المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصدق في الطاعة"للشيخ عبد الملك رمضاني "


أحمد سالم ,
10-05-2011, 10:05 PM
الصدق في الطاعة

قد يبدو النّاس كثيرين في طاعة الله، خاصة عند أول الحماسة، وإذا حقّت الحقائق وابتلي المؤمنون تميّز النفيس من الخسيس، وبان من هو على الطاعة حريص ممن هو في الصف دسيس، وكم هم الذين استعاروا ثوب السلفية، فإذا رأوا من المهرّجين الضعفاء من يحكي صولة الأسد، جاؤوه هرعين قد نفضوا أيديهم من التصفية والتربية، وحدثاء الأسنان في غرّة شبابهم يُوعَدُون ويُمَنَّوْن زورا، {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً**.
وحرف المسألة: في الصدق، و تالله ما أُتِيت الحركات الإسلامية اليوم إلا من جهة عدم صدق معظمها في إظهار الطاعة وحب التحاكم إلى الكتاب والسنة؛ ألا ترى أنهم يؤمرون من قبل علماء السلفية بالصبر والتحمل وعدم استعداء الأعداء عليهم بالتّهييج السياسي وتتلى عليهم الآيات البيّنات والأحاديث الصحيحات فيأبون إلا تحكيم عواطفهم؟! كما فعل أشياعهم من قبل؛ محتجّين بشمولية الإسلام لكل جوانب الحياة، مع أنهم ـ في حقيقة أمرهم ـ قد حصروا الإسلام في دائرة الحكم، وإذا وصلوا إلى الحكم فلا إسلام! ومحتجين بأنّ الجهاد بالسيف من الدين، غاضّين الطرف عن أننا مطالبون باتباع أحسن ما أنزل من الدين، وليس في ذلك اتباع لمسلك الذين جعلوا القرآن عضين، أليس من تنزيل رب العالمين قوله: {واتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ**؟! وقوله: {الَّذِين يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُلُو الأَلْبَابِ**؟! وقوله: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا**.
والقتال إذا لم يَحِن وقته فليس أحسن ما أُنزل وإن كان مما أُنزل ولا شك، ولهذا حذّر الله تعالى الفئة المؤمنة الأولى من استعجال القتال فقال: {ويَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ**، ثم نبّه على أنّ مشكلة المستعجلين في تنكّبهم الطاعة الحاضرة فقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ**، ثم نبّه على أن حرف المشكلة في الصدق، فقال سبحانه: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُم**؛ لأنه أَثبت للمرء على الحق، ولذلك قال الله تعالى: {وبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ**.
وسر إضافة القَدَم إلى الصدق أمران:
الأول: أنّه دليل على الثبات، إذ يعبَّر عنه بثبات القدم؛ لأنّه لا يثبت إلا قائم على قدميه.
الثاني: أنّه دليل على السير الحثيث إلى الله من غير التفات إلى المعوقات؛ لأنّ السير لا يكون إلا بالقدم، كما يعبَّر عن النعمة باليد؛ لأنها المعطية وعن الثناء باللسان
فدلَّ هذا كله على أن الثبات على الدين والسبق إلى ربِّ العالمين إنما هما بالصدق في الطاعة
فعاد الأمر حينئذ إلى القلب؛ لأنه وعاء الصدق، قال ابن القيم عند قوله تعالى: {واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ**: " وفي الآية قول آخر أن المعنى أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيةٌ؛ فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواقدي عن قتادة، وكان هذا أنسب بالسياق؛ لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب؛ فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه، وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه ".
روى أبو داود وأحمد بإسناد صحيح عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت؟ قال: اشترطت على النبيّ e أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبيّ (ص) بعد ذلك يقول: » سيتصدّقون ويجاهدون إذا أسلموا «\ " قلت: فتأمّل سياسة رسول الله e مع قوم ظهر صدقهم من إخبارهم بتقصيرهم وعدم الغشّ في بيعة الإسلام والطاعة، فلا عجب أن يحسن إسلامهم، وأن يثبّتهم الله مع أبي بكر الصديق في حروب الردّة حين قلّ النصير، واشتد من الحبيب النكير، وأعجب منه ما رُوي عن المغيرة بن شعبة t أنه قال: " فدخلوا في الإسلام، فلا أعلم قوماً من العرب بني أَب ولا قبيلة كانوا أصح إسلاماً ولا أبعد أن يوجد فيهم غشٌّ لله ولكتابه
منهم "
ولهذا كله يظهر لك سر في كتاب الله، حيث أنّ الله تعالى في كل آيات الباب ينبّه عقبها على الصدق في الطاعة بعد آيات الطاعة.
ففي آية النساء عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ..**، بيّن الله تعالى بعدها الطاعة فقال:{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ومَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً**، ثم حذّر من عدم الصدق فيها بما أخبر عن المنافقين فقال: {ويَقُولُونُ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ**.
وفي آية سورة محمد (ص) بيّن الطاعة بقوله: {طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ**، ثم بيّن الصدق فيها فقال: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خُيْراً لَهُمْ**.
وفي الآية الأخرى من سورة النساء بيّن الله الطاعة بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ**، ثم بيّن فضل الصدق فيها فقال: {ومَن يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئكَ رَفِيقاً**، وإنما جعلته على معنى الصدق، لأن الصدق في الطاعة تابع للصّدق في المحبة، كما روى الطبراني في (( الصغير )) بسند قوي لشواهده عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبيّ e فقال: يا رسول الله! إنّك لأحب إليّ من نفسي، وإنك لأحب إليّ من أهلي ومالي، وأحب إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظرَ إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعتَ مع النّبيّين، وإنّي إذا دخلت الجنة خشيت ألاّ أراك، فلم يردّ عليه النبيّ (ص) شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ** الآية ".
قلت: بأيّ شيء صاروا لهؤلاء المنعَم عليهم رفيقا وهم أضعف منهم إيمانا؟.
الجواب: بالحبّ الصادق الذي في قلوبهم، فعن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحبّ قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال: (( المرء مع من أحبّ )) متفق عليه، وقد قيل:
تعصي الإلهَ وأنت تُظْهِر حبَّه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقا لأطعتـه إنّ المحبّ لمـن يـحبّ مطـيع

منقول من كتاب
مدارك النَّظر في السّياسة
بين التطبيقات الشّرعية والانفعالات الحَمَاسية

عبد الغني رضا
13-05-2011, 12:15 AM
بارك الله فيكم