المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( && " حديث للأطباء والمرضى " - الشيخ " عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ " && ) !!!


أسامي عابرة
03-02-2012, 06:36 AM
حديث للأطباء والمرضى


عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

جامع الإمام تركي بن عبد الله
14/1/1425



ملخص الخطبة:

1- الابتلاء بالأمراض.
2- فوائد الابتلاء.
3- نعمة العافية.
4- نصائح للطبيب المسلم.
5- وصية للقائمين على المستشفيات والمستوصفات.
6- وصايا للمريض.
7- طهارة المريض وصلاته.
8- الوصية بالوالدين.
9- التحذير من برنامج "ستار أكاديمي" وأمثاله.




الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، الدنيا دارُ عمل وابتلاء، لا يسلَم العبدُ فيها من سقَمٍ يكدِّر صفوَ حياته، ولا مِن مرضٍ يضعِف قوَّته وحاله، وقد يكون في البلاء نعمة، وفي المرض والشدةِ بُشرى، وربّك يرحم بالبلاء، ويبتلي بالنعماء، وشدّةُ المؤمن في هذه الدنيا عينُ لذّته وراحتِه يومَ القيامة. والبلاءُ عنوانُ محبةِ الله والطريق إلى جنَّته، في الحديث: "أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثمّ الأولياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يبتلَى العبدُ على قدرِ دينه، فإن يكن في دينه صلابة شدِّد عليه، وإلاّ خُفِّف عنه"[1]، وقال : "إنَّ عِظمَ الجزاء مع عِظم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط"[2].
أيّها المسلم، في بلاءِ المؤمن رفعٌ لدرجاته وحطٌّ لخطاياه، "لا يصيب العبدَ من همّ؛ مرض فما دون ذلك إلاَّ حَطَّ الله بها سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها"[3].
وفي البلاءِ قوَّةُ الإيمان والتوكُّل على الله وتعلّقُ الأمل بالله، ويُكتب للمريض ما كان يعمَله في صحّته لأنه بنيَّته ينوي الخير، وذاك من فضل الله. وفي المرضِ إذهاب الداء الدفينِ في النفوس، من الكبر والعُجب والاغترار والغفلة، فيعرف ضعفَه وعجزَه، ويتذكَّر قول الله: (وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفًا) [النساء:28].
أيها المسلم، إنَّ العافيةَ من أعظم نِعم الله عليك بعد الإسلام، وأجزلِ عطاياه لك، هذه نعمةُ العافية نعمةٌ عظيمة، في الحديث: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحّة والفراغ"[4]، وسيُسأل العبد يومَ القيامة عن النعيم الذي ناله في الدنيا، يقال له: ألم نصحِّح جسمَك؟! ألم نُرويك من الماء البارد؟!
أيّها المسلم، وسلبُ تلك العافية أو اعتلالُها يورِث ذلك كثرةَ الدعاء وعظيمَ التضرّع بين يدي الله، فسبحان من يستخرج الدعاءَ بالبلاء والشكرَ بالعطاء.
أيّها المسلم، وإذا كنتَ على يقين أنَّ الله أرحمُ بك من نفسك، وأرحم بك من أمّك الشفيقة عليك، أيقنتَ بأنّ قضاءَ الله كلّه عدل، فعليك الصبر، ثم تخلَّق بالرضا عن الله لتكونَ من السعداء.
أيّها الطبيب المسلم، مهنتُك شريفة، وعملك طيّب، عليك بتقوى الله والجدّ والاجتهاد، فالاطِّلاع على كلِّ جديد في هذا الطبِّ لتخدمَ به أمتك، وتتقرَّب بذلك إلى الله.
أيّها الطبيبُ المسلم، المرضى اطَّلعتَ على عوراتهم، وأفشَوا إليك أسرارَهم، وبَثّوا لك شكايتهم، فحقٌّ عليك كتمانُ السرّ وإخفاء الأمراض، وأن لا تشيعَ شكايتهم وحالَهم إلى الناس، بل اجعَل ذلك من أسرار عملك، فأنت مؤتمَن على هذا كلِّه.
أيّها الطبيب المسلم، إنَّ المؤمنَ في كلّ أحواله داعٍ إلى الله، ناشرٌ لدين الله، ساعٍ في الخير جهدَه.
أيّها الطبيب المسلم، من خلال فحوصك واطّلاعك على ذلك ترى من عجائبِ صُنع الله وقدرته في عباده ما تتيقَّن به قولَ الله: (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الذاريات:21].
أيّها الطبيب المسلم، قولُك للمريض حكمٌ مقبول لديه، ورأيُك حتى في أجسامهم مقبول.
أيّها الطبيب المسلم، سلَّم لك المريضُ جسمَه وعقله، وربما سلَّم لك روحَه، فاتق الله في أمانتك، وراقب الله في عملك.
أيّها الطبيب المسلم، ليس عيبًا عليك أن تقولَ عمّا لا تعلم: لا أعلمه، فإنّه ربما انغلق عليك أمرٌ اطلع عليه الآخرون، ربما انغلق عليك أمر علِمه غيرك، (وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:85].
