المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يا أيها الغافل عن نفسه المغرور بما هو فيه من شواطئ هذه الدنيا المشرفة على الزوال !!!


قندهار
10-07-2005, 05:38 AM
يا أيها الغافل عن نفسه المغرور بما هو فيه من شواطئ هذه الدنيا المشرفة على الانقضاء والزوال؛ دع التفكر فيما أنت مرتحل عنه واصرف الفكر إلى موردك فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع إذ قيل: " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً " فأنت من الورود على يقين ومن النجاة في شك، فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد فعساك تستعد للنجاة منه، وتأمل في حال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا، فبينما هم في كربها وأهوالها وقوفاً ينتظرون حقيقة أنبائها وتشفيع شفعائها إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب، وأطلت عليهم نار ذات لهب، وسمعوا لها زفيراً وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ والغضب، فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب وجثت الأمم على الركب حتى أشفق البرءاء من سوء المنقلب، وخرج المنادي من الزبانية قائلاً: أين فلان بن فلان المسوف نفسه في الدنيا بطول الأمل المضيع عمره في سوء العمل؟ فيبادرونه بمقامع حديد ويستقبلونه بعظائم التهديد ويسوقونه إلى العذاب الشديد، وينكسونه في قعر الجحيم ويقولون له: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " فأسكنوا داراً ضيقة الأرجاء مظلمة المسالك مبهمة المهالك، يخلد فيها الأسير ويوقد فيها السعير، شرابهم فيها الحميم ومستقرهم الجحيم، الزبانية تقمعهم والهاوية تجمعهم، أمانيهم فيها الهلاك وما لهم منها فكاك، قد شدت أقدامهم إلى النواصي واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، ينادون من أكنافها ويصيحون في نواحيها وأطرافها: يا مالك قد حق علينا الوعيد يا مالك قد أثقلنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود، فتقول الزبانية: هيهات لات حين أمان! ولا خروج لكم من دار الهوان فاخسؤوا فيها ولا تكلمون، ولو أخرجتم منها لكنتم إلى ما نهيتم عنه تعودون فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ولا ينجيهم الندم ولا يغنيهم الأسف، بل يكبون على وجوههم مغلولين، النار من فوقهم والنار من تحتهم والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم، فهم غرقى في النار طعامهم نار وشرابهم نار ولباسهم نار ومهادهم نار، فهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران وضرب المقامع وثقل السلاسل، فهم يتجلجلون في مضايقها ويتحطمون في دركاتها ويضطربون بين غواشيها، تغلى بهم النار كغلي القدور ويهتفون بالويل والعويل، ومهما دعوا بالثبور صب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد تهشم بها جباههم فيتفجر الصديد من أفواههم وتنقطع من العطش أكبادهم، وتسيل على الخدود أحداقهم ويسقط من الوجنات لحومها ويتمعط من الأطراف شعورها بل جلودها، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها، قد عريت من اللحم والعظم فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب وهي تنش في لفح تلك النيران، وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون! فكيف بك لو نظرت إليهم وقد سوّدت وجوههم أشد سواداً من الحميم، وأعميت أبصارهم، وأبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم، وجدعت آذانهم ومزقت جلودهم، وغلت أيديهم إلى أعناقهم، وجمع بين نواصيهم وأقدامهم. وهم يمشون على النار بوجوههم ويطأون حسك الحديد بأحداقهم، فلهيب النار سار في بواطن أجزائها وحيات الهاوية وعقاربها متشبثة بظواهر أعضائهم، هذا بعض جملة أحوالهم، وانظر الآن في تفصيل أهوالهم وتفكر أيضاً في أودية جهنم وشعابها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في جهنم سبعين ألف واد في كل واد سبعين ألف شعب في كل شعب سبعون ألف ثعبان وسبعون ألف عقرب لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يوقع ذلك كله، وقال علي كرم الله وجهه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعوذوا بالله من جب الحزن - أو وادي الحزن " قيل: يا رسول الله وما وادي - أو جب - الحزن؟ قال: " واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة أعده الله تعالى للقراء المرائين" فهذه سعة جهنم وانشعاب أوديتها وهي بحسب عدد أودية الدنيا وشهواتها، وعدد أبوابها بعدد الأعضاء السبعة التي بها يعصي العبد بعضها فوق بعض، الأعلى: جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السير ثم الجحيم ثم الهاوية، فانظر الآن في عمق الهاوية فإنه لا حد لعمقها كما لا حد لعمق شهوات الدنيا، فكما لا ينتهي أرب من الدنيا إلا إلى أرب عظيم منه فلا تنتهي هاوية من جهنم إلا إلى هاوية أعمق منها.
قال أبو هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين عاماً الآن انتهى إلى قعرها".
