المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : &( العبادة الحقة بين الإيمان والعمل )&


د.عبدالله
14-06-2006, 03:06 PM
النصوص الاسلامية تؤكد الترابط العضوي بين الايمان والعمل، فالإنسان لا يكون مؤمناً ما لم يقترن ايمانه بالعمل الصالح، وبذلك فإن الايمان لا يأخذ قيمته الايجابية وصفته الصحيحة فيما لو تجرد عن العمل إذ سيتحول إلى قيمة مهملة، وفي مقابل ذلك فإن العمل لا يكون إلا من خلال الايمان، فهو أيضاً يصبح قيمة سلبية مهملة فيما لو فقد صاحبه الجانب الايماني، لكنه يتحول إلى قيمة كبيرة إذا ما سبقه الايمان، وكان منطلقاً من قلب مؤمن بالله تعالى اذ لا ينحصر الايمان في جو نفسي معزول عن الحياة، بل هو الدافع الأكبر للتحرك وسط الحياة وللتفاعل الواعي والهادف مع أجزائها ومفرداتها مع الناس والمواقف وهذا ما نقرأه في الكثير من النصوص الاسلامية التي قرنت الايمان بالعمل في علاقة عضوية متداخلة.

وهكذا فإن الاسلام يريد من الانسان ان يحقق التوازن في مجال العلاقة مع الله تعالى فيكون مؤمناً به ايماناً صادقاً خالصاً، وفي الوقت نفسه عاملا في سبيله بصدق واخلاص، من أجل أن تكون شخصيته اسلامية صالحة تنفع الاسلام والمسلمين، وترتفع في هذه الاجواء الايمانية نحو درجات التكامل.

ان الاسلام يعتبر ان اي اختلال في هذه العلاقة من شأنه أن يضعف محصلتها النهائية، ومن ثم تفقد الشخصية روحيتها الاسلامية، بل انها تبتعد عن منهج الاسلام فيما لو فقدت أحد العنصرين (الايمان أو العمل).

أشرف المقامات



وتنبع أهمية هذه العلاقة بين هذين العنصرين كونها تمثل العبادة في صورتها الحقيقية، وهي الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”،(الذاريات: 56) ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت”، (النحل: 36) وقال تعالى: “وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون”.

وبالعبادة وصف الله ملائكته وأنبياءه، فقال تعالى: “وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون” (الأنبياء: 19) وذم المستكبرين عنها بقوله: “إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين”، (الأنبياء: 19) ونعت أهل جنته بالعبودية له، فقال سبحانه: “عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا”، (الإنسان: 6) ونعت نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعبودية له في أكمل أحواله، فقال في الإسراء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا” وقال في مقام الإيحاء: “فأوحى إلى عبده ما أوحى”، (النجم: 10) وقال في مقام الدعوة: “وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا”، (الجن: 19) وقال في التحدي: “وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله”، (البقرة: 23) فالدين كله داخل في العبادة وهي أشرف المقامات وأعلاها وبها نجاة العبد ورفعته في الدنيا والآخرة.

اننا نستطيع ان نكتشف الآثار السلبية لاختلال التوازن بين الايمان والعمل، فلو ان المسلم تحرك ميدانياً ودخل ساحة العمل من دون الرصيد الايماني المطلوب فإنه لا يكون عاملا للإسلام، لأن اعماله ستكون صادرة من رغبات ذاتية يريد من ورائها أن يُلبي حاجة النفس وأهواءها، وإن كان مظهرها اسلامياً. وهو سيصطدم حتماً بالمصلحة الاسلامية، لأن هذه المصلحة لا تحقق رغباته الذاتية، مما يجعله يتجاوز مصلحة الاسلام ويُسيء إلى العمل الاسلامي إرضاءً لرغباته وأهوائه. وبذلك بدلاً من أن يكون عنصر عمل صالح، فإنه سيتحول إلى مصدر إفساد وازعاج في المجتمع.

تعريف العبادة



لخص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.

وأصل معنى العبادة مأخوذ من الذل، يقال طريق معبّدٌ إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، غير أن العبادة في الشرع لا تقتصر على معنى الذل فقط، بل تشمل معنى الحب أيضا، فهي تتضمن غاية الذل لله وغاية المحبة له، فيجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء.

ولصحة العبادة وضع العلماء شرطين أحدهما: ألا يعبد إلا الله، وهو الإخلاص الذي أمر الله به، ومعناه أن يقصد العبد بعبادته وجه الله سبحانه، قال تعالى: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة”، (البينة: 5). وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: “أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”، (رواه مسلم) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا” والثاني: أن يعبد الله بما أمر وشرع لا بغير ذلك من الأهواء والبدع، قال تعالى: “أَم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله”، (الشورى: 21)، وقال تعالى: “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”، (الكهف:110) وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: “ليبلوكم أيكم أحسن عملا” (هود: 7) قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة.