أيّها الطبيب المسلم، لقد استغلّ أعداء الإسلام مهنةَ الطبِّ في الدعوة إلى الضلال وإخراج الناس من دينهم بما يظهرونه من رِقّة ولُطف ورحمةٍ بالمريض، فحرّي بك ـ أيّها الطبيب المسلم ـ أن تكون سبَّاقًا لهذه الأمور، ليكن معك حِلمٌ ورفق ولُطف بالمريض، لا يكن مرضُه سببًا لازدرائه، ولا بلاؤه سببًا لاحتقاره، فما جاء المرض إلا لتطهيره ورفع درجاته، والله حكيم عليم.
أيّها الطبيب المسلم، غَضُّ البصر وتحصينُ الفرج والبعد عن رذائل الأمور من الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها الطبيب المسلم كما يتحلّى بها الكلّ، لكن الطبيب المسلم في هذه المواقف فليراقب الله في أقواله وأعماله وتصرّفاته.
أيّها الطبيب المسلم، نبيّنا يقول: "إنّ الله يحب الفأل"[5]، فكن ذا خلُق حسَن، وارفق بالمريض، وارعَ له مرضَه، وتلطَّف به، وإياك أن تضجر من سوء أخلاقِه وقلّة صبره، فلِصاحبِ الحقِّ مقال.
أيّها الطبيب المسلم، إنّ ما ابتُلي به الناس من اختلاطِ الجنسين في أماكنِ التمريض والعلاج لهو خطر عظيمٌ وشرّ مستطير، والمسلمون بإمكانهم عملُ الطبّ، وبإمكانهم تخصيص [مكان] للنساء دون الرجال، وبإمكانهم فصلُ الجنسين بعضهما عن بعض، وذاك أمرٌ إذا صدقت النيّة فيه وحسن القصد فإنّ الأمة توفَّق للخير.
أيّها الطبيب المسلم، إياك وأن تكونَ مهنتُك سببًا للتكبُّر والعلوّ على الناس، فمن تكبَّر أو تعالى بمهنته وضعه الله، واعلم أنَّ المعاصيَ سببٌ يُغلِق أمامَ الإنسان التزوُّد من المعلومات، ورُبَّ معصية له تُفقِده قوَّةَ فكرَه وتدبيره، فطاعة الله سببُ الازدياد من كلّ خير، ومعاصي الله سببٌ لضعف البصيرة وقلَّةِ الإنتاج. فعلى الطبيب المسلم تقوَى الله في مِهَنه كلِّها ليكون من الصادقين، وليؤدِّ هذه الوظيفةَ أداءً كاملاً بإخلاص، وليجعل ذلك عبادةً لله، فإنّ الله جلّ وعلا يثيب العبدَ على نواياه الصالحة، فقد يبلغ العبدُ بنيته المبلغ العظيمَ، فمن أحسنَ قصدَه ونيته فليبشر من الله بالثواب والعطاء الجزيل.
أيّها الطبيب المسلم، إنَّ كلَّ طبيب تطبَّب وهو لا يحسِن الطبَّ ولا يفهمه يكونُ من الآثمين، ويكون إثمُ ما جَنت يداه عليه يومَ القيامة.
أيّها المسلم، إنَّ الطبَّ مع كونه مهنةً ومع كونه مكسبًا لبعض الناس فيجب أن تكونَ مكاسبه مكاسبَ واقعية لا استغلالاً للمريض، واستغلالاً لضعفه، فيؤخذ منه أضعافُ أضعاف ما يأخذه الآخرون، فلنتق الله في تعاملنا.
إنَّ المستشفياتِ الخاصّة والعيادات الخاصة يكون أحيانًا منها استغلالٌ للمرضى، وتكليفهم ما لا يطيقون، وتحميلهم من النفقات ما لا استطاعةَ لهم ولا قدرةَ لهم بتحمُّله، ولو بحثوا في أيّ مكان لكان ما يأخذونه أضعاف أضعافِ ما أخذه غيرهم.
وأمرٌ آخر أنّ هذه المستوصفات الخاصّة يجب على أهلها تقوى الله، وأن يختاروا لمهنة الطبِّ من يثقون بعلمه في الغالب، ويغلب على الظنّ أهليته وصدقُه وقدرته على ذلك العمل، ليكون الهمّ فحص ما يعيّنونه في تلك المستشفيات والمستوصفات، حتى لا تكون أرواحُ الأمّة ضحايًا لأخطائهم وتصرّفاتهم من قرب أو من بُعد، فليس الهمّ المكاسب، ولكن يجب أن يكن الهمّ النفع العامّ، هذا واجب المسلمين.
أيّها المسلم، إذا ابتُليتَ بالمرض فاصبر، والجأ إلى الله، واعلَم أنّ الأسبابَ كلَّها لا تؤثّر إلا بإرادة الله، فمع تعاطيك للأسبابِ فلتكن ثقتك بالله، ورجاؤك في الله، وأملُك معلَّقًا بالله، وتعلم أنَّ الأمرَ بيد الله، قال الخليل عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]، فالشفاءُ بيد الله، والأسباب التي نتعاطاها إنما هي أسبابٌ خاضعة لإرادة الله جلّ وعلا، لكن يكون متعلّقنا بالله، وثقتنا بالله، وآمالنا في الله.
احذَر ـ أيها المريض ـ أن تكونَ في شدّتك مطيعًا، وفي رخائك عاصيًا متمرِّدًا، وأعظمُ من ذلك من يعصي الله في شدَّته ورخائه، يقول نبيّكم : "تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة"[6]. أكثِر من ذكر الله والثناء عليه، واعلم أنه أرحم بك من نفسك، ابتلاك ليطهِّرك من الخطايا، ابتلاك ليرفعَ درجاتِك، ابتلاك لتكون مقبِلاً عليه منيبًا إليه راجعًا إليه عالمًا أن النفعَ والضرَّ بيده، (وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ) [الأنعام:17].
فيا أيّها المسلم، اتَّق الله في كلِّ أحوالك، واتَّق الله في كلّ أعمالك، وراقبِ الله في كلّ تصرفاتك، هكذا يكون المؤمن حقًّا، أسأل الله أن يوفّق الجميعَ لما يحبّه ويرضاه، إنّه على كل شيء قدير.
مأعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ) [الزمر:38].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.



