن يعنى بصلاح قلبه بتجريد التّوحيد و صلاح عمله بتجريد الاتّباع لرسول الله صلىّ الله عليه و سلّم [1].
و كذلك أخبر الله عزّ و جلّ أنّه لا يجوز للدّعاة أن يكتفوا بنبل غاياتهم ، بل لابدّ لهم من أن يرتسموا خطى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في دعوته ، قال سبحانه : ** إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا** [ الأحزاب : 45-46 ] ، فأخبر أنّه لا يكفي أن يدعو إلى الله دعوة خالصة حتّى يضمّ إليه إذنه سبحانه في طريقه إلى ذلك ، فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ، و من دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع [2] ، و نظيرها قوله تعالى : ** قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتّبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين ** [ يوسف : 108 ] ، فبيّن سبحانه أنّ الرّسول صلّى الله عليه و سلّم و أتباعه يتقيّدون بالأصلين جميعا :
- الدّعوة إلى الله لا إلى غيره .
- و الدّعوة إليه عن علم و اقتداء ، لا جهل و ابتداع ، قال ابن تيميّة : ” و ذلك أنّه قد علم أنّ الدّاعي الذي يدعو غيره إلى أمر لابدّ فيما يدعو إليه من أمرين أحدهما : المقصود المراد ، و الثّاني : الوسيلة و الطّريق الموصل إلى المقصود “ [ مجموع الفتاوى 15/162 ] .
و على هذا فمن الجهل الفاضح أن يدعو الدّاعي إلى الله و هو غير مكترث بأثر الرّسول صلّى الله عليه و سلّم في ذلك ، أو أن يسابق أقوام على إقامة دولة الإسلام من غير سلوك طريق النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في تحقيق ذلك ، قال الله تعالى : ** فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ** [ النّور : 63 ] .
2 – من لا إخلاص له و لا متابعة :
كأعمال المتزيّنين للناس ، المرائين لهم بما لم يشرعه الله و رسوله ، و هؤلاء شرار الخلق و لهم أوفر نصيب من قوله تعالى : ** لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا و يحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب و لهم عذاب أليم ** [ آل عمران : 188 ] ، يفرحون بما أتوا من البدعة و الشرك ، و يحبّون أن يحمدوا باتّباع السّنّة و الإخلاص ، و هذا الضّرب يكثر فيمن ينتسبون إلى العلم و الفقر و العبادة ، قال ابن القيّم رحمه الله : ” العمل بغير إخلاص و لا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ، يثقله و لا ينفعه “ [ الفوائد : 64 ].
قلت : مثاله قراءة القرآن على الميّت بأجرة ، فقراءة القرآن على الميّت وحدها بدعة و أخذ أجر عليها مفسد للإخلاص .
3 – من هو مخلص في عمله من غير اتّباع :
كجهّال العبّاد المنتسبين إلى الزّهد ، قد اعتقدوا عباداتهم المبتدعة قربة إلى الله ، كمن يظنّ أنّ سماع الأناشيد قربة أو أنّها وسيلة من وسائل الدعوة ، و أنّ الضّحك عند وفاة قريب قربة ، و أنّ الخلوة التي يترك فيها الجمعة و الجماعة قربة ، و أنّ صيام يوم فطر الناس كلهم قربة ، و أنّ حلق اللّحية في سبيل الدعوة قربة ، و أنّ قتال الطواغيت على أيّ صفة و في أيّ زمن قربة .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ” [ رواه مسلم ] .
و لا ريب أنّ النيّة الحسنة لا تسوّغ العمل السيّء ، ما دام العبد مختارا غير مكره و عالما بما يأتي و يذر ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّبا “ [ رواه مسلم ] .
وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم التّيمي عن أبيه قال : قال حذيفة لأبي موسى : ” أرأيت لو أنّ رجلا خرج بسيفه يبتغي وجه الله ، فضرب فقتل ، كان يدخل الجنّة ؟ فقال له أبو موسى : نعم فقال حذيفة : لا و لكن إذا خرج بسيفه يبتغي به وجه الله ثمّ أصاب أمر الله فقتل دخل الجنّة “ .
فتأمّل فقه أصحاب النّبيّ صلى الله عليه و سلّم و حرصهم على إصابة السنّة في كلّ شيء ، حتّى في حقّ رجل خرج يجود بنفسه في سبيل الله ، و لم يقل أحد : هذا تشكيك في مصداقيّة الجهاد أو تثبيط لمسيرته .
و مثله ما رواه الدّارميّ بسند صحيح عن أولئك النّفر الذين اجتمعوا في المسجد يذكرون الله ، قد هجروا مضاجعهم بالليل و الناس نيام ، لكنّهم لمّا اجتمعوا على صفة تخالف السنّة أمرهم ابن مسعود رضي الله عنه أن يعدّوا سيّئاتهم ، و قال مقولته الحكيمة : ” كم من مريد للخير لن يصيبه “ .
هذا حكم الصّحابة فيمن أتى المسجد للذّكر بالسَّحَر و النّاس نيام ، فما أشدّ تمسّكهم بالسنّة رضي الله عنهم و أرضاهم .
4 – من أعماله على المتابعة لكنّها لغير الله :
كالأعمال الصالحة التي يأتيها المراؤون ، و كالرّجل يقاتل حميّة و رياء و شجاعة ، و يحجّ ليقال : حاجّ ، و يتعلّم ليظهر عن النّاس ، و كالذي يريد إقامة دولة الإسلام لا ليُعبَد الله وحده و لكن ليظهر على بقيّة الدّول مع أنّ الله علّل ذلك بقوله : ** و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدّين كلّه لله ** [ الأنفال : 39 ] …