قهر وتكليف



وعبودية الناس لربهم على قسمين: القسم الأول عبودية قهر، وهذه لا يخرج منها أحد من مؤمن أو كافر، ومن بر أو فاجر، فالكل مربوب لله مقهور بحكمه خاضع لسلطانه، فما شاء الله كان وإن لم يشاؤوا وما شاؤوا إن لم يشأ لم يكن، كما قال تعالى: “أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون”، (آل عمران: 83). والقسم الثاني عبودية تكليف وهي عبودية شرعية دينية، وهي طاعة الله ورسوله، وهي التي يحبها الله ويرضاها، وبها وصف المصطفين من عباده، وهذه العبودية اختيارية من حيث القدر، فمن شاء آمن، ومن شاء كفر، ومرد الجميع إلى الله تعالى ليحاسبهم على أعمالهم.

ولعبادة الله أعظم الأثر في صلاح الفرد والمجتمع والكون كله، فأما أثر العبادة على الكون وعلى البشرية عامة فهي سبب نظام الكون وصلاحه، وسبيل سعادة الإنسان ورفعته في الدنيا والآخرة، وكلما كان الناس أقرب إلى العبادة كان الكون أقرب إلى الصلاح،، فإن انهمكوا في المعاصي والسيئات وتركوا الواجبات والطاعات كان ذلك مؤذنا بخراب الكون وزواله، والقيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق.

والعبادة هي الزمام الذي يكبح جماح النفس البشرية أن تلغ في شهواتها، وهي السبيل الذي يحجز البشرية عن التمرد على شرع الله تعالى، قال تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”، (العنكبوت:45) فالعبادة ضمانة أخرى من أن تنحرف البشرية في مهاوي الردى وطرق الضلال.

والعبادة سبب للرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد، قال تعالى: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”، (الأعراف:96).

قصة أصحاب الجنة



هذا في ما يتعلق بآثار العبادة على الكون كله وعلى البشرية جمعاء، أما آثارها في ما يتعلق بالفرد فيمكن إيجاز ذلك في أمور: الأمر الأول: طمأنينة القلب وراحته ورضاه، قال تعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، (الرعد: 28).

الأمر الثاني: نور الوجه، قال تعالى: “سيماهم في وجوههم من أثر السجود”، (الفتح: 29) وقال عن الكافرين “والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”، (يونس: 27).

الأمر الثالث: سعة الرزق والبركة فيه، ويدل على ذلك قصة أصحاب الجنة الذين بارك الله لهم في جنتهم في حياة والدهم بطاعته ورحمته بالفقراء، حتى إذا مات وورثوا الأرض من بعده عزموا على حرمان الفقراء، فأرسل الله على جنتهم صاعقة فجعلتها كالصريم محترقة سوداء كالليل البهيم، قال تعالى: “إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين* ولا يستثنون”، (القلم: 17 - 18).

علاقة تواصل



ولا يخفى أن العبادة روح ولب وعلاقة تواصل بين العبد وربه سبحانه، فإذا اقتصرت العبادة على الحركات، وتخلف عنها لبها وجوهرها من الخشوع والخضوع لله والذل والانكسار بين يديه، كان العبد مؤديا لصورة العبادة لا لحقيقتها، فشرود القلب وغفلته في أدائه للعبادة من أعظم الآفات التي تؤدي الى عدم قبول العمل، ولتجاوز هذا ذكر العلماء أسبابا لبعث الروح في عباداتنا منها تحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله سبحانه، و الابتعاد عما يشوش القلب أثناء العبادة كالأصوات والزخارف ونحوها، والإقبال على العبادة بقلب فارغ من مشاغل الدنيا وملهياتها والتنويع في أداء العبادة على جميع صفاتها الواردة حتى لا تتحول العبادة إلى حركات ديناميكية يفعلها العبد من دون شعور بالفرق بين عبادة الأمس وعبادة اليوم، ولعل ذلك من حكم التنويع في صفات العبادات.

ما من حسنة إلا وللشيطان فيها نزغتان، نزغة إلى إفراط ونزغة إلى تفريط، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والعبادة شأنها شأن ذلك، فطائفة فرّطت في عبادة الله سبحانه، ولم تلق بالاً للأوامر الشرعية والشعائر الدينية، وهؤلاء هم العصاة، وطائفة غلت في العبادة، حتى خرجت عن المشروع، فابتدعوا المحدثات، وتعبدوا بالبدع، وطائفة اتبعت الحق وتوسطت الأمر واتبعت المنهج الوسط الذي يوازن بين حاجات الجسد وتطلعات الروح.

منقول ...

( أم عبد الرحمن )
15-06-2006, 11:12 AM
جزاكم الله خيرا أخونا الفاضل ( عبد الله بن كرم ) ورزقك الله من خيرى الدنيا والاخرة ...

ابن حزم
15-06-2006, 01:34 PM
بارك الله فيكم وعليكم ونفع بكم ، أخونا ومشرفنا الحبيب عبد الله بن كرم

د.عبدالله
16-06-2006, 05:05 PM
أخي الحبيب ومشرفنا القدير ( ابن حزم الظاهري ) اختي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( الجنة الخضراء ) جزاكما الله خيرا وبارك الله فيكما .. مع تمنياتي لكما بالصحة والسلامة والعافية .

أبو فهد
27-06-2006, 05:11 PM
... بسم الله الرحمن الرحيم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في الجميع وجزاكم خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... معالج متمرس...