__________________________

[1] أخرجه أحمد (1/185)، والترمذي في الزهد (239) ، والنسائي في الكبرى (7481)، وابن ماجه في الفتن (4023) وغيرهم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وليس فيه: "ثم الأولياء"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (2900)، والحاكم (120، 121، 5463) والضياء في المختارة (1056)، ورمز له السيوطي بالصحة، وعزاه من بين ما عزاه للبخاري، قال المناوي في الفيض (1/519): "وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس، قيل: ولم يوجد فيه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143).
[2] أخرجه الترمذي في الزهد (2396)، وابن ماجه في الفتن (4031)، والقضاعي في مسند الشهاب (1121)، والبيهقي في الشعب (9782) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (146).
[3] أخرجه البخاري في المرضى (5648، 5660، 5667)، ومسلم في البر (2571) عن ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه البخاري في الرقاق (6412) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[5] لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج أحمد (2/332)، وابن أبي شيبة (9/40)، وابن ماجه في الطب (3536) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة، وصححه ابن حبان (6121)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (284) .
[6] هذا اللفظ أخرجه أحمد (1/307)، والحاكم (3/623)، والضياء في المختارة (10/24) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه القرطبي في تفسيره (6/39) ، وأخرجه بنحوه أيضًا أحمد (1/293)، والترمذي في صفة القيامة (2516) وقال: "حديث حسن صحيح"، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصح الطرق الطريق التي أخرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2043).