ثم انظر إلى تفاوت الدركات فإن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، فكما أن إكباب الناس على الدنيا يتفاوت فمن منهمك مستكثر كالغريق فيها، ومن خائض فيها إلى حد محدود، فكذلك تناول النار لهم متفاوت فإن الله لا يظلم مثقال ذرة، فلا تترادف أنواع العذاب على كل من في النار كيفما كان، بل لكل واحد حد معلوم على قدر عصيانه وذنبه، إلا أن أقلهم عذاباً لو عرضت عليه الدنيا بحذافير لافتدى بها من شدة ما هو فيه ما هو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى أهل النار عذاباً يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه". فانظر الآن إلى من خفف عليه واعتبر بمن شدد عليه. ومهما تشككت في شدة عذاب النار فقرب إصبعك من النار وقس ذلك به. ثم اعلم أنك أخطأ في القياس فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم، ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب جهنم بها وهيهات! لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار لخاضوها طائعين هرباً مما هم فيه، وعن هذا عبر في بعض الأخبار حيث قيل: " إن نار الدنيا غسلت بسبعين ماء من مياه الرحمة حتى أطاقها أهل الدنيا" بل صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة نار جهنم فقال: " أمر الله تعالى أن يوقد على النار ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليه ألف عام حتى ابيضت ثم أوقد عليه ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة".
وقال صلى الله عليه وسلم: " اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدونه في الصيف من حرها وأشد ما تجدونه في الشتاء من زمهريرها".
وقال أنس بن مالك: يؤتى بأنعم الناس في الدنيا من الكفار فيقال: اغمسوه في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت نعيماً قط فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس ضراً في الدنيا فيقال: اغمسوه في الجنة غمسة ثم يقال له: هل رأيت ضراً قط؟ فيقول: لا ".
وقال أبو هريرة: لو كان في المسجد مائة ألف أو يزيدون ثم تنفس رجل من أهل النار لماتوا. وقد قال بعض العلماء في قوله " تلفح وجوههم النار " إنها لفحتهم لفحة واحدة فما أبقت لحماً على عظم إلا ألقته عند أعقابهم.
ثم انظر بعد هذا في نتن الصديد الذي يسيل من أبدانهم حتى يغرقون فيه وهو الغساق: قال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن دلواً من غساق جهنم ألقى في الدنيا لأنتن أهل الأرض" فهذا شرابهم إذا استغاثوا من العطش فيسقى أحرهم من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو ميت وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً.
ثم انظر إلى طعامهم وهو الزقوم كما قال الله تعالى: " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم " وقال تعالى: " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنه لآكلون منا فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " وقال تعالى: " تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية " وقال تعالى: " إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذابه أليماً ، وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا أفسدت على أهل الدنيا معايشهم" فكيف من يكون طعامه ذلك؟.
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارغبوا فيما رغبكم الله واحذروا وخافوا ما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم، فإنه لو كانت قطرة من الجنة معكم في دنياكم التي أنتم فيها طيبتها لكم، ولو كانت قطرة من النار معكم في دنياكم التي أنتم فيها خبثتها عليكم".
وقال أبو الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ويستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة، فيذكرون كما كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بشراب فيستغيثون بشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخل الشراب بطونهم قطع ما في بطونهم فيقولون ادعوا خزنة جهنم " قال: " فيدعون خزنة جهنم " أن ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب فيقولون أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبيت قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " قال: " فيقولون ادعوا مالكاً فيدعون فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك " قال: " فيجيبهم إنكم ماكثون".
قال الأعمش: أنبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام قال: فيقولون ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " قال: فيجيبهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك أخذوا في الزفير والحسرة والويل.
وقال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه " قال: " يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدني منه شوي وجهه فوقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " يقول الله تعالى: " وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم " وقال تعالى: " وإن يستغيثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه " فهذه طعامهم وشرابهم عند جوعهم وعطشهم".
فانظر الآن إلى حيات جهنم وعقاربها وإلى شدة سمومها وعظم أشخاصها وفظاظة منظرها وقد سلطت على أهلها وأغريت بهم، فهي لا تفتر عن النهش واللدغ ساعة واحدة! قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زييبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهازمه - يعني أشداقه - فيقول أنا مالك أنا كنزك " ثم تلا قوله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ... الآية".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن في النار لحيات مثل أعناق البخت يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً، وإن فيها لعقارب كالبغال الموكفة يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً وهذه الحيات والعقارب إنما تسلط على من سلط عليه فيالدنيا البخل وإيذاء الناس ومن وقي ذلك وقي هذه الحيات فلم تمثل له". ثم تفكر بعد هذا كله في تعظيم أجسام أهل النار فإن الله تعالى يزيد في أجسامهم طولاً وعرضاً حتى يتزايد عذابهم بسببه، فيحسون بلفح النار ولدغ العقارب والحيات من جميع أجزائها دفعة واحدة على التوالي ".