و كلّ من أقدم على عبادة ما ممّا شرعه الله لا بدّ أن يراقب فيها قلبه ، لأنّ الله يقول : ** فاعبد الله مخلصا له الدّين ألا لله الدّين الخالص ** [ الزّمر : 2] .
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر و الذّكر ، ما له ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” لا شيء له “ فأعادها ثلاث مرّات ، و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” لا شيء “ ، ثمّ قال : ” إنّ الله عزّ و جلّ لا يقبل من العمل إلاّ ما كان له خالصا و ابتُغي به وجهه “ [ رواه النّسائيّ و هو صحيح ] .
و عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” بشّر هذه الأمّة بالسّناء و الدّين و الرّفعة و التّمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدّنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب “ [ رواه أحمد و هو صحيح ] .
و عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : قال الله عزّ و جلّ : ” أنا أغنى الشّركاء عن الشرك ، فمن عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء ، و هو للذي أشرك “ [ رواه ابن ماجة و هو صحيح ] .
والأعمال الصّالحة مهما كانت جليلة فاضلة فإنّها لا تقبل إذا تزيّن بها صاحبها لغير الله ، كما في حديث الثّلاثة الذين هم أوّل من تسعّر بهم النار يوم القيامة ، فهل ثمّ أعظم من عالم حافظ لكتاب الله دائب على تعليمه الناس ، و من شهيد في معركة و من غنيّ كثير الصّدقة ؟ مع ذلك فهم أوّل من يدخل النار ، لانّهم جميعا طلبوا محمدة الناس بعملهم هذا ، قال ابن تيميّة رحمه الله : ” فإنّ هؤلاء الثّلاثة الذين يريدون الرياء و السمعة هم بإزاء الثلاثة الذين بعد النّبيّين من الصدّيقين و الشهداء و الصالحين ، فإنّ من تعلّم العلم الذي بعث الله به رسله ، و علّمه لوجه الله كان صدّيقا ، و من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا و قُتل كان شهيدا ، و من تصدّق يبتغي بذلك وجه الله كان صالحا ، و لهذا يسأل المفرّط في ماله الرّجعة وقت الموت ، كما قال ابن عبّاس : ” من أعطي مالا فلم يحجّ منه و لم يزكّ سأل الرّجعة وقت الموت ” ، و قرأ قوله تعالى : ** و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدق و أكن من الصّالحين ** [ المنافقون : 10 ] .إلاّ أنّ دين الله الذي أنزل به كتبه و بعث به رسله ما تقدّم من إرادة الله وحده بالعمل الصّالح و هذا هو الإسلام العامّ الذي لا يقبل الله من أحد غيره ، قال تعالى : ** و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ** [ آل عمران : 85 ] “ [ مجموع الفتاوى – 28/171-173 - ] .
الخلاصة :
هذه الأقسام الأربعة لا يقبل منها إلاّ قسم واحد ، و هو من جمع بين الإخلاص و المتابعة كما نصّ على ذلك ابن القيّم – رحمه الله – في إعلام الموقّعين [ 2 / 162 ] ، حيث قال : ” و الأعمال أربعة : واحد مقبول ، و ثلاثة مردودة ، فالمقبول ما كان لله خالصا و للسّنّة موافقا ، و المردود ما فُقدَ منه الوصفان أو أحدهما ، و ذلك أنّ العمل المقبول هو ما أحبّه الله و رضيه ، و هو سبحانه إنّما يحبّ ما أَمر به و ما عُمل لوجهه ، و ما عدا ذلك فإنّه لا يحبّها ، بل يمقتها و يمقت أهلها ، قال تعالى : ** الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا **[COLOR=#008080][ الملك : 2 ] “ ، ثمّ ذكر قول الفضيل رحمه الله ، و قد مرّ .
و قال أيضا في زاد المعاد [ 3 / 11 – 12 ] : ” و كما أنّ الإيمان فرض على كلّ أحد ، ففرض عليه هجرتان في كلّ وقت : هجرة إلى الله عزّ و جلّ بالتّوحيد و الإخلاص و الإنابة و التوكّل و الخوف و الرّجاء و المحبّة و التّوبة ، و هجرة إلى رسوله بالمتابعة و الانقياد لأمره و التّصديق بخبره ، و تقديم أمره و خبره على أمر غيره و خبره ، [ فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله … ] “ .
و قال في مدارج السالكين [ 2 / 387 ] : ” فرأس الأدب معه كمال التّسليم له و الانقياد لأمره ، و تلقّي خبره بالقبول و التّصديق ، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسمّيه معقولا ، أو يحمله شبهة أو شكّا ، أو يقدّم عليه آراء الرّجال و زبالات أذهانهم ، فيوحّده بالتّحكيم و التّسليم و الانقياد و الإذعان ، كما وحّد المُرسِل سبحانه و تعالى بالعبادة و الخضوع و الذّلّ و الإنابة و التّوكّل ، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلاّ بهما : توحيد المُرسِل و توحيد متابعة المُرسَل ” .
الحواشي :
[1] انظر مجموع فتاوى ابن تيميّة [ 28 / 394 ] .
[2] انظر مجموع فتاوى ابن تيميّة [ 15 / 161 ] و اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم [ 2 / 375 ] .





مجلّة منابر الهدى – السّنة الأولى – العدد الثّاني – ذو القعدة / ذو الحجّة

(http://www.nour-elislam.net/vb/search.php?do=finduser&u=1325&starteronly=1)

الغردينيا
21-01-2013, 06:16 AM
بارك الله فيكم