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيّها المسلم، إنّك خُلِقتَ لعبادة الله، خُلقتَ لطاعة الله، وإنّ الصلوات الخمس أعظمُ فرائض الإسلام عليك بعد توحيدك وإخلاصك الدينَ لله، فالصلوات الخمسُ في اليوم والليلة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، هي عمودُ الإسلام، تجب على [المسافر كالمقيم]، وعلى الخائف كالآمن، وعلى المريض كالصحيح، لا تسقط عنك ما دام عقلُك حاضرًا.
أيّها المسلم، إذا ابتُليتَ بمرض لا سمح الله، فاعلم أنه لا بدَّ من أداء الصلاة، ولا تسقطُ عنك هذه الفريضة بشروطها ما دمت قادرًا على الأداء، وربُّك جلّ وعلا قد يسَّر لك الأمور، (يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ) [البقرة:185]، (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأغْلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف:157]، ويقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، فالحمد لله على تيسير هذه الشريعة.
أيّها المسلم، مرضُك لا يسقِط عنك الصلاةَ، ولا يُسقِط عنك الطهارةَ لها، فالطهارة للصلاةِ شرطٌ لصحة الصلاة، يقول : "لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضأ"[1]، ويقول: "لا يقبل الله صلاةً بلا طهور"[2].
إذًا أيها المريض المسلم، عندما تُبتَلى بالمرض فلا بدّ من طهارةٍ قبل الصلاة، تطهَّر بالماء، فإن عجزتَ عن الماء لمرضك بأن كان الماءُ يزيدُ المرضَ مرضًا أو يؤخّر البرء أو كان هذا الماء يؤثِّر على عضوٍ ما من الأعضاء، فتيمَّم، إمّا بدلاً عن كلّ البَدن، أو تيمَّم عن ذلك العضوِ الذي لا تستطيع أن تُمرّ الماءَ عليه، فإن كان عليه جبيرة قد لُفَّ بلفافةٍ فإن مسحَك عليها قائمٌ مقامَ غسل العضو بمنزلة الخفين.
وأمرٌ آخر أيها المسلم، لا بدّ من الطهارة، فإن عجزتَ عن استعمال الماء أو كان الماء يزيد المرضَ أو يؤخِّر البرء، فتيمّم، والتيممُ بالتراب ضربةٌ واحدة تسمَح بها وجهَك ويديك بعضها مع بعض، أو كنتَ لا تجدُ من يقرِّب لك الماء، أو ليس عندك من يخدمك ولا من يقرِّب لك الماء، فإنّ الله جلّ وعلا قد عذرك ويسَّر لك التيمّمَ ليقوم مقامَ الماء.
أيّها المريض، قد تشكو أحيانًا من نجاسةِ ملابسك ونجاسة الفراش الذي أنت عليه، فنقول: إزالة النجاسة شرطٌ لصحة الصلاة مع الإمكان، وإذا تعذَّر الأمر عليك وتعذَّر تغيير ملابسك وتعذّر تغيير فراشك واستحال ذلك عليك فإنّ الله يقول: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
أخي المسلم، إذا ابتُليتَ مثلاً بسلَس بول أو بنزيف دمٍ من بعض الجروح أو بريحٍ يتكرَّر خروجها في كلِّ الوقت، فإنك تتوضَّأ لوقتِ كلّ صلاة، وتصلّي وتقرأ حتى يأتي الوقت الآخر تيسيرًا من الله وتسهيلاً.