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر في النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفته السفلى ساقطة على صدره والعليا فالصة قد غطت وجهه".
وقال عليه السلام: " إن الكافر ليجر لسانه في سجين يوم القيامة يتواطوه الناس". ومع عظم الأجسام كذلك تحرقهم النار مرات فتجدد جلودهم ولحومهم.
قال الحسن في قوله تعالى: " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها " قال: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا.
ثم تفكر الآن في بكاء أهل النار وشهيقهم ودعائهم بالويل والثبور، فإن ذلك يسلط عليهم في أول إلقائهم في النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرسل على أهل النار البكاء فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يرى في وجوههم كهيئة الأخدود لو أرسلت فيها السفن لجرت وما دام يؤذن لهم في البكاء والشهيق والزفير والدعوة بالويل والثبور فلهم فيه مستروح ولكنهم يمنعون أيضاً من ذلك".
قال محمد بن كعب: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً يقولون " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل " فيقول الله تعالى مجيباً لهم " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " ثم يقولون: " ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل " فيجيبهم الله تعالى: " أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " فيقولون: " ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل به " فيجيبهم الله تعالى: " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " ثم يقولون: "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " فيجيبهم الله تعالى: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فلا يتكلمون بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب. قال مالك بن أنس رضي الله عنه: قال زيد بن أسلم في قوله تعالى: " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " قال: صبروا مائة سنة ثم جزعوا مائة سنة ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا: " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت".
وعن الحسن قال: يخرج من النار رجل بعد ألف عام وليتني كنت ذلك الرجل.
ورؤي الحسن رضي الله عنه جالساً في زاوية وهو يبكي فقيل له: لم تبكي؟ فقال: أخشى أن يطرحني في النار ولا يبالي.
فهذه أصناف عذاب جهنم على الجملة، وتفصيل عمومها وأجزائها ومحنها وحسرتها لا نهاية له، فأعظم الأمور عليهم مع ما يلاقونه من شدة العذاب حسرة فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله تعالى وفوت رضاه، مع علمهم بأنهم باعوا كل ذلك بثمن بخس دراهم معدودة؛ إذ لم يبيعوا ذلك إلا بشهوات حقيرة في الدنيا أياماً قصيرة وكانت غير صافية، بل كانت مكدرة منغصة فيقولون في أنفسهم واحسرتاه كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا! وكيف لم نكلف أنفسنا الصبر أياماً قلائل ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنا أيامه وبقينا الآن في جوار رب العالمين متنعمين بالرضا والرضوان؟ فيا لحسرة هؤلاء وقد فاتهم وبلوا بما بلوا به ولم يبق معهم شيء من نعيم الدنيا ولذاتها، ثم إنهم لو لم يشاهدوا نعيم الجنة لن تعظم حسرتها لكنها تعرض عليهم. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها، فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا، فيقول الله تعالى: ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراؤون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتكم من الثواب المقيم".
وقال أحمد بن حرب: إن أحدنا يؤثر الظل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار.
وقال عيسى عليه السلام: كم من جسد صحيح ووجه صبيح ولسان فصيح غدا بين أطباق النار يصيح.
وقال داود: إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف صبري على حر نارك؟ ولا صبر لي على صوت رحمتك فكيف على صوت عذابك؟
فانظر يا مسكين في هذه الأهوال واعلم أن الله تعالى خلق النار بأهوالها وخلق أهلاً لا يزيدون ولا ينقصون وأن هذا أمر قد قضي وفرغ منه قال الله تعالى: " وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون " ولعمري الإشارة به يوم القيامة، بل في أزل ولكن أظهر يوم القيامة ما سبق به القضاء، فالعجب منك حيث تضحك وتلهو وتشتغل بمحقرات الدنيا ولست تدري أن القضاء بماذا سبق في حقك!.
فإن قلت: فليت شعري ماذا موردي وإلى ماذا مآلي ومرجعي الذي سبق به القضاء في حقي؟ فلك علامة تستأنس بها وتصدق رجاءك بسببها وهي أن تنظر إلى أحوالك وأعمالك، فإن كلاً ميسر لما خلق له، فإن كان قد يسر لك سبيل الخير فأبشر فإنك مبعد عن النار، وإن كنت لا تقصد خيراً إلا وتحيط بك العوائق فتدفعه ولا تقصد شراً إلا ويتيسر لك أسبابه فاعلم أنك مقضي عليك، فإن دلالة هذا على العاقبة كدلالة المطر عل النبات ودلالة الدخان على النار. فقد قال الله تعالى " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " فاعرض نفسك على الآيتين وقد عرفت مستقرك من الدارين والله أعلم.

أبو البراء
10-07-2005, 10:13 PM
بارك الله فيكم أخي الحبيب ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0