المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضـــل التســــتر"للشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني


أحمد سالم ,
16-05-2011, 08:24 AM
فضـــل التســــتر

ستر المرء عورته مطلب خلقي عظيم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يستر عورته، بل كان يجعله من دعائه بالصباح والمساء لايدعه أبدا، كما روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه يقول: » لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)).
وملازمة المرأة الستر دليل على الحياء، والحياء خلق عظيم، لأنه من شعب الإيمان، ولذلك فإنهما يردان_أي الستر والحياء_مجتمعين، فقد روى أبو داود_وصححه الألباني_عن يعلَى رضي الله عنه((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبَراز بلاإزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حيِي ستِّير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر“، ولهذا روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: » إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لايُرى من جلده شيء استحياء منه، فأذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: مايستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده،إما برص، وإما أدرة، وإما آفة! وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول:ثوبي حجرُ! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملاء من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ماخلق الله وأبرأه مما يقولون، وفام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله! إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ” [الأحزاب:69] »، فلتتأمل المؤمنة اجتماع الحياء مع الستر كي تكون من أهل الحياء والستر، والله الموفق.
والرجل الحيي تحبه الملائكة وتستحي منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كاشفا عن بعض جسده الشريف فلما دخل عليه عثمان رضي الله عنه ستره، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك قال: » ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! » رواه البخاري ومسلم، وهذه منقبة عظيمة لهذا الرجل العظيم، حصّل عليها لما اكتسى بخلق الحياء وحب التستر، فأي امرأة لاتحب أن تحصّل على استحياء الملائكة منها؟!
وإذا كانت الملائكة تحب الحياء فإن الشيطان على العكس من ذلك، قال الله تعالى: » يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ” [الأعراف:27]، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي:((وبهذا تعرفون أن كشف العورة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي، وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم، ولم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة وإبداء السوأة حتى بلغ غايته من ذلك,,, وله مع ذلك قصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة)).
ولايخفى على أحد أن الشيء النفيس مطلوب، والشيء المطلوب يصان عن أيدي الناس لئلا يمتهن، والمرأة هي كذاك الشيء النفيس، فهي درّة يجب أن تحفظ، وإذا رأيت الناس لايعبأون بحفظها فاعلم أنهم لا يعرفون قيمتها أو أنهم يدركون ضعفها العقلي مع عدم تمسكها أمام الشهوات فيرغبون في استغلالها بعرضها بكامل زينتها هنا وهناك، والتستر الذي جعله الله للمرأة نوعان: تستر بالثياب كما مر، وتستر بالبيوت، كما قال الله تعالى: » وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ” [الأحزاب:33]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: »لاتمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن” رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح، ولذلك يجمع الله بين نعمتي الستر بالبيوت والستر بالثياب في الموضع الواحد من كتابه كما في الآية السابقة، فقدأمر الله النساء بالقرار في البيوت كما نهاهن عن التبرج، وهذا الوصف الأخير يطلق على المرأة الخرّاجة الولاّجة كما يطلق على ذات اللباس المتبرج كما يأتي، وأمرُه هذا لهن من نعم الله على المرأة، حيث يسترها في بيتها كالملكة ويؤمر الرجل بأن يكدح خارج بيته ليوفر لها حاجتها، ويسترها في ثيابها سترا تاما إثباتا لنفاستها وحفظا لكرامتها.
وقد رغّب الله عز وجل النساء في المحافظة على الحجاب الكامل ولو كن معذورات بكبر سن وعدم رغبة الرجال فيهن عادة، فقال: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” [النور::60].