أيّها المسلم، اعلم أنَّ الصلاة لا بدّ من أدائها كاملةَ الأركان والواجبات، هذا هو الواجب، "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"[3]، ولكن من رحمةِ الله أنَّ المريض يسقط عنه ما يعجز عن أدائه من أركانِ الصلاة، فإن كان هذا ا لمريضُ يستطيع أن يصلّي قائمًا لكنه لا يستطيع الركوعَ فليومئ برأسه عن الركوع، لا يستطيع السجود فليومئ برأسِه عن السجود، أو يصلي على كرسيّ ونحو ذلك. إن كان هذا المريضُ لا يستطيع أن يصلِّيَ قائمًا صلّى قاعدًا، وأومأ بالركوع والسجود، يقرأ الفاتحة ثم يطأطئ رأسه كراكِع، ثم يطأطئ كساجد. إن كان لا يستطيع أن يصلّيَ جالسًا فليصلِّ وهو مستلقي، إن كان يستطيع على جنبِه الأيمن ليتَّجه إلى القبلة فالحمد لله، إن عجز عنها صلّى على حاله، يصلّي إلى جهة القبلة أو رجلاه إلى القبلة، فإن تعذّر الأمر عليه أو كان وضعُ سريره على خلاف ذلك فكلُّها تسقط عنه، ويصلّي على قدر حاله.
دخل النبيّ على رجلٍ من أصحابه وقد وضع وسادةً ليسجدَ عليها لأنّه أصيب بداء الباسور، فقال: "ما هذه الوسادَة؟" قال: أسجُد عليها، فرمَى بها، وقال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطِع فمستلقيًا"[4]، ما دام العقلُ حاضرًا فلا بدّ من أداء الصلاة، وإن عجزتَ عن أدائها كلَّ فرص [في وقته]، أو كنتَ أحيانًا تتوضَّأ لفرضٍ ولا تستطيع الوضوءَ لكلِّ فرض، جاز لك أن تجمَع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء على قدرِ ما يناسبك، إن كان التقديم أنسبَ جمعتَ تقديمًا، وإن كان التأخير أنسبَ جمعت التأخير، وكلّ هذا من تيسير الله.
وعلى أبناء المسلمين البرُّ بآبائهم وأمّهاتهم، ولا سيّما عند مرضهم وثقَلهم وقلّة حركتهم، فليتقرّبِ الأبناء إلى الله ببرّ الأبوين والإحسان إليهما عند كبرهما وضعف قوّتهما وانهيار صحتهما واحتياجهما إليك، ولتذكر أمَّك أيامَ طفولتك؛ تزيل الأذى، تغسلك بيمينها، تفعل معك أفعالاً لو عُدت ثانيًا لعرفتَ فضلَها وقدرها. وكم للأب من محاسنَ عليك. فعند مرضِ الأبوين لا ينبغي للأبناء والبناتِ التجاهل والجفاءُ والإعراض والصدود والانشغال بأي عذر ما من الأعذار، وقد لا يكون هذا العذر مقبولاً، فعليهم أن يتقرّبوا إلى الله ببرّ الأمهات والآباء في زمن المرض وضعف القوة، فذاك عين الابتلاء، فالنفوس الأبيّة والمعادنُ الطيبة لا يخفى عليها ذلك، تبرّ بالآباء والأمّهات في أثناء الكبر وشدَّة المرض وضعفِ القوة، ولا يكِلونه إلى أيّ أحد، بل يرَون ذلك شرفًا لهم وفضلاً لهم وقربّة يتقرّبون بها إلى الله.
نسأل الله أن يعافيَنا وإيّاكم في الدين والبدَن والأهل والمال، وأن يمتِّعنا بقوانا متاعًا حسَنا، إنه على كل شيء قدير.
إخوتي المسلمين، شبابَ الإسلام، فتياتَ المسلمين، أناشدكم الله، أناشدكم دينَكم وحبَّكم لله وإخلاصكم لله وطاعتكم لرسوله ، أسائلكم عمَّا قام في قلوبِكم من تعظيم أوامر لله وتعظيم نواهيه والتصديق بوعده ووعيده ورجاء جنّته والخوف من عذابه.
أيّها الشباب المسلم ذكورًا وإناثًا، لقد ابتُلي المسلمون ببلاءٍ عظيم، وأحاطت بهم شرور عظيمةٌ متتابعة، لا يخلِّصهم منها إلا رجوعُهم إلى الله وإقبالهم على الله وخوفُهم من الله. قنواتٌ فضائية شِرِّيرة، تنشر بالصورة والصوتِ منكراتٍ في العقيدة، منكرات في الأخلاق، تدعو إلى الرذيلة، وتحارب الفضيلة، ما يسمَّى بـ"الأستر كت"، هذه البرامجُ وأمثالها، هذه البرامج الهابطة، هذه البرامج الضالّة هي التي تروِّج للرذيلةِ وتدعو إلى الرذيلة وتحارب الفضيلة، ويحاول معِدُّو هذه البرامج في هذه القنوات التي بعضُها قد يحسَب على المسلمين، تروّج للباطل، لهذه الأفلام الهابطة الرخيصة التي غايتها محاربة كلّ خلُق قويم وكلّ فضيلة وكل كرامة.