وقد ضرب نساء السلف المُثُل العليا في الحياء والمبالغة في التستر، فمن تطبيقات الصالحات من النساء القواعد للآية السابقة وحسن استجابتهن لله عز وجل فيها المحافظة على جلابيبهن كاملة من أن الله رخص لهن في وضعها كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه أبو داود عنه بإسناد حسن، قال عاصم الأحْول:((كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقبت به،فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ” هو الجلباب، قال فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: »وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ”، فتقول: هو إثبات الجلباب)) أخرجه البيهقي(93/7) وهو صحيح.
وإذا تقدمتَ إلى الطبقة العليا من النساء رأيت عجبا، فقد كانت الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها تدخل بيتها الذي دفن فيه زوجها صلى الله عليه وسلم وأبوها رضي الله عنه، فلما دفن عمر رضي الله عنها بجنبهما امتنعت من دخول بيتها إلا وهي مستورة، روى أحمد والحاكم بإسناد صحيح عنها رضي الله عنها قالت:: » كنت أدخل بيت يالذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، وأضع ثوبي وأقول:إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم_فوالله!_مادخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه))،وهذا الخلق قمة في الحياء كما ترى! وليس في هذا تنطع أو غلو ومعاذ الله أن يتجرأ مسلم على مقام أمهات المؤمنين، وإنما هي النفس المؤمنة التي نبتت على الفضائل لا تطاوع صاحبها على فعل المباح فكيف بمواقعة الرذائل؟!
وسبب هذا هو أن تعويد البنت على الحياء يحييها على خلق العفاف في كل حال، قد كانت الطيبة الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدة الهم لكيفية تكفينها خشية أن يكون وضع الكفن وحده على جسدها سببا في تحجيم جسمها على الرغم من أن ذلك لايكون إلا بعد الموت وليس يضر الشاة سلخها بعد موتها كما قيل، ولم تهدأ إلا حين أٌخبِرت بأنه يمكن أن يجعل تحت الكفن شيء يمنع لصوقه بجسدها، روى البيهقي وأبو نعيم عن أم جعفر أن فاطمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:(( يا أسماء! إني قد استقبحت مايصنع بالنساء أن يطرح على المرأة ثوب فيصفها، فقالت أسماء: ياابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة:ماأحسن هذا وأجمله! تُعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما))، هذه صيانتها لعرضها بعد الموت فكيف وهي حية؟! إنها لحياة الوجه بماء الحياء يسقيه الإيمان بوابله، قال الشيخ الألباني في ((الجلباب)):((فانظر إلى فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلاشك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر الاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن، ثم ليستغفرن الله تعالى ولتبين إليه وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم:((الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) رواه الحاكم وصححه الذهبي والألباني.
وقد كانت المرأة وهي مريضة يأتيها الصرع حتى تسقط وتتكشف، وكان من قوة إيمانها وحرصها على عفتها أن لم يبق لها من هم سوى ألاّ تتكشف، مع أنها غير محاسبة على ذلك والقلم عنها مرفوع، ولذلك كانت توصف بأنها امرأة من أهل الجنة، روى البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما:(( ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلى، قال:هذه المرأة السوداء أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، قال:((إن شئت صبرت ولك الجنة،وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت:أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لاأتكشف، فدعا لها))، فرضيت في سبيل الله بالصبر على مرضها الذي يؤذيها لحد الصرع، ولم ترض بالتكشف، لأن المرأة الصالحة حريصة على الستر، فأين أولئك النساء الائي يعرضن مفاتنهن على الصحف والمجلات والإعلانات وغيرها ويبعنها بدريهمات معدودات لأيام معدودات يعشنها ثم بعدها النار وبئس القرار؟!
ومن مبالغات الصالحات في الستر مارواه البخاري بإسناده عن الزهري قال:(( أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت:((استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من اليل وهو يقول : لاإله إلا الله! ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟! ماذا أنزل من الخزائن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها))، فكانت رحمها الله تبالغ في ستر أصابع يدها خوفا من الوعيد الوارد في الحديث بشأن العاريات، وقال مجاهد رحمه الله:(( كانت المرأة من النساء الأولى تتخذ لكُمِّ درعها أزرارا تجعله في إصبعها تغطي به الخاتم)) رواه أبو يعلى بإسناد صححه الأالباني في ((جلباب المرأة المسلمة))

منقول من رسالة "العجب العجاب في أشكال الحجاب”