فليتّقِ المسلمون ربهم، وليحذَروا مشاهدةَ هذه الأفلام، وليربَؤوا بأنفسهم عنها، فإنها سمومٌ قاتلة، وإنها فسادٌ عظيم، فليتَّقوا الله في أنفسهم وفي أبنائهم وبناتهم، وليعلَموا أنَّ النظرَ إليها جريمة؛ لأنها دعوةٌ إلى الرذائل وترويجٌ للفساد.
فليتَّق الله المسلمون في أنفسهم، وليعلَموا أنّ مشاهدتها والتعاملَ معها وإعانتها أو العمَل فيها أمر يخالف شرعَ الله؛ لأن الله يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، (لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون) [المائدة:78، 79]، قال رسول الله : "كلاَّ، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر ولتأخُذنَّ على يدِ السفيه، أو ليضربنَّ الله قلوبَ بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم"[5].
فليحذر المسلمون مشاهدةَ هذه الأفلام الخليعة، ليبتعِدوا عنها ديانةً لله ومحافظةً على قيَمهم وأخلاقهم، محافظةً على دينهم قبلَ أن تزلّ القدم، فإنّ هذه البرامج ضارة، أعدَّها أعداءُ الإسلام الذين يحاربون المسلمين بكلّ وسيلة، في عقيدتهم وفي فِكرهم وفي أخلاقهم وفي اقتصادهِم وفي سلوكهم، يحاربون هذا الدينَ بقَدر ما يستطيعون، فليكُن للمسلمين موقفٌ بالبعدِ عنها وعدَم التعامل [معها وعدم] مشاهدتها واعتقاد ضررها وفسادها. وإنَّ السعيَ فيها والمكاسبَ من خلالها مكاسبُ خبيثة، مكاسبُ سيئة، فليحذر المسلمون أن يكونوا أعوانًا على الباطل.
أسأل الله أن يثبِّتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
___________________

[1] أخرجه البخاري في الوضوء (135)، ومسلم في الطهارة (225) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه مسلم في الطهارة (224) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[3] أخرجه البخاري في الأذان (631) عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الجمعة (1117) عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وليس فيه: "فإن لم تستطع فمستلقيا".
[5] أخرجه أحمد (1/391)، وأبو داود في الملاحم (4336)، والترمذي في التفسير (3047)، وابن ماجه في الفتن (4006) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه نحوه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وقد اختلف في إرساله ووصله، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1105) .

أبو البراء
09-02-2012, 05:31 PM
:bism:
:icon_sa1: ،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( أم سلمى ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

أسامي عابرة
09-02-2012, 07:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكم بارك الله ...

شكر الله لكم مروركم الكريم وحسن قولكم

أحسن الله إليكم ووفقكم لكل خير

في رعاية الله وحفظه

أبو البراء
10-02-2012, 01:49 PM
:bism:
:icon_sa1: ،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( أم سلمى ) ، وأحسن الله إليكم في الدارين